«البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبى فى مصر» رؤى نقدية على مائدة المركز الدولى للكتاب

«البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبى فى مصر» رؤى نقدية على مائدة المركز الدولى للكتاب

العدد 956 صدر بتاريخ 22ديسمبر2025

أقيم الخميس الماضى بالمركز الدولى للكتاب ندوة وحفل توقيع كتاب «البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبى فى مصر» تأليف الكاتب والناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا وذلك برعاية الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور خالد أبو الليل . أدار المناقشة وحفل التوقيع الكاتب عماد مطاوع، وتحدث فيها كل من الأستاذ الدكتور محمد زعيمة والمخرج القدير عصام السيد بحضور كوكبة كبيرة من المسرحيين والصحفيين والإعلاميين، منهم الناقد محمد الروبى رئيس تحرير جريدة «مسرحنا»، الكاتب محمد عبدالحافظ ناصف رئيس المركز القومى لثقافة الطفل ومستشار رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الإعلامى عبدالحميد السيد، الباحثة الثقافية والكاتبة سميحة المانسترلى، الإعلامى ياسر ذكى، أسامة قاسم مدير مكتب رئيس الهيئة العامة، الفنانة الدكتورة أمينة سالم، الكاتب سعيد حجاج، الكاتبة نسرين نور، الكاتب والسيناريست ممدوح فهمى، الكاتب والروائى أسامة عبداللطيف الكاتبة الصحفية همت مصطفى والكاتب إبراهيم حسن وعدد كبير من الإعلاميين والمسرحيين والصحفيينز

المسرح الشعبى قضية قديمة ومتجددة
واستهل المناقشة الكاتب عماد مطاوع الذى رحب بالحضور فى البداية موضحًا أن من خلال المناقشة نفتح باب الحوار والناقش فى قضية قديمة وستظل حتى قيام الساعة وهى فكرة المسرح العربى والمصرى، فهى قضية قديمة ومتجددة ولن تحسم، وهى طبيعية القضايا التى تتناول الفنون والعلوم الإنسانية. وأضاف أن المسرح الشعبى منذ البداية كان قد كُتِب عنه فى القرن التاسع عشر، حيث كان مصطلحًا ملغزًا كما قال الكاتب أحمد عبدالرازق أبوالعلا فى مقدمة الكتاب، وقد تناول هذا المعنى تاريخيًا بشكل رائع ومكثف بداية من بابات دانيال، مرورًا بخيال الظل والأراجوز وصولًا إلى الوقت الحالى.
وذكر قائلًا: “فى ظنى أن السمة الأكثر أهمية فى كتاب الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا «البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبى فى مصر» هى هذه الثروة التوثيقية والمعلوماتية التى تقدم ثراء للباحثين والمهتمين بالمسرح، واحدة على الأمانة الشديدة. فالقارئ للكتاب سوف يتخيل أن الذى كتبه هو رجل أكاديمى عتيد ولكنه مبدع حقيقى، والمبدع دائمًا يتقدم عن الأكاديمى بخطوة. والكاتب يضم مجموعة من المقالات التى نُشرت فى أكثر من مكان منها مجلة المسرح المصرية فى إصداريها من المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية وعندما عادت لهيئة الكتاب وتابع :» وسوف نترك المجال للكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا ليتحدث عن الكتاب.

“الاهتمام بالمسرح الشعبي: من العناصر التقليدية إلى الإبداع المعاصر”
وفى كلمته أوضح الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا أن اهتمامه بهذا الموضوع هو اهتمام قديم سبق ما جاء فى هذا الكتاب من مقالات كثيرة جدًا ودراسات متعددة، والسبب الحقيقى لذلك يتذكره فى لجنة المسرح مع الكاتب القدير محمد أبو العلا السلامونى رحمه الله، حيث اقترح عمل يوم لمناقشة المسرح الشعبى من خلال لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وتم تكليفه بعمل دراسة عن هذا المسرح. فذهب إلى مسرح أبو العلا السلامونى واكتشف أنه كان لديه عشر نصوص مسرحية تندرج تحت هذا العنوان. وعندما تعامل مع عناصر الفرجة الشعبية لم يقدم هذه العناصر كما هى، بل قام بتوظيفها بشكل إبداعى.
واستشهد أبو العلا بمقولة د. عز الدين إسماعيل، وهى مقولة حقيقة وموجودة فى الكتاب، وهي: «ليس معنى أن تحضر أراجوزًا أو خيال ظل فى النص المسرحى أنك تقدم مسرحًا شعبيًا، ولكن القضية تكمن فى كيفية توظيف هذا العنصر لتصنيع عنصر جديد مشابه له تمامًا.» وهنا يصبح تقديم المسرح الشعبى هو تقديم العنصر الشعبى بروح إبداعية، وليس مجرد نقْل عن السيرة المتعارف عليها.
وضرب الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا مثالًا لتوضيح فكرته، حيث قال: «عندما كتب الراحل محمد أبو العلا السلامونى مسرحية ‹تغريبة مصرية›، قدم بطلًا عاد من حرب 6 أكتوبر وتعرض لإصابة أفقدته الذاكرة. وعندما أعادوه إلى قريته، كان لا يعلم أين تقع قريته. بدأت رحلة بحثه عن قريته، وكأنها تمثل رحلة بحثه عن مصر.» وأوضح أبو العلا أن هذا البطل المسرحى يحمل جميع سمات بطل السيرة الشعبية، لكنه بطل معاصر، حضر حرب أكتوبر وعاد فاقدًا للذاكرة، فبدأ رحلة البحث عن بلده، وكأن هذا البحث عن بلده هو بمثابة البحث عن مصرز.
وأكمل قائلًا إن هذا البطل المسرحى يقدم سيرة معاصرة، تتماشى مع مفهوم السيرة الشعبية المتعارف عليها، ويصبح هنا الاستخدام شعبيًا وليس نقلًا حرفيًا للسيرة. كما قدم مثالًا آخر عندما استخدم عناصر الفرجة الشعبية فى مسرحية «المليم بأربعة»، حيث جلب كل عناصر الفرحة الشعبية الموجودة فى الموالد، وأعاد صياغتها لتتناسب مع العرض المسرحى، معلقًا بها على شركات توظيف الأموال.
وأكد الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا أن هذا الاهتمام بالمسرح الشعبى هو ما دفعه للانغماس فى دراسة هذا الموضوع بعمق. وأشار إلى ريادة يعقوب صنوع، حيث بدأ رحلة الريادة المسرحية مهتمًا بالسمات الشعبية. وذكر أن مسرحية «الدرتين» التى قدمها يعقوب صنوع عام 1872، تحتوى على سمات الأراجوز بوضوح، حيث تظهر العلاقة بين الزوج وامرأتين، مع مشاهد مشاكسة بين هذا «الثالوث الشعبى” من الزوجة والأراجوز، مما يعكس خصائص الأراجوز من سخرية وذكاء ووعى. وقال «ما جعلنى أتساءل لماذا ذهب يعقوب صنوع إلى هذا المنحى وقدم هذا النص بهذا الشكل، وهو ما دفعنى لقراءة العديد من الكتب التى تناولت عناصر الفرجة الشعبية وما يسمى بالمسرح ما قبل «فرقة أولاد رابية» و»المحبظين»، وكل ما تحدث عنه إدوارد رين عام 1884م. إذن لدينا مظاهر مسرحية عديدة استطاع يعقوب صنوع فى الريادة أن يستفيد منها بشكل أو آخر، وقد أهملناها جميعًا حتى هذه اللحظة. ومن ثم، جاء هذا الكتاب بعنوان «البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبي»، وقد أخذت هذا العنوان نفسه من كتاب للناقد الراحل عبدالرحمن أبو عوف بعنوان «البحث عن طريق جديد للقصة القصيرة»، وشعرت أن هذا العنوان مناسب جدًا، وذكرت ذلك فى المقدمة، حيث إننا ينبغى أن نبحث عن طريق جديد للمسرح الشعبى لأنه النوع المسرحى المتعلق بفكرة الهوية فى ظل الظروف العالمية التى نعيشها، وفكرة التغريب، والقرية الكونية، ومحاولة تهميش الثقافة.
إن الصراع أصبح بالفعل صراعًا حقيقيًا بين الثقافات، فلا بد أن نواجه هذا الصراع، والمسرح الشعبى هو القادر على حفظ الهوية؛ لأن مفرداته كلها موجودة فى الثقافة المصرية، مثل روافد الثقافة المصرية من التاريخ المصرى القديم، والبعد الإسلامى، والبعد الشعبى. فالتراث والفلكلور جزء من صناعة الثقافة المصرية حتى هذه اللحظة. لا يزال المصرى يتأثر ويتأثر فى سلوكه بكل هذه العناصر. فمازال الأراجوز قادرًا على إسعادنا، وما زالت السير الشعبية تؤثر فينا، ومازال خيال الظل موجودًا، وكذلك شاعر الربابة، والحكواتى، والسامر الشعبى. كل هذه المظاهر مرتبطة بالإنسان المصرى.
من أجل ذلك، يجب أن يهتم كاتب المسرح فى فكرته المتعلقة بـ «التأصيل»، وأن يذهب إلى كل هذه العناصر وكل عناصر الفرجة الشعبية، ليتمكن من توظيفها بشكل فعّال فى المسرح، ولإقامة علاقة جيدة بين المسرح والجمهور
“المسرح الشعبي: روح الإبداع وتجديد الهوية الثقافية
 فى كلمته، قال المخرج عصام السيد: «قد يبدو للبعض أن الكتاب متأخر فما فائدته الآن؟»، ثم تطرق إلى المسرح الشعبى الذى بدأ ظهوره مع سؤال الهوية: من نحن، وأين نحن، وما علاقتنا بالمسرح؟ هذا السؤال بدأ فى الظهور فى ستينيات القرن الماضى مع موجة المد الثورى، حيث وجدنا توفيق الحكيم ويوسف إدريس، ثم سعد الله ونوس، ليبدأ هذا السؤال فى الظهور بوضوح أكبر. وبعد حرب 67، طرح السؤال بقوة، فبدأ سعد الله ونوس ومحمد الماغوط بتقديم كتاباتهم. كما بدأت مجموعة من المفكرين فى التنظير مثل المسرح الاحتفالى فى المغرب، وظهرت العديد من الظواهر المتعلقة بمسألة الهوية.
وتابع السيد قائلًا: «هل هناك مسرح يمكن أن يكون بصيغة عربية أو مصرية تختلف عن المسرح الإرسطى الذى نشأنا عليه؟»، مشيرًا إلى أن أوروبا كانت تفرض علينا هذا المسرح، وإذا رفضناه، فقد كنا نعتبر متخلفين ولا نملك وجودًا. ثم أضاف: «أوروبا تتجه اليوم إلى ما يسمى بـ›ما بعد الدراما›، وإذا نظرنا إلى ‹ما بعد الدراما›، سنجد أن فيها العديد من الجوانب التى تتعلق بتفكيك القضايا فى الترتيب الزمنى، حيث لا يحتوى العرض على بداية أو ذروة أو عقدة». وبالتالى، توجهت أوروبا نحو هذا الاتجاه وأطلقت عليه اسم «ما بعد الدراما”.
وأشار السيد إلى أن المسألة لا تتعلق بأخذ التراث وتقديمه كما هو، بل بالمقصود بروح المسرح الشعبى. وذكر الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا فى حديثه عن روح المسرح الشعبى من ناحية الكتابة، بينما تحدث السيد عن الروح نفسها من ناحية الإخراج والصورة. حيث قال: «المسرح الشعبى لا يهتم بحالة ‹الإيهام الكامل›، فمن الممكن أن يخرج الممثل ويتحدث للجماهير فى الصالة، ثم يعود مرة أخرى». وتابع: «فى المسرح الشعبى، لا توجد قواعد ثابتة مثل الإيقاع الذى يعرض فى المسرح الأوروبى من البداية إلى النهاية، بل يمكننا أن نعبر عن أزمنة مختلفة ونعود إليها مرة أخرى”.
وأوضح السيد أن مسألة روح المسرح الشعبى تظهر فى العديد من العروض، مستشهدًا بمسرحية «عجبي» لصلاح جاهين التى تم عرضها على المسرح القومى بروح المسرح الشعبى، حيث كان العرض يحتوى على راوى يمثل الأراجوز وراوى آخر هو «درش» أحد شخصيات الكاريكاتير لصلاح جاهين.
كما أشار السيد إلى استفادة المسرح المصرى من المسرح الشعبى، قائلًا: «لقد ذكر الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا مثالًا عن استفادة المسرح المصرى من المسرح الشعبى عبر شخصية يعقوب صنوع». وأضاف أنه لا يقتصر الأمر على يعقوب صنوع فقط، بل إن الكتاب الغربيين مثل موليير استفادوا من «الكوميديا ديلارتي» التى تمثل المسرح الشعبى فى أوروبا. وأوضح أن المسرحيين فى مصر استفادوا أيضًا من هذا المسرح، وخاصة فى مجال الكوميديا، مشيرًا إلى الكاتب على سالم الذى رغم تأثره بالإطار الغربى، إلا أنه استفاد من روح المسرح الشعبى «إلى حد ما”.
وأكد السيد أن المسرح الشعبى ليس فقط النصوص التى تنتمى إلى السير الشعبية، بل إن له «روحًا» يمكن استغلالها. وأعطى مثالًا على ذلك روح «خيال الظل» التى يمكن أن تتجسد فى تقنيات مثل «الثرى دي»، مشيرًا إلى أن هذه الروح هى التى تجعل العمل قريبًا من الجماهير. وأوضح أن نجاح أفلام الدوبلاج، مثل «الأسد الملك»، كان نتيجة تقديم عبدالرحمن شوقى للقصة الأجنبية (قصة «هاملت») بصياغة شعبية وبألفاظ قريبة إلى الجمهور المصرى، مما جعل النسخة العربية تحقق نجاحًا كبيرًا .
وفى النهاية، أكد السيد أنه لا يمكن تصنيف كل عمل يحتوى على قصة شعبية على أنه مسرح شعبى، بل يجب أن تكون الروح الشعبية حاضرة فى العمل ليكون «مسرحًا شعبيًا» بالمعنى الحقيقى.
أمانة علمية عالية ومرجع أكاديمى رفيع يفتح أفاقًا جديدة لدراسات المسرح الشعبى

أما الدكتور محمد زعيمة فأوضح خلال مداخلته قائلًا:”
 الحقيقة أن الكتاب له مميزات من الناحية الأكاديمية، وأزعم أن الكتاب إذا قُدِّم كرسالة سيحصل على درجة علمية؛ فمستواه أعلى من الدرجة العلمية ذاتها، لأنه قُدِّم بأمانة علمية شديدة جدًا؛ فأى اقتباس قام بتوثيقه بحسب المصدر الذى حصل منه على المعلومات. كما أن الاقتباسات التى أخذها أسعدتنى كثيرًا؛ لأنها لبعض الشخصيات المهمة فى تاريخ الحركة النقدية، وبعضهم أساتذتى. فسعيد جدًا ببعض الاقتباسات المأخوذة عن الدكتور إبراهيم حمادة، أستاذى الذى تعلمت منه، وأنا منحاز له، وهى اقتباسات موفَّقة.
والشيء الثاني: أن الكتاب هو ثانى كتاب للكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا بالطريقة نفسها؛ فإذا فتحنا الكتابين سنجد أنهما يشيران للباحثين إلى موضوع رسالة. فإذا أردتُ تقديم الإخراج فى المسرح الشعبى فسيكون ذلك عند المخرج الأستاذ عصام السيد؛ فهناك نماذج، وبالتالى أستطيع أن أبحث عن النماذج الأخرى، مثلما قال الأستاذ عصام السيد: مسرحية «عجبي»، ومسرحيات أخرى كثيرة موجودة؛ فبالتالى تفتح المجال لدراسات أخرى أكثر تعمقًا. وقد قام بذلك فى الكتاب السابق، وهو «التجريب فى مسرح الثقافة الجماهيرية»، وسنجد جزءًا خاصًا بمسرح الشارع ومسرح الجرن؛ إذن الكتاب كتاب مهم.”
 وتابع قائلًا: هناك بعض المآخذ؛ فبحكم المتابعة سنجد أن معظم الكتاب دراسات سابقة ومصغرة، ويتم تكوينها بما ينتمى لهذا العنوان، وهو ما أدى إلى وجود بعض الأجزاء التى بها نوع من التكرار. فسنجد—على سبيل المثال—أنه يتم شرح جزء خاص بالمخرج عصام السيد عندما نتحدث عن المسرح الشعبى، وكذلك عندما نأتى للجزء الخاص بالمخرج عبدالرحمن الشافعى سنجد أيضًا التكرار بنفس المعانى، وهكذا؛ وهو ما يفصل القارئ، وكان الأمر يحتاج إلى بعض المراجعة، أو عمل مقدمة خاصة، وبعد ذلك الدخول فى صميم الموضوع. ولكن فى النهاية هو مجهود مهم.
والشيء الثاني: أننى قرأت الكتاب بوجهتين نظر. الجزء الأول بنفس المعنى، وهو «البحث عن طريق جديد للمسرح الشعبي»، وكنت أفضل أن ينتهى العنوان بـ«المسرح الشعبي» فقط؛ لأن الأمر مفتوح، وذلك لأن يوسف إدريس قام بتطويرها نحو مسرح عربى، وأشار إليها الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا؛ فهناك إشارات للنماذج الشعبية العربية داخل الكتاب. فجميع النصوص التى تحدثت عن هذا النوع شاهدتها أو قرأتها؛ فبالتالى يحقق لدى فى القراءة الحنين لهذا الماضى، فأتذكر عرض المخرج عصام السيد والمخرج عبدالرحمن الشافعى. فمن أوائل عروض الأستاذ عصام السيد فى هذا المنحى العرض المسرحى «درب عسكر»، وتقديمه فى القاعة الدائرية.
ومن الناحية الأخرى، وباعتبارى أستاذًا، أتخيل كيف سيقرأه تلامذتى، ومثلما أوضح الكاتب عماد مطاوع سيقرأونه بشكل معلوماتى توثيقى معرفى يعطيه الطريق للبحث؛ إذن الكتاب يحقق الاثنين وتابع قائلًا:” سأقف عند جزء أو جملة قالها الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا، وأعلم أنها نوع من الانحياز، وأنا مثله منحاز للثقافة الجماهيرية، وأرى أن الثقافة الجماهيرية بالفعل من أهم التجارب الفنية والمسرحية فى تاريخ مصر؛ فالتعامل معها ليس بسيطًا، وهو فى غاية الصعوبة، لانتشار كل الفرق الموجودة بها.
وقد أوضح الكاتب أحمد عبدالرازق أبوالعلا أن التجارب الخاصة بالمسرح الشعبى كلها كانت فى الثقافة الجماهيرية، ولكن هناك تجارب أخرى موجودة خارج مسرح الثقافة الجماهيرية؛ منها تجربة «درب عسكر»، و«عجبي»، و«شرم برم»، و«المليم بأربعة». لم تكن هذه التجارب ثقافة جماهيرية، بل إن تجربة «المليم بأربعة» عُرضت فى مسرح القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال: مسرح المخرج الكبير جلال الشرقاوي—رحمه الله—لم يكن مسرحًا تجاريًا، وليس عيبًا أن يكون تجاريًا ويحقق مكسبًا، ولكنه كان مسرحًا له توجهات مهمة فى تاريخ ومضمون المسرح المصرى، وهو ما يدخلنا لعدة تساؤلات.
واتفق تمامًا مع المخرج عصام السيد فى أن المد الثورى، وأيضًا النكسة، كانا أسبابًا فى البحث عن هويتنا. ولكن حينما طرحتُ—وقالها الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا فى ثنايا الكتاب—وهو الأمر الذى نقف عنده كثيرًا: لماذا توفيق الحكيم ويوسف إدريس—رغم دعواتهم—لم يكملوا المشوار إلا فى أشياء معدودة؟ ولدينا كاتب آخر قدم مسرحًا شعبيًا، ولكننا لا نذكره فيما يخص المسرح الشعبى، وهو يعد من أهم المؤلفين العرب، وهو الكاتب محمود دياب، فقد قدم مسرحيات مثل «الزوبعة» و«ليالى الحصاد.»
وأضاف قائلًا :»جميل ما قاله الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا: إن سبب الموضوع هو النظرة المتدنية للثقافة الشعبية، وهو شيء حقيقى. وأنا شخصيًا، حتى التحاقى بالمعهد، كنت أنظر للثقافة الشعبية بمفهومها العام على أنها أقل منا—الفلاح أقل منا—إلى أن جاء الدكتور أحمد مرسي—رحمه الله—وعملنا معه على التراث، وجاء بعده—رحمه الله—الدكتور رجب النجار، فأصبح منظورنا للموروث مختلفًا، وحدث التحول. فقد قمت بعمل رسالة الماجستير فى «الحكايات الشعبية»، ولكن ظل لدى التساؤل الذى طرح فى الكتاب، ولم أجد له إجابة.
فكل الدراسات التى قُدمت عن الدعوات والتأصيل، والتساؤل الملح بالنسبة لي: هل الطريق أو المسرح الشعبى شكل فقط أم مضمون؟ فالكاتب توفيق الحكيم عندما كتب «قالبنا المسرحي» فهو قالب سنصب فيه، وقلائل من لديهم نفس ملاحظة المخرج عصام السيد عن المسرح الملحمي؛ فالمسرح الملحمى هو مسرحنا الشعبى.
ولكن الأجابات غير المباشرة التى وضعها الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا: عندما نأتى نقف عند مسرحية «الدرتين»، يأخذ يعقوب صنوع من المفردات الشعبية؛ فـ«الدرتين» بها «الفرفور» ليوسف إدريس، والأراجوز. وعندما كنت فى ندوة عن الأراجوز، وعن الأعمال التى قدمت الأراجوز، هذه الأعمال ليست شرطًا أن تكون الأراجوزَ بحتا؛ فنأخذ الأعمال ونتعامل معها بشكل عصري—«الأرجزة»، على سبيل المثال.
فيلم «عنتر ولبلب»، وفيلم «الأراجوز» لعمر الشريف، قام بتقسيم الشخصية الواحدة إلى اثنين، وهما الأراجوز والبطل. فعندما يقدم منولوجات مع الأراجوز، فهو يعد منولوجًا نفسيًا يتحدث مع الأراجوز، ويتحدث الأراجوز معه.
وأوضح الدكتور محمد زعيمة أن الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا يطرح فى الكتاب كيفية التعامل مع التراث، مشيرًا إلى أنه كان يتبنى فى البداية أن الأمر قد يكون فيه نوع من أنواع المباشرة، لكن القضية الأهم تظل: كيف نتعامل مع التراث والموروث؟ وهل الفكرة هى “قالب”؟ وهل الموضوع هو تشخيص لقالب سنصب فيه المضمون؟ وأضاف أنه بالرجوع إلى المسرح الأوروبى نجد أنه فى الأصل يونانى، ولم يقفوا عند هذه المنطقة، لافتًا إلى أن المخرج عصام السيد ضرب مثالًا بموليير، وبمسرحية «حلم ليلة صيف» لشكسبير، مؤكدًا أنها حكاية شعبية يقوم بتحويلها وتفكيكها بشكل خاص بنا.
وتابع أن كثيرًا من المستشرقين الذين توقفوا عند هذا الأمر—ومنهم من ذكرهم الأستاذ أحمد عبدالرازق أبو العلا مثل إدوارد رين—لم يصلوا إلى تاريخ محدد أو بداية للمسرح الشعبى، إلا أنه يؤكد أنه حسم الأمر بقوله إن المسرح فن إنسانى، وأى مجتمع يحتاج إلى الشكل التمثيلى، وهو أمر مهم.
واستطرد موضحًا أن الرجل البدائى الذى كان يقوم بجمع الناس فى “الحلقة” يُعد من بدايات هذا الشكل، وإن كانت بدايات لم تستمر كثيرًا؛ فعلى سبيل المثال كان اليونان القديم يقدم هذا النوع لمصلحة مجتمعه، حتى تكون البنية الاجتماعية ثابتة، لكن المسرح الشعبي—بحسب تعبيره—هو مسرح يؤدى إلى ثورات، لأنه بالفعل يجعل العقل مستيقظًا.
وأشار إلى أن الكتاب طرح مجموعة كبيرة من النماذج المهمة، معربًا عن سعادته بوجود أسماء مثل الكاتب أبو العلا السلامونى، ومحسن مصلحى، ومحمد نصر ياسين ضمن الكتاب، موضحًا أن بعض المسرحيين ربما لا يعرفونهم، لكن لهم مكانة كبيرة. ووجّه الشكر للأمانة التى أعطت بعضًا من الحقوق والواجبات التى علينا تجاه الفنانين والمسرحيين أصحاب المكانة، مؤكدًا: “لا ننسى الأستاذ عبدالرحمن الشافعي”، إلى جانب العديد من الأسماء المطروحة فى الكتاب، منهم محمد الفيل، وإميل شوقى، وإميل جرجس، ومحسن حلمى.
وتناول زعيمة ما يضمه الكتاب من مقارنات مرتبطة بالشكل الشعبى، ضاربًا مثالًا بالسيرة الشعبية للظاهر بيبرس، موضحًا أن أحمد عبدالرازق أبو العلا قام بعمل دراسة مقارنة بين الكاتب محمد أبو العلا السلامونى والدكتور عبدالعزيز حموده، مؤكدًا أن الكتاب يفتح مجالات واسعة لدراسات متخصصة، وأن كل جزء فيه يمكن البناء عليه بحثيًا.
وأوضح أن الكاتب بدأ فى طرح الموضوع من وجهة نظر المسرح الشعبى عند المخرج، فلم يتوقف عند النص كمؤلف فقط، بل انتقل إلى العرض المسرحى، مؤكدًا أن عناصر الفرجة الشعبية ليست عناصر مكتوبة فقط، بل هى عناصر تحتاج إلى الإخراج والعرض. وأضاف أن أحمد عبدالرازق أبو العلا يقف فى الكتاب عند المخرج وكيفية تعامله مع هذه العناصر، بداية من النص وكيف سيفسره، مرورًا بالسينوغرافيا والتمثيل، وصولًا إلى رؤيته الكاملة، مشيرًا إلى أنه تناول ذلك عند المخرج عصام السيد، ومحسن حلمى، وجلال الشرقاوى كما تناول العديد من المخرجين.
وأضاف قائلًا: «أرى أن الهدف لم يكن توثيقيًا بقدرتحريك المياة الراكدة فنحن أمام مجتمع به عولمه وتكنولوجيا معاصرة ويجب زرع فكرة الهوية فى الأجيال الحالية والقادمة والكتاب دعوة للإتجاه للهوية، وكما أشار الكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا أن الموضوع ليس قالبًا كما تخيله توفيق الحكيم، ولكنه مضمونًا يوضع فى اسلوب يخاطب الجموع وليس الخاصة من المجتمع الذين نظروا نظرة دونية لهذه الفنون وهذه الثقافة الشعبية فالكتاب يدعونا للعودة لهويتنا والتمسك بها، وهذا الكتاب وكتابات المهمومين بهذه النوعية بالهوية ينم عن وطنية وحس إنسانى وحب لهذه البلد الذى يستحق الكثير فكل الشكر للكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا.
واختتمت المناقشة وحفل التوقيع ببعض المداخلات                            
منها مداخلة الكاتبة نسرين نورالتى خلالها، أن الكتاب يُعد مرجعًا تاريخيًا مهمًا فى تتبع توظيف الفرجة الشعبية داخل العرض المسرحى، مشيرة إلى أن آخر العروض البارزة التى استعانت بهذا الشكل الفنى كان عرض «التشريفة» للمخرج مصطفى عبدالخالق عام 1991. واعتبرت أن التعامل مع الفرجة الشعبية كثيرًا ما يخضع لمنطق “الموضة” المسرحية، حيث ينتشر الشكل الفنى ذاته بين المخرجين عقب نجاحه فى عرض واحد سواء على مسارح الدولة أو القطاع الخاص.
وضربت مثالًا بعرض «مولد سيدى المرعب»، الذى ما إن حقق نجاحًا حتى سار عدد كبير من مخرجى الثقافة الجماهيرية على النهج نفسه وقدّموا العمل ذاته. وأكدت اتفاقها مع ما طرحه المخرج عصام السيد، مستشهدة بتجربة مسرح الإسكندرية فى مهرجان الطفل من خلال عرض «أراجوز وأراجوزتا» تأليف سعيد حجاج، حيث نجح العرض فى مخاطبة الأطفال لما يتمتع به الأراجوز من حيوية ومرح وتفاعل مباشر مع الجمهور.
وفى المقابل، شددت نسرين نور على أن توظيف أشكال الفرجة الشعبية فى نصوص موجهة للكبار يظل أمرًا أكثر تعقيدًا وصعوبة. عقّب المخرج عصام السيد موضحًا الفارق الجوهرى بين أن يتعمّد المخرج تقديم مسرح شعبى بوصفه اختيارًا شكليًا مسبقًا، وبين مخرج آخر ينطلق من قضية حقيقية تشغله فيعبّر عنها بلغة شعبية نابعة من وجدانها الطبيعى. فالمسألة هنا – كما أكد – تتعلّق بالفنان المهموم بقضية، لا بالشكل فى حد ذاته.
وضرب مثالًا بالمخرج العالمى بيتر بروك الذى قطع مسافات طويلة إلى إيران لمشاهدة عرض «التعازى الشيعية»، حيث انبهر بما يحمله من طاقة أدائية، وبعمق التفاعل الجماهيرى المصاحب له، معتبرًا إياه شكلًا مسرحيًا حيًا متجذرًا فى الثقافة الشعبية. وأوضح عصام السيد أن داخل ثقافتنا الشعبية أدوات ووسائل قادرة على الوصول إلى المتفرج ببساطة وسلاسة، غير أن إقحام هذه الأشكال قسرًا داخل النص أو العرض غالبًا ما يؤدى إلى نتيجة عكسية ولا يحقق النجاح المرجو.
أما فيما يخص مسألة «الموضة» فى المسرح، فأشار إلى أنها ظاهرة طبيعية فى الحراك الفنى، وإن كان يعلن رفضه لها عندما تتحول إلى تقليد أجوف يفتقد الدافع الفكرى والضرورة الفنية.
 بينما أكدت الكاتبة والباحثة الثقافية سميحة المناسترلى، أن الكاتب والناقد الأدبى والمسرحى أحمد عبدالرازق أبو العلا، من الشخصيات المهمومة بالقضايا والإشكاليات المسرحية والإبداعية، ويحرص على عرضها وطرح اقتراحات وحلول عملية وواقعية لها، فهو دائما وأبدا صاحب قضية، هائما فى فضاء الساحة الأدبية والمسرحية بل الثقافية ككل، ويشعرنا دائما بالتقصير فى حق قضايانا الثقافية وبأهمية دور الكاتب والمفكر المثقف الحقيقى فى خلق المناخ المتكامل المفترض للإرتقاء بثقافتنا والحفاظ على الهوية المصرية الأصيلة.
وأشارت الكاتبة سميحة المناسترلى، إلى أن الكاتب حرص فى هذا الإصدار على اصطحاب القارئ فى رحلة عبر التاريخ منذ قرون مضت، موضحا فيها نشأة المسرح الشعبى من خلال أقوال واسشهادات قيمة موثقة، إسترجاعًا لقيمة المسرح الشعبى، من منطلق أحقية الجمهور بالتمتع بما يتضمنه من عناصر متفردة، تتميز بها ثقافتنا الشعبية من ثراء مظاهره المتنوعة مثل السير الشعبية والفرجة والمحبظاتية والأشعار وصندوق الدنيا والأراجوز وخيال الظل وألعاب الموالد، وغير ذلك مما يمثل ثقافة البيئة الشعبية المصرية الواقعية.
وأضافت المناسترلى أن هذه البيئة التى أوضح الكاتب ما عانت منه من مراحل ازدراء، من قٍبَل طبقة المثقفين والنخب بمصر، مستشهدا لمواقف متعددة، منها موقف « على مبارك» و «المنفلوطي» وغيرهما الرافضان لهذا الفن، بذريعة أن هذا الفن يقوم به فرق ومجاميع دون المستوى، فهم يستخدمون ألفاظا غير لائقة،، بل يرتدون المهلهل ونسائهم شبه عرايا، بينما لم ينتبهوا الى ما يحمله ويتضمنه هذا الفن من حكم وأمثال شعبية وحكى سردى مبدع، وغير ذلك مما يجب الحفاظ عليه، وتطويره بما يتناسب مع المسرح، ومن هنا ولد العداء أو خلقت الذريعة التى حجمت تطور الحفاظ على هذا الفن، وهكذا كان نصيب كل من حاول إحياءه وتطويره مثل الرائد «يعقوب صنوع”.
وتابعت : كما أوضح الكاتب نظرة الكاتب الراحل «د. على الراعي» وهى أن المسرح الشعبى لا يعتمد على الإبهار بقدر إعتماده على عنصر «الرمزية «، بينما أطلق «توفيق الحكيم « على المسرح الشعبى «المسرح المغاير» حيث أن هذا النوع من الكتابة لم تكن ملامحه تحددت أو تشكلت فعليا، وقد أكد على أن المفردات الشعبية قادرة – لو استخدمت جيدا- على أن تجعل المسرح للشعب على حد قوله، ومن خلال رحلته أيضا ذكر أراء ودور كل من د. يوسف إدريس والكاتب أبو العلا السلامونى وشوقى عبدالحكيم وألفريد فرج ويسرى الجندى وعبدالغنى داود والناقد الدكتور حسن عطية الذى ذكر أن «الشعبي» صفة من كلمة الشعب وهذا المصطلح الذى يُعنىً به الشعب بمعنى أنه يسرى على الأمة بأكملها.
أما الكاتب إبراهيم حسن تحدث عن مجموعة نقاط سريعة مشيدًا بالكاتب أحمد عبدالرازق أبو العلا واصفًا إياه بالمثقف الحقيقى لأنه يحضر التجمعات الثقافية والأدبية ويشارك فيها وليس منعزلًا فى برج عاجى والنقطة الثانية مصطلح «المسرح الشعبى» فمن المفترض أن يكون المسرح شعبى فعند تقديم مسرحية فهى لا تعرض للخاصة لكنها تعرض للشعب للعموم فالمسرح فى مصر من قديم الزمان منذ يعقوب صنوع والقبانى وسليم النقاش كان به الغنائية موجها الشكر للهيئة المصرية العامة للكتاب لإصدار مثل هذا الكتاب القيم والمتميز موضحًا أن هناك انقساما بين الطبقة المثقفة والطبقة الشعبية. واختتمت الندوة بالتقاط صورة جماعية..
 


رنا رأفت