ورشة المحاكاة البصرية محمود صبري

ورشة المحاكاة البصرية محمود صبري

العدد 943 صدر بتاريخ 22سبتمبر2025

شهد مهرجان الفضاءات غير التقليدية الذى يحتضنه المعهد العالى للفنون المسرحية تجربة استثنائية عبر ورشة متخصصة يقدمها الأستاذ المساعد المهندس محمود صبرى بعنوان المحاكاة البصرية فى المنظر المسرحى. تأتى هذه الورشة لتضع المشاركين أمام أحدث تقنيات الخداع البصرى وأساليب دمج الإضاءة والإسقاطات الضوئية مع فنون الأداء، لتفتح آفاقًا جديدة فى صياغة المشهد المسرحى وإعادة تعريف العلاقة بين المتفرج والفضاء الذى يحتضن العرض.

رؤية الورشة وأهميتها
يؤكد محمود صبرى منذ البداية أن التقنية فى المسرح ليست مجرد ترف أو عنصر تجميلى، بل هى أداة درامية أصيلة تسهم فى بناء المعنى وتعميق الأثر الشعورى لدى الجمهور. فالمحاكاة البصرية كما يطرحها صبرى هى فن يعتمد على دقة التصميم وابتكار الحلول التى تجعل المتفرج يعيش داخل الحدث المسرحى، لا كمشاهد من الخارج فحسب، بل كأنه جزء من التجربة نفسها. ويشدد على أن الخداع البصرى فى المسرح الناجح يشبه “الملح فى الطعام”؛ يجب أن يُستخدم بميزان محسوب كى لا يطغى على جوهر العرض، بل يدعمه ويثريه.
محاور وأساليب متقدمة
تتوزع الورشة على محاور عملية ونظرية تمزج بين التجربة التقنية والحس الفنى، ومن أبرزها:
الخداع البصرى وصناعة الفراغ الثلاثى الأبعاد: يشرح صبرى كيفية توظيف خامات شفافة مثل الشيفون والتُلّ أو أسطح زجاجية عاكسة لإيهام الجمهور بوجود مجسمات تدور فى الفراغ. فعبر إسقاطات ضوئية دقيقة وزوايا رؤية محسوبة، يتحول السطح الشفاف إلى مساحة نابضة بالحياة، فيرى المتفرج أشكالًا مجسمة تتحرك أمامه رغم أنها مجرد انعكاسات.

ديناميكية المنظر وتغيير المشاهد
يولى صبرى اهتمامًا خاصًا لفكرة الانتقال السلس بين اللوحات المسرحية، حيث يستخدم الحركة المبرمجة للإضاءة والشاشات لإنشاء تحولات بصرية تشبه “البازل” المتداخل، مثل مشهد النار التى تبدأ صغيرة ثم تتمدد على البلكونات، أو لحظة سقوط ممثلة فى حوض مخفى لتوهم الجمهور أنها وقعت بالفعل.

التكامل مع أداء الممثل
يركز على ضرورة انسجام المؤثرات البصرية مع حركة الممثلين، بحيث تُضبط مقاسات الديكور ومواضع العناصر بدقة حتى لا يظهر أى انفصال بين الأداء الحى والخدع الضوئية. فالممثل يتفاعل مع الإضاءة وكأنها شريك على الخشبة، ما يجعل المشهد وحدة متكاملة.

خبرات ميدانية وعروض ملهمة
يستعين صبرى فى ورشته بعدد من التجارب الميدانية التى خاضها فى عروض سابقة، فيروى كيف استخدم الإسقاطات الضوئية والشاشات الشفافة لإنتاج مشاهد سحرية، مثل الإسقاط الخلفى الذى يخلق شعورًا بوجود كائنات أو عناصر تتحرك فى الهواء، أو تصميم مراوح ضوئية سريعة الدوران تمنح الجمهور إحساسًا بوجود أشكال ثلاثية الأبعاد تتراقص أمامهم. كما يوضح كيف يمكن استبدال التقنيات المكلفة بخامات محلية أقل كلفة، مع الحفاظ على جودة الخداع البصرى، ما يجعل التجربة فى متناول الفرق المسرحية الشابة.

التحديات التقنية وحلول مبتكرة
تطرق صبرى إلى أبرز التحديات التى تواجه مصمم المنظر عند توظيف تقنيات المحاكاة البصرية، مثل ضبط نسب الإضاءة، وزوايا الرؤية، ومواضع الأجهزة حتى لا تنكشف الخدع. ويعرض حلولًا عملية كتقسيم الإضاءة على مستويات مختلفة، أو استخدام شاشات شفافة قابلة للتركيب والفك، إضافة إلى نصائح دقيقة فى اختيار الخامات وتثبيتها بما يضمن الأمان للممثلين والجمهور، على حد سواء.

قيمة فنية ومعرفية
تمنح هذه الورشة للمسرحيين الشباب أدوات حقيقية لإعادة تخيّل الفضاء المسرحى. فهى تؤكد أن الإبداع لا يرتبط دائمًا بميزانيات ضخمة، بل بالقدرة على المزج بين الحرفية الفنية والدقة التقنية. ومن خلال هذه التجربة، يدعو محمود صبرى المشاركين إلى تجاوز الشكل التقليدى للعرض، وجعل الخيال البصرى عنصرًا فاعلًا يثرى النص ويضاعف تأثيره.
ورشة المحاكاة البصرية فى المنظر المسرحى التى قدمها المهندس محمود صبرى هى مختبر حى لتجريب العلاقة بين الضوء والحركة والمادة، ولتأكيد أن المسرح فضاء مفتوح على الابتكار. إنها دعوة إلى صناع المسرح لاستخدام التقنية بحساسية فنية، بحيث يظل الجمهور شريكًا فى لحظة مسرحية ساحرة، يتداخل فيها الواقع بالوهم فى تجربة جمالية متكاملة.
بعد ختام الورشة التقينا المهندس محمود صبرى الذى تحدث عن الأهداف التى سعى إلى تحقيقها قائلًا:
«الهدف الأساسى هو تعريف الجيل الجديد بالتقنيات والوسائط الرقمية الحديثة، وطرح سؤال مهم: هل ألغت هذه التكنولوجيا دور المصمم التقليدي؟ والإجابة أن التكنولوجيا أداة مساعدة وليست بديلًا عن الأسس الراسخة فى فن المنظر. أردت تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، والتأكيد على أن استخدام أى تقنية يجب أن يكون محسوبًا ويخدم العرض، لا أن يُقحم لمجرد إبهار شكلى.»

وعن طريقة توصيل المفاهيم أوضح:
«اعتمدت على نماذج عالمية وتجارب شخصية، وعرضت مقاطع مصوّرة وشرحت الأدوات والخامات والبرامج المستخدمة. شددت على أن من يرغب فى التخصص عليه أن يجرب بنفسه ويطبق عمليًا”.

أما أبرز محاور اليوم فقال:
«تناولت أربعة محاور أساسية: الإسقاط الضوئى وأنواعه، محاكاة الهولوجرام، أنواع الشاشات، وتقنيات الواقع المعزز وكيفية الاستفادة منها فى تصميم المنظر المسرحى».

وأشار صبرى إلى البرامج التى جرى التعريف بها:
«تحدثنا عن مجموعة من البرامج، أهمها برنامج التصميم الثلاثى الأبعاد ‘ثرى دى ماكس’، وأيضًا برنامج ‘أرينا’ الذى يُعد من أقوى الأدوات فى هذا المجال، مع التنويه بضرورة التدريب الذاتى ومتابعة الدروس المتاحة عبر الإنترنت.»

وعن تفاعل المشاركين قال:
«التفاعل كان قويًا جدًا، والأسئلة كانت ثرية ومتواصلة بعد كل محور. لم أجد أى صعوبة فى توصيل الأفكار، فالمشاركون يمتلكون وعيًا تقنيًا كبيرًا، خاصة فى بيئة أكاديمية مثل المعهد العالى للفنون المسرحية».

وفى ختام اللقاء وجّه صبرى توصياته:
«أهم توصية هى تطوير المناهج الأكاديمية لمواكبة التطور العالمى، من دون إلغاء الأساسيات التقليدية. فكما تقدّم فن السينما بفضل الإبهار البصرى، يمكن للمسرح أن يستفيد من التقنيات الحديثة لخلق عرض مبهر يحافظ فى الوقت نفسه على أصالة الفن المسرحى».

رؤية السينوغراف حازم شبل حول دمج تقنيات المحاكاة البصرية فى المسرح
كان من ضمن الحضور السينوغراف المهندس حازم شبل الذى التقينا به و شارك برؤيته معنا حول دور التقنيات الحديثة فى تطوير فن السينوغرافيا، مؤكّدًا أن التكنولوجيا، مهما بلغت حداثتها، تبقى مجرد أداة فى خدمة الرؤية الفنية، وليست غاية فى ذاتها. وأوضح أن جوهر العمل المسرحى يبدأ من الفكرة التى يطرحها المخرج وفريقه، ثم تُختار الوسائل التقنية التى تساعد على تجسيد هذه الرؤية، بحيث تخدم الدراما وتثريها دون أن تطغى عليها أو تحجب هويتها الأصيلة.

التقنية خادم للفكرة المسرحية
يرى شبل أن تقنيات المحاكاة البصرية لا تُلغِى أسس التصميم التقليدى، بل تكملها وتفتح أمامها إمكانات أوسع. فالخامات وأدوات التنفيذ تبقى هى ذاتها، من خشب وزجاج وخامات أخرى، لكن الإبداع يكمن فى كيفية توظيفها. واستشهد بتجربته فى عرض قُدِّم على المسرح القومى عام 2008، حيث استخدم خامة الماس لإظهار جدار شفاف يكشف ما يدور خلفه، مبرزًا أن الغاية لم تكن إبهار الجمهور بالتقنية بل خلق لحظة مسرحية ساحرة تبقى فى الذاكرة.

تحديات الدمج بين السينوغرافيا والتقنيات الرقمية
وأشار شبل إلى أن دمج المؤثرات الرقمية فى السينوغرافيا يواجه تحديات عملية، أبرزها طبيعة المسرح نفسه ودراما العرض: “قد تتوافر أحدث الأجهزة، لكن إن لم يحتاجها النص فلن أستخدمها”. وأضاف أن معمارية القاعة وزوايا الرؤية ومواضع الإضاءة والشاشات، إلى جانب حدود الميزانية، كلها عوامل تتحكم فى القرار الفنى وتتطلب دراسة دقيقة منذ مرحلة التخطيط الأولى.

أسس التصميم الكلاسيكى قاعدة لا غنى عنها
أما عن المهارات المطلوبة للمصممين الشباب، فيشدد شبل على ضرورة الإلمام بأسس التصميم الكلاسيكي: من مبادئ الجماليات والنسب، إلى فهم الضوء والظل وبناء التكوين الدرامى. ويرى أن القدرة على رسم الاسكتش الأولى تبقى حجر الأساس فى أى عمل سينوغرافي؛ فهو النواة التى تنبثق منها الفكرة قبل تحويلها إلى تصميم رقمى أو تقنى متكامل.

المستقبل العربى للسينوغرافيا الرقمية
وفى حديثه عن مستقبل السينوغرافيا العربية، يرفض شبل التنبؤات الجامدة، مؤكدًا أن التطور الحقيقى يكمن فى العمل الجماعى والرؤية الإبداعية التى تقودها احتياجات النص. فسواء استُخدمت الإسقاطات الضوئية أو الشاشات المتقدمة، يبقى الأهم هو ما يريد الفنان التعبير عنه وكيفية توصيله بأصدق وأجمل صورة.
 


عماد علواني