يقدم الكاتب وحيد أسامة نصًا مسرحيًا بعنوان «لعنة طروادة»، يستلهم أحداثه من الأسطورة الإغريقية عن حرب طروادة، لكنه يعيد صياغة الشخصيات والحبكة لتتناسب مع رؤية مختلفة تُبرز الجوانب النفسية والفلسفية والصراعات الداخلية والخارجية للشخصيات حول السلطة وتحكم عناصر القوى. وقد حافظ الكاتب على اسم الأسطورة الأصلية، مقتبسا الاسم مما يعكس تأثره بها وحرصه على الاحتفاظ بجوهرها العام، إلا أن يد الكاتب واضحة وخلق مسافة أخرى من الإبداع، مسافة كفلت له صياغة جديدة حيث تبدأ الحبكة الأساسية فى الأسطورة من هيلين الجميلة التى تسببت فى الحرب والدمار الذى حل بطروادة بعد أن اختطفها باريس. أما فى هذا النص، فقد احتفظ المؤلف بفكرة اللعنة كعنصر محورى، لكنه حولها من مجرد حدث درامى إلى رمز فلسفى ونفسى يعكس الصراعات الداخلية للبشر مثل القدر والتحكم فى المصائر والغرور الذى يؤدى بصاحبة إلى عدم الاستماع لنصائح العارفين حوله. المرأة وتنوع زوايا الرؤية، يمكننا أن نلمس تصوير المرأة عبر عدة أبعاد ونماذج، حيث تظهر كشخصية محورية تحمل العديد من الرسائل المتشابكة. ويعكس هذا التأثير الواضح لدراسته الأكاديمية، التى تجلت فى البنية الفكرية والرمزية للشخصيات النسائية، بالإضافة لبيئته التى نشأ فيها؛ فقد صور الكاتب المرأة كشخصية صامدة تواجه أقدارها بشجاعة، وذلك من خلال شخصية «هيلين»، التى تجسد الصراع بين الجمال واللعنة. قُدمت «هيلين» كضحية للأحداث التى تتجاوز إرادتها، حيث أوضح الكاتب على لسان كاسندرا أن السبب الرئيسى لاختيارها لباريس لم يكن نابعا من رغبتها الشخصية، بل كان نتيجة لعنة ألقتها عليها أفروديت انتقامًا من هيكتور. تمثل «هيلين» فى النص رمزًا للجمال المعذب، كما يصورها الكاتب كشخص بلا إرادة، وماهى إلا أداة تستخدم وقت الحاجة إليها ويتضح ذلك عندما تساءلت أفروديت: «هل ستعيد هيلين إلى زوجها؟ ليجيب زيوس: «من الأفضل أن نترك هذا القرار للحاكم الجديد». ويُبرز هذا الصراع فكرة مشابهة لما يحدث فى كثير من المجتمعات الشرقية، حيث تُسلب المرأة أحيانا حقها فى اتخاذ القرار. أيضا تحمل شخصية هيلين فى هذا النص العديد من التأويلات فقد تعنى مصر والتى يعتبر موقعها وقيمتها مطمعا للكثيرين.كما صور الكاتب المرأة من خلال شخصية «كاساندرا»، ابنة الملك، التى تمثل المعرفة والعقل والمفكر الناصح والرؤية المستقبلية. جسدت كاساندرا النبوءة غير المصدقة، مما يجعلها تعيش فى حالة من العزلة والتجاهل، بين المعرفة والعجز. هذا التصوير يعكس مأساة المرأة المخلصة التى يتم تجاهل حكمتها وصوتها. وقد أظهر الكاتب فى هذه الشخصية تأثير دراسته الأكاديمية، حيث جعلها مثقفة ومطلعة، ودائمًا ما تُرى فى المكتبة تقرأ الكتب. وهكذا، مثّلت «كاساندرا» فئة المثقفين. ووظف الكاتب شخصية «كاساندرا» لتجسد الصراع بين المعرفة الملعونة والجهل الجماعى، مما يجعلها شخصية رمزية غنية بالدلالات. فهى تمثل النموذج الإنسانى الذى يمتلك القدرة على رؤية المستقبل، لكنها ملعونة بعدم سماع صوتها. تعكس هذه التيمة فكرة العجز عن تغيير المصير رغم المعرفة. تظهر «كاساندرا» وعيا عميقًا بمصير طروادة ومعاناة النساء لكن صوتها يُقابل بالسخرية والرفض، حيث تجمع الشخصية بين القوة والضعف؛ فهى حاملة للحقيقة، لكنها فى الوقت نفسه ضحية لعدم تصديق الآخرين لها واتهامها بالجنون بسبب لعنة أبوللو. تمثل كاساندرا رمزًا للمرأة التى تحاول كسر قيود الجهل المجتمعى، لكنها تصطدم بجدار من الرفض، مما يجعلها أيضًا صورة للمفكر والمثقف المهمش. هذا التصوير يعكس استلهام الكاتب المباشر من الأسطورة مع إسقاط واضح على قضايا مجتمعية ربما تبدو معاصرة لكنها فى الحقيقة قد تكون مواكبة لتصور مختلفة، مثل القمع الاجتماعى للمرأة وتهميش رؤيتها وتحجيم دورها فى صنع القرار. ومن ناحية أخرى إسقاطا على فكرة أن أكثر الناس خوفا حقيقيا على أوطانهم فى الغالب يميل الناس لعدم تصديقهم أو أخذ أرائهم بعين من الاعتبار بل ربما يصل الأمر للاتهام بالخيانة. يتجلى تأثير بيئة الكاتب الشعبية، فى هذا التصوير، إذ يعكس النص طريقة تعامل المجتمع فى هذه البيئة مع المرأة فليس هناك دعم لها فى عملية صنع القرار على الرغم من تحملها الكثير من المسؤليات التى ربما لايستطيع الرجل تحملها والقيام بها معا. وكأنه يتسائل ماذا لو كانت المرأة تحظى بنفس المكانة وتملك زمام الأمر! كذلك، أتاح له تكوينه الأكاديمى استخدام أدوات تحليلية لتطوير الشخصية؛ فجعلها ليست مجرد «عرافة»، بل إنسانة تحمل عبء المعرفة وسط مجتمع يرفض التغيير.يبرز الكاتب من خلال كاساندرا أن المرأة ليست مجرد ضحية، بل قوة واعية قد لا يُدركها المجتمع إلا بعد فوات الأوان، كما حدث عندما ظهر صدق حديثها عن حرب طروادة. بذلك، تعكس هذه الشخصية خبرة الكاتب الأكاديمية ووعيه الثقافى، بالإضافة إلى تأثير نشأته الشعبية، مما يجعلها من أكثر الشخصيات أهمية فى المسرحية..وبالنظر إلى «جالاتيا»، فقد احتفظ الكاتب بتصويرها كتمثال لكنه بلا روح، مما يطرح تساؤلًا عن كيف يمكن للإنسان أن يتحول وهمه وهوسه بما يصنع إلى نقطة ضعف؛ فبجماليون، عشق مصنوعته إلى الحد الذى جعل الآلهة استغلته لتنفيذ رغباتها مقابل أن تعيد له التمثال وتبث فيه الروح ليصبح بشر من لحم ودم، ليكتشف فى النهاية أنه وقع فى فخ الخديعة وأنه كان مخطئًا عندما جعلها نقطة ضعفه، ومخطئًا بصناعتها من الأساس وهنا تظهر العلاقة بين فكرة الصانع والمصنوع فى النص؛ فقد جاء مهوسا بها وعلى الرغم من ذلك الهوس أدرك فى النهاية أنه مخطئ وأنه ماعليه البحث عن تمثاله الضائع بل أن هناك ما هو أهم من ذلك وهو إنقاذ طروادة وشعبها. وبالتالى فقد تخلى الصانع عن مصنوعته فقد تخلى عن فنه فأصبح أكثر واقعية. الأسطورة الخالدة لتهور المرأة (برنارد شو والحكيم)، فإذا تناولنا بعض العناصر من خلال معالجتهما سنجد شو فى نصه، أوجدها متمردة حين تمرد من خلال «ليزا» على هيغنز، التى أحبت معلمها على الرغم من الحاجز الذى وضعه بينه وبين تلميذته. هذا بالإضافة إلى أن علاقة الصانع بالمصنوع هنا انه أحب النتيجة التى وصل إليها لكنه لم يعشق ليزا. ليختلف بذلك عن الأسطورة، وكذلك مع الحكيم الذى اتفق مع الأسطورة نجد أن بجماليون فى مسرحيته يعشق جالاتيا، بينما لم تكن جالاتيا متمردة على الرغم من هروبها مع نرسيس فلم تكن تكرهه بقدر ما كانت تسيطر عليها فكرة التجربة والتحرر من قيود صانعها. وبالتالى فقد اتفقا كلا من الحكيم ووحيد أسامة فى علاقة الصانع بالمصنوع حيث أحبت جالاتيا بجماليون وهو كذلك كان هائما بها فى النصين ولكن اختلفا فى فكرة أن الصانع تخلى عنها فى النهاية وأدرك خطئه وانه هو من يعشقها لأنها ظلت تمثال حتى فقدت. وربما يرجع تمرد برنارد شو، لنشأته حيث ولد فى أيرلندا وانضم إلى حزب العمال فى لندن وآمن بالاشتراكية، ودافع عن حقوق المرأة وحارب ضد الفقر وضد التقاليد الجامدة ونادى بالإصلاحات دون حروب أو ثورات، ونظرته إلى الطبقات الاجتماعية والتى طالب بإذابة هذه الفوارق الاجتماعية، فهو ما انعكس على شخصية ليزا التى حاولت الانتقال من الطبقة العاملة كبائعة زهور إلى طبقة البرجوازيين، بل إنه دربها للانتقال إلى الطبقة الأرستقراطية ليعلن بذلك أنه ليس هناك فارق ويمكن لأى شخص من أي طبقة أن يكون فى طبقة أخرى دون أن يشعر أحد بهذه الفوارق، حتى هبوط شخصية فريدى من الأرستقراطية إلى البرجوازية تؤكد دائما نظرته إلى هذا الانتقال بين الطبقات الذى هو مجرد شكليات فارغة وأنه بالعلم تستطيع التغلب على الأصل والارتقاء إلى الأعلى.وبالنظر إلى تأثير بيئة الحكيم الريفية سواء فى مصر أو خارجها، نجد أنه صور جالاتيا كشخصية مطيعة تقوم بالأعمال المنزلية، وهى الصورة التى عاصرها خلال عمله فى الريف. كما يتجلى تأثير دراسته للقانون وجديته فى رفضه التغيير على نصوصه، على الرغم من دعمه لفكرة الفن من خلال شخصية بجماليون وأبولون. هذا الأخير منحه قدرة خلق جالاتيا بمثالية. أيضا، نجد تأثير الريف الفرنسى الذى عاش فيه، بالإضافة إلى دراسته للفن فى فرنسا ونشأته الأرستقراطية، مما شكل تناقضا فى رؤيته للمرأة؛ فهو مؤمن بتعليمها ولكن غير مؤمن بعملها، بينما يظل مؤمنًا بالفن وارتقاءه.جالاتيا أحبت نرسيس ولم تُحب بجماليون، وقد يرجع ذلك إلى إشكالية الحكيم مع المرأة، وما عرف عنه أنه عدو للمرأة، ودائمًا يرى أنه ليس جميلا وغير محبوب من النساء وربما كانت هذه الصورة التى جسدها فى شخصية بجماليون، ولذلك كان يعتقد أنه لن تحبه أمرأة، بل ستبحث عن ما هو أفضل وأجمل وفقا لمشاعرها، وبالتالى تختار نرسيس فى النهاية. المرأة بين النضال والمثال، حيث لعب الكاتب بذكاء على المسافة بين الواقع والمتخيل، الساكن والمتحرك، ودارت الأحداث فى ذلك مابين النضال والمثال إذ أن فينوس، حولت جالاتيا إلى تمثالٍ يرمز إلى الغريزة والأهواء الحياتية. فى المقابل، اختار بجماليون نرسيس ليكون تابعا له. وعلى الرغم من وجود نرسيس كفكرة تمثل حب الكاتب لذاته، فإن الحكيم يرى أن هناك نسبة من النرجسية فى حب الفنان لنفسه حتى يحب فنه. وهذا ما قاد بجماليون إلى اختيار فنه فى النهاية. وهكذا، نرى انتصار الفن من خلال اختيار بجماليون لفنه. وضع برنارد شو الأسطورة داخل إطار واقعى عصرى، يتحرك من هموم الإنسان المعاصر و مشاكله، و صراع الإنسان بين القيم الأصلية و قيم المجتمع المزيف، مجتمع لا ينظر للإنسان إلا كمجرد آداة لتحقيق أغراضه و اهدافه، مجرد دمية بلا مشاعر لا تستحق سوى ان تكون فى خدمة أهدافنا. و يؤكد شو على اعتماده الأسطورة مصدرا له من خلال تسميته للمسرحية»بجماليون» رغم تغيير مسميات الشخصيات و الأحداث و الزمان و المكان، لكنه اختار أن يعبر عن عصره ومشاكله ويبدل التمثال بفتاة، بفتاة حقيقية، يحولها الاستاذ/بجماليون ويصنع منها فتاة جديدة مختلفة لكنها ليست سعيدة، شكلها و مظهرها الخارجى مبهر، لكنها تمثال جامد بالنسبة لمن حولها. فى الأسطورة تحول التمثال لفتاة حقيقية، و عند برنارد شو تحولت الفتاة الحقيقية إلى تمثال «ليس بالمعنى الحرفي»، ولكنها تقرر عدم الاستسلام و ترغب فى حريتها التى تمثل بالنسبة لها كل السعادة والحب. كما ان بجماليون كاد يتضرع للآلهة من أجل تمثاله ولكن عند برنارد شو يتعامل الأستاذ مع الفتاة كمجرد عمل و قطعة صلصال يرغب فى تشكيلها كيفما يشاء بكل جفاء و قسوة، و رغم كل محاولاتها و ذكاؤها و نجاحها و لكن يرفض الأستاذ الزواج منها لأنها صنيعته.لقد تحرك برنارد شو فى تناوله الأسطورة من خلال ميوله الاشتراكية و نظرته الإنسانية و دفاعه عن حقوق الإنسان، أراد أن يقوم بتعرية الطبقة الارستقراطية و فضح كل أشكال الظلم فى المجتمع الإنجليزى، أراد بهذا العمل أن يؤكد أن كل البشر سواسية و أنه إذا اتيحت الفرصة، وتوافرت الأموال فى الطبقات الفقيرة فسوف يكون مظهرهم و شكلهم مشابه و مطابق لشكل الطبقة الارستقراطية، حاول برنارد أن يصنع لقاءا بين طبقتين متناقضتين منطلقا من انحيازه للعدالة و الرغبة فى ردم الهوة بين الطبقات الاجتماعية.أخذ شو من الاسطورة التقنية أو فكرة التحول و لكنه صنع منها عالمه المسرحى الخاص المناسب لهمومه و قضايا عصره، كانت الفكرة هى نقطة الالتقاء الوحيدة مع الاسطورة، فكرة أن يصنع الإنسان رغباته وأحلامه ويحولها لكائن حى وحقيقية مؤكدة، هذا فقط هو ما أخذه والتقطه شو من الأسطورة ليبنى عليها شخصيات و أحداث و أماكن جديدة تماما، و مختلفة تعبر عن رؤيته، و إيمانه الراسخ بدور الفن فى المجتمع وتفاعله مع قضاياه.بهذه الطريقة صنع شو نصا مسرحيا تناص مع الأسطورة مع واقعيته فى مجتمعه، فى حين أن توفيق الحكيم حافظ على الجو الأسطورى للمصدر. احتفظ الحكيم بأشخاص وزمان ومكان الأسطورة الأصلية و استخدم دوقة كذلك أضافت الطابع الرومانسى على المسرحية، و انطلق الحكيم من رؤى فلسفية عن الحب والحياة والنفس البشرية ورغباتها، وذلك الصراع بين الفن والحياة وهو الموضوع الذى ناقشه الحكيم فى مسرحيته.كذلك اهتم الحكيم بتناقضات النفس البشرية و التغيرات التى تحدث لها خلال تجربتها مع الحياة، حيث نرى بجماليون مرة يؤمن بالآلهة ويتضرع لها، ومرة أخرى يرفضها ولا يريد الانصياع لها.يوضح الحكيم أنه كثيرا ما ينسى الإنسان النعم و الحب الذى يحيطه بحثا عن كمال يميز وجوده، فتعتمد المسرحية على الرمزية و الاتجاه إلى الأمور الفلسفية فى حياة البشر والتناقضات التى بداخل الإنسان وتخلق صراع داخلى عند الإنسان يجعله غير قادر على معرفة و رؤية الحقيقة، بل وعدم القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الخير والشر. ويتضح الصراع فى الحياة فى كلمات الحكيم على لسان بيجماليون عندما يقول: «أولئك الخالدون الذين لم يستطيعوا أن يصنعوا غير الهالك المحدود، أما أنا الهالك المحدود فقد استطعت أن اصنع الخلود. أيهما الأجمل و أيهما الأنبل، الحياة أم الفن؟»هذا هو السؤال الفلسفى الأهم الذى طرحه توفيق الحكيم و هو يقدم نصا مسرحيا فسلفيا أو ذهنيا كما قال هو نفسه، تدور أحداثه ليس على خشبات المسرح والحياة بل داخل عقل وروح الفنان/الإنسان.استعان شو ببعض الشخصيات الثانوية التى تعبر عن صورة المرأة فى المجتمع، فقد نجد خلافًا لليزا المتمردة، شخصية» أم هيغنز» الودودة الطيبة التى تمثل الطبقة الأرستقراطية المتقبلة لطبيعة الشخصيات، والتى لا تمانع فى تقبل مختلف الطبقات وتؤيد المرأة على حساب ابنها. كما نجد أيضا شخصية مديرة المنزل «بيرس»، المرأة العاملة التى انتقلت إلى البرجوازية الصغرى، وتمثل الطبقة المستقرة التى لا ترغب فى الصعود إلى طبقات أخرى، بالإضافة إلى شخصية «أم فريدي» الأرستقراطية التى انحدر بها الحال إلى البرجوازية العليا وتحب الاحتفاظ بالمظاهر الكاذبة.أما وحيد أسامة، فقد حافظ على الجو الأسطورى لأسطورة طروادة وكذلك فى الاستعانة بيجماليون، مثلما فعل توفيق الحكيم فى مسرحيته التى حافظ فيها على الجو الأسطورى لأسطورة بجماليون، حيث استعان بشخصية بجماليون النحات الذى صنع جالاتيا وأحبها، فى ذات الحقبة الأسطورية التى تتحكم فيها الآلهة فى الأقدار والقرارات. على النقيض منهم، عالج برنارد شو الأسطورة بشكل حديث يناسب طبيعة عصره بشخصيات معاصرة.المسرحية وتنوع الجذور الأصل، لم يكن تأثير أسطورة لعنة طروادة فقط هو الواضح ولكن بد تأثره بعدد من الأساطير الأخرى التى مزجها فى نصه وحافظ على دور كل منها، لكنه لم يجعلها هى المتحكمة المباشرة فى مصائر الشعب، بالإضافة إلى شخصيات من أساطير أخرى مثل أورفيوس وكاسندرا وسيزيف وبجماليون فقد احتفظ بكل منها، حيث أن بجماليون هو نفس فنان الأسطورة، وجالاتيا هى التمثال، وهذا يتفق مع الأسطورة. كما أن أورفيوس هو الموسيقى الذى فقد زوجته بسبب عدم انصياعه لنصيحة الآلهة بألا ينظر إليها إلا بعد خروجها من العالم السفلي؛ استعار أسامة الشخصية لكنه لم يحتفظ بأحداث الأسطورة، حيث أشار إلى أن زوجته ماتت أثناء تنصيب نركسوس ملكًا. كذلك، ظهرت شخصية كاسندرا التى أصابتها لعنة أبوللو بعدم تصديق تنبؤاتها، وأيضًا شخصية سيزيف الذى طلب من الآلهة السماح له بزيارة زوجته ووعدهم بالعودة، ثم خالف وعده.هنا، تخلى بجماليون عن مثاليته واحتفظ بعقلانيته، ويبدو وكأنه يشدد على فكرة الحرية الفردية وضرورة تحمل كل فرد مسؤولية قراراته. كما يظهر أن الشعب هو المسؤول عن مصيره، وأنهم غير مؤهلين لفكرة الديمقراطية والاختيار. ربما يعكس ذلك تجارب الكاتب واهتمامه بالسياسة، ويبرز تأثير دراسته العسكرية فى أكاديمية ناصر العسكرية. كما يظهر من خلال النص محدودية الوعى الجمعى أحيانا. ألعاب الفوضى الخلاقة، كما تظهر اهتمامات الكاتب السياسية فى اهتمامه بالنظام، حيث يمثل بجماليون الشخصية القائدة التى تفضل القرارات الحاسمة ولا تتسامح مع الفوضى. بينما شخصية أورفيوس تمثل الإيمان بإمكانية التغيير، وهذا يشير إلى دور المثقف الذى يحاول الدفاع عن المبادئ والشعب : «لكنهم تغيروا يا بجماليون… واليوم قرروا أن يختاروا مصيرهم ويبنوا ممتلكاتهم بأيديهم». وبالنظر إلى الحوارات فى المسرحية، نجد هناك اهتمامًا بمصير الشعب البسيط وحديثًا عن أزماته، وهناك جدال بين الشخصيات حول مسؤولية الحاكم والشعب عن الفساد والفوضى. مما يعكس خبرة الكاتب من البيئة التى نشأ فيها، وقربه من سيكولوجية الشعب البسيط الذى احتك به بشكل مباشر، وكذلك السلطة والقيادة التى تفاعل معها من خلال دراسته فى أكاديمية ناصر العسكرية. يعكس النص دراسته السياسية من خلال رؤى وقراءات الواقع، حيث يمثل إسقاطا على الواقع السياسى والاجتماعى فى مصر قبل عام 2011، مرورًا بثورة يناير وما تلاها من أحداث حتى اليوم. كما يتناول النص موضوعات مثل الصراع على السلطة، التفاوت الاجتماعى، العجز الجماعى. هذا بالإضافة إلى أن النص مليء بالرمزية التى يمكن تفسيرها على أنها تعكس التحولات السياسية والاجتماعية فى مصر خلال هذه الفترة.يظهر الملك وابنه كشخصيات تتحكم فى مصائر الآخرين، مع تجاهل للأصوات التحذيرية أو المعارضة، مثل شخصية كاساندرا التى تُجسد دور المفكر أو الناصح. يمكن أن ترمز كاساندرا إلى المثقفين أو النخب الفكرية التى حاولت التحذير من انحراف المسار السياسى بعد الثورة، ولكن أصواتها لم تجد صدى فى ظل هيمنة القوى الأكبر والانقسامات وعسكرة الدولة والأنظمة الظلامية التى تجاهلتها الجماهير والقوى المسيطرة. ورغم أن النص لا يركز بشكل مباشر على الصراع الطبقى، إلا أن تباين المصائر بين الشعب والقادة يعكس فجوة اجتماعية واضحة. كما برز تأثر الكاتب كأستاذ أكاديمى فى اختياره للأساطير اليونانية واستعانته بشخصياتها حيث يعتبر المسرح اليونانى أساسا للمسرح.سيزيف مازال حاضرًا كصانع ومصنوع،يظهر تأثر الكاتب بثقافته ودراسته وكذلك بيئته فى عرض شخصية سيزيف، التى تمثل القوى الظلامية التى سيطرت على الحكم فى إسقاط ربما ليس مباشرًا على الأوضاع التى أصابت واقعنا العربى بعد مايسمى بالربيع العربى، وسيطرة تلك القوى ومحاولتها استغلال غضب الشعب للوصول إلى الحكم. وهذا يظهر من خلال حديث أفروديت مع زيوس: «لكنك تعلم أن هناك من يخطط لاستغلال غضب الشعب للاستيلاء على الحكم»، وأيضًا فى الحديث بين بجماليون وأورفيوس، حين قال بجماليون: «هذه إرادة الشعب يا أورفيوس»، ليرد الأخير: «بالغش والخديعة». كذلك يظهر فى الحوار مدى اهتمامه بالسياسة وكيف يرى أن الشعوب ملعونة بحكامها، كما جاء على لسان الشخصيات، وأنه لو أرادت الأنظمة العسكرية منذ البداية إعادة تلك القوى الظلامية إلى مكانها الطبيعى لكانت فعلت، لكنها تركتها كعقاب للشعب، كما جاء على لسان أورفيوس.فعلى الرغم من تحديد إطار زمنى للأحداث من خلال وصف الملابس فى القرن التاسع عشر، إلا أن أسامة تناول الأسطورة فى إطار سياسى واجتماعى وفلسفى وإنسانى يعبر عن فكرة الصراع على السلطة والهيمنة والتغييب للعقل الجمعى، وسيطرة الأنظمة الظلامية فى فترة معينة، المتمثلة فى شخصية «سيزيف» وأبيه الذى أراه يمثل القائد الفعلى لهذه القوى الظلامية والمرشد لهم. وقد استخدم الكاتب فى حوار الشخصيات ما يعزز ذلك مثل: «ونتركه يخدع شعب طروادة ويحولها مدينة للموتى.. نتركها لأهله وعشيرته من العالم السفلى!»، وهذا حال الكثير من الأوضاع فى العصر الحالى، خاصة المرتبطة بالربيع العربى.تناول توفيق الحكيم الموضوع فى إطار فلسفى وناقش العلاقة بين الصانع والمصنوع وحرية الفن، برؤية تجمع بين الميتافيزيقيا والتأملات النفسية. أما برنارد شو، فقد خالفهم وقدم الأسطورة بشكل واقعى، فجعل شخصية «هيجنز» عالم الصوتيات وشخصية «ليزا» بائعة الزهور فى عصر مختلف. بينما حافظ توفيق الحكيم والدكتور أسامة وحيد على الجو الأسطورى والشخصيات الأسطورية فى أعمالهم. وبالتالى، فإن الأقرب للحدث الأسطورى هو وحيد أسامة وتوفيق الحكيم فى معالجتهما، حيث حافظا على الأحداث والشخصيات من البداية، ففى طروادة كان سبب الحرب على طروادة هو «هيلين» التى اصطحبها باريس إلى طروادة. وإذا مانظرنا لكون الكاتب وحيد أسامة ممثلًا فقد أثر ذلك فى رسمه الشخصيات بعمق، فعلى سبيل المثال، فى رسمه لشخصية سيزيف، «يرتدى جلبابا فوقه معطفًا وعلى رأسه عمامة… قصير وممتلئ بعض الشيء وقد أطلق لحيته». ويوضح دائمًا ملامح الشخصية من خلال الحوار مثل: «تركناك تخبر أهل طروادة بالأكاذيب والادعاءات الباطلة لتكسب عطفهم… بعد هروبك من العالم السفلي»، مما يوضح مدى نفاق وكذب وخداع ودهاء تلك الشخصية. وكذلك فى الشخصيات الأخرى، التى تظهر ملامحها من خلال الحوار ففى وصف الشخصية، أورفيوس، هو رمز الفن والخلاص المستحيل، حيث يمثل الفنان أو المثقف الذى يحاول استخدام قوته الإبداعية لإنقاذ البشرية من مصيرها المأساوى. وترمز موسيقاه إلى الأمل والخلاص الذى يظل دائمًا بعيد المنال، مما يعكس مأساة الشخصيات فى النص. كما أن الحوار المتعلق به يبرز دور الفن كوسيلة لمواجهة اللعنة، لكنه يشير أيضا إلى محدودية تأثير الفن أمام المصير المحتوم. أما كاسندرا، فهى رمز المعرفة غير المسموعة. وهى العرافة الطروادية التى تنبأت بسقوط طروادة، لكن أحدا لم يصدقها بسبب لعنة فرضها عليها الإله أبولو. فهى تمثل فى «لعنة طروادة» الحقيقة التى تُهمَل ولا تُسمع، مما يعكس تجاهل البشر للتحذيرات والحقائق التى قد تنقذهم. وجودها فى النص يبرز مأساة العجز عن تغيير القدر، حتى مع معرفة المستقبل، عندما تحذر الشخصيات من اللعنة أو النتائج الكارثية لأفعالهم، لكنها تُقابل بالإنكار أو التجاهل.وبالنظر لسيزيف، فهو رمز العبث والنضال الأبدى. هو الذى خدع إله العالم السفلى وخرج على الأرض ثم رفض العودة، فعوقب بدفع صخرة إلى قمة جبل، لكنها تعود للسقوط فى كل مرة، فيعيد دفعها من البداية وتسقط، وتظل هكذا مما يجعله رمزا للنضال العبثى. كما يمثل سيزيف العالم المظلم الذى عاشت فيه مصر خلال حكم الإخوان، فوظيفته ورمزيته فى «لعنة طروادة» تمثل الجهد البشرى المستمر لمحاولة الهروب من اللعنة، رغم استحالة ذلك. كما أن شخصيته تبرز فكرة العبثية فى مواجهة القدر، حيث تكرار الخطايا والصراعات يعيد إنتاج اللعنة باستمرار. يُشير وجوده إلى أن الشخصيات الأخرى تعيش صراعًا مشابهًا، حيث تحاول التغلب على الماضى لكنها تظل محاصرة فيه. فى حين أن بيجماليون: هو رمز الخلق والتحكم، وكما نعلم، فهو النحات الذى وقع فى حب تمثاله الخاص، والذى أحيته الآلهة ليصبح كائنا حيا. وهو يرمز إلى قدرة البشر على «خلق» لعنتهم بأيديهم، حيث تعكس قصته العلاقة بين الخالق والمخلوق، وتحمل فى طياتها فكرة أن مخرجات الإنسان (مثل الحرب أو القرارات) قد تصبح عبئا عليه. كما يشير بيجماليون أيضا إلى رغبة البشر فى التحكم بالمصير، لكن هذه الرغبة تفشل بسبب القوى النفسية والاجتماعية التى تعيد تشكيل الواقع. وجوده يرتبط برؤية هيلين وباريس كصانعين لمصيرهما، مع الإشارة إلى أن «الجميل» الذى خلقه بيجماليون قد يتحول إلى لعنة، كما حدث بعد ذلك. استخدم الحاكم جمال بيجماليون لبناء المعابد التى يريدها، مقابل وعده بإعادة تمثاله جالاتيا، التى لم تظهر أبدا حية، بل كان يتحدث عنها فقط. وهذا جعلها تصبح مثل اللعنة عليه، إذ كان ضعيفا أمامها وأمام رغبته فى استعادتها. فى النهاية، يدرك بيجماليون أنه لن يستطيع استعادتها، وقد تم استغلاله.يعد دمج شخصيات الأساطير اليونانية المختلفة فى نص «لعنة طروادة» بمثابة أداة لتعميق البُعد الفلسفى وتوسيع نطاق التأمل فى القضايا الإنسانية الكبرى حيث يطرح النص أسئلة فلسفية معقدة حول الحرية، والقدر، والعبث، ودور الإنسان فى تشكيل مصيره. هذه الأسئلة تسلط الضوء على تناقضات الإنسان فى محاولته لتحقيق طموحاته أو الهروب من القدر، لكنها فى النهاية تكشف عن محدودية هذا التحكم فى واقع قوى أكبر من الإنسان نفسه، فإدخال شخصيات مثل أورفيوس وكاسندرا وسيزيف وبيجماليون من أساطير مختلفة يعكس رغبة الكاتب فى التعبير عن حالة إنسانية شاملة تتجاوز حدود الأسطورة الخاصة بطروادة. فالنص لا يعكس فقط تاريخًا قديما أو حكاية ملحمية عن سقوط مدينة طروادة، بل يتحول إلى مفهوم إنسانى عام، حيث تصبح «اللعنة» مفهومًا يتعدى الحدود الزمنية والمكانية، ويعبر عن تكرار الأخطاء البشرية عبر مختلف العصور.بنية اللغة وبنية الأسطورة، فى هذا السياق، تصبح «اللعنة» فى النص قوة عامة، تعبر عن الصراع الأبدى للبشر مع المصير. إذ لا تقتصر على طروادة فقط، بل تمثل جميع المجتمعات التى تدور فى حلقة مفرغة من الأخطاء التاريخية، والفشل فى الاعتراف بالحقائق، والتأثيرات المدمرة للسلطة على الشعوب. وهذا يعكس تجارب الإنسان فى كل مكان وزمان، حيث يظل يكرر نفس الأخطاء ويواجه نفس اللعنة التى لا يستطيع الهروب منها. أما برنارد شو فقد بدل فكرة الصنع الحرفية بفكرة إعادة صناعة إنسان من لحم ودم، وتدريبه ليصبح شخصًا مختلفا. بينما تناول توفيق الحكيم الموضوع فى إطار فلسفى، مدخلا شخصيات مثل نرسيس وإيسمين فى محيط حياة بجماليون مع وجود الإله أبولون، ليقدم مزجا بين شخصيات الأساطير، ويُوضح من خلالها شخصية بجماليون وصراعه النفسى والذهنى. على العكس، كان برنارد شو الذى خالفهم ليقدم الأسطورة بشكل واقعى، من خلال شخصية «هيغنز» عالم الصوتيات وشخصية «ليزا» بائعة الزهور فى عصر مختلف.فى النهاية، حافظ توفيق الحكيم ووحيد أسامة على الجو الأسطورى والشخصيات، بينما أضاف أسامة بعض الشخصيات من الأساطير الأخرى، مما يوضح تأثره بالأساطير اليونانية بشكل عام، وربما يرجع ذلك لدراسته الأكاديمية وكونه أستاذا جامعيا. وبالتالى، فإن الأقرب للحدث الأسطورى هو توفيق الحكيم فى معالجته، حيث حافظ على الأحداث من البداية بصناعة بجماليون للتمثال والمحافظة عليه وحبه حبا جما، وانفصاله عن واقعه ليبتعد عن النساء، ودعوة الآلهة «فينوس» لبث الروح فى التمثال، وهو ما تحقق. إلا أنه أضاف إلى الأسطورة من خلال دعوة أخرى لعودتها إلى طبيعتها الحجرية لتعود تمثالا مرة أخرى. أما برنارد شو، فالأحداث لم تكن معقدة أو متشابكة كما فعل الحكيم، بل كانت الأحداث بسيطة وسارت فى إطار مشابه للأسطورة، فصناعة بجماليون للتمثال فى الأسطورة قابلها بتدريب «هيغنز» لليزا. حافظ وحيد أسامة على الحبكة الأساسية التى تبدأ باصطحاب هيلين إلى طروادة، والتى كانت سببا فى الحرب عليها وحصارها. وفيما يتعلق بعلاقة الصانع بالمصنوع، استعان وحيد ببجماليون وتمثاله جالاتيا الذى صنعه، حيث كانت له نفس الرغبة فى أن تصبح جالاتيا حية من لحم ودم، وهذا ما وعده به نركسوس، أن يعيد له التمثال حيا بعد أن ينفذ طلباته ويبنى له قصرا جديدا ومعبدا. وبالتالى، فاختلاف الزمن وطبيعة الشخصيات يظهر اختلافًا بين الصانع والمصنوع. فالحكيم جعله يعشق جالاتيا ويهيم بها كما فى الأسطورة تماما، وعند أسامة أيضًا عشق تمثال جالاتيا لدرجة أنه لا يفارقه ويخاف عليه كثيرًا. لكن برنارد شو اختلف عنهما، فقد وضع حاجزا بين هيغنز وتلميذته، حيث لم يعشقها وربما أن هذه المعالجة عند شو ترجع لنشأته فى أيرلندا وانضمامه إلى حزب العمال فى لندن، وإيمانه بالاشتراكية، وكذلك دفاعه عن حقوق المرأة ومناداته بالإصلاح دون خوض الحروب والثورات. كما أن نص شو يناقش فكرة الطبقية، وهو ما حاول توضيحه من خلال شخصية «ليزا» لإثبات أنه بالتدريب يمكن للإنسان التحول إلى الطبقة الارستقراطية، فلا فرق بين البشر.وحين نذهب لبطولة الشخصية الغائبة، يمكننا استنتاج أن مفتاح الكاتب يكمن فى جعله الشعب نفسه - بصفته القوة الصامتة والمهمشة- هو البطل الغائب أو المخفى، فدور الشعب فى النص يظهر الشعب صامتا، ولا نسمع منه سوى الحديث عنه من خلال الشخصيات فى جمل مثل: «هذه إرادة الشعب»، «الشعب خائف»، «هذا اختيار الشعب»، «سنجعل الشعب يختار»، «الشعب يحبني». كل هذه العبارات جاءت على لسان الشخصيات دون ظهور حقيقى للشعب. يمكننا قراءة هذا كتعبيير اجتماعى عميق يبرز كيف تُسلب الإرادة من الشعوب فى مواجهة قوى السلطة أو القدر.غياب دور الشعب فى المسرحية يجعل حضوره غير ملموس، لكنه فى الوقت نفسه هو المحرك الضمنى للأحداث. الشعب هو من سيدفع ثمن قرارات القادة وغطرستهم، وهو من يعانى من النتائج المدمرة. وربما هنا يمكننا القول إنه «البطل الضحية» الذى تتحرك حوله الأحداث دون أن يُسمح له بالمشاركة الفعلية، مما يبرز عجزه. فى أحد المشاهد، يبرز الحديث عن الشعب بنبرة استعلاء؛ فعلى سبيل المثال، قول هكتور: «الشعب يريد ما نريده نحن يا هكتور» هو استعلاء ودليل على مركزية السلطة. أما أبوللو فيقول: «ملعونة طروادة بأهلها». طوال النص، تُتخذ القرارات المصيرية بواسطة القادة دون أى تمثيل فعلى للشعب. حتى إن نركسوس أله نفسه وطلب من بجماليون بناء معبد له، قائلًا: «ألست ابن الإله؟ حاكم طروادة؟ من أعاد إليها استقرارها؟».تحدت المسرحية مفهوم البطل الفردى الشائع فى التراجيديا الكلاسيكية، وتمحور النص بدلًا من ذلك حول مأساة اجتماعية حيث تتحطم الطموحات الإنسانية الفردية والجماعية أمام قوى أكبر من الجميع. وهذا يعكس رغبة المؤلف فى تقديم مأساة أكثر شمولية لتبرز معاناة الشعب ككتلة واحدة. بينما يمكن اعتبار كاسندرا بطلة فردية بالنظر إلى دورها المحورى وأهميتها، فإنها تظل شخصية محدودة التأثير، وتحذيراتها لا تصل إلى الشعب ولا يصدقها أحد، مما يعكس أن مصير الجماهير دائمًا بيد القوى المسيطرة.أما عن النهايات، ففى الأسطورة تزوج بجماليون جالاتيا وأنجب منها بافوس، بينما اختار الحكيم أن تكون نهاية جالاتيا على يد الصانع، لأنه حتى بعد أن عادت لتمثال، قام بتحطيمها لأنها فقدت قيمتها لديه. أما برنارد شو، فقد اختار النهاية مفتوحة، ولم تتزوج ليزا من هيغنز، ورفض حب المصنوع للصانع، لتتحرر المصنوعة من علاقتها بالمصنوع وتتزوج من فريدى المنحدر من الطبقة الأرستقراطية للبرجوازية العليا. أما وحيد أسامة، فقد ترك النهاية مفتوحة لكنه أشار لما سيحدث حيث سيقومون بإرسال هيلين، وسيرسل الجنود حصان طروادة فى المقابل قربانًا للآلهة، وهو دلالة فى الأسطورة على انهيارها، لأن الحصان الخشبى هو الذى استخدمه الجنود فى الأسطورة للدخول وتدمير طروادة. يظهر ذلك فى صراخ كاسندرا فى النهاية، وبالتالى فقد اختلفت النهايات الثلاثة وخالفت الأسطورة. فسقوط طروادة هنا يوازى انهيار آمال الثورة وتحولها إلى إحباطات ونهاية غير محددة. فقد تحدث الكاتب عن هم عام، وأخذ الشخصية من الأسطورة التى يمكن فهمها فى أى مكان من العالم، وقد وظفها بشكل جيد كإسقاط على الواقع المعاصر، حيث لم يستخدم أى شخصيات تاريخية أو شعبية بل شخصيات يونانية. كما أن علاقة الكاتب بطبقته الشعبية المتأصلة جعلت له نظرة مختلفة عن تلك التى ينظر بها الآخرون إليهم، دون محاكاة لهم. فكل من كانت له نشأة شعبية يميل دائما إلى انتصار الشعب، وعينه على معاناته ليتحرك المسرح ليبنى مفارقاته وليشكل إطارًا كليًا لدلالة الأنا والآخر، الأمل والفرح، الواقعى والمتخيل وما ينتج من تلاقيهما من تكامل وتنافر أو تواصل أو إنقطاع حتى لو دخلنا لثنائية القشرة واللب فى ظل انزياح الحدود الفاصلة بين الأسطورة وتجلياتها المسرحية المنوعة فى ظل لعبة تجاوز الحاضر السياسى والاقتصادى وصولًا للحاضر الثقافى والأدبى، وهو الأدوم فى اللعبة لعبة الأدب المقارن.