جولة في شارع المسرح الأمريكي جيل مسرحي أفريقي جديد

جولة في شارع المسرح الأمريكي جيل مسرحي أفريقي جديد

العدد 546 صدر بتاريخ 12فبراير2018


من الجنس اللطيف في أمريكا
مسرحيات لها أهداف كثيرة
ظاهرة مهمة تلفت أنظار نقاد المسرح ومتابعيه في الولايات المتحدة، إنها ظاهرة انتشار المسرحيات التي تؤلفها وتقوم ببطولتها فتيات من أبناء المهاجرين الأفارقة، وهذه المسرحيات تحكي عن المجتمعات التي جاء منها آباء هؤلاء الفتيات، وعادة ما تكون هذه المسرحيات غريبة ومثيرة بحيث يتخيل لمن يشاهدها أنها تتحدث عن عالم آخر، وتهدف هذه المسرحيات إلى تحقيق عدة أهداف منها ربط أبناء المهاجرين الأفارقة بالبلاد التي جاء منها آباؤهم.
وهذا ما تقوله نيجوري أنيانو(35 سنة) وهي ممثلة وكاتبة مسرحية تعتبر من الجيل الثالث حيث هاجر أجدادها مع أبيها وأمها إلى الولايات المتحدة قادمين من نيجيريا؛ حيث ولدت في نيوجيرسي، وعندما مات جداها قام أبوها بنقل جثمان كل منهما إلى نيجيريا ليدفنهما في ترابها رغم التكاليف المرتفعة، وكذلك فعلت أمها، وفعلت هي نفس الأمر عندما مات أبوها بناء على وصيته وكذلك مع أمها، وتقول أنيانو إنها فعلت ذلك احتراما لوصية أبيها رغم أنها هي نفسها غير مقتنعة بها، بل وبتقاليد الموت في نيجيريا، فالميت هناك تقام جنازة له ثم تقام احتفالات باذخة بزعم تسهيل رحلة الروح إلى العالم الآخر ثم تقام له جنازة أخرى بعد أيام.
أصل الفكرة
وأوحى لها ذلك بكتابة مسرحية “الملكة العائدة إلى الوطن” التي تناولت فيها هذا التقليد المكلف وغير العملي وليس له نظير في العرقيات الأخرى التي تعج بها الولايات المتحدة، فطالما أن الشخص هاجر إلى الولايات المتحدة واتخذها موطنا له، فلماذ لا يقبل أن يضمه ترابها عندما يحين أجله، وقد بدأ عرض المسرحية على مسرح أتلانتيك في نيويورك وهو مسرح غير تجاري يقع خارج برودواي، وتدور المسرحية حول أديبة أمريكية مولودة في نيجيريا تواجه بعض التعارض بين القيم التي ورثتها عن مسقط رأسها والقيم السائدة في المهجر الجديد وتقوم بزيارة إلى نيجيريا لتلقي أباها المريض وهو يحتضر.
ويرى ناقد النيويورك تايمز أن هذه المسرحية مجرد مؤشر أو مثال على اتجاه بدأ ينتشر في السنوات الأخيرة، وهذا الاتجاه عبارة عن ظهور فئة جديدة من الكاتبات المسرحيات اللاتي ولدن في الولايات المتحدة لآباء مهاجرين من أفريقيا ويعالجن موضوعات خاصة بحياة المهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة.
وتعد أنيانو رابع كاتبة مسرحية أفريقية أمريكية لأبوين مهاجرين من أفريقيا تعرض لها مسرحية على مسرح أتلانتيك على مدى العامين الماضيين، وكل هذه المسرحيات نالت استحسان النقاد.
وتقول واحدة أخرى من الكاتبات الأربع وهي فونيسو أودوفيا – وهي أيضا من أصول نيجيرية (33 سنة فقط) – إنها وجدت في المسرح وسيلة مناسبة لتبديد بعض المفاهيم الخاطئة التي يعتنقها الأمريكيون عن الثقافة الأفريقية التي تنتشر للأسف أيضا بين الأمريكيين السود أحفاد العبيد المجلوبين من أفريقيا منذ أكثر من قرنين وبين الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين الأفارقة إلى الولايات المتحدة، وتقول إن هذه المسرحيات تستمد جودتها ونجاحها من أنها تكتب بأقلام تعشق أفريقيا وكل ما هو أفريقي، وشهد العام الماضي عرض مسرحيتين لها هما “الزوار المؤقتون” و”بورتمانتو”، وهي تعد حاليا مجموعة مسرحيات أخرى عن حياة الأسر النيجيرية في الولايات المتحدة، وأودوفيا من مؤسسي مهرجان المسرح الأفريقي الأمريكي الذي يقام سنويا في نيويورك.
الرائدة
ويرى البعض أن الرائدة الحقيقية للمسرح النسائي الأفريقي هي داناي جوريرا وهي أمريكية من أصل زيمبابوي (39 عاما)، بل إنها ولدت في الويات المتحدة وتربت في زيمبابوي ثم عادت إلى الولايات المتحدة للالتحاق بالجامعة، وقد ظهرت باعتبارها ممثلة في فيلم “المشي ميتا”، قررت جوريرا اقتحام مجال الكتابة المسرحية بمسرحية “المحجوبة Eclipsed” التي تدور حول سيدة أفريقية تعرضت للأسر خلال الحرب الأهلية الليبيرية، وحققت نجاحا لا بأس به، وشجعها ذلك على كتابة مسرحية أخرى بعنوان “المألوف” حول حياة أسرة مهاجرة من زيمبابوي في ولاية منيسوتا، كانت تظن أنها الوحيدة التي تقتحم هذا المجال لكن أسعدها أن تقتحمه أخريات.
وشهد المسرح الأفريقي الأمريكي أيضا مسرحية “بنات المدرسة” وهي مسرحية كوميدية للكاتبة الغانية الأمريكية جوسلين بايو تدور أحداثها في غانا مسقط رأس أبويها، وقد شاركت بالتمثيل فيها مع عدد من الممثلاث السوداوات معظمهن بنات مهاجرين من غانا.
وتقول الإحصائيات إن الهجرة من أفريقيا السمراء إلى الولايات المتحدة زادت بشكل حاد منذ سبعينات القرن الماضي، ففي عام 1970 كان هناك 80 ألف مهاجر مباشر من القارة السمراء يعيشون في الولايات المتحدة، وأصبح عددهم الآن 2.1 مليون، ولا يشمل هذا الرقم ذرياتهم التي أنجبوها في الولايات المتحدة ولا من رحلوا إلى العالم الآخر، وعادة ما يكون هؤلاء على درجة عالية من التعليم ويسعون إلى أن يحقق أبناؤهم نفس الدرجة من التعليم أو أكثر، وغالبا ما يختارون لهم دراسة الطب والصيدلة والقانون.
ويرى النقاد أن ظهور هذا التيار في عالم المسرح الأمريكي يأتي رد فعل لاهتمام متعاظم داخل الولايات المتحدة من جانب بقية العرقيات خاصة العرقية الآيرلندية المسيطرة بالتعرف على الثقافة الأفريقية بعدة طرق يمكن أن يكون المسرح أبرزها بسبب العلاقة المتميزة التي يخلقها بين المرسل والمستقبل.
نماذج أخرى
ولا يقتصر التألق على الجيل الجديد على الكتابة للمسرح فقط ولا على الجنس اللطيف فقط ولا على الموضوعات الأفريقية فقط، فهناك عدد من الممثلين أبناء المهاجرين الأفارقة مثل ديفيد أوليو الذي جسد دور عطيل وسنثيا أوريفو التي فازت بجائزة توني عام 2015 عن دورها في مسرحية “اللون الأرجواني”.
ويرى النقاد أنه من الخطأ اعتبار المهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة كتلة واحدة، تماما مثل أنه من الخطأ اعتبار الناطقين بالإسبانية في الولايات المتحدة رغم عددهم الكبير (53 مليون نسمة) كتلة واحدة، فهناك حساسيات مثلا بين القادمين من كوبا والقادمين من المكسيك والقادمين من أمريكا الوسطى.
لكن في النهاية اتحد كل السود في الولايات المتحدة على اختلاف انتماءاتهم ضد التصريحات المسئية للسود التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا.
وعموما توجد ملاحظة وهي أن الكاتبات المسرحيات مارسن التمثيل قبل الكتابة وكانت لديهن الموهبة وكلهن صقلن تلك الموهبة بالدراسة.
وقريبا يرفع الستار عن مسرحية “عيد الفصح” للكاتبة الأمريكية ذات الأصل النيجيري أنطوانيت نواندو التي تعالج موضوعا أفريقيا رغم أنها لم تزر نيجيريا ولا تعرف عنها شيئا باعتبار أن أباها طلق أمها الأفريقية الأميريكية وهي في عامها الأول ولم تلتقِ به سوى مرتين في حياتها، ومع ذلك فهي تحب نيجيريا وتحب أفريقيا.
لماذا اختار المسرح
أخيرا قرر الممثل الكوميدي وكاتب السيناريو الأمريكي آدم بالي أول تجربة له في عالم المسرح بعد عدة سنوات من التردد، يأتي ذلك بعد ما حققه من نجاح في عدد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام التي كان أبرزها حلقات “نهايات سعيدة” التي جسد فيها شخصية ماكس بلوم.
ويأتي اقتحام عالم المسرح عن طريق مسرحية “الكاردينال” للكاتب المسرحي الأمريكي جريج بيرس التي بدأ عرضها بالفعل على مسرح سكاند ستيج في نيويورك.
في هذه المسرحية يجسد بالي (36 سنة) شخصية غير مألوفة له من قبل وهي شخصية عمدة بلدة فقيرة في ولاية نيويورك يرفض حاولة من سيدة أعمال تجسد شخصيتها آنا شولميسكي لإقامة عدد من المشاريع في البلدة للنهوض بها منها مشروع لطلاء نصف مباني البلدة باللون الأحمر، وهنا يدور الصراع.
وفي ذلك يقول بالي إن شخصية روم تجسد شخصية عدد من الرجال في الحياة الواقعية الذين يرفضون أمورا كثيرة رغم أنها تكون في مصلحتهم الخاصة أو في المصلحة العامة، فهذه المشاريع كانت ستوفر فرص عمل كثيرة لسكان البلدة الذين يعانون من البطالة ولأبنائه وأفراد أسرته بشكل خاص، لكنه اندفع في معارضة المشروع دون مبرر مفهوم.
ويأتي إلى السؤال المهم: لماذا وافق على القيام بدور غير كوميدي رغم أن جسمه وملامح وجهه تؤهله لتجسيد الشخصيات الكوميدية أكثر من غيرها، بل إن ملامح وجهه تبعث على الضحك؟
ورد قائلا إن الروح الكوميدية لن تفارقه في هذا العمل بل ستكون هناك بعض اللمسات التي تخفف من حدة الشخصية التي يجسدها لإيمانه بالدور الذي يمكن أن تلعبه الكوميديا في حياة المجتمع، وهو يدين بشهرته وحب الجماهير إلى الأعمال الكوميدية التي شارك فيها خاصة حلقات كوميديا الموقف (السيت كوم) “نهايات سعيدة” التي جسد فيها شخصية ماكس بلوم.
لكن في النهاية لا يجب على الممثل أن يحصر نفسه في نمط واحد من الشخصيات. وللتنويع، اختار المسرح لأن وجهه لن يكون قريبا من المشاهدين ولن ينخرطوا في الضحك عندما يرونه.


ترجمة هشام عبد الرءوف