في مسألة المسرح والإرهاب الحداد..هل يليق بالمسرح؟

في مسألة المسرح والإرهاب الحداد..هل يليق بالمسرح؟

العدد 537 صدر بتاريخ 11ديسمبر2017

إغلاق المسارح وتوقف النشاط المسرحي، صار موقفا ثابتا، يتخذه المسئولون عقب كل حادث إرهابي جديد يضاف إلى مسلسل الإرهاب الخسيس. بدأت الحكاية منذ أن كانت حوادث الإرهاب نادرة وطارئة واستمرت بعد أن صارت متكررة ومتعددة، آخرها هذا الحادث المأساوي الأخير في مسجد الروضة بالعريش، رحم الله شهداء مصر، وقدرنا على هزيمة الإرهاب الأسود والثأر لشهدائنا وتطهير مصرنا منه. كيف يرى المسرحيون قرار توقف النشاط المسرحي المصاحب لكل عملية إرهابية، ما مدى فاعليته وجدواه، وهل الحل في التوقف أم في الإصرار على المضي قدما ورفع شعار الفن ضد التطرف، وعن ضرورة مواجهة الفكر بالفكر وهل هي قائمة بالتوازي مع المواجهة الأمنية أم لا؟ أسئلة رأينا أن نطرحها على المسرحيين فماذا قالوا؟
المخرج تامر كرم يرى أنّ الحديث عن الحداد كواجب وجداني غير عملي ولا يلتفت أو يقدّر قيمة التجارب المسرحية في مواجهة الإرهاب، فلا يجوز أبدًا وقف هذه الأعمال حدادًا، وأرجو من كل صانع قرار أن يجلس مع الوزير ويناقش هذه الفكرة، ولحسن الحظ فإن الوزير الحالي يهتم بالمسرح، ويضيف: يمكننا التعبير عن الحزن والأسى بأشكال أخرى.
وعن مواجهة التطرف بالفكر يقول: محاربة الفكر بالفكر، ترتبط بالإمكانات المتاحة للمسرحيين، ولدينا أعمال تتصدى فكريًا للإرهاب مثل قواعد العشق الأربعون ويوم أن قتلوا الغناء، ولكن لا بد من وصول هذه الأعمال لقاعدة جماهيرية أكبر، وهنا تظهر فكرة الإمكانات، فالمطلوب إنتاج أعمال أكثر، والبيت الفني يعاني من أزمة موارد مالية، ولا بد مثلما ترصد الدولة الأموال لتسليح الجيش والشرطة، أن ترصد الأموال لتسليح الثقافة، ودعمها باعتبارها في الجبهة ذاتها، فالحرب شاملة ولا بد أن نقف موقفًا واحدًا ضدها.
ليالي الحداد الثلاث!
فيما يرى مهندس الديكور والإضاءة م. عمرو عبد الله حتمية إغلاق المسارح في الحداد، ويقول: لا بد من الإغلاق لعدة عوامل أولها المشاركة في الشعور بالمصاب، في الحادث الأخير مثلا هناك ثلاثمائة أسرة مكلومة، فكيف يتسق تقديم عرض مسرحي به مشهد رومانسي مثلا، لا أقول فكاهي، ويشاهده جمهور يتفاعل معه شعوريا، هذا بلا شك يمثل نوعا من التبلد الشعوري. العامل الثاني لضرورة توقف النشاط هو أن الفنان لا يكون جاهزًا نفسيًا للعمل في ظل هذا القدر من الوجع والحزن، أضاف: الأولى بالاهتمام هو مناقشة مشهد إغلاق المسارح دون سبب، لا إغلاقها حدادا، وأشار إلى أن الأعمال التي لها القدرة على مواجهة الفكر المتطرف قليلة، بينما غالبية الأعمال الفنية لا ترقى للمواجهة، مضيفا أن الأعمال التي يمكن أن تواجه مركزة في القاهرة، ولا تصل للمتطرفين والمتطرفين المحتملين، مشيرا إلى أن الناس في المناطق الشعبية لا يعرفون أن لدينا مسرحًا في مصر، وأنا أعمل مع حرفيين من هذه المناطق ينقلون لي الصورة عن أهلهم، وقد توقف المسرح لديهم عند المهندس ومدرسة المشاغبين، ومسرح مصر. هؤلاء هم من يجب أن تصل إليهم الأعمال المسرحية الحقيقية، التي نجحت وحققت حالة فنية قوية ولا بد أن نتخلى عن فكرة خاطئة ومسمومة اسمها ارتباط قدوم الجمهور بالنجوم، فالعمل الحقيقي والمضمون الجيد مع الصنعة الجيدة هو ما يستقطب الجمهور.
أما الناقد أحمد خميس فيرى أن قرار الإيقاف غير مدروس ولا يلتفت لطبيعة الأعمال المقدّمة، مندهشا من أن لا أحد يتحرك ضد القرار ولا حتي على سبيل مراجعة صحة الموقف والتعرف على طبيعة المسرح الذي أوقفوه؟ أضاف: في هذه المرة مثلا تم إيقاف ثلاثة عروض من إنتاج البيت الفني للمسرح هي قواعد العشق 40 ويوم أن قتلوا الغناء وولاد البلد، وهي تعمل علي محاربة التطرف وتشجع على تقبل الأخر، وتوطين الدين بمعناه المعتدل المتسامح. الغريب في الأمر أن وزارة الثقافة لا تفكر في أي مرة بشكل مختلف وهو ما يعني أن العمل المسرحي لا يزال في نظرهم يعني الترفية، بينما أي عمل مسرحي ومنذ نظرية أرسطو في القرن الرابع الميلادي يعني الجانبين، المتعة والتعليم.
ويضيف: يمكن للمسرح أن يكون شريكا أساسيا في محاربة التطرف لو أتيحت له الفرصة وتم فتح المجال للعروض المسرحية كي تنزل للمناطق العطشى للفنون. يمكن للمسرح أن يقوم بذلك الدور لو أن الهيئة العامة لقصور الثقافة فعلت ما يسمي بمسرح الأماكن المفتوحة والمسرح التوعوي. يمكن للمسرح أن يمر لقلب المشكلات الساخنة ويقدم فعالية حقيقية عبر عروض مسرح الشارع لكن من يسمح ومن يمنع؟ من يعمل وفق خطط مدروسة وعمل جاد ومن لا يعنيه الأمر؟ من ينتظر الحلول من الخارج ومن تحطمه البيروقراطية المريضة؟ من يعي ويفهم ويحاول ومن يري أن توقف النشاط شيء إلزامي؟ هنا تكمن المشكلة.
يمكنك حينها أن تغلق المسارح.
أما المخرج عصام السيد فيقول: لا يجوز بأي حال إغلاق المسارح حدادًا، فإذا أغلقتَ المصانع والمدارس حدادًا، يمكنك القيام بالأمر مع المسارح، لكنّ التعامل مع المسرح والثقافة على أنها شيء ترفيهي هو أمر مؤلم حقيقةً وغير مقبول، شخصيًا صدر قرار بتوقف عرض لي وقت وفاة الملك عبد الله ملك السعودية، وكان الحفل وقتها مباعا لصالح اتحاد المحامين العرب، فتواصلت مع د. جابر عصفور وزير الثقافة وقتها، وشرحتُ له الموقف وارتباط اتحاد المحامين بالسفر في اليوم التالي وعدم التمكن بأي حال من الإغلاق، وتفهّم الموقف ووافق على العرض واقترح تقديمي للحفل بشرح الملابسات وتقديم العزاء الواجب للمملكة وشعبها، ولكن بوجه عام رأيي هو أننا في حالة حرب ولا حداد في الحرب، ولا يجوز أن نتعامل مع الثقافة كترفيه، بل كسلاح.
وأشار السيد إلى أن مسألة محاربة الفكر بالفكر قضية فيها تقصير شديد، وأن وهذا التقصير له عدة عوامل، أولها أن الأعمال التي تتناول الإرهاب والتطرف، تتسم بالمباشرة والضعف، وليست قادرة على الدخول لعمق المشكلة، وثانيا هو أننا نقدم الأعمال التي تواجه التطرف داخل الأسوار ولا نصل بها للناس، فأنت لا تقدّم العمل كي تناقش الإرهابي لكي يراجع فكره، لكنك تقدمها للناس كي تعرض هذه الأفكار القاتلة وتناقشها ومن ثمَّ يلفظها الناس، أنت تقيهم من هذا الفكر، فهل من المعقول إن تقدم ذلك داخل أسوار الأوبرا؟ تابع: مناقشة هذه الأفكار لا بد أن يكون من الناس وللناس، ولا بد أن تصل إليهم من خلال قصور الثقافة المنتشرة في كل الأرجاء.
د. نبيل الحلوجي يرى أنه لا بد من الحداد ويقول: الحداد واجب ولا يجوز أبدًا أن يكون لدينا عدد من القتلى والناس تذهب للمسرح، فالغالب أنه توجد مشاهد تخدش حالة العزاء، مهما كان موضوع المسرحية فكريًا، فالجمال والمتعة أحد أساسيات المسرح، والمصاب الشامل في مثل هذه الحوادث، لا بد أن يتشارك فيه الوجدان الجمعي، وتتوحد فيه الخطط لهزيمة العدو.
ويضيف: أما عن مواجهة الفكر بالفكر، فمئات الندوات والأفكار والكتب والدراسات تقدّم ولا شيء يحدث في ظل رداءة الدراما التلفزيونية والسذاجات الهندية والتركية المقدّمة، الكل يملأ ساعات المتلقي بالتسطيح والبرامج الرديئة والتوك شو التي تقدم أفكار باردة ومنسوخة لا تسمن ولا تغني من جوع، قال: إن كل حادثة جديدة، تستطيع قبلها معرفة الضيوف الخمس أو الست الذين يتم استضافتهم دائمًا يقولون نفس الكلام ويرددون نفس الشعارات. وتساءل: أين الطرح الفكري الحقيقي؟ أين رسائل الدكتوراه؟ أين التوصيات التي تصاحب الرسائل العلمية؟ أجاب: نحن في احتياج لإعداد فكري شامل يتكاتف فيه الجميع، الآلة الإعلامية، المسارح، السينما، وأن تكون هناك فكرة موحدة تجتمع عليها كل المسارح، تحلل تحليلا عميقًا للمشكلة وتناقش فيه فكرة الإرهاب وآثارها ومن يدعمها وتفضح من يتورط فيها وتقوم بتحليل هذا الفكر ومشكلاته، وأن يتم ذلك في القومي ومسارح الشباب ومسارح الطفل، يتم تقديم موضوعات تناسبهم عن الشر والقيم الفاسدة، فلا بد أن نتوقف عن الثرثرة الفارغة وطرح الأفكار المستهلكة ولا بد من الولوج بقوة وعمق في صلب المشكلة، ونوحّد الجهود ونركز على هذه القضية فنقيم موسمًا كاملاً لهذه القضية ننسى خلاله دخل المسرح المادي وتكون جميع العروض مصحوبة بترجمة وتنتشر وتصل حتى للخارج لأننا لا نخاطب أنفسنا فقط وإنما لا بد أن نخاطب الآخر الخارجي.
نوقف الأعمال التي تواجه الإرهاب!
الكاتب المسرحي أبو العلا السلاموني يرى أن توقف النشاط المسرحي لا يقدّم حلاً ولابد من تقديم الأعمال التي تناقش الإرهاب وتواجهه لا أن نقف ضدها ونوقفها ويقول نحن نخاف ونوقف الأعمال التي تواجهه خوفا من الإرهابيين، وقرار توقف النشاط المسرحي هو قرار يستسهله المسؤول كي يريح نفسه، لا يجب إغلاق المسارح حتى ولو أوقفت العروض، يمكنك أن تقدّم بديلاً في شكل ندوة أو حوار أو قراءة مسرحية وقت توقف العروض، نحن نشكو دائمًا من ضعف إمكانات الإنتاج، فلتخرج النصوص المسرحية من الأدراج ونقدّم قراءات مسرحية لها.
وعن مواجهة الفكر بالفكر يقول: على المستوى الفكري هناك نشاط ملحوظ، فلدينا كتب وإصدارات كثيرة تصدت لهذه الأفكار مثل كتب رفعت السعيد وجابر عصفور، أما على الجانب الإبداعي فلدينا قصور كبير حقيقة، بل إن الأعمال التي تواجه الإرهاب يتم إيقافها إن قُدمت ويتم تجاهلها وعدم تنفيذها في أحيان كثيرة، شخصيًا، تم منع عرضي أمير الحشاشين، والحادثة حين قُدّما، فهناك تقصير واضح من المبدعين، بالإضافة إلى تقصير كبير جدا من جانب المسؤولين، مديري المسارح، في غيبوبة للأسف ولا توجد لديهم تصورات أو استراتيجيات للمشاركة الفاعلة”أضاف: لا بد من إنتاج النصوص التي تتصدى للإرهاب والموجودة بالفعل، وإن لم يكن لديك فلتستكتب الكتّاب في هذه الحرب القائمة.
الناقدة أمل ممدوح ترى أنّ الحداد قد يكون مؤثرا وهاما مع ندرة العمليات، أما وقد صارت حوادث الإرهاب متكررة فيكفي الاحترام المعنوي دون إيقاف الأنشطة الثقافية، مشيرة إلى أن الفن الحقيقي خدمة ثقافية، وإن منع الفن حدادا يحقق للإرهاب مايسعى له، فكأنما نجح في هدفه مرتين، لذا ارى أن الحكمة هي عدم إيقاف الأنشطة وإيجاد خيارات أخرى تعبر أدبيا عن احترام الحالة، والشهداء.
تابعت: أما محاربة المسرح للأفكار المتطرفة فهو بأن يكون مسرحا حقيقيا يحقق إشباعا فنيا ومتعة لا بتوجيه الرسائل والمواضيع الخاصة بالإرهاب، فقد حفظها الكل وصارت باهتة الأثر، وعلى شفا حفرة من التنفير إن استمرت المبالغة فيها واستمر التمادي المباشر والتسطيح.
 يجانبه الصواب
المخرج سعيد قابيل رئيس وحدة البرامج بمركز الفنون بمكتبة الإسكندرية يقول: قرار توقف النشاط المسرحي حدادا هو عين ما يريده الإرهاب، ومن يتخذ قرار المنع، لا يفكر في صانعي العروض الذين بذلوا مجهودا كبيرا ووقتا لكي يخرجوا بهذا العمل، وللجمهور الذي وطن نفسه على الحضور، والتوقف يشكل خسارة مادية وأدبية كبيرة ويعود بنا إلى الوراء. قال: في بلد يزداد فيها عدد الضحايا كل لحظة مثل سوريا، حين تستعيد الدولة مدينة من أيدي الإرهابيين، فإنهم يقيمون حفلاً موسيقيًا في هذه المدينة، وسط هذا العدد من الضحايا الذي يزداد كل لحظة ولكنهم يقدّرون قيمة الفنون في حربهم المشتعلة.
أضاف: نحن لا نواجه الفكر بالفكر، لأننا نقدّم حفلاتنا وعروضنا لأنفسنا وزملائنا وللمسؤولين، أين هنا محاربة الإرهاب بالفكر؟ كم شابًا محتملاً أن يحمل الأفكار المتطرفة حضر عرضك؟ هل وصلت لهم؟ محاربة هذه الأفكار بالفكر، لا بد أن تبدأ من المنبع، من المناطق العشوائية والشعبية، من الناس المحتمل أن تعتنق هذه الأفكار القاتلة، أما أن تقدّم عروضًا بشكل آلي، يحضرها طبقة هي بعيدة كل البعد عن هذه الأفكار كي تصفق لك، وترفعون سويا شعار «ضد الإرهاب» فأنت بعيد كل البعد عن المواجهة بالفكر.
الفن نجاة
تتجاوز الناقدة ليلت فهمي فكرة توظيف الفن إلى اعتباره ضرورة حياتية وإنسانية وتقول: لا اعتبر السؤال الأساسي يكون عن وظيفة الفن، وما إذا كانت وظيفته الترفيه أو التعليم أو التوعية أو التحريض، إنما السؤال الذي يجب أن نكاشف أنفسنا به بصراحة، نحن كفنانين ومؤسسات مجتمعية وجمهور متلقي للفن، هل نعتبر الفن ضرورة أم لا؟! هل الفن احتياج أم ترف اجتماعي يظهر في شكل أبنية ضخمة وقباب، ومنصات خطاب ومهرجانات وبروتكولات بملابس فاخرة «حتى لاتقول الناس علينا حاجة!». أضافت: الفرضية تقول لو أننا كمجتمع بشري استيقظنا ذات صباح بلا أي منجز فني، بلا موسيقى ولا لوحات ولا شعر ولا قصة ولامسرح أو سينما، فسيعني ذلك أننا ممجتمع بلا حس جمالي، بلا رؤية فلسفية للعالم بل وبلا إرادة وإنتماء، هذا المجتمع ماذا تكون قضاياه؟ لن تكون أكثر من البحث عن الطعام، وبالتالي يصبح مجتمعا مدجنا تمامًا، هذا المجتمع المدجن والذي يبدو - للوهلة الأولى - آمنا هو مجتمع شرس وعنيف، انتحاري وكاره للحياة، بلا منظومة قيم، ولا أتحدث هنا عن القيم بمعناها المتفاوت من مجمتع لأخر ولكن أتحدث عن القيم المرتبطة بمفهوم الذات الفاعلة التي تدرك موقعها وتدرك الأخر من حولها، إن الفن هو المجداف الذي يدفع المجتمعات لمسائلة قيمها باستمرار ومراجعتها، يسمح لها بإدراك موقعها من لحظتها التاريخية، لا يمكن أن نعتبر الفن أداة، لأنه الكائن الحي الذي يحتوى الأداة والغاية في ذاته، الفن كما يقول أستاذنا دكتور فوزى فهمي يقف على يسار المجتمع يعيده دائمًا لمراجعة طريقه وطريقته لفهم ذاته، لأدراك هويته، وفي لحظة مضطربة بكل هذا الفقر الجمالي والنزوع للإرهاب والانتحارية كهذه التي نمر بها وهي نابعة بالأساس من اضطراب الهوية، فإن شريطة النجاة بلا جدال هو هذا الفن الذي يبحث عن هويته وهوية مجتمعه وبالتالى يحمي هذه الذات الفاعلة يردها إلى جذورها المركبة الروافد ويدفعها للمستقبل يستحقه تاريخها الجليل.

 


احمد منير ـ روفيدة خليفة