عبور وانتصار.. يرصد لحظة مجد في عمر الوطن

عبور وانتصار.. يرصد لحظة مجد في عمر الوطن

العدد 547 صدر بتاريخ 19فبراير2018

في حديثه عن المسرح التسجيلي يشير الدكتور حسن عطية إلى أنه مسرح “يتسم بالتوثيق الجمالي لوقائع حياتية، ومسرحة فنية لأحداث وقعت في الماضي البعيد أو القريب، يأخذ من هذه الوقائع الحياتية ارتباطها الوثيق بلحظتها الزمانية، ويأخذ من الدراما قدرتها على الخلود والتجدد من كل زمن تقدم فيه ومع كل مجتمع تخاطبه”.. ومن هذا المنطلق حاول المؤلف المخرج (محمد الخولي) أن يرصد بأدواته الفنية لحظة فارقة في عمر الوطن وشديدة الخصوصية بالنسبة للمواطن المصري بكافة ميوله واتجاهاته وطوائفه.. هذه اللحظة هي انتصار أكتوبر 1973م التي غيرت كثيرا من المفاهيم العسكرية والسياسية والاقتصادية، ليس في مصر وحدها بل في شكل العلاقات الدولية في العالم أجمع، وما أدت إليه من تغيرات أثرت على المواطن المصري على وجه التحديد.. تلك اللحظة كانت محور العمل المسرحي (عبور وانتصار) الذي تناول فترة الإعداد للمعركة راصدا الحالة الشعورية للمواطن المصري وما بها من تطلع لمحو آثار الخامس من يونيو، التي كانت بمثابة جرح غائر داخل المجتمع المصري بكافة طوائفه.
النص الذي كتبه محمد الخولي اعتمد على بساطة البناء، فهو يعتمد على خطين أساسيين؛ الخط الأول الحارة الشعبية بوصفها نموذجا لطوائف الشعب المصري (المثقف – العامل – المتشائم – الجد - الجدة – الفتاة – الصبي)، مستعرضا مشاعرهم وطموحاتهم وآمالهم في تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني من خلال قصة حب بسيطة بين الفتاة (مونيا/ وردة) وبين (محمد عبد الفتاح/ علي)، وهما من أهل الحارة البسطاء وأملهما أن يتزوجا عندما ينهي علي استدعاءه في الجيش، بعد أن يعبر القناة ويشارك في تحرير سيناء. ويتخلل قصة الحب هذه استعراض قصص أخرى تؤكد نفس المعنى. أما الخط الثاني، فهو استعراض لحقائق تاريخية على جانبي المعركة لكلتا القيادتين العسكريتين؛ المصرية والإسرائيلية، يستعرض من خلالها عملية التخطيط والخداع العسكري والسياسي الذي مهد لتلك اللحظة الخالدة في عمر الوطن.
ويتضح من الأسلوب الذي انتهجه المؤلف اهتمامه برصد الأحداث التاريخية وتقديمها بأسلوب مسرحي بسيط أجبره في أوقات كثيرة في العمل على إرسال رسائل لفظية مباشرة للمتلقي تحث على الانتماء والتضحية للوطن.. على مستوى الحدث الدرامي لأهل الحارة كان التنامي بطيئا لعدم جود صراع حقيقي لمحاولة المخرج تجسيد لحظة الانتظار والترقب التي كانت تسيطر على المجتمع في تلك اللحظة التاريخية، أما الخط الدرامي الآخر الذي يجسد التخطيط للمعركة كان أكثر تطورا على مستوى الفكرة والحدث لطبيعة المعلومات والأحداث التاريخية التي تناولها، رغم حصره مكانيا في قاعة اجتماعات لكلا المعسكرين؛ المصري والصهيوني.. ليقدم لنا النص في النهاية تسجيلا لأحداث تاريخية كانت فارقة في عمر المجتمع المصري بشكل درامي شديد البساطة ولغة سهلة تناسب المتلقي المستهدف (الطفل)، الذي قدم النص له من خلال المسرح القومي للطفل.
أما المخرج محمد الخولي، فلم تختلف رؤيته للنص بطبيعة الحال لكونه مؤلفه، فالديكور الذي صممه محيي فهمي لم يخرج عن الشكل التقليدي الوظيفي لتحديد زمن ومكان الحدث، فجاء في منظرين: الأول هو الحارة الشعبية بشكلها المتعارف عليه بتلك البانوهات التقليدية التي وظفها على جانبي االمسرح وفي العمق، لتشكل في مجموعها بعض المحلات مثل المكتبة في يمين المتفرج والمقهى الشعبي في العمق ومحل مغلق في يمين المسرح لاستكمال الشكل دون وجود وظيفة درامية له، بينما ترك بقية الفراغ المسرحي ليشكل من خلاله رؤيته الحركية لفريق العمل. أما مشاهد الإعداد للمعركة، فجاءت في منظر واحد يمثل قاعتي اجتماعات بطاولتها الشهيرة يمين ويسار المسرح تمثلان كلا الجانبي؛ المصري والصهيوني.
الملابس جاءت في حدود مقتضى الدراما؛ لذا لم يقدم محيي فهمي على مستوى الرؤية التشكيلية في العمل إلا القدر الأدنى نظرا لطبيعة العمل، وإن كان التعامل مع متلقٍ نوعي مثل الطفل كان يحتاج قدرا أكبر من الإبهار البصري الذي يعد من العوامل الهامة لجذب الطفل، وخصوصا إذا كانت المادة الدرامية المقدمة له بقصد التوعية والتعليم كما في هذا العمل.
الأشعار لإبراهيم الرفاعي وألحان وليد خلف ساهمت بقدر كبير في إضافة المتعة السمعية للمتلقي بجانب المختارات من الأغاني الوطنية الشهيرة التي تزامنت مع الفترة التاريخية التي يستعرضها العمل.
أما الاستعراضات التي صممها أشرف فؤاد، فكانت تقليدية من حيث نوعية الحركة والتشكيل، ولكنها أعطت قدرا من المتعة البصرية.
على مستوى الحركة عمد المخرج إلى محاولة صنع إيقاع سريع مشوق عن طريق التقطيع بين مشاهد الحارة ومشاهد الإعداد للمعركة، وإن جاءت مشاهد الحارة أكثر ثراء نظرا لطبيعة الإطار التشكيلي الذي حصر مشاهد التخطيط في المعركة في قاعتي اجتماعات يمين ويسار المسرح، قيدت المخرج في صنع تشكيل حركي ثري، فأصبحت مشاهد استاتيكية تعتمد على إرسال المعلومات التاريخية للمتلقي، وإن حاول المخرج إضافة متعة بصرية بمشاهد الفيديو التي عرضها على الشاشة للحظات العبور والمعركة.
الأداء التمثيلي أضاف كثيرا من المتعة والإيقاع من فريق العمل ككل، وخصوصا ناصر سيف في شخصية الجد المثقف صاحب المكتبة، ومنير مكرم بطبيعة أدائه الساخر في شخصية إبراهيم المتشائم، وزناتي حسني في شخصية المعلم صاحب المقهى، وإيمان سالم في شخصية الجدة العجوز التي قدمتها بوعي بمفردات الشخصية وطبيعة المرحلة السنية وما تحمله من صبر وأمل للحظة استرداد الكرامة والثأر.
العمل في مجمله يحمل رسالة هامة للمرحلة العمرية المقدم لها في ظل ما يعانيه هذا الجيل من غياب المواد الثقافية والفنية التي ترسخ انتمائه للوطن وغياب دور الإعلام في صنع الهوية المصرية.


طارق مرسى