أفراح القبة استعادة عوالم شكسبير الخيالية

أفراح القبة استعادة عوالم شكسبير الخيالية

العدد 550 صدر بتاريخ 12مارس2018

يبدو أن رواية أفراح القبة التي كتبها نجيب محفوظ في السبعينيات ونُشرت 1980, قد تعاظم الإهتمام بها والإلتفات إليها مُتأخِراً, فكما التقطتها الدراما التليفزيونية وقدمتها العام.        الماضي  في شكل مسلسل تصدر بطولته مني زكي وإياد نصار , وجمال سليمان ، وسوسن بدر, وعدد كبير من النجوم , وقام بإعداده محمد أمين بمشاركة نشوي زايد وقام بإخراجه محمد ياسين , نجد المخرج المسرحي الشاب “بهاء الخطيب” يشارك في المهرجان العربي السنوي لأكاديمية الفنون هذا العام ....بعرض تم إعداده عن أفراح القبة ,فما سر هذا الإهتمام المفاجئ بتلك الرواية التي كُتبت قبل ما يقرب من أربعين عاماً ؟
لقد إجتمع النقاد- فيما ندر الإختلاف- علي أن نجيب محفوظ قد صاغ  أفراح القبة بشكل وطريقة إعتُبِرت متطورة جداً ومُغايرة لكل ما كتبه وقدمه من قبل, وقتما نُشرَت كما أشرنا 1980, وفيما يبدو أن دراما المسرح كانت لا تزال تداعب ذهنه وقت كتابته لأفراح القُبة , بعد أن أنهي كتابة آخر مسرحياته الثمانية القصيرة ذات الفصل الواحد –الشيطان يعظ -  عام 1979 ونشير إلي عناوين تلك المسرحيات بالمناسبة  فهي :  مشروع للمناقشة – النجاة –يميت  ويحيي – التركة – المطاردة – المُهمة – الجبل – الشيطان يعظ
ويظهر جليأ في “أفراح القبة” ذلك التأثير الذي هيمن علي وجدان “ نجيب محفوظ”, حتي أننا نجد أن المسرح كمكان , وكذلك شخصيات , الرواية , الممثلين والممثلات , ومدير المسرح ومساعده , وروح الكاتب الإيطالي”لويجي براندللو” وطريقتهالتي اشتهرت كتابته للمسرح بها  , وهي” المسرح داخل المسرح “ , كل هذه الخلطة , كانت هي مكونات “ أفراح القبة “الرواية, ومن وجهة نظري أن “ بهاء الخطيب “ مخرج أفراح القبة علي خشبة مسرح المعهد , قد إستشعر ما امتزجت به رواية محفوظ  بحالة مسرحية – إذا جازت هذه التسمية -  وروح براندللو , فالتقط ذلك , ومؤكد أنه قد شاركه في ذلك الإحساس ,ثلاثي الإعداد , “آية السيد “ و” فادي نشأت”  و”محمود عبدالواحد” , وهو ما كان بمثابة مدخل ومفتاح  لمسرحة “ أفراح القبة” .
 ورغم أن العرض شابته معوقات كثيرة , يتعرض لها أي عرض في ليلته الأولي , مثله في ذلك كمثل كل العروض التي تقدم في المسابقات لليلة واحدة , معظمها تتعلق بالإضاءة  وارتباك بعض الممثلين في تنفيذ الحركة المسرحية التي رسمها لهم المخرج , والخطأ أحياناً في الإستلام والتسلم – الكيوهات – وغير ذلك من الأخطاء الشائعة التي تحدث في ليلة العرض الأولي ,ولذا فالأهم هنا الآن تخطي كل ذلك وننتقل  للحديث عن ألأساسيات ألأخري كالإعدادمثلاً , وتوفُق المخرج في اختيار كاست العرض , والآداء التمثيلي وتجسيد الشخصيات الدرامية , والبحث عن إجابة لسؤال, هل استطاع عرض أفراح القبة الوصول إلي جمهوره وتحقيق الإستمتاع بالمشاهدةالتي هي هدف وغاية أي عرض مسرحي؟ فهذا الذي نراه يجب أن يكون نصب عيني أي فريق عمل واعي وعلي رأسه مخرج العملويكون علي رأس أولويات أي عرض مسرحي . والآن بعد تلك الديباجة التي كان لابد من صياغتها نذهبمعاً إلي “ أفراح القبة “ التي عُرِضت علي خشبة مسرح معهد الفنون المسرحية , وسوف يقتصر الحديث عن العرض , متجاوزاً عقد مقارنات بينه وبين نص الرواية, فمن المفترض أننا والجمهور لمنقرأ الرواية  .
تدور “أفراح القبة “حول “عباس كرم يونس “ المؤلف المسرحي الشاب الذي يتقدم بنص من تأليفه عنوانه أفراح القبة, للسيد “سرحان” مديرالمسرح الذي تعمل به الممثلة” تحية عبده “ومساعد المدير” طارق رمضان “ الذي يحب تحية , إن النص المسرحي الذي يقدمه عباس لمدير المسرح ماهو في الحقيقة إلاّ تلك المسرحية التي نشاهد أحداثها تدور أمامنا , فبينما يقرأ المؤلف مسرحيته للمثلين في كواليس المسرح , يجري تمثيل تلك الأحداث وتجسيدها , ويكتشف هؤلاء الممثلين أن أحداث المسرحية ماهي إلا فضح للمستور في أحداث حياتهم الشخصية , فيحاول كل منهم تبرير دوافع أفعاله وسلوكياته المشينة التي صاحبت مشوار حياته , وبالتالي فهم يرفضون قبول مدير المسرح للنص الذي قصد به المؤلف فضحهم أمام الجمهور, حتي أن المؤلف يفضح نفسه شخصياً بلا أي خجل أو اكتراث , أما الوحيد الذي وافق علي النص فكان مدير المسرح الذي رأي فيه فرصة ليتطهر هو وشخصيات المسرحية من الذنوب التي ترقي إلي حد الجرائم في حق أنفسهم وحق الآخرين الذين تضرروا منها .
فهاهو عباس – المؤلف- يعترف أن أمه كانت عاهره وأبيه كان يغض وعيه بعلاقات زوجته مع الرجال من أجل المال , ويعترف عباس أيضاً بأنه قد استغفل نفسه وقبل بالزواج من تحية التي لم تخف عنه علاقاتها السابقة برجال كثيرين , سعياً وراء المال والشهرة , وينتهي العرض بقتل طارق مساعد مدير المسرح ل تحية التي أحبها بجنون ولم تكترث له وتزوجت عباس مؤلف النص .
 وكما قسّم نجيب محفوظ أفراح القبة الرواية إلي ثلاث فصول , يحمل كل فصل منها إسم شخصية من شخصياتها الرئيسة , تحكي وتسرد أفعالها وتدافع عن مبررات سقوطها , قام “ بهاء الخطيب “ مخرج العرض بتقسيم مسرحه إلي ثلاث مستويات , تبدأ بمستوي الجمهور , الذي يمثل الناس أو الحاضرين في قاعة محكمة , وهم أيضاً يمثلون المصدر والمنبع المنتج لكل أنماطه من شخصيات , والمستوي الثاني للعرض هو مستوي خشبة المسرح , حيث تدور أحداث العرض , أما المستوي الثالث هو ذلك المرتفع في عمق المسرح , حيث مكتب مدير المسرح , الذي يملك حق الموافقة علي ما يُعرض , وهو أيضاً بمثابة المطبخ الذي تنبع منه كل الشرور .
   ولم يجعل مخرج العرض هذا التقسيم الثلاثي حاداً أو قاطعاً في العرض , بل تداخلت أحداث عرضه “ أفراح القبة “ وتمازجت لتحقيق إنتاج المعاني التي تصنع مضمون العرض ورسالته ,وأراه نجح في ذلك , كما قام أيضاً بتفتيت الشخصيات الدرامية كلها بما فيها شخصية عباس المؤلف والبطل التراجيدي , وأبقي علي شخصيتين لم يفتتهما , هما شخصيتي “سرحان “ مدير المسرح , الذي يجسد الشّر الدائم  الحضور , وكذلك شخصية طارق مساعد المدير الثابت علي حبه طوال الوقت ل “ تحية “ لم يتغير ,ولست معه في عدم معاملة الشخصيتين بنفس تكنيك التقسيم لما يصيب المشاهد بارتباك في التلقي , فالمتفرج الغير متخصص قد يجد صعوبة في أمام بعض المقاصد الإخراجية التي تبدو مُلغزة , وتعترض سلاسة التلقي .
قدُمِ عرض أفراح القبة من خلال ديكور تناسب مع معادلة الإمكانيات المتاحة و ما تطلبه العرض , ولم يحمل لمساتٍ مُلفتة , وقامت بتصميمه وتصميم ملابس العرض  كل من “ منة الجنايني “ و “ شيماء علي” و أعد الموسيقي”مصطفي منصور” وأضاءة “محمود نبيل”و استعراضات “مني ابراهيم” و نفذ الإخراج”حسام حافظ”.
جسد الأدوار “ ميرنا نديم “ بحضور وخفة ظل , أما “إسراء محمد” فقد بدت رغم تمكنها من
الإمساك بالملامح الرئيسية لشخصية “حليمة” إلا بالغت كثيراً في آدائها الذي بدا غارقاً في الكلاسيكية ,ولم تفرِّق بين شخصيتيّ حليمة وأمينة كثيراً, أما مُخرج العرض “بهاء الخطيب” رغم حضوره علي المسرح , إلآ أنه قد سقطت منه أبعاد في شخصية”طارق” كان سيبدو أفضل لو أنه أمسك بها وجسدها , ونجحت “حنان عادل” في التنقل بين شخصيتي “درية وتحية” وقد اعتمدت بساطة الآداء أسلوباً مما أقنعنا باختلافها هنا وهناك , وظهر “جورج أشرف “حاضراً متمكناً في تجسيد “ كرم” الأب المنحط مدمن الأفيون الذي لا يعنييه شرف أو مبدأ , وأيضا نجح” يوسف وليد” في التنقل بين شخصيتي “ عباس واسماعيل “ واتسم آداؤه بالبساطة والتلقائية ,ويتبقي من” كاست “ التمثيل الذي جسد شخصيات عرض “ أفراح القُبة “ , “محمد الجندي”, الذي بدا ممسكاً بمهارة بكل أبعاد شخصية “ عباس “في حالاتها المتباينة , أضيف إلي مهارته ,أن الكتابة إعتنت برسم هذه الشخصية الدرامية بأبعادها وتطوراتها بشكل جيد , ونذهب ل “ علاء حور “ , الذي شاهدت له أكثر من عرض ولفت انتباهي كممثل جيد واعد , إلا أنه أضاع فرصة ثمينة في تجسيده لدور سرحان مدير المسرح ,هذا الدور- دور الشرير العصري- الغني بمناطق متعددة فيالآداء التمثيلي , ولكنه بدا فاتراً يهرب منه الإيقاع وكأنه يؤدي واجباً غير مكترث بمناطق الإبداع التمثيلي التي من الممكن أن تتفجر من  الشخصية , ولو أنه حتي استحضر في ذهنه فرسان هذه الأدوار “ استيفان روستي , عادل أدهم “, وغيرهم لربما عرف أن تلك الشخصية فرصة ذهبية لأي ممثل .
  ورغم آية سلبيات أري أنه يمكن تجاوزها بسهولة  لو أتيحت فرصة للعرض لعدة ليالي متتاية , فقد حقق عرض “ أفراح القبة “ عدة نجاحات , بدأت باختيار الرواية ومسرحتها , ورؤية إخراجية واعية .

 


رامي البكري