أحلام مصرية جدًا من 28 سنة!

أحلام مصرية جدًا من 28 سنة!

العدد 945 صدر بتاريخ 6أكتوبر2025

فى عام 1997 أصدرت كتابى «الرقابة والمسرح المرفوض»، وكتبت فيه عن مجموعة من المسرحيات المرفوضة، وناقشت تقارير الرقباء حول أسباب رفضها.. إلخ، ومن هذه المسرحيات كانت مسرحية «أحلام مصرية جدًا»! وفى مقدمة هذه الحلقات قلت إننى لن أتحدث عن أية مسرحية من المسرحيات التى ناقشتها فى كتابى «الرقابة والمسرح المرفوض»! ولكنى مضطر إلى كسر هذه القاعدة - وأتحدث عن مسرحية «أحلام مصرية جدًا» التى أحتفظ بنسختها المخطوطة تحت رقم «245» - لأسباب مهمة ظهرت منذ أيام قليلة، أى بعد ما يقرب من «28 سنة»!
وقبل أن أتحدث عن الجديد الذى ظهر حول هذه المسرحية، يجب أن أذكر فحوى ما كتبته عنها فى كتاب الرقابة، حيث قلت: تقدم «فؤاد مصطفى صالح» الأمين العام للمهرجان الأول لفنون المسرح ببور سعيد يوم 24/2/1986 بطلب للرقابة، من أجل الترخيص لجمعية نادى المسرح بعرض مسرحية «أحلام مصرية جدًا»، من تأليف «صلاح متولي» وإخراج «رؤوف رزق» للاشتراك بها فى المهرجان.. والمسرحية من نوع المونودراما - أى مسرحية الممثل الواحد - وتدور حول سرحان الذى يحلم بأنه أصبح رئيسًا للجمهورية الاشتراكية الرأسمالية الإمبريالية، فيتعجب من هذا المنصب لأنه غير مؤهل له. ثم يندب حظه فى الواقع لأنه لم ينجح فى اختبارات الكلية الحربية بسبب الفلات فوت، وكان يتمنى النجاح حتى يصبح وزيرًا ليوفر الراحة لجميع الشباب بتوفير الوظائف والمساكن ومصاريف الزواج. ثم يحلم بعد ذلك بالسفر أو الهجرة حتى يستطيع أن يتزوج، لأنه فشل فى إتمام هذا المشروع؛ بسبب عدم وجود الوظيفة والشقة والدخل الثابت، وهى المشاكل التى تقف دائمًا فى وجه الشباب. ثم يرتد إلى الواقع فنعلم أن والده رفض إلحاقه بالجامعة كى يعمل لديه فى المقهى. ثم يسترجع الماضى فنجده دائمًا كان فريسة للأمراض المصرية كالبلهارسيا، حتى نظام التعليم لم يتعلم منه شيئًا، لأن ما تعلمه بعض الجمل الجوفاء مثل: “محمد يشرب اللبن.. ومصر أم الدنيا.. والاشتراكية.. والإصلاح الزراعى.. والشعر الجاهلى.. إلخ”. ثم يتعرض بعد ذلك إلى الإعلانات فى التليفزيون، التى تهتم بالشقق التمليك، ومعظم الشباب لا يجدون غرفة فوق السطوح، وإعلانات البنوك والعطور والأغذية الفاخرة.. إلخ. وأخيرًا يستيقظ سرحان ويقرر ألا يحلم مرة أخرى، ويصمم على مواجهة الواقع، ولكننا نجده يتثائب مرة أخرى ويعود إلى النوم.
حول هذا النص كتبت الرقيبة «إيناس إبراهيم محفوظ أحمد» تقريرًا برفض الترخيص، قالت فيه: “من قراءتنا لمسرحية أحلام مصرية جدًا نرى أن المسرحية نقدية سياسية بشكل مباشر تمس السياسة وبعض الأجهزة الحساسة كذلك تتعارض مع الدين وتتعرض لشخصيات هامة بشكل غير لائق.. ولذا أرى رفض المسرحية؛ حيث إن لها خطورة كبيرة ومن شأنها إحداث بلبلة فى هذا الوقت العصيب الذى نمر به”. وهذا التقرير رغم ما فيه من موانع رقابية حددتها الرقيبة، ورفضت النص بسببها، إلا أنها لم توضح هل ما جاء فى المسرحية حقيقى أم لا؟ وهل المؤلف محق فى عرضه لهذه المشاكل المزمنة عند الشباب فى هذه الفترة أم لا؟ فرسالة المسرح والفن الإبداعى بصورة عامة، هى إظهار الواقع بصورة فنية للجمهور، وعدم تعتيم وتغييب الواقع بالنسبة له.
أما الرقيبة «نجلاء الكاشف» فكتبت تقريرًا برفض المسرحية أيضًا، قالت فيه: “مسرحية تحمل بين طيات صفحاتها القليلة مضمونًا يعرض بنظام الدولة وبالنظام الأمريكى الذى تربطنا وإياه مصالح وعلاقات صداقة مما يستوجب معه رفض هذه المسرحية حرصًا على النظام العام ومصالح الدولة العليا”. ونحن نتعجب من هذا التقرير فمواضع تعرض المسرحية للنظام الأمريكى كان من خلال هذا القول: “والآن مع برامج الأسبوع.. السبت فيلم أمريكانى ومسلسل أمريكانى.. والأحد السهرة فرنساوى إخراج فرنساوى.. والاتنين برضه أمريكانى.. التلات الراجل الأمريكانى الفزدقى.. الأربعاء فيلم رعاة البقر.. الخميس السهرة مع الفيلم العربى الصباع القاتل”.. أى أن المسرحية تعرضت للغزو الثقافى والإعلامى للأفلام الأمريكية لشاشة التليفزيون المصرى.. فهل هذا القول يمس النظام الأمريكى، ويعكر صفو مصالحنا معه؟!
أما الرقيب «فتحى عمران» فكتب تقريرًا بالموافقة على الترخيص، قال فيه: “المسرحية تدور حول أحلام شاب مصرى يعانى من أزمة الضياع فى ظل ظروفه الصعبة.. فهى أحلام تراود الكثير من الشبان فى مقتبل حياتهم العملية حيث لم يستطيعوا تحقيق أحلامهم بالشكل المنشود. ولا مانع من الترخيص بها للعرض لمدة ليلة واحدة تقتصر على النقاد مع الالتزام بالحذف المشار إليه فى صفحات 1، 2، 3”. وهذا التقرير رغم موافقة الرقيب ظاهريًا على النص، فإنه قام برفض النص - فى الوقت نفسه - بصورة خفية. فتحديده بعرض النص أمام النقاد فقط، دون العرض على جمهور المهرجان، هو رفض للنص فى حد ذاته! فرسالة هذا النص تكتمل بعرضه على الشباب حتى يطّـلعوا على حقيقة مشاكلهم، وكيف يمكن التغلب عليها!
أما مواضع الحذف التى حددها الرقيب، فتمثلت فى قول سرحان: “أنا سرحان المصرى رئيس الجمهورية الاشتراكية الرأسمالية الإمبريالية”.. وهذا القول من الممكن تفسيره - من قبل الرقابة - على أنه تعريض برئيس جمهوريتنا! وأيضًا فى قوله: “والله كانت متغطية ببطانية صوف المحلة وارد هونج كونج”! وهذا القول يشير بأن مصانع الغزل والنسج بالمحلة الكبرى أصبحت تستورد من الخارج بدلًا من أن تنتج البطاطين المصرية! وأيضًا قول سرحان: «فلتنتهِ الثقافة الرفيعة التى لا تجد تطبيقًا”.. وهذا القول من خلال وجهة نظر الشباب صحيح. فكيف يقتنع الشاب بالشعارات، وهو لا يجد التطبيق العملى لها فى حياته! وأخيرًا قول سرحان: «الجيش تهريج منظم”.. وهذا القول نتفق مع الرقيب على حذفه.
وكتبت الرقيبة «فايزة الجندي» تقريرًا برفض الترخيص، قالت فيه: “أحلام مصرية جدًا.. هى أحلام حاقدة لمؤلف مريض بالحقد يركز على كل ما هو سلبى.. أرى رفض الترخيص بأداء نص أحلام مصرية جدًا، إذ إنها تتعارض مع القيم والأخلاق المصرية والنظام العام”. والرقيبة فى هذا التقرير حكمت على المؤلف بأنه مريض بالوهم، قبل أن تحكم على النص. وإذا كانت قد رأت أن المؤلف ركز على السلبيات فقط، فهذا من حقه، فالإيجابيات موجودة ومعروفة، وهى من الأشياء الواجب تواجدها، إنما المهم معرفة السلبيات وكيفية إيجاد الحلول الإيجابية لها. وبهذا المنطق كان يجب على الرقيبة النظر فى تقييم النص رقابيًا. وهذا القول ينطبق أيضًا على تقرير الرقيبة «فادية محمود بغدادي»، التى كتبت تقريرًا بالرفض أيضًا، قالت فيه: “أرى عدم التصريح بهذا النص فهو يعرض لنا سلبيات المجتمع بصورة تثير النفوس وتملأها بالضيق والحقد ولذا أرى عدم التصريح بهذا النص”. وبناء على ما سبق وافق مدير الإدارة على الرفض، مسايرًا معظم الرقباء فى رفضهم، وعلى عدم إظهار مشاكل الشباب أمام الجمهور. وهكذا رفضت الرقابة إظهار مشاكل الشباب فى هذه الفترة، بدلًا من إظهارها وعرضها علينا، لنحاول التغلب عليها. وكأن الرقابة تريد تقديم الإسفاف للشباب، بدلًا من تقديم الأعمال الجادة المفيدة لهم!
هذا ما قلته ونشرته عام 1997 فى كتابى «الرقابة والمسرح المرفوض»، وها أنا مضطر إلى العودة إلى هذا النص مرة أخرى، لأنشر الوثائق المرفقة به «كاملة» لما بها من أمور مهمة! وأول وثيقة كانت خطابًا رسميًا به ترويسة مطبوعة أعلاه بها شعاران، الأول يمين، وهو شعار «نادى المسرح» ببور سعيد، وأسفله مكتوب «جمعية نادى المسرح» شارع محمود صدقى والنصر، تليفون 22822. والشعار الآخر على اليسار مكتوب فيه «المهرجان الأول لفنون المسرح» بور سعيد. أما نص الخطاب فيقول: «السيد الأستاذ مدير الرقابة على المصنفات الفنية، تحية واحترام وبعد.. أرسل لسيادتكم طيه عدد ثلاث نسخ من عرض المونودراما «أحلام مصرية جدًا» تأليف أحد الهواة/ صلاح متولى، وإخراج هاوى آخر/ رؤوف رزق والمقدم للاشتراك به فى مسابقة «المونودراما» بالمهرجان الأول لفنون المسرح ببور سعيد. برجاء التكرم بعد الاطلاع موافاتنا بالتصديق اللازم على عرضه بين العروض المقدمة من هواة المسرح ببور سعيد.. وتفضلوا سيادتكم بقبول الشكر والاحترام. [توقيع] الأمين العام للمهرجان «فؤاد مصطفى صالح». وهذا الخطاب هو «الوثيقة الوحيدة» التى تثبت - تاريخيًا - قيام هذا المهرجان فى بور سعيد لأول وآخر مرة؛ حيث إن هذه الدورة كانت الأولى والأخيرة، كما أن مسابقة «المونودرما» كانت أول مسابقة فى هذا النوع التمثيلى فى بور سعيد وفى مصر كلها - على حد علمى - وهذا حق تاريخى يجب إثباته لبور سعيد أمام انتشار المهرجانات المونودرامية فى مصر والعالم العربى الآن.
وإذا كنت قد أشرت إلى مضمون تقارير الرقباء، فيجب على الآن إثبات نصوص التقارير كاملة لأسباب سأكشف عنها فيما بعد! وأول تقرير كتبته الرقيبة «إيناس إبراهيم محفوظ» وفيه قالت: «من قراءتنا لمسرحية أحلام مصرية جدًا نرى أن المسرحية نقدية سياسية بشكل مباشر تمس السياسة وبعض الأجهزة الحساسة، كذلك تتعارض مع الدين وتتعرض لشخصيات هامة بشكل غير لائق فنجد مثلًا: (أنا سرحان المصرى رئيس الجمهورية الاشتراكية الرأسمالية الإمبريالية.. الكلبة كانت متغطية ببطانية صوف المحلة وارد هونج كونج.. نداء سقوط كل المورثات)! كيف نؤيد سقوط كل الموروثات ونحن وقد ورثنا عن أهل السلف وعن آبائنا وأجدادنا عادات وتقاليد وأصول وعلوم وفنون أهلتنا لما نحن فيه اليوم وأهلت المؤلف نفسه أن يمسك ورقة وقلم؟! نداء بسقوط كل الموازين التى ترفع من قدر الإنسان! كيف؟ وقد قال الله تعالى «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم».. «انتهاء الثقافة الرفيعة».. «الجيش تهريج منظم.. أقف عدل يا عسكري” كيف؟! “أسطبل يعنى أنا المصرى كريم العنصرين.. لا أنا موش حمار”.. “صحيح الحمار شعار حزب أمريكا الديمقراطي”. والصحافة تكتب عنك بالبنط العريض السح الدح أمبو المصرى سيحوه إديله محلول عفاف.. وفى لحظة مشؤمة فى ليلة عاصفة مشؤمة وجدت امرأة تهرول بمفردها فى منتصف الليل اغتصبتها وبعدين دبحتها لكن قبل ما تموت شافت الصباح السادس قالت لى وهى تلفظ أنفاسها وحيد يا ابنى أنا أمك.. ولذا أرى رفض المسرحية حيث إن لها خطورة كبيرة ومن شأنها إحداث بلبلة فى هذا الوقت العصيب الذى نمر به».
وقالت الرقيبة «فايدة بغدادي» فى تقريرها: «تتكلم المسرحية عن الإنسان المصرى الذى يعانى فى يقظته وأحلامه.. والمسرحية مليئة بالألفاظ والعبارات التى تصور سوء الحالة مثل «حاتجوز وإلا حفضل على لحم بطنى.. حلاقى شغلانة تكفى مصاريفى وألا حفضل صايع.. نفسى أموت لكن أحسن حاجة عملها أبويا إنه جاب جوزة.. يبقى يوم مهبب لو شفته قبل أن يشد المزاج.. كما تبين أن الشخص المثقف من الصعب أن يجد الوظيفة التى دخلها يكفى احتياجاته الضرورية.. كما من الصعب أن يجد الشقة التى تحتاج إلى الألوفات والزوجة التى يطالب أهلها أيضًا مبالغ طائلة لا يستطيع أى مثقف وموظف عادى أن يوفرها.. كما تتكلم المسرحية عن إعلانات التليفزيون وتبين أنها استفزازية.. كما أن المسرحية تحتوى على بعض العبارات الهابطة مثل «إنه يريد زوجة مطلقة تكون سمينة فرسة تملى العين.. يستحسن تكون معصعصة نتاية معصعصة مش نتاية تخينة بكرش من الحمار ما تغيرش.. أنا عايزها نتاية بصحيح”. «الرأي»: أرى عدم التصريح بهذا النص فهو يعرض لنا سلبيات المجتمع بصورة تثير النفوس وتملأها بالضيق والحقد ولذا أرى عدم التصريح بهذا النص.


ترجمة أحمد عبد الفتاح