العدد 936 صدر بتاريخ 4أغسطس2025
وبصورة عامة، كان النظام يعمل على أساس توصيل أجهزة استشعار الانحناء بأجهزة إرسال لاسلكية وتركيبها على مرفقي أو ركب أو وركي المؤدين (انظر الشكل 1-1). وكانت الرسائل - وهي في هذه المرحلة رسائل ثنائية (تشغيل وإيقاف) - تُنقل لاسلكيًا إلى جهاز استقبال متصل بجهاز كمبيوتر أبل ماك Apple Mac، والذي يحول البيانات إلى رسائل MIDI ويستخدمها لتشغيل أصوات بسيطة على مُركِّب MIDI. ونظرًا لتعقيد العمل مع التكنولوجيا في ذلك الوقت، فقد كان إنجازًا غير عادي أن يتم تشغيل كل هذا في بيئة أداء حي . وتتذكر ستوبييلو مدى تجريبية البحث العملي التشاركي حقًا: “لقد اندهشنا من أنه كان يعمل حتى ... بدا الأمر أشبه بـ “يا إلهي، إنه يعمل! إنه مذهل!” لقد بدا الأمر سحريًا تمامًا، لكنه فشل كثيرًا”. لم يعرفوا حقًا ماذا كانوا يفعلون، باستثناء الفضول الكامن والدافع العاطفي لاكتشاف تقنيات الأداء الجديدة. وعلى نحو مماثل، يتذكر كونيجليو أنه قبل يومين فقط من العرض توقف النظام بأكمله عن العمل وانهمرت دموعه حرفيًا. ومع ذلك، دفعه الشغف والمثابرة إلى حل المشكلات. وأثناء عمله على جهاز ماك بلس Mac Plus، كان على كونيجليو تشغيل نظام التشغيل من قرص مرن، ثم تبديل الأقراص لتشغيل برنامج الأداء المتفاعل interactor،(1) الذي كتبه من من الألف الى الياء. يعترف كلا الممارسين علنًا بأن اهتمامهما الرئيسي كان اجتياز العرض دون فشل التكنولوجيا، وهو ما حققاه. وفي حين كانت الفروق الدقيقة في تصميم الرقصات مشكوكًا فيها، فإن أهمية مفهوم العمل كانت هائلة تاريخيًا. في إشارة إلى عملية التصميم، وتعلن ستوبييلو:
بعد ابتكار المواد بشكل منفصل، اجتمعنا للعمل مع الراقصين وسرعان ما أدركنا أن هذه العلاقة الفردية، التى تنتج فيها إيماءة واحدة صوتًا واحدًا (وواحدًا فقط)، لم تؤد إلى أغنى مقطوعة موسيقية أو رقصة. لقد أطلقنا على هذه التقنية اسم «طريقة بليب-بلوب»، لأن هذا هو كل ما انتهت إليه المحاولة الأولى - سلسلة من النغمات جنبًا إلى جنب مع تصميم الرقصات الآلى المطلوب لتشغيل النظام.
وعلى الرغم من قلة الدقة في تصميم الرقصات، فإن ما يجب الاعتراف به هو مساهمتهم الهائلة في مجال تصميم المشاهد المستجيبة الجديد. فكان البحث العملي التشاركي الذي ضم الأسابيع التي سبقت عرض تخرجهم، والذي بلغ ذروته في أداء رقص رقمي تفاعلي قصير، بمثابة ابتكار لفكرة فنية ستصبح محور مساعيهم الفنية على مدى العقد التالي، وستساعد في تحفيز مجال جديد تمامًا من الخطاب النظرى والعملى. وبينما يمكن فهم عرض «الحاجة The Need” على أنه بذرة هذا الانقطاع الجمالى، فإن أداءهم اللاحق “مذكرات لمسية Tactile Diaries، هو الأكثر أهمية في هذا الفصل لأنه، من الناحية الموضوعية والتقنية، أكثر تطورًا. فهو لا يستخدم تقنيات MidiDancer المستجيبة فحسب، بل إنه يستخدم أيضًا تقنيات ثقافية إلكترونية جوهرية أخرى، مثل الفيديو كونفرانس والبث اللا مركزى والنشر العام في الوقت الفعلي.
عرض «مذكرات لمسية»
وفي العام التالي بعد أن دخلا في تعاون مع مؤسسي إلكترونيك كافيه إنترناشيونال (ECI)(2) وكيت جالاوى وشيرى رابينوفيتش بدأوا في تسمية أنفسهم(3)وكان الهدف هو إنتاج عمل أدائى تجريبى يستخدم هاتف الفيديو بطىء المسح من طراز Panasonic WG-R2، وهو قطعة متطورة من أجهزة الاتصالات التلفزيونية في الوقت الفعلي. وكان المفهوم يتعلق بالأداء “في وقت واحد في المقهى الإلكترونى The Elctronic Cafe فى لوس أنجلوس واستوديوهات تليفزيون جامعة نيويورك، في مدينة نيويورك، من خلال نقل الصور من الموقع السابق (الداخلى) إلى الموقع الأخير (البعيد)، في الوقت الفعلى. وأطلقوا على العمل اسم مذكرات لمسية Tactile Diaries. ودافعت فرقة إلكترنيك كافيه إنترناشيونال ((ECI عن ديمقراطية الاتصالات والقدرات الإذاعية، التي كانت في السابق ضمن نطاق شركات الوسائط الغنية والمؤسسات الحكومية فقط. وقد نقلت أجهزة الفيديو ذات المسح البطىء صور الفيديو عبر خط هاتف عادي، وبالتالى وضعت القدرة على البث (اللامركزي) في أيدى الفنانين والهواة الذين يعملون بميزانيات منخفضة. لم يكن الإنترنت موجودًا في ذلك الوقت، لذا فإن عمليات البث ذات المسح البطيء كانت ثورية(4).
لم تكن المفاهيم النظرية للاتصالات عن بعد والتواجد عن بعد والذات المجردة، التي توفرها النصوص التشعبية والشبكات الإلكترونية، قد تم استخلاصها بعد. ومع ذلك، ظهرت العديد من كاميرات المراقبة بالفيديو فى الأماكن العامة والخاصة، مما أجبرهم على النظر في موضوعات الوصول. فمن هم المتميزون ومن هم المهمشون؟ لقد كانت المحادثات التي تطورت أثناء التطوير المفاهيمى للمشروع تدور حول الكتابة والنقش - نقش الذات على العالم. وكانت مثل هذه العمليات تجري بشكل متزايد من خلال التقنيات الميكانيكية والرقمية للنقش. وتوضح ستوبييلو: “لهذا السبب، في بداية العمل، كنا نكتب حرفيًا”.ومع ذلك، لم تكن هذه الموضوعات التي شرعوا في نقلها صريحة؛ بل كانت ذاتية تقنية أثرت على نطاق واسع على الطريقة التي يفكر بها الفنانون في أنفسهم وفي المجتمع. وكانت ستوبييلو، التي نشأت في مدرسة للفنون المسرحية، مدركًة تمامًا لتقنيات الكاميرا ووضع الشاشة في العروض الحية، وقوة النظرة الوسيطة. وكان هدفهما هو أخذ هذه الأجهزة الأدائية التي تتسم في جوهرها بالحداثة ودمجها مع الإمكانات الجديدة التي توفرها هواتف الفيديو ذات المسح البطىء.
وإلى جانب وظائف البث الديمقراطي ونقل الصور في الوقت الفعلي، أدخلت تقنية الهاتف المرئي البطيء المسح مفهومًا أعمق آخر إلى العمل: إمكانية الحوار المرئي (غير المجسد) عبر الفجوات الجغرافية المكانية الكبيرة، والتى وصفناها لاحقًا بأنها مؤتمرات عن بعد أو فيديو كونفرانس. وفي حين أن أفكار الفيديو كونفرانس ربما كانت موجودة في أفلام هوليوود وأدب الخيال العلمي، فإن قدرة المستخدمين العاديين على نقل مقاطع فيديو لأنفسهم عبر خط هاتف في الوقت الفعلي كانت جديدة من الناحية الفنية، وفتحت عالمًا جديدًا من الأفكار. وكانت ترويكا رانش مهتمة بكيفية تأثير هذه الوسيلة الجديدة لإسقاط الذات على العالم وعلى مفاهيم الهوية والذات.
في حين أن البث اللا مركزى باستخدام الهاتف المرئي كان يشكل بالفعل ابتكارًا فنيًا مهمًا، فإن حماس كونيجليو وستوبييلو وجالواي ورابينوفيتش للاختراع الإبداعي حفزهم إلى دفع الأساس التكنولوجي والمفاهيمي للعمل إلى أقصى حد. لقد دمجوا بين تقنيات MidiDancer والمسح البطىء لابتكار جهاز سينوغرافي رقمي تفاعلي أصلي وهجين. وباستخدام أجهزة استشعار الانحناء على مرفقيها، استخدمت ستوبييلو شكل جسدها لتشغيل الهاتف المرئي حركيًا، وبالتالي تحديد متى وتحت أي ظروف سيتم إرسال الصور إلى نيويورك. وعلى هذا النحو، هناك مفهومان جماليان رئيسيان يعملان في قلب هذا العرض: إضفاء الطابع الديمقراطى على تقنيات البث المرئى والمؤتمرات عن بعد، والطرف الاصطناعى الإلكتروني لجسد الراقصين الذى سمح لها بتغيير السينوغرافيا الداخلية والبعيدة.
الهوامش
1- يصف كونيجليو Interactor بأنه “أبو Isadora”، برنامج تصميم الأداء الرقمي الحالي الخاص به: https://troikatronix.com/
2- http://www.ecafe.com/museum/history/ksoverview2.html
3- تم دمج ترويكا رانش رسميا مع الحكومة الفيدرالية باعتبارها فرقة لا تهدف للربح عام 1994
4- ويؤكد كل من كونيجليو وستوبييلو أن جالواي ورابينوفيتش لم يحظيا بالتقدير الكافي لمساهمتهما الرائدة في مجال الأداء الرقمي. وكانا أول من استكشفا الاتصالات عن بعد على أساس أن الأحداث المتزامنة يمكن أن تحدث في أماكن بعيدة، وأن الجمهور والفنانين المنفصلين يمكن أن يكون لديهم علاقة وتجربة مشتركة، وإن كانت مختلفة، لحدث واحد (ستوبييلو 2018؛ كونيجليو 2019)