"سقراط دوت كوم".. من صدارة الترند إلى زعيم بلا أضواء

"سقراط دوت كوم".. من صدارة الترند إلى زعيم بلا أضواء

اخر تحديث في 1/13/2024 11:10:00 PM

دنيا محمد 

يتغير الزمن ولا يبقى شيء على حاله، نتيجة رِتم الحياة الذي أصبح سريعا .. أو بمعنى أدق نتيجة العيش في زمن أصبحت سمته الأساسية التغيير .. 
ومن المعروف أنه بمرور الوقت تظهر موضوعات واتجاهات جديدة تُغيّر من اتجاهات وميول الأشخاص خاصة مع الانتشار السريع للسوشيال ميديا التي أثرت على سلوكيات وأفكار الأفراد بشكل كبير.
وساعد هذا الانتشار على ظهور عدة مصطلحات، بات يتداولها الجميع وأصبحت رائجة بل طاغية على حياتهم، ومنها مصطلح "الترند".
و"الترند" هو الاتجاه العام لموضوع معين انتشر بشكل سريع في فترة زمنية محددة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.. إلى أن أصبح جزء من الحياة اليومية، ويتحكم بشكل كبير في مصائر الأفراد والمجتمعات ..حتى وإن كان ذلك الموضوع تافها!!

وبالنظر إلى النص المسرحي "سقراط دوت كوم" نجد أن الكاتب عمرو التركي مؤلف المسرحية .. يأخذنا في رحلة شيقة ليكشف لنا عن عالم انتشر به الزيف والخداع بشكل كبير، من أجل تحقيق الشهرة وتصدر "الترند" كما يردد البعض في الآونة الأخيرة.

ويتضح ذلك من خلال عنوان المسرحية التي طرحها نادي الأدب ببيت ثقافة ٢٦ يوليو بالإسكندرية للمناقشة بحضور الناقد د. محمد فهمي، والشاعر علي عبد الدايم، ونخبة من المثقفين.

فمن يتأمل العنوان يجد أن الكاتب أشار إلى زمنين مختلفين تماما، فاسم "سقراط" إشارة إلى زمن الفيلسوف اليوناني، أما دوت كوم فهي إشارة إلى "سقراط" بطل العمل المسرحي، ذلك الشخص التافه مُدعي المعرفة كي يتصدر المشهد المجتمعي كبطل شعبي.
وهنا تبدو المفارقة الزمنية واضحة، وتتضح أكثر من ذلك مع تصاعد الأحداث. 


أحداث المسرحية 

جاءت المسرحية في ثلاثة فصول، وستة مشاهد.. وتبدأ أحداثها بظهور "سقراط".. سبعيني ثري يرأس مجموعة من من المجاذيب، ويغدقهم دائما بالمال في مقابل الإعلان عن أنه ولي وصاحب كرامات.
ويبدأ سقراط في تنفيذ خطته بالحي الشعبي الذي يعيش فيه من أجل تحقيق الشهرة ..ذلك الحلم الذي لم يفارقه طيلة حياته، ويتضح ذلك خلال المشهد الأول بالمسرحية  والذي جاء بعنوان "البعث"، وفيه يعود سقراط إلى الحياة بعد أيام قليلة من دفن جثته، كي يمارس درجة من أعلى درجات ما يسمى بالكرامات عند الطرق الصوفية، تلك الكرامة التي جاءت بمحض الصدفة، فهو لم يمت ولكنه تعرض لغيبوبة، ويقرر إخفاء ذلك الأمر عن الناس ليستمر في زعامته أمام أتباعه.
وسرعان ما ينتشر الخبر بفعل "السوشيال ميديا" التي أظهرت وبقوة ما يسمى ب "الترند"، ويصبح سقراط هو حديث الساعة ومحط أنظار الجميع بعد أن كان زعيما على بعض المجاذيب!

وهنا يوضح الكاتب خصائص الشخصية النرجسية من خلال " سقراط " بطل العمل .. الشخص الفاشل الذي لم يحصل على أي مؤهل دراسي، ولا يجيد القراءة والكتابة، ويدعى أنه ولي لمجرد إشباع بعض النقائص النفسية والمجتمعية لديه.
وهذا المشهد المجتمعي العبثي جاء لتوضيح أسباب إنتشار  المحتوى التافه وتعظيم مُقدِمُه في مقابل تهميش الأكفّاء، والتي تتكرر عادة نتيجة ظروف إقتصادية واجتماعية متدهورة!


خطورة الشهرة الزائفة

كما يوضح الكاتب خلال العمل خطورة الانسياق وراء الشهرة الزائفة والمعروفة بنظرية "صناعة التفاهة"، بتوضيح مصير مدعي الشهرة خاصة بعد أن يصبح مصدرا للقلق لدى الكثيرين.. وبالفعل تنتهى المسرحية بالتخلص من سقراط بإعدامه، لينطفيء معه وهجه، ويعد تافها كما كان ولكن بلا أضواء.!!


عن المسرحية

"سقراط دوت كوم" مسرحية شعرية..صدرت عام ٢٠٢٢ عن دار المؤسسة للنشر والتوزيع، وتقع في ١١٠ صفحة، وتعد العمل الأدبي الثالث للكاتب عمرو التركي بعد ديوان شعر العامية " رسايل نوح" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، و ديوان "المحنة" الصادر عن دار المؤسسة. 

القضايا التي تناقشها المسرحية

كُتبت المسرحية في قالب تراجيدي، يناقش من خلالها الكاتب عدة قضايا، بجانب قضية صناعة الطواغيت، ومنها غياب العدالة واندثار القيم الاجتماعية، وعقوق الوالدين، وتكشف الأحداث عن ذلك من خلال الابن العاق الذي ألقى بأبيه في القبر حيا عقب تعرضه لنوبة إغماء بسبب كرهه له.
كما يناقش العمل قضية الزوجة الجامعية المثقفة المقهورة ضحية الزوج النرجسي، والتي تعيش معه بالاجبار كنوع من أنواع القهر المجتمعي الذي يُمارس ضد المرأة.
كما يؤكد العمل على فكرة المفارقة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون واتضح ذلك في المشهد الأخير "بإعدام سقراط".

شخصيات المسرحية

وعن الشخصيات الموجودة بالمسرحية .. جاءت جميعها تعبر عن أنماط وشرائح مجتمعية ونفسية مختلفة، ولكن لم يُطلق الكاتب عليها أسماء محددة على واكتفى بإطلاق اسم "سقراط" بطل العمل للتأكيد على أن الحالة الدرامية للنص "سقراط دوت كوم" هي حالة متكررة في مختلف العصور.


نبذة عن المؤلف

الكاتب عمر التركي من مواليد محافظة الإسكندرية، حاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، عضو عامل بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر.
وعمل كقائم بأعمال رئيس نادي الأدب بقصر ثقافة مصطفى كامل عام ٢٠٢٢.
عُرف بتميزه في كتابة الشعر من خلال كلماته التي تبرز انّات وأوجاع الوطن، صاحب رؤية وخيال الأمر الذي جعله يتجه إلى كتابة الأعمال المسرحية، كما انه صاحب حضور شعري في كافة الأنشطة الثقافية والشعرية من خلال نوادي الأدب والمنتديات الثقافية.
نُشرت أعماله في عدد من الصحف والمجلات المصرية، وحصل على عدة جوائز الشعرية من أهمها المركز الأول لجائزة إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي عامي ۲۰۱۷، ۲۰۲۱ وجائزة النشر الإقليمي لإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي عن ديوان "رسايل نوح" عام ٢٠١٨.

شاهد بالصور


دنيا محمد

دنيا محمد

راسل المحرر @