التنورة.. رقصات صوفية وفنيات مصرية أصيلة

التنورة.. رقصات صوفية وفنيات مصرية أصيلة

اخر تحديث في 5/14/2020 3:46:00 PM

أسماء عبد الهادي
"وكما يقوم الحاج العاقل بالطواف، يقوم به سبعة، وأنا حاج مجنون فلا أحصي الطواف".
هكذا قال جلال الدين الرومي الذي لقب بمولانا مؤسس رقصة الدراويش والتي اشتقت منها رقصة التنورة.
اعتمد هذا النوع من الرقص أصحاب المذهب الصوفي وأشهرها رقصة المولوية التي ظهرت في بداية الأمر في "التكايا" والتي كان يقيمها أصحاب الطرق الصوفية بمثابة مضيفة تأوي أبناء السبيل والفقراء والمساكين والدراويش وكانت تقام في التكية حلقات الذكر وهو نوع من أنواع الرقص الإسلامي الذي يتمايل فيه جسد الذاكر مع رأسه مرددا لفظ الجلاله "الله" بشكل تناغمي.
 كان الدراويش والمولوية يرتدون التنورة ذات اللون الأبيض والطربوش وجلبابا يغطي الجزء العلوي "صديري" ولها جيب من الوسط إلي الأسفل يلف بها "الحاناتي" حول نفسه وتنفرد تنورته كالمظلة، وجاءت هذه الرقصة الي مصر مع الفاطميين ولكن أضاف المصريون لها بعض الزخارف الإسلامية ذات الألوان الزاهية على شكل التنورة لتتماشى مع تناسق حركاتها فتضيف لها البصمة المصرية من موروثها الشعبي، والتي تختلف ألوانها من طائفة الي أخرى فنجد لون التنورة الشاذلية يختلف عن لون الأحمدية وعن الرفاعية، ويصاحبها ببعض الآلات الشعبية كالربابة والطبلة والصاجات والدفوف التي تدق أثناء تأديتها والتي يُمدح فيها النبي، والأدعية المصاحبة لها، وأحيانا الغناء لبعض المواويل والسيرة الشعبية، ثم أضاف اللفيف المصري التنورة الثانية وبعض المصابيح الكهربائية الصغيرة بألوان مختلفة، والتي يفضلها عن التنورة الأولي بعد أن ينهمك في الرقصة ليرفعها للأعلى وتأخذ شكل الفانوس المضئ وكأنه الشمعة التي تحترق شغفا في حب المولى، وأحيانا يرتدي ثلاثة تنانير وأكثر.
 وللفيف المصري زي خاص به يتكون من جلباب واسع، بنطلون، حذاء جلدي، طاقية، شال "لاسة" تثبت على الصدر، والحزام أو "السبتة” الذي يلفه حول نصفه العلوي ليشد ظهر الراقص وهو يدور، ولكن مع هذه اللمسة المصرية التي جمعت بين النزعة الصوفية وثقافة الموروث الشعبي المصري لم تسلب من التنورة صوفيتها وظلت وفية لأصلها المولوي.
"كل ذرة في الأعالي، ولماذا لا يرقص الصوفي كأنه الذرة في شمس البقاء حتى تحرره من الزوال" مولانا جلال الدين الرومي. 
رقصة التنورة ليست مجرد حركات دائرية يؤديها راقصها فقط؛ بل هي رقصة إيقاعية ذات فلسفية صوفية، حيث يرى راقصوها أصحاب هذا المذهب أن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عند نفس النقطة، ففي حركاتها التي تعتمد على الدوران نوع من الإجهاد الجسدي الذي يلوح به إلى أعلى درجات الصفاء النفسي والروحي والتي تطهر النفس من خلال العشق الإلهي ويشعر اللفيف بأجنحة ملائكية يرفرف بها إلى الفضاء لتفصل الروح عن الجسد وتملأ القلب بنور الله، حيث يبدأ راقص التنورة بالدوران حول نفسه عكس عقارب الساعة من الشمال إلي اليمين بتوحيد الله عز وجل رافعا يده اليمنى إلى السماء ومدليا يده اليسرى إلى الأرض فيشعر وكأنه كحلقة وصل حيث يستمد والخير من السماء ويبدر بذوره في الأرض لتنبت حبا، ملحا على الله بالدعاء راجيا الرحمة والمغفرة متحررا من كل المعاصي رغبة في التوبة، ولكل حركة من حركات يده أثناء دورانه اللولبي معنى آخر يطوف من خلاله بين السماء والأرض ليملأ الروح أثناء رحلته معها بجمال الكون.
لم تكتف رقصة التنورة بصورتها الدينية بل أصبحت موروثًا شعبيا، وأحد عناصر الملامح المصرية التراثية، لتصبح بذلك واحدة من أهم الفنون الاستعراضية المصرية.

شاهد بالصور


اسماء نور

اسماء نور

راسل المحرر @