أيامنا الحلوة تستلهم عوالم أفلام عبد الحليم حافظ

أيامنا الحلوة تستلهم عوالم أفلام عبد الحليم حافظ

اخر تحديث في 10/15/2020 8:48:00 PM

د. هويدا صالح 
مستلهمًا عالم المطرب والفنان المصري عبد الحليم حافظ وتفاصيل مشروعه الفني، يكتب الروائي المغربي موحا صواك روايته "أيامنا الحلوة" التي صدرت حديثا عن سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقام بترجمتها إلى العربية المترجم فريد الزاهي. قام المؤلف في هذه الرواية ليس فقط بالتناص مع شخصية عبد الحليم حافظ عبر بنية العنوان "أيامنا الحلوة" التي هي في الأصل بنية عنوان لفيلم سينمائي قام ببطولته عبد الحليم حافظ وعمر الشريف وفاتن حمامة وأحمد رمزي، إنما التناص كان أيضا مع شخصية "حليم" عبر وقوع البطلة الرئيسية في الرواية "فضيلة" التي عشقته حد الهوس، ودأبت على تتبع أخباره الفنية، بل وحصرت كل أحلامها وتطلعاتها في أن تلتقي به، لذا كان له حضور طاغٍ في النص، فهو الحاضر الغائب، الذي يُحكى عنه طوال النص.تهرب فضيلة من عائلتها لتذهب إلى السينما، تشاهد أفلام الرجل الذي عشقته رغم استحالة اللقاء معه، وتعيش في عالمه في كل الأفلام التي تراها "أُشعلت أضواء القاعة فمسحت فضيلة وجهها بكمّ جلبابها وراحت تسأل المكلفة إن كان بإمكانها معاودة مشاهدة الفيلم نفسه فى الغد، فأجابتها أن الفيلم سيعرض طيلة الأسبوع، تركت فضيلة السينما وهى تجرجر رجلْيها، وتاهت لحظة فى أزقّة المدينة الحزينة، وقلبها مثقل بهمّ أجّجته الأغاني كما يؤجج الريح شرارة وليدة، أطلقت العصفور الصغير من قلبها فحلّق عاليا حاملا معه كل هواجسها لينثرها فى السماء كحشرات أدركها الظلام، أحسَّت نفسها خفيفة الروح وسعيدة، غير أنها لم تكن تعرف السبب فى ذلك".
من خلال قصة الحب الافتراضية بين "فضيلة" بطلة النص وعبد الحليم حافظ يكشف الكاتب ما تتعرض له النساء في المجتمعات الشرقية بعامة، والمغربية بخاصة "وفي اليوم السادس، أى اليوم الذى يصادف عطلة الأب وأبنائه، انكشفت فضيلة وهى خارجة من ظلمات القاعة نحو أنوار الزقاق، فاجأتها الذبابة الخضراء الواشية، وشاهِد الأب المخْبر، أو بالريح التى حملت الخبر إلى أذن الملك الشيطان، وهكذا تعرَّضت فضيلة لأشْنع عقاب في حياتها، لم تكفَّ عن الابتهال والبكاء والوعْد بعدم الحياد عن الصراط المستقيم، وتجنب طريق السينما".
البناء السردي للنص يسير في خطين دراميين متوازيين لا يتقاطعان، خط يقرأه السارد من مدونة كتب فيها سيرة حياة "فضيلة" العاشقة، ومعاناتها في مقاومة حب مستحيل لفنان مصري، ليس لديها أي فرصة في لقائه، بل وزاد من تراجيدية هذا الحب أن هذا الفنان المصري تحديدا ممنوع من دخول المغرب، وخاصة بعد مناصرته للجزائر في "حرب الرمال"، حيث غنى للقومية العربية، وناصر في أغانيه الجزائر مما جعل المغرب يتخذ منه موقفا عدائيا، حتى أن" فضيلة" في فرحها الذي أجبرت عليه طلبت من الفرقة الموسيقية التي تحيي الحفل أغنية "بحلم بيك" لعبد الحليم حافظ فغضب مندوب السلطات، وكاد أن يقوض الحفل لولا توسط البعض. يقوم السارد الذي يعمل صحافيا في جريدة كبرى، وكلف من قبل رئاسة تحريرها أن يكتب تحقيقا عن وضعية المرأة المغربية، فتقع في يديه سيرة حياة العاشقة "فضيلة"، فيقوم بسردها في تقاطعات درامية، تكشف عن معاناة النساء في مجتمع عربي ذكوري، مقدما خطابا نسويا كاشفا ينتصر لهن. 
أما الخط الدرامي الآخر، فيقوم بالسرد فيه ذات السارد، ليكشف عن شخصية درامية ثرية هي شخصية "منى" الراقصة الشابة التي ترى في الرقص معنى فلسفيا وجوديا يكشف عن خطاب صوفي لا يرى في الجسد أو الرقص تأثيما أو إدانة، بل يرى فيه وصلا لما بين الأرض والسماء. من خلال وصفه لشخصية منى وعلاقة السارد بها، يكتب المؤلف رؤيته للعالم، للجسد والوجود الجسداني، يكتب فلسفة الرقص والتمثلات الجمالية للغة الجسد "وجدت منى فى الكوريغرافيا منفذا لحياتها، ومخرجا من هواجسها وخوفها اليومي، وما يعجز اللسان عن قوله كان الجسد يقوله، فالرقص يخلق من جديد مكنون القلب والروح، ومنى اكتشفت وهى تراقب الأطفال أن الرقص هو التعبير الأول للإنسان، قبل الكلمات، والاضطهاد الذي عاشه الناس فى السابق كما الرقابة اليوم، يحركان الأجْساد، فعوض أن تتعرض الأجساد لبثور فى الجلد أو للشلل المجهول مصدره، كانت تتحرك، تطرد الألم والشر من مسامها وتتحرَّر من الخطايا المحرَّمة فى التفكير.. قالت إن الجسد الذى يتعرض لكل أشكال التشنيع من قبل كارهي الفن، الذين يعتبرونه أداة من أدوات الشيطان، هذه الأداة التى خلقها الله على صورته والتى يستغلها الشيطان، وهو مع ذلك سندنا الوحيد، والدليل على وجودنا من لحم ودم، وهو أيضا موطن نفسنا الأثيرية، أشارت منى إلى أن القدماء كانوا أشد ذكاء منا، لأنهم كانوا يعرفون أن الجسد كان الرابط بين السماء والأرض، فهذا البدن اللصيق بالأرض يحمل رأسا يتعالى بين الغيوم ويسعى للطيران ليتخفّف مما يشدّه للأرض، ولحظات الوجد والصلوات والشعائر تحرّر النفس من قوْقعتها ومن قفصها الضيق، تدافع منى عن أن الرقص، عكس الجنون، هو علة الجسد، الجنون يُفْقِد المرء سلْطانه على نفسه وعلى الكلمات والصورة؛ والجسد المجنون كيان هائم وضبابى يطفو خارج الحدود المعطاة، أما الرقص فيحرر الجسد من الأرض، ويرسم تخومها ويمنح الروح والبدن تناغمهما، رقصة الحواس التى يؤججها قرْع الطبل.. الشعوب الثائرة ترقص.. والشعوب المتحررة ترْقص".
وبين هذين الخطين الدراميين تدور تفاصيل الرحلة من الدار البيضاء حتى مراكش يشاركه في صنع الأحداث مجموعة من السائحين قدموا للبحث عن الدهشة والبكارة خروجا على آلية الحياة في الغرب "حين التقيتُ منى، لم تعدْ لي أى رغبة فى نُشْدان أى شيء عموما، وبالأخص الرغبة فى الغواية، كنت متأكدا من أني بلغت خريف العمر؛ فأوراقي كانت تتساقط الواحدة تلو الأخرى، وآخر الثمار المتعفنة لا تنتظر سوى اتباع مصير أخواتها، ذلك أن ما تبقى من نسْغ يسْرى فى عروقىلم يكن كافيا لكى يلِد لا أوراقا ولا ثمارا جديدة، كنت فى الطريق إلى أن أُصبح عاريا كما شجرة تين فى الشتاء؛ وتلكم هى الشتيمة القصوى للزمن".


محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @