فى المكسيك .. التنوع العرقى نقطة قوة

فى المكسيك .. التنوع العرقى نقطة قوة

العدد 936 صدر بتاريخ 4أغسطس2025

 تشهد المكسيك فى الوقت الحالى حركة تطلق على نفسها اسم “حركة تمكين السود”، وتدعو هذه الحركة إلى ادماج السود فى المجتمع المكسيكى. 
فقد شهد القرن 16 قيام الإسبان وغيرهم بتهجير أعداد كبيرة من الأفارقة السود إلى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية لتشغيلهم فى المزارع والأعمال الشاقة الأخرى.
وكان هؤلاء يلقون معاملة غير لائقة دفعتهم إلى القيام بثورات عديدة للحصول على حقوقهم. وحققت جهودهم نجاحًا طيبًا فى معظم الدول وبات السود مندمجين إلى حد كبير فى الولايات المتحدة ومعظم دول أمريكا الوسطى والجنوبية ويتولون مناصب قيادية وغيرها. ووجدنا أحدهم وهو باراك أوباما يصل الى رئاسة الولايات المتحدة. ووجدنا دولة مثل هاييتى التى تتقاسم شبه جزيرة إسبانيولا مع الدومنيكان يشكل السود 95% من سكانها.
وهناك استثناءات لهذا النجاح أحدها فى المكسيك. فلا يزال السود هناك يعانون من التهميش. وهناك من يصابون بالدهشة عندما يكتشفون أن هناك نسبة من الأفارقة السود بين مكونات المجتمع المكسيكى. وهم يتعرضون لهذا التهميش لصالح السكان الأصليين والمهاجرين من البيض وذوى الأصول الإسبانية.

فى المسرح أيضًا
ولم يخرج المسرح عن هذه القاعدة؛ حيث نشات حركة مسرحية تدعو إلى ادماج السود فى الحياة المسرحية فى المكسيك. 
تقود الحركة الممثلة المكسيكية السوداء “ايرنديرا كاستوريللا “ (33 سنة). وتقول كاستوريللا انها شاركت فى اطلاق هذه الحركة وتولت قيادتها بسبب ما تعرضت له من تمييز فى حياتها المسرحية والفنية بسبب لون بشرتها حال بينها وبين المشاركة فى اعمال فنية عديدة لاسباب غير مقنعة على الإطلاق. 
هناك مخرجون قالوا إن بشرتها سوداء إلى حد لا يقنع المشاهد بأنها مكسيكية. وهناك من قالوا إنها طويلة القامة بشكل يجعلها غير مناسبة لتجسيد شخصية سيدة مكسيكية. وكان هناك من يقول إن ملامحها ليست مكسيكية خالصة لتجسد شخصية سيدة مكسيكية.

حجج مرفوضة
وكان ذلك يثير غضبها لسبب مهم وهى أنها ليست افريقية خالصة رغم أنها تعتز بأصولها الإفريقية وتعرف نفسها بأنها إفريقية. فهى من أصول مختلطة تفاعل فيها السكان الأصليون مع مهاجرين أفارقة. وهذا ما يفسر أن بشرتها ليست بدرجة سواد البشرة لدى الأفارقة. والتحقت فى طفولتها بدورات لتعلم الرقص الأفريقى.
 كما أن هناك ممثلين وممثلات من أصول أوروبية وشرقية يشاركون فى أعمال فنية مكسيكية فى المسرح وغيره دون أن يعترض أحد. 
 وهى لا ترى عيبًا فى ذلك لأن المجتمع المكسيكى يتسم بالتنوع وهو أمر تتباهى به الدول عادة ولا بد أن ينعكس على كل مناحى الحياة ومنها الحياة الفنية. كما أن معظم ابناء الشعب المكسيكى نتاج لزواج مختلط بين العرقيات. وكان السود الأكثر إقبالًا على الاختلاط والتزاوج مع العرقيات الأخرى خاصة السكان الأصليين.

مولاتو.
وتقول إنها كادت تشعر بيأس قاتل يدفعها إلى هجر الحياة الفنية حتى اتفقت مع زملائها على تأسيس “مولاتو تياترو” أو “المسرح المختلط”، وتولت رئاسته. 
وهذا هو اسم فرقة مسرحية تأسست لمساعدة الممثلين ذوى الأصول الأفريقية على شق طريقهم فى عالم المسرح رغم العنصرية التى تحكم الحياة الفنية فى المكسيك على حد تعبير كاستوريللا. 

الطريق طويل
وتعترف كاستوريلا بأن الطريق لا يزال طويلًا نظرًا لأن هناك عددًا لا يُستهان به من أصحاب المواهب من السود يشعرون بالياس ويرون فى الأمر مشكلة بلا حل. وربما كان ذلك راجعًا إلى الدعم غير الكافى الذى تتلقاه الفرقة من الدولة ومن الجمعيات المعنية بحقوق السود. 
وقد يكون السبب فى تراجع التبرعات أن الفرقة تتبنى فى بعض عروضها قضايا المتحولين والدفاع عن حقوقهم، وهو أمر ترفضه غالبية المجتمع المكسيكى الكاثوليكى المتدين.
وتشير إحصائية صادرة فى 2024 إلى أن عدد المنحدرين من أصول أفريقية فى المكسيك يصل الى 3,1 مليون نسمة. يتركزون بشكل رئيسى فى ولاية خوريرو. 
وتعود كاستوريلا فتقول إن إحساسها بأنها أفريقية مكسيكية يعطيها نوعًا من السلام العقلى والنفسى وشعورًا أكبر بالحرية. 

والبيض أيضًا
وتمضى قائلة إنها إن الهدف السامى للفرقة فى خدمة السود جعل عددًا من الشخصيات من البيض تدعم الفرقة فى نشاطها.
ومثال ذلك الممثلة المسرحية والكاتبة والمخرجة المسرحية الكولومبية “ماريسول كاستيو” صاحبة البشرة البيضاء، لكنها كرست جزءًا كبيرًا من نشاطها للدفاع عن قضايا السود فى بلدها كولومبيا الذين يشكلون 10%من سكان كولومبيا. وتسهم كاستيو فى نشاط مسرح مولاتو من نفس المنطلق. 
 وتقول كاستوريلا إنه تدين أيضًا فى نجاحها فى الدفاع عن السود إلى الكاتب المسرحى المكسيكى خايمى شيبود، وهو من ذوى الأصل الأوروبى، لكنه يتبنى قضايا السود فى المكسيك. وقد جمعت بينهما قصة حب لم تكلل بالزواج. 
وشيبود هو مؤلف عدد من المسرحيات التى تقدم على مسرح المولاتو. وتتنوع موضوعات هذه المسرحيات وشخصياتها. لكنها فى النهاية تدور حول حياة السود وتاريخهم وأحلامهم ومشاكلهم وكل شىء يتعلق بهم.
 وتكون بعض هذه المسرحيات جريئة أحيانًا فى موضوعاتها وتناولها. ومن هذه المسرحيات “قصص العشاق الأفارقة” التى تتضمن مشاهد للعناق والقبلات على المسرح. 
وهناك مسرحيات تخلد بعض الشخصيات الأفريقية التى عرفها التاريخ المكسيكى مثل مسرحية “يانجا” التى تتحدث عن شخص أسود قاد حملة لتحرير المهاجرين السود إلى المكسيك فى القرن 17 من الاستعباد.
وحتى لايتسرب الملل إلى المشاهدين وليثبت أن مولاتو مسرح مكسيكى فى المقام الأول فان شيبود يقدم أحيانًا موضوعات مكسيكية مثل تلاكواشى وهو شخصية أسطورية مكسيكية تقول الأساطير إنه سرق نارًا من الإلهة لإنقاذ الإنسانية من الجوع والظلام. 
 ويضم مسرح المولاتو عددًا من الممثلين من غير السود مثل مارتن كوا (28 سنة) الذى يجسد شخصية تالاكواشى. ويقول كوا إن مسرحيات الفرقة تجسد التنوع الذى يتميز به الشعب المكسيكى الذى يعطيه طابعه المميز. كما أن مسرحيات الفرقة يمكن أن تكون فرصة لعرض مشاكل فئات مهمشة أخرى تعانى من انتشار الانتحار والمخدرات والخمور. 
 وهناك مسرحية “الحلم الأفريقى” أو “الحلم بأفريقيا” التى كتبتها وأخرجتها كاستيو، وتتناول قصة سيدة مكسيكية تبحث عن أصولها الأفريقية. 


ترجمة هشام عبد الرءوف