الباتشورك.. حوار الأقمشة والألوان بين الشرق والغرب

الباتشورك.. حوار الأقمشة والألوان بين الشرق والغرب

اخر تحديث في 8/13/2020 3:19:00 PM

نورا حمدي          

فن الباتشورك هو فن خياطة قطع مختلفة الأنواع والأحجام من الأقمشة وحياكتها لتكوين قطع جمالية، ويعرف بفن الاحتياج؛ فعندما استخدم الإنسان الجلود في صناعة الملابس لحمايته من تقلبات الطبيعة؛ وتجديد المتهالك من ملابسه، فبدأ باستخدام المناسب منها ووضعه علي الممزق لإخفاء عيوبه ومن هنا جاءت تعريفه بفن الترقيع، فهو فن تدوير بقايا الأقمشة من وحدات مع بعضها البعض؛ بعضها بشكل منتظم والآخر عشوائي.

الباتشورك تاريخيا

تعود جذور هذا الفن إلى العصر المصري القديم في ظل حاجة الإنسان وخاصة المرأة للاستفادة من بقايا الأقمشة والجلود وغيرها، حيث توجد في المتحف المصري قطعة ملابس للملك توت عنخ آمون في عهد الأسرة 18 مصنوعة من الكتان بطريقة الباتشورك، وهي عبارة عن ثلاث طبقات ومطعمة بالذهب؛ وفي عهد الأسرة 21 نجد خيامية وجدت فوق مومياء الملكة "ابست إم محب" وبها العديد من صور فن الترقيع، وبها المربعات ذات اللونين الأحمر والأزرق في الشريط العلوي الذي يحكي قصة الملكة؛ وإذا نظرنا إلى طريقة وصل المربعات نجدها كطريقة ربط قطع الباتشورك الآن؛ ويتضح الترقيع في بعض أجزاءه.

وفي العصر القبطي وجدت أمثلة لأشكال من الأثواب المضاف عليها النسيج الملون حول الرقبة والأكتاف علي شكل أشرطة ملونة من النسيج المستخدم سواء من الكتان أو القطن.

وفي لوحات المومياوات المصرية القبطية التي اكتشفت عام 1880 وعرفت بوجوه الفيوم، وجدت وحدة الـ«لودج كابن» وهي أول وحدة "باتشورك".

وفي العصر الإسلامي نجدها في فن خيام الرنوك "العلامات" المملوكية التي يختارها السلطان ليتميز به ملبسه، كما نجدها تعبر عن وظيفة من يرتديها.

وانتشر هذا الفن في إيران من القرن السادس عشر وعرف باسم "رشت" كناية عن منطقة رشت الواقعة علي بحر قزوين.

أنواع الباتشورك وعلاقته بالخيامية:

لفن الباتشورك أنواع مختلفة في طريقه صنعه وخاماته:

1.  (الهيكساجون) تكون فيه قصاقيص الأقمشة سداسية الشكل

2.  (السيمونول) شرائط يتم تجميعها

3.  (الويلز) مثلثات الأقمشة المتداخلة

4.  (المولا) مجموعة من طبقات الأقمشة تُحاك بطريقة خاصة.

وتعد السيرما والخيامية شكلين من أشكال الباتشورك حيث ظهرت في الحضارة الإسلامية خصوصًا في عهد الفاطميين والمماليك، وامتلأت الأقمشة بالنقوش والزخارف المختلفة، كما اقترن بقداسة خاصة في تزيين "كسوة الكعبة" بخيوط الذهب والفضة، إذ كانت مصر تتولى تصنيعها وتزيينها وإرسالها حتى ما بعد منتصف القرن الماضي، وقد أطلق عليها خيامية نسبة إلى الخيام وهي قطع أقمشة متصلة بخيوط وبأشكال مختلفة تزين بها الخيام والسرادقات التي تقام للاحتفالات الشعبية والدينية والموالد وغيرها؛ وتتميز بألوانها الزاهية وحجمها الهائل، وتحمل في طياتها زخارف إسلامية نباتية وهندسية؛ واعتبرها البعض في مصر فنًّا مهنيَّا يوجد لها أسواق خاصة بالحرفيين في حي الحسين والغورية وخان الخليلي.

وقد ظهرت الخيامية في العصر الفاطمي على شكل مظلات وشمسيات، وفي العصر الأيوبي صنعت منها القباب، كما انتشرت هذه الطريقة في الزخرفة في العصر العثماني، ثم تطور هذا الفن، ليتم الاستفادة من خلاله من البقايا والعوادم التي تنتج من المصانع، واستغلالها بطرق مختلفة في عمل المفارش، وعمل تصميمات الملابس والحقائب والأحذية والبسط.

الباتشورك من الشرق للغرب:

انتقل فن الباتشورك في الحروب الصليبية من الشرق إلى أوروبا وبدأت كل دولة أوروبية تضيف له وأصبح له صور مختلفة.

 ففي إيطاليا أضاف وافن (التروبنتو) للباتشورك وهو عبارة عن مربعات تعتمد على لون واحد من القماش والخيط، بينما أدخلت فرنسا فن النجوم عليه.

وكان لهولندا الفضل في إدخال شكل "طواحين الهواء"، بينما أضافت ألمانيا فن "أطباق دريزدن" وهكذا ابتكرت أوروبا صناعة الألحفة بالباتشورك، التي يكون اللحاف فيها عبارة عن ثلاث طبقات هي الباتشورك والحشو والبطانة. وفي سنة 1500 بدأت هجرة الأوروبيين إلى أمريكا، فأخذوا معهم هذه الفنون، وهناك تطور هذا الفن وأقيمت له المتاحف، مما يعطي الانطباع بأنه وُلد في أمريكا، كما استخدم في الأزياء حيث تتم الاستفادة من الأقمشة الفائضة من مصانع الملابس، ومنها لعمل لوحات فنية وكان للمصممين مثل جوتشي دور مهم في تطوير هذا الفن واستخدامه في منتجاته.

ففن الباتشورك لم يقتصر عمله في مجال قصاقيص الأقمشة فدخل مجال أعمال الكروشيه كما استخدم في الكليم والسجاد.

ومن أهم أهداف فن الباتشورك هو الاستفادة من الإمكانات التشكيلية والتقنية لبقايا الأقمشة سابقة التصميم وما بها من تعدد فى المعالجات التشكيلية وطرق الصياغة بما يسهم بشكل مباشر فى الوصول إلى منتج مبتكر ذو طابع جمالي يمكن الاستفادة منه في الحفاظ علي التراث وتمكين المرأة، وحل العديد من المشكلات المجتمعية وفي مقدمتها البطالة.

المصادر:

  • فنون الحرف اليدوية في مصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2008.
  • د. صفاء صالح محمد أحمد، استحداث أساليب فنية في ضوء الدمج بين التراث والفن الحديث رؤية تشكيلية لجماليات فن الخيامية بتناول بعض الأساليب الصباغية كمدخل لمفهوم الأصالة والمعاصرة.
  • إيمان محمد عباس الضبع، إمكانية الاستفادة من هالك صناعة الملابس الجاهزة في أعمال الباتشورك بإضافات بعض المعادن لإثراء المعلقات الفنية، رسالة ماجستير، جامعة المنوفية، كلية الاقتصاد المنزلي. قسم الملابس والنسيج، 2019.

شاهد بالصور


نورا حمدى

نورا حمدى

راسل المحرر @