أسلاك شائكة تدعو للسلام

أسلاك شائكة تدعو للسلام

العدد 547 صدر بتاريخ 19فبراير2018

خمس وأربعون دقيقة على خشبة المسرح تلخص الكثير مما يحاك حولنا في لعبة السياسة والتلاعب بعقول البسطاء الذين لا يملكون قوتهم حتى يستطيعوا امتلاك حريتهم.
على مسرح مكتبة الإسكندرية قدمت جماعة تمرد للفنون عرضها نتاج منحة مكتبة الإسكندرية للمسرح، من تأليف سامح عثمان، كيروجراف محمد ميزو، مدير تقني للعرض محمد المأموني، أداء ثمثيلي: محمد بريقع، أحمد جابر، محمد عبد الوهاب، ونادر محسن. مخرج مساعد إبراهيم النجار، سينوغرافيا وإخراج محمد الطايع.
العرض من عروض الغرفة بدأ حيث التف الجمهور في شكل ثلاثي الأضلاع فقط حول ساحة العرض التي أقامها المخرج أعلى خشبة المسرح، حيث تتكون منطقة العرض أو الأحداث من حلبة نزاع تفصلها الأسلاك الشائكة، خلف الأسلاك جنديان كل في ناحية حارسا لحدوده والقائدان اللذان يهيمنان طوال العرض على الجنديين ويقومان بمحاولة زرع الكراهية والنزاع بينهما ليقتتلا أعلى تلك الحلبة، فهما السيدان اللذان يحركان الجنديين من أعلى كعرائس خشبية ويبثان سموم الكراهية والحقد.
على جانب آخر القائدان كل منهما يحاول فك النزاع والوصول إلى حل أمثل لفض النزاع والتصالح كي ينتهي الخلاف بلا فائدة، تتعدد الحلول والتنازلات المادية والجنسية والعسكرية بلا جدوي، بينما كل منهما يحاول دفع جنديه - في إشارة للشعوب الضعيفة المستسلمة لتلاعب الحكام - لكي يقتل غريمه الآخر خلف هذا السلك الشائك ويحاولان طوال الوقت زرع الكراهية والحقد فيهما نحو الآخر، وبعد نزاع طويل بين الجنديين يكتشفان أنه لا فرق بينهما في دين ولا مبدأ كي يقتتلا، فكلاهما يعشق الحرية وغناء البلابل ويعبدان إلها واحدا ويكرهان الحرب؛ فأحدهما شاعر ويهوى الموسيقى والعزف والغناء، والثاني مصمم عرائس ويحب الموسيقى أيضا، يرقصان طويلا ويتعاهدان على الصداقة بعدما يكتشفان ألاعيب القائدين وأسلحتهما الفارغة بغير طلقات، التي من المفترض أن يدافعا بها عن نفسيهما، ساعدهما في ذلك السينوغرافيا التي صممها المخرج بكل التفاصيل التي أثرت المشهد؛ الشجرة الجافة في كل زاوية، والبلابل المغردة التي يناجيها كل جندي، والقيود التي تحاصرهما؛ حيث إنهما دائما في الأسفل، والقائدان دائما في الأعلي.
النص الذي قدمه سامح عثمان يدعو إلى السلام ونبذ العنف وأضرار التلاعب بعقول البسطاء، فالأسلاك الشائكة التي يزرعها الساسة بعقول الشعوب الضعيفة لإلهائهم في صراعات ونزاعات لا جدوى منها فقط، لينشغلوا بعيدا عن لعبة الحكم ولا يفكروا فيما يضر هؤلاء القادة، بينما في مبدأ الحكم للسيطرة على مساحات أكبر من الأراضي يقدم الحكام أية تنازلات لا يهم ماهيتها كل ما يسعون إليه هو الفائدة من جراء سيطرة أكبر وثروات أكبر حتى وإن كانت على أجساد البسطاء لأن البسطاء هم وقود الحروب والنيران دائما.
واستطاع الطايع أن يقدم عرضا سلسلا مبهجا رغم قتامة الفكرة وألم الطرح، لذا كان موفقا إلى حد كبير في رؤية طرحه للفكرة فقدم ملهاة مبهجة في تفاصيل الصراع والنقاش بين القائدين، وكذلك أداء الجنديين حتى أثناء المعارك المحتدمة بينهما، مستندا إلى تقنية الإضاءة الجيدة والمؤثرات الصوتية لمحمد المأموني التي أضافت الكثير للعرض، والرقص التعبيري البسيط الذي صممه ميزو رغم بساطته؛ إذ إن العرض لم يكن يحتمل أكثر من ذلك، وكذلك الأداء التمثيلي البارع لفريق التمثيل الذين أمتعونا بأدائهم وخفة ظلهم في الحس الكوميدي الذي كان طاغيا على القائدين أحمد جابر ومحمد بريقع وإشاراتهم المختلفة في الأداء فهم الحواة وهم السحرة وهم المحركون للقضية وإثارة الحروب والصراعات التي لا طائل منها سوى الدمار والمزيد من الدم والخراب وما البسطاء إلا عرائس ماريونت فقط في أياديهم.
عرض متماسك قام بطرح القضية بغير إسهاب أو إطالة يدعو للمحبة والسلام والتمسك بالحرية، وعدم الانسياق وراء صراعات لا طائل منها سوى الهلاك وأعمال العقول كثيرا قبل الاندفاع والانسياق وراء أفكار الغير، جرعة مكثفة كعادة محمد الطايع وسامح عثمان فشكرا لهما على متعة العرض.


عفت بركات