عبد البديع العربي عاشق الثقافة والفنون

عبد البديع العربي عاشق الثقافة والفنون

العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018

الفنان القدير عبد البديع محمد علي العربي (واسمه الفني عبد البديع العربي) ممثل مصري من الرعيل الأول، ولد يوم 10 أكتوبر عام 1913 لأسرة ريفية متوسطة بقرية «الزعفران» بمركز «الحامول» (محافظة كفر الشيخ)، وقد أتم حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية وذلك قبل أن ينتقل للدراسة بمدرسة الأقباط الابتدائية بمدينة «المحلة الكبرى».

بدأت هوايته للتمثيل من خلال دراسته بالمرحلة الثانوية، وذلك عندما اكتشف موهبته الممثل الكبير حسن البارودي (مدرب فريق التمثيل آنذاك)، وبالفعل استطاع اجتذابه من فريق «كرة القدم» ليتحول مساره إلى التمثيل، وخلال فترة دراسته الثانوية شارك بالتلقين والإخراج بجانب التمثيل، ومن المسرحيات التي شارك في بطولتها خلال تلك المرحلة «الهاوية» لمحمد تيمور، و«الذبائح» لأنطون يزبك، و”نهر الجنون” لتوفيق الحكيم.
حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة (الخديوي إسماعيل) عام 1938، وعمل في مصلحة الطب الشرعي (مقابل راتب سبعة جنيهات)، كما عمل مدربا للتمثيل ومخرجا بالمسرح المدرسي (بوزارة المعارف) خلال الفترة من عام 1939 إلى عام 1956، وذلك عندما اختاره لهذه المهمة الرائد زكي طليمات الذي كان يعمل وقتذاك مفتشا للنشاط المسرحي بوزارة المعارف، ومن خلال عمله بالمسرح المدرسي استطاع كشف وصقل موهبة عدد كبير من الموهوبين الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك ومن بينهم على سبيل المثال: محمد الطوخي، توفيق الدقن، صلاح قابيل، حسن يوسف.
هذا وتضمنت مسيرته الوظيفية أيضا انتدابه للعمل بمصلحة الفنون رقيبا على سيناريو الأفلام والمسرح خلال الفترة 1954 - 1959، وقد انتهت هذه الفترة وتم إلغاء انتدابه بعدما اصطدم بنفوذ الكاتب يوسف السباعي، وذلك حينما رفض الفنان عبد البديع إجازة سيناريو فيلم «شارع الحب» الذي كتبه «السباعي»، وأصر على ضرورة حذف بعض الجمل الحوارية مع إجراء بعض التعديلات وإعادة الصياغة لبعض المشاهد.
والحقيقة، إن الحظ لم يحالف الفنان عبد البديع العربي بالنسبة لصقل موهبته الفنية بالدراسة الأكاديمية، حيث لم يتح له فرصة الالتحاق بالمعهد «العالي للتمثيل» الذي تم تأسيسه وإنشاؤه عام 1943، فبمجرد سماعه بفتح باب القبول للدفعة الأولى قرر على الفور التقدم له، ولكن للأسف كان هناك عدد محدد للدارسين وقد اكتمل (وهي الدفعة التي ضمت مجموعة من أصدقائه من بينهم: عبد الرحيم الزرقاني، صلاح منصور، فريد شوقي، شكري سرحان، عبد المنعم إبراهيم)، وعرض عليه آنذاك الالتحاق بقسم النقد والبحوث، ولكنه رفض ذلك الاقتراح لأنه لن يشبع عشقه وهوايته للتمثيل.
المهم أن عدم التحاقه بالمعهد لم يضعف من عزيمته وإصراره، ولم يغير قراره بضرورة احترافه للفن، خاصة بعدما تأكد من صدق موهبته وتعاظم خبراته من خلال مشاركته ببطولة عرض «الاستعباد»، وهو العرض الذي قررت نقابة «شياخة الحارات» تقديمه تخليدا لذكرى الأمير عبد الكريم الخطابي وكفاحه ضد الاستعمار، والنص من تأليف يوسف وهبي وقد سبق منع تقديمه بفرقة «رمسيس». وقد تم تكوين فريق العمل من مجموعة من الهواة والمحترفين وعلى الرغم من أن الفنان عبد البديع العربي كان ما زال ممثلا مغمورا، فإنه قد أختير لتجسيد شخصية رئيسية وهي شخصية «كورادو»، وشاركه بالبطولة كل من الفنانين القديرين فاخر فاخر وسراج منير، فأشادت الأقلام النقدية بتميزه بجانبهما واعتبرتهم جميعا على قدر من المساواة.
بدأت خطواته الأولى في مجال الاحتراف من خلال ميكروفون الإذاعة عام 1936، حيث توثقت علاقته أثناء فترة عمله بمصلحة «الطب البيطري» بكل من زميليه أحمد سامي عاشور (زوج الفنانة الكبيرة زوزو نبيل ملكة الميكروفون)، ومحمد علوان، واللذان من خلالهما تعرف على بعض كبار الفنانين وفي مقدمتهم: زوزو نبيل وصلاح منصور، فشاركهم بأداء بعض الأدوار الرئيسية، خاصة وقد ساعده في ذلك صوته الرخيم المتميز وإجادته للتمثيل باللغة العربية الفصحى.
كانت الخطوة التالية في الاحتراف هي العمل ببعض الفرق المسرحية وبالتحديد كانت البداية بفرقة «أوبرا ملك»، ثم فرقة «فاطمة رشدي»، ثم فرقة «المسرح العسكري» بعد قيام ثورة 1952، وليستقر به المقام أخيرا بفرقة «رمسيس» مع فنان الشعب يوسف وهبي، وذلك بالإضافة إلى مشاركاته ببعض عروض فرق الدولة.
ويحسب في الرصيد الفني للفنان عبد البديع العربي - بخلاف ما سبق - مساهمته الإيجابية في تأسيس كل من فرقة «المسرح العسكري»، التي أطلق عليها عدة مسميات من بينها فرقة «العروبة» وفرقة «مسرح التحرير»، وهي الفرقة التي ضمت بعض الموهوبين الذين حققوا نجوميتهم بعد ذلك (وفي مقدمتهم الفنانون: إبراهيم الشامي، رشدي المهدي، حسن حسني، حسن عابدين، كامل أنور)، كما استضافت في عروضها بعض النجمات (من بينهن: علوية جميل، نعيمة وصفي، سناء جميل، إحسان القلعاوي، آمال زايد)، كذلك يعود إليه الفضل أيضا في تأسيس فرقة «المسرح الحر» بالجماهيرية الليبية عام 1969.
والحقيقية، إن رصيده الفني يحفل بعدة مشاركات هامة في عدد من المسرحيات المهمة ومن بينها: «راسبوتين»، «كرسي الاعتراف»، «بنات الريف»، «بيومي أفندي»، «حسن ونعيمة»، كما يحفل ببعض المشاركات المتميزة في بطولة عدد من المسلسلات التلفزيونية، أشهرها مسلسلات: الفتوحات الإسلامية، فرسان الله، محمد رسول الله، وكذلك مسلسل «غوايش» من بطولة نبيل الحلفاوي وصفاء أبو السعود، هذا ويعد فيلم «العار» من أبرز أعماله السينمائية حيث لعب خلاله دور تاجر المخدرات (والد النجوم: نور الشريف، حسين فهمي، محمود عبد العزيز، إلهام شاهين)، وكذلك الفيلم العالمي الرسالة من إخراج مصطفى العقاد، الذي جسد من خلاله شخصية «عتبة المبارز»، ومما يؤكد موهبته المتميزة وخبراته الأدائية أنه استطاع أن يلفت إليه الأنظار في كل شخصية منها وسط عدد كبير من النجوم وعلى الرغم من المساحة المحدودة.
لم تقتصر الإسهامات الفنية لهذا الفنان الكبير على «مصر» فقط، بل امتدت جهوده وإسهاماته الفنية لخارج «مصر» أيضا، وذلك ليس فقد من خلال تلك الجولات الفنية مع فرقة «رمسيس» بل وأيضا من خلال إقامته في ليبيا لعدة سنوات، عمل خلالها أستاذا لمادتي اللغة العربية والإلقاء في معهد «جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح»، وهناك كون من مجموعة متميزة من تلاميذه فرقة «المسرح الحر»، التي ضمت الفنانين: خدوجة صبري، يوسف خشيم، إبراهيم اليعقوبي، مختار الأسود.. وآخرين)، وجميعهم تألقوا بعد ذلك وأصبحوا من نجوم المسرح الليبي لسنوات طويلة. وبعد قيام ثورة «الفاتح من سبتمبر» تم انتدابه مرة ثانية للعمل بمدينة «مصراتة» لتقديم عمل مسرحي كبير باسم المدينة، ولعطائه الكبير بالمسرح الليبي كرمته الجماهيرية الليبية في سبتمبر 1995.
بصفة عامة يتميز أداء الفنان عبد البديع العربي بالإحساس الصادق وبتلقائية وبساطة الأداء مع لمسة خفيفة من الأداء المسرحي الرصين، وكذلك بمهاراته في التلوين الصوتي بصوته الرخيم وتمثيله السليم والمتميز باللغة العربية الفصحى نطقا (مخارج الحروف) وتشكيلا (إعرابا).
وجدير بالذكر أن حياته العائلية كانت مستقرة على الرغم من تحمله مسئولية رعاية والديه وشقيقاته، وقد تزوج وأنجب خمس بنات وابنين، وقد ورث عنه أبناؤه بصفة عامة عشقه للثقافة والفنون، واحترف بعضهم التمثيل والإعلام، فهو والد الفنانين محمد العربي ووجدي العربي، والإعلاميتين ألفت العربي وكاميليا العربي، وقد توفي في يوم 15 يناير عام 1996.
ويمكن تصنيف مجموعة أعماله الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية (الإذاعة، المسرح، السينما، التلفزيون) وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
أولا: الأعمال الإذاعية
شارك الفنان عبد البديع العربي في بطولة وأداء بعض الأدوار الأولى بعدد كبير من المسلسلات والصور الغنائية والسهرات الإذاعية ومن بينها على سبيل المثال فقط: لن ننسى، نفوسة، أيام زمان، رجالة بلدنا، نحن لا نرى بعيون الآخرين، أين تذهب أمي، بنت الدلال، رزق الهبل، ثقوب في الثوب الأسود، بنت مدارس، رحلة الليل، قيراط حورية، مايسة، علي بابا والأربعين حرامي، معروف الإسكافي، الدندورما، القيثارة الحزينة، هذا ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أننا نفتقد للأسف حتى الآن لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذا الفنان القدير، الذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من البرامج والأعمال الدرامية على مدار ما يزيد على أربعين عاما.
ثانيا: أعماله المسرحية
كان المسرح هو العالم الرحب الذي أتاح للفنان عبد البديع العربي المشاركة بالبطولة وتجسيد بعض الأدوار الرئيسية، كما أتاح له عمله بفرقة «رمسيس» فرصة التجوال بجميع أقاليم «مصر»، وأيضا بعدد كبير من العواصم والمدن العربية الشقيقة، ومن بينها على سبيل المثال دول المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) ودول الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) والسودان.
ويمكن تصنيف مجموعة أعماله المسرحية طبقا لاختلاف الفرق وللتسلسل الزمني كما يلي:
1 - بفرقة «أوبرا ملك» (خلال الفترة من 1940 - 1946): الطابور الأول، عروس النيل، بنت بغداد، مايسة، بترفلاي، سعدي، طباخة بريمو، العقد الفضي، جواهر، سفينة الغجر، أول حب، بنت السلطان، روميو وجوليت، شيرين، نصره، بنت الحطاب، فتاة من بورسعيد، نور العيون، زينة، الأميرة والمملوك، الطابور الخامس، بيت الشيطان، درية، سهام، عشاق بالجملة، عمرو بن العاص، فاوست، كليوباترة، كيد النسا.
وقد شاركه في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين من بينهم الأساتذة: ملك، حسين صدقي، إحسان الجزايرلي، إبراهيم حمودة، عباس البليدي، منسى فهمي، السيد بدير، محسن سرحان، محمد الطوخي، صلاح نظمي، محمد توفيق، يحيى شاهين، محمد علوان، صلاح منصور.
3 - فرقة «المسرح العسكري» (خلال الفترة 1954 - 1957): أحمد عرابي، نهضة المشلول، خلود، الهلال والصليب، عروسة رشيد، شمس الخريف، مفيش تفاهم.
2 - بفرقة «رمسيس» (خلال الفترة من 1959 إلى 1966): بيومي أفندي، كرسي الاعتراف، راسبوتين، الأخرس، بيت الطاعة، جوهرة، بنات الريف، عنترة، أيام زمان، الاستعراض العظيم، يا تلحقوني يا متلحقونيش، أعظم امرأة، الحلق اللولي، المائدة الخضراء، شجرة الظلم، سبعين سنة.
وقد شارك في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين من بينهم الأساتذة: يوسف وهبي، أمينة رزق، علوية جميل، عبد الوارث عسر، سراج منير، فاخر فاخر، عبد العليم خطاب، عايدة كامل، نظيم شعراوي، صلاح نظمي، رشدي المهدي، محسن سرحان، زوزو ماضي، عدلي كاسب، أنور إسماعيل، فيفي يوسف، قسمت شيرين.
4 - بفرق «مسارح الدولة»: ثورة قرية (المسرح الحديث - 1962)، أدهم الشرقاوي، لا حدود (المسرح الحديث - 1964)، حسن ونعيمة (مسرح الجيب - 1965)، أوكازيون (المسرح الكوميدي - 1977).
وقد تعاون من خلال مجموعة المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين من بينهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، منسي فهمي، فؤاد الجزايرلي، السيد بدير، حسن حلمي، حسن إسماعيل، نور الدمرداش، كرم مطاوع، حسين كمال، كامل يوسف، فوزي درويش، صلاح المصري، ليلى أبو سيف.
ثالثا: مشاركاته السينمائية
خلال رحلته مع السينما - وهي رحلة طويلة نسبيا (1949 - 1982) تزيد على ثلاثين عاما - شارك في أداء بعض الأدوار الرئيسية والثانوية في ثلاثين فيلما فقط، وللأسف رغم موهبته الكبيرة وتميزه وخبراته الكبيرة فإنه لم تتح له فرصة القيام بالأدوار الأولى أو الأدوار المؤثرة دراميا، التي كان من الممكن توظيف خبراته من خلالها، حيث قام المنتجون والمخرجون بحبسه في إطار بعض الأنماط والشخصيات النمطية ومن بينها شخصيات: ضابط الشرطة ووكيل النيابة والطبيب، هذا وتضم قائمة أعماله السينمائية الأفلام التالية: حبيب العمر (1947)، رجل لا ينام (1948)، ساعة لقلبك، أمير الانتقام، ياسمين (1950)، ورد الغرام، في الهوا سوا، حبيب الروح، ليلة غرام (1951)، غلطة أب، مسمار جحا، قدم الخير (1952)، ظلموني الحبايب، بين قلبين، بائعة الخبز، حكم الزمان (1953)، حياة أو موت (1954)، حب ودموع (1955)، وهبتك حياتي (1956)، مجرم في أجازة، أيامي السعيدة، شاطئ الأسرار، خالد بن الوليد (1958)، في بيتنا رجل، الضوء الخافت (1961)، ألمظ وعبده الحأمولي، حيرة وشباب، اللص والكلاب (1962)، بطل للنهاية (1963)، السيد البلطي (1967)، من عظماء الإسلام (1970)، ولد وبنت وشيطان (1971)، الغضب (1972)، الرسالة (1976)، كفاني يا قلب (1977)، العار (1982).
رابعا: الدراما التلفزيونية
شارك الفنان عبد البديع العربي بأداء بعض الأدوار الرئيسية والثانوية بعدد من المسلسلات والتمثيليات والسهرات الدرامية المهمة، وتضم قائمة أعماله المسلسلات التالية: ثم تشرق الشمس، القضية 512، فديتك يا ليلى، عيد يا عم عيد، المعدية، الخماسين، هروب، رداء لرجل آخر، أديب، النديم، الليل والقمر، جراح الماضي، غوايش، اسم العائلة، وحش البراري، من الليل شروق، الفتوحات الإسلامية، فرسان الله، محمد رسول الله (ج4)، وذلك بخلاف بعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: الأيام الخضراء، نصف شقة، رسالة إلى أبي.
الجوائز والأوسمة:
كان من المنطقي أن تتوج تلك المسيرة العطرة ببعض مظاهر التكريم وحصوله على بعض الجوائز والأوسمة، ومن بينها - بخلاف حب وتقدير الجمهور من مختلف الأجيال - اختياره بعضوية لجنة تنظيم الاحتفالات بأعياد الثورة، وحصوله على شهادة تقدير من مصلحة الاستعلامات، وأيضا درع التميز من وزارة الإعلام، ودرع محافظة الغربية (التي نشأ فيها وعاش بها فترة صباه) كأحد الأعلام الذين تفخر المحافظة بانتمائهم لها، وذلك بالإضافة إلى شهادة تكريم ودرع من «الجماهيرية الليبية» في احتفالات سبتمبر 1995.
وجدير بالذكر أن اسمه قد سجل بالموسوعة القومية الصادرة عن هيئة الاستعلامات (عام 1992) ضمن أسماء الشخصيات المصرية البارزة التي أخلصت العطاء لمصر.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏