أطعمة قدماء المصريين.. قدح من الماء يروي الغلة

أطعمة قدماء المصريين.. قدح من الماء يروي الغلة

اخر تحديث في 10/15/2020 7:17:00 PM

أسماء عبد الهادي

كان الطعام المحرك الأساسي للإنسان، والعامل الرئيسي الذي ساعده على الاستقرار، وتختلف طرق الطعام من مكان إلى آخر بحسب موروث وثقافة كل منطقة، وربما ساهمت التأثيرات الخارجية في تغير بعض العادات الغذائية وطرق الطهي، وربما أدخلت بعض أنواع الطعام والمكونات المختلفة التي شكلت في النهاية الشكل الأخير للطعام المصري، إلا أنها مازالت تحتفظ حتى الآن في صعيد مصر وبعض أقطارها بنفس الطرق المتوارثة من مصر القديمة.

الشلولو

في الفترات الأخيرة ظهر العديد من القنوات التلفزيونية الفضائية الخاصة بالطبخ وأسراره وكذلك المجموعات "الجروبات" الخاصة بالسيدات التي حصدت الكثير من المتابعين لها، وقدمت كل ما يخص المرأة من الأساليب الحديثة المتبعة لتربية الأبناء، طرق الاهتمام والعناية المنزلية والشخصية، وكذلك التنافس في تقديم أشهى الوصفات والحلويات. 
وفي الشهور القليلة الماضية تصدر "الشلولو" وجبة الفقراء قائمة الأطعمة الوقائية؛ حيث يتكون من الثوم والبصل والليمون وبطلها الملوخية الجافة والتي تعد بماء بارد فهي ذات قيمة غذائية عالية، فكل مكوناتها بمثابة مضادات حيوية طبيعية، فضلا عن الفوائد المذهلة لليمون فهو مصدر ممتاز لفيتامين "C" الذي يعزز الجهاز المناعي، وهذه الوجبة ذات الأصل المصري القديم من أكثر الوجبات الشعبية تناولا في صعيد مصر، واستخدم قدماء المصريين الملوخية وأنواعًا أخرى من الورقيات كالسبانخ وأوراق اللوبيا والخبيزة والرجلة بنفس الطريقة المتبعة حاليًا وكانت تفرك "بالمفراك الخشبي" هو عبارة عن أداة لتقطيع الطعام لقطع صغيرة ومستخدم حتى الآن في صعيد مصر لإعداد "الويكا" وهي أحد طرق طهي البامية.

الفول 

من المأكولات الشعبية المصرية ذات الأصل المصري القديم "الفول" فهو يكاد يكون وجبة الإفطار اليومية عند الكثير التي تساعد على نشاط الجسم يحتوي على حمض الفوليك والمنجنيز، وفيتامين  "A،B،K"  والكثير من المعادن التي يحتاج اليها الجسم كالحديد، الفسفور، والبوتاسيوم وغيرهم، وهو من أكثر البقوليات استخدامًا في مصر وتمتد جذوره المصرية القديمة إلى الأسرة الخامسة حيث عثر عليه في مقابرهم، وبرع المصري في طرق طهيه فاستخدم الفول الأخضر "الحراتي" المستمدة من "إيراتي" في عمل الحساء، كما قام بطهيه كنوع من الخضراوات، واستخدم الفول "المدشوش" بعد نقعه في الماء وطحنه في الرحاية، فعمل منه البصارة، كما أضاف إليه بعض أنواع الخضرة كالشبت وشكل على هيئة أقراص دائرية تقلى في الزيت والتي تشبه "الفلافل"، وقام بتدميسه عن طريق وضعه في "قدرة" تدفن في رماد الفرن أو يضع "الملذ" داخل فرن الخبز، وهي نفس الطرق المتبعة حتى الآن في صعيد مصر. 

الحمص والعدس والترمس

عرف المصريون "الحمص" والذي اختلفت طرق أكله فكان يدمس مثل الفول أحيانًا، ويأكل أخضر "الملانة" مع الجبن، وهو مصدر غني بالألياف الغذائية التي تساعد في الحفاظ على الجهاز الهضمي، كما تناول "العدس" والذي عثر عليه في مقبرة الملك "زوسر"، ونقشت طريقة طهيه على جدران مقبرة الملك "رمسيس الثالث". كما اتبع المصريون المعاصرون نفس طريقة أجدادهم في تمليح الترمس وهو من البقوليات التي تحتوي على نسبة كبيرة من الزنك، المنجنيز، البوتاسيوم والماغنسيوم والتي تحافظ على سلامة القلب وتقوية المناعة فضلا عن أنه من مضادات الأكسدة، كما يحتوي على فيتامين "B،C" . 

الخبز

احتل الخبز المرتبة الأولى عند المصريين، وعرف منذ عصر البداري وكان على مقدمة قائمة الطعام اليومي، وظهر بشكل واضح على نقوش جدران المعابد والمقابر، وقدم أيضا كقرابين للمعبودات في المعابد، وكذلك القرابين الجنائزية للموتى، صنع من الشعير ثم بعد ذلك أضيف إليه القمح واستخدمت "الرحايا" في طحن الغلال لفصل القشرة الخارجية عن الحبوب وتحويلها إلى البودرة "دقيق" وهي عبارة عن حجرين من الصوان العلوي أصغر من السفلي وتوضع الحبوب في فتحة من منتصف الحجر العلوي ويتم تدويرها باليد المثبتة فيه، كما استخدم الخميرة بنفس الطريقة المتبعة حاليًا وهي وضع قليل من الحبوب "الغلة أو العدس أو السمسم" في إناء صغير محكم الغلق ثم يضاف إليهم اللبن ويترك في مكان دافئ حتى اليوم التالي، واختلفت طرق خبزه ومسمياته في أنحاء مصر مثل "الشمسي، الرغفان البتاو، الملتوت، المنطط، الخمريت، المرحرح"، هناك أيضا الفطائر والمخبوزات مثل "المشتلت، القرص، الفايش"الشريك"، الرقاق، وجُرس"، وأيضا صنع الفطائر المحلاة بالعسل منذ الأسرة الثانية وهي تشبه "المسبوبة" الصعيدي و"الكاويكاوي" النوبية، ومازال "رغيف العيش" أساس وجبة الطعام عند المصريين لما يحتويه من ألياف تساعد على الشبع.

الفاكهة

أحب المصريون الفاكهة وقاموا بعصرها، وزرعت البساتين التي ضمت الكثير من أنواع الفاكهة مثل "البطيخ، الشمام، الجميز، التوت، النبق، حب العزيز، الخوخ، الكمثرى، التفاح، اللوز، والدوم"، عرف أيضا الرّمان وكان يتناوله طازجًا أو مشروبًا ونقشت شجرة الرّمان على أحد جدران مقابر تل العمارنة، كما أنه زرع النخيل وتناول البلح رطبًا وجافًا، وأما "العنب" حصل على المركز الأول عند المصريين، فتناوله طازجًا كما عمل على تجفيفه "الذبيب" وقام بعصره وصنع منه "النبيذ"، حتى أوراقه استخدمها كطعام، وحرصت الطبقة الغنية منهم على زراعة حدائق منازلهم بأنواع متعددة من الفاكهة والتي كان على رأسها "العنب" ويليه "التين" الذي استخدمه أيضا في صناعة أحد أنواع النبيذ، والنخيل والأشجار، وغيرهم من الثمار.

الألبان والأسماك واللحوم

 "منتجات الألبان على جدران المقابر"، وبما أن النيل شريان الحياة المصرية القديمة، فكان مصدرًا أساسيًّا للشرب والزراعة والتنقل خلال رحلاته إلى أقطار مصر، كما كان مصدرًا مهمًّا للغذاء الذي اعتمد عليه المصري وهو "السمك" وأنواعه المختلفة مثل "البلطي، البياض، قشر البياض، البساريا، والقراميط" وهو من الأطعمة المفضلة عند المصريين وتناولها بطرق مختلفة ولعل من أهمهم طريقة التمليح "الملوحة والفسيخ". 
لم تخلُ موائد المصريين القدماء من اللحوم والطيور مثل "لحم البقر، العجول، الماعز، المها، الغزلان، الشاه، الثيران، الأرانب البري، الأوز، والبط" وصورها على جدران المعابد والمقابر وورث المصريون أيضا من أجدادهم طرق طهي اللحوم، وصوروا بوضوح طريقة سلقها على جدران مقبرة "إبي" بدير الجبراوي بأسيوط، وقام بشي الطيور، واستخدم الألبان، فصنع "القربة" المصنوعة من جلد الماعز، والأواني الفخارية البيضاوية "الزبدية" في خض اللبن ليفصل الذبد عن الماء وتصفية ماتبقى على حصيرة من البوص لصنع الجبن "القريش"، كما عمل القشدة والسمن عن طريق سلي الزبدة واستخلص "المرتة"، وعمل أيضا جرار الجبن القديم "المش" وأضاف اليه الشطة الحمراء والترمس لحفظه من التعفن، ومنع ظهور الدود، وصورت طريقة حلب اللبن على جدران مقبرة "كاجمني" بسقارة. ووصلت إلينا هذه الطرق الموروثة في صناعة منتجات الألبان وتستخدم حتى الآن في صعيد مصر والنوبة، والمناطق البدوية والريفية.
استخراج المصري القديم الزيوت من "بذور الكتان، الخروع، وبذور السمسم، القرطم، والزيتون" بعد عصرها، ولم يقتصر استخدامها في إعداد طعامه فقط، ولكن استخدمت في التحنيط والوصفات الطبي. 

ثقافة الطعام "الإتيكيت"

كان المصريون القدماء من أوائل الشعوب التي وضعت قواعد ثقافة الطعام والشراب وآداب المائدة وبرغم ماتحويه مائدة الطعام من خير كان يميل المصري إلى الاعتدال في تناول الطعام محاولا الحفاظ على رشاقته وصحته وظهر ذلك واضحًا في التماثيل ونقوش الجسد والتي يغلب عليها النحافة واللياقة الجسدية ومن أشهر الحكم عن آداب الطعام تلك التي أوصى بها "خيتي بن دو اوف" إبنه "بيبي" قائلا: "كن قنوعا بطعامك إذا كان يكفيك ثلاثة أرغفة، وشرب قدحين من الجعة، فإذا لم يكن بطنك قد اكتفى بعد فحاربه"، وفي موضع آخر من الآداب النصائح التي دونها الحكيم "كاجمني" حيث يقول: "إذا جلست مع أناس كثيرين للأكل فانظر إلي الطعام بعدم مبالاه، وإن كنت تشتهيه فضبط النفس لا يكلف الإنسان أكثر من لحظة وأنه من العار أن يكون الإنسان شرها، فقدح من الماء يروي الغلة". 

مناظر الحياة اليومية

من أجمل المناظر التي تصور للحياة اليومية عند المصريين تلك الموجودة على جدران مقبرة نخت بمقابر النبلاء بجبل الشيخ عبد القرنة، وتحتفظ بألوانها الزاهية حتى الآن وصور عليها طرق زراعة القمح وكيله، والحصاد، وهناك من يقوم بعملية صيد الطيور وآخر ينزع ريشها ورجل آخر يقوم بتنظيفها، ومناظر قطف العنب وعصره بالأرجل وتعبئته في الجرار، وصناعة النبيذ، ومن أجمل المناظر التي صور فيها رقي المصريين، منظر لرجل ضرير جالس على آلة القيثارة "الهارب" يعزف لمجموعة فتيات، أسفل هذا المنظر مجموعة من الرجال يلتقون حول إحدى الولائم وهم يستمتعون بأنغام الفرقة الموسيقية التى تتكون من ثلاثة فتيات الأولى تعزف على "الهارب"، والثانية تعزف على "العود" وترقص في نفس الوقت، والثالثة تنفخ في "المزمار."


اسماء نور

اسماء نور

راسل المحرر @