فى إطار الدورة الـ32 من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى وضمن فاعليات هذه الدورة شاركت الجمهورية التونسية الشقيقية بالعرض المسرحى عطيل وبعد.. والذى تم عرضة على مسرح السلام بشارع القصر العينى، تأليف بوكثير دومة عن النص الدرامى (المسرحي) عطيل للكاتب والشاعر الإنجليزى ويليام شكسبير (1564 - 1616م)، والذى كتبه عام 1603م، والعرض المسرحى عطيل وبعد.. من إخراج حمادى الوهايبى، ومن إنتاج المركز الثقافى الدولى بالحمامات، وقد تم تقديم هذا العرض فى مهرجان الحمامات الدولى بتونس احتفالا بذكرى مرور 60 عامًا على تأسيسه، حيث تم افتتاح المهرجان منذ تأسيسه سنة 1964م بالعرض المسرحى عطيل من إخراج على بن عياد.العرض المسرحى عطيل وبعد.. يبدأ من حيث تنتهى النص الأصلى لشكسبير، ويعد قراءة معاصرة، ناقش فيها المخرج النص الدرامى (المسرحي) عطيل، هذا النص القادم من الغرب، والمعتمد فى التراث الإبداعى الأدبى العالمى، والذى ترسخ معناه فى ذاكراتنا، وقدم لنا المخرج عرض مسرحى جديد يناقش واقعنا الآنى فى انفصال واتصال مع الفترة التاريخية التى عاشها شكسبير، حيث قام من خلال إعادة قراءة نص شكسبير، الذى تطرق إلى مواضيع الخير، والشر، والغيرة، والخيانة، والعنصرية، وطرح لنا إشكالية التعامل المغاير مع النص الأصلى، فأضاف شخصيتان من أفريقيا ليرسخ لأصل عطيل المغاربى الأفريقى، وهما: شخصية الأم، والتى تظهر لتوقف عملية القتل ليتم تغيير مسار الأحداث، وتكون رمزًا للوعى الإنسانى، وشخصية البعد الآخر أو ظل عطيل الموسيقى الفنان الحالم، فعند شكسبير أستقدم الغرب عطيل من الشرق ليقود الحرب عوضنًا عنهم، لكنه لم يقوم بهذه الحرب، حيث أن الطبيعة كفته شر القتال، فربح الحرب دون قتال، ثم تم زواجه من فتاة جميلة (ديدمونة) والدها عضو مجلس الشيوخ مدينة البندقية، لكن ياجو ينزل الشك والريبة فى قلبه فيقتلها عطيل ثم ينتحر، فمن وجه نظر صانعى العرض (عطيل.. وبعد) أن شكسبير قدم نموذج مشوه للبطل العربى، ولكن المؤلف بوكثير دومة بالاتفاق مع المخرج الوهايبى وفريق العمل قرروا رفض هذه الصورة، وأن يقدموا صورة مغايرة لعطيل بأن العالم الشرقى المتمثل فى شخصية عطيل لا يقتلوا النساء أو فاشلون فى الحرب، وأن منطق الإنسان الشرقى هو منطق الندية، والآن أُكْتُشف بل وأصبح واضحًا كالشمس زيف الحضارة الغربية التى يتشدق بها الغرب ويعتبرها مميزات امتاز بها عن الشرق مثل حقوق الإنسان والدعوة إلى السلام وغير ذلك من الشعارات الرنانة، ونجد عطيل يقول (لن أقتل ديدمونة ولن أكون محل شفقة لأحد)، ويقول أيضًا (لن تهنئوا بما دونته صفحاتكم المزورة، ولن يكتب التاريخ القادم بأقلامكم المخادعة) وهذه الجمل تعكس بناءً كامل لشخصية عطيل، وهنا عطيل بوكثير يقارع عطيل شكسبير، وابتكروا فكرة حمل ديدمونة، فالجنين الذى يولد هو المستقبل، فمن الممكن أن يكون المستقبل مشترك بين الشرق والغرب، شريطة أن نتعامل معًا بشكل إنسانى يضمن حقوق الجميع، وكلًا منا يحترم الآخر، وبالتالى يعم السلام بيننا، واستحضرا شخصية الأم فهى الجذور التى تحيل المتلقى على أن جذور عطيل من المغاربة بأفريقيا بشكل عام والأم هى الشخصية الحكيمة، وشخصية الموسيقى المصاحب لشخصية الأم هو الصورة الإنسانية النبيلة لعطيل، وهى رسالة للغرب عندما تريد أن تستقدم إنسان من الشرق لا تستقدمه كمحارب؛ بل استقدمه كمفكر، أو كفنان، أو غير ذلك، فهو إنسان خلقه الله ولم يفرق بينكم إلا بالتقوى، هذا الإنسان لا تقل درجة وعيه أو كفاءته عنكم، ولعب المخرج على تقنية بريخت بصعود ونزول الممثلين من وإلى صالة العرض (مكان جلوس المتلقي) حتى يشرك المتلقى معه فى تلك اللعبة المسرحية، ويفكر معه فى طرحة للقضية التى تتبناها، كما شكل المخرج شخصيات العرض فى شكل ثنائيات مثل الخير والشر، الحب والكرة، العنصرية وقبول الآخر.. إلخ حتى تتماهى مع الإشكالية المطروحة لتتناسب مع الواقع الآنى.لقد طرح بوكثير والوهايبى الشخصيات فى صورة أفكار، فالفكر الغربى المغلوط عن الإنسان الشرقى خاصة الإنسان العربى فهو ليس إنسانًا دمويًا، كما يزعم الغرب، أو معاديًا للإنسانية، بل هو فنان رهف الحس ومحب للسلام، وأن الاختلاف مع الآخر ليس اختلافًا دينيًا أو عقائديًا، أو حتى جغرافيًا؛ بل الاختلاف فى معاملة الآخر فلابد من المساواة فى التعامل وكل منا يحترم الآخر.كان الفراغ المسرحى لا يوجد به غير سلم فى العمق يمين للمتلقى، واستخدم المخرج أسلوب المسرحى البولندى جروتوفسكى (المسرح الفقير) وفى الوقت نفسه استخدم التكنولوجيا الحديثة باستخدام الشاشة حيث العمل على مسرح الصورة باستخدام كل مفردات العرض المسرحى، وكان الاعتماد الأكبر على حركة الممثلين داخل الفراغ المسرحى، وعبرت الصورة التى عرضت على الشاشة على أكثر من مكان؛ حيث تدور فيها الأحداث الدرامية، ومنها الساحات، والطرقات، والكنيسة، والدير، والسجن، وأيضًا الصحراء وذلك بظهور شاشة مليئة بالنجوم لتعبر عن مهد شخصية عطيل القادم من الصحراء فى المغاربية بإفريقيا.كانت الإنارة (الإضاءة) ليست فقط لتحديد الزمان أو المكان ولكن كانت معبرة عن الحالة الدرامية بشكل عام والحالة النفسية للممثلين حتى يتماهى المتلقى مع الحدث الدرامى، لقد استدعى بوكثير والوهايبى الشخصيات من القبور، فهى شخصيات غير حقيقية، والبسها لباس زماننا الآنى، ولذلك نجد معظم الإضاءة خافتة، فغلبعليها اللون الأزرق لتعبر عن حالة الغموض، واختار أن يرسم على خشبة المسرح مربعات ضوئية، فكما قلنا ليظهر وجه الممثل وانفعالاته للمتلقى.كان التجريب على مستوى النص بأن أضيف شخصيتان وأصبح اسم النص الجديد عطيل وبعد حيث التناص مع النص الأصلى عطيل، الذى عمل قراءة جنوبية للقراءة الشمالية للشخصية الإفريقية، ففى نص عطيل وبعد كان المؤلف ينتقد فى نصه العقل الغربى الذى ينظر نظرة دونية للعقل الشرقى، فهى دعوة للغرب لإعادة النظر فى ثقافة وحضارة الشعوب الشرقية، وكذلك دعوة لأنفسنا فى الشرق لإعادة النظر فى المعطيات والمسلمات من المفاهيم التى رسخها الغرب بداخلنا، كما قام المخرج بالتقريب على مستوى الصورة من خلال الاعتماد على المساحة الفارغة والربط بينها وبين شاشة العرض لخلق أماكن جديدة كما ذكرنا سابقًا.كل التحية لكل من شارك فى خروج هذا العرض للنورتمثيل: مهذب الرميلى، فاتن الشوايبى، محمد شوقى خوجة، إباءالحملى، بهرام العلوى، نور الدين الهمامى، سامية بوقرة.كورجرافيا: شيماء رحاولية، ريان سلام، بمساهمة: قيس بولعراس.إنارة وصوت: صبرى العتروس، وليد عصايدى، صادق القيزانيموســيقى: زياد شــقواى، بمساهمة الفنان (العــازف): أحمــد الماجرى.مســاعدة المخرج: ريم الحمرونــى، توظيف ركحى: شيماء بن سعيد، ملابس: مامية بن يحيى، إدارة الإنتاج: بسمة الهادفى.