العدد 922 صدر بتاريخ 28أبريل2025
تمت مناقشة رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث صلاح الدين مزمل محمد عابدين، تحت عنوان « ظاهرة الاحتيال فى المسرح العربى الحديث فى مصر من عام 1952-1973 - دراسة فى نماذج مختارة )، وذلك يوم الخميس الموافق السابع عشر من شهر ابريل 2025، فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحا بقاعة المناقشات بقسم الدراسات الأدبية كلية دار العلوم – جامعة المنيا..
وتكونت لجنة المناقشة والحكم من: الأستاذ الدكتور محمد عبدالله حسين ( أستاذ الأدب والنقد الحديث ووكيل كلية دار العلوم لشئون خدمة المجتمع السابق - جامعة المنيا، وأمين اللجنة العلمية لترقية الأساتذة (ب) مشرفا ورئيسا، الأستاذة الدكتورة سوسن ناجى رضوان (أستاذ الأدب العربى الحديث ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة الأسبق، بكلية دار العلوم - جامعة المنيا) مناقشا، والأستاذ الدكتور فرج عمر على فرج ( أستاذ الدراما والمسرح ورئيس قسم علوم المسرح بكلية الآداب - جامعة بنى سويف) مناقشا.
وحصل الباحث على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى.
وقدم الباحث دراسة بعنوان (ظاهرة الاحتيال فى المسرح العربى الحديث فى مصر من عام 1952 إلى 1973م، دراسة فى نماذج مختارة)، وفى مقدمته للدراسة أشار الباحث إلى أن الدراما، وعلى رأسها المسرح، تعد مرآة حقيقية للمجتمع، تجسّد قضاياه وتترجم واقعه بلغة فنية تجمع بين الجمالية والوظيفة النقدية. ومن بين الظواهر الاجتماعية التى وجدت طريقها إلى خشبة المسرح، تبرز «ظاهرة الاحتيال» بوصفها تمثيلا فنياً لمجتمع يعيش تناقضات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وأشار الباحث إلى أن هذه الدراسة جاءت لتسلّط الضوء على تمثلات الاحتيال فى المسرح المصرى الحديث خلال الفترة من 1952م إلى 1973م، موضحا أنها فترة مفصلية فى التاريخ المصرى، حيث شهدت أحداثًا كبرى مثل ثورة يوليو، ونكسة 1967، وانتصار 1973. وأوضح أن الدراسة اختارت عددًا من النصوص المسرحية التى عالجت هذه الظاهرة بأساليب متنوعة، كشفت من خلالها عن عمق الواقع المصرى وتحولاته، وعن البعد الإنسانى والنقدى الذى مارسه المسرحيون تجاه هذا الواقع.
كما أوضح الباحث فى دراسته أنها (الدراسة) انطلقت من فرضية أن ظاهرة الاحتيال فى المسرح لم تكن مجرد وسيلة للإضحاك أو الفكاهة، بل شكلت أداة فنية لنقد المجتمع، وفضح مفارقاته، والاحتجاج على الظلم والتمييز الطبقى، حيث تحول المحتال فى كثير من الأحيان إلى رمز للمقاومة الساخرة.
فى البداية، وقفت الدراسة على خلفية الظاهرة فى الأدب العربى، حيث أحصى الباحث جذورها فى “أدب الصعاليك” و”المقامات”، وصولا إلى كتابات الجاحظ والهمذانى والحريرى، الذين رسموا صورًا متعددة للمحتال كصوت متمرّد على الظلم الاجتماعى. هذا الامتداد التاريخى كان مدخلا لتحليل أعمق لدور الاحتيال كشكل من أشكال التمرد والاحتجاج، وليس فقط كحيلة للعيش.
وقد ركزت الدراسة على العلاقة بين الأدب والمجتمع، وبين المسرح بوصفه فناً جماهيرياً مباشراً، والظواهر التى يصورها، إذ لم يكن المسرح بمنأى عن التقلبات الاجتماعية والسياسية، بل ظل شديد التفاعل مع قضايا الناس، ومن بينها ظاهرة الاحتيال التى تجسّدت فى العديد من النصوص المسرحية بشكل واعٍ ومركّب.
وعن منهج الدراسة أكد الباحث أن الدراسة اعتمدت المنهج الفنى التحليلى، حيث تناولت عددًا من النصوص المسرحية التى تمثل هذه الظاهرة، مع تحليل عناصر البناء الدرامى فيها، كالحدث، والصراع، والشخصية، والفضاء المسرحى، وكيفية توظيف الاحتيال كأداة درامية.
واوضح الباحث أن من أبرز الأعمال التى تم تحليلها فى تلك الدراسة:
المسرحية الأولى: مسرحية “الصفقة” لتوفيق الحكيم، والتى قدمت نموذجًا لصراع طبقى يتخلله الاحتيال الاجتماعى من قبل الإقطاعيين ضد الفلاحين، وينتهى بانتصار الفتاة الريفية الذكية (مبروكة) التى استخدمت الحيلة لاسترداد حق قريتها.
والمسرحية الثانية: مسرحية “ملك القطن” ليوسف إدريس، التى صورت مأساة الفلاحين مع ملاك الأرض، وكيف أن الاحتيال لم يكن سلوكًا فرديًا بل انعكاسًا لمنظومة طبقية تستغل الضعفاء وتحرمهم من ثمرة تعبهم.
والمسرحية الثالثة: مسرحية “الكنز” لتوفيق الحكيم، والتى قدمت رؤية فلسفية للاحتيال فى سياق اجتماعى، حيث تحولت حيلة أحد الشباب إلى وسيلة لكشف القيم الزائفة فى المجتمع، وإعلاء قيمة الإنسان فوق المال.
والرابعة: مسرحية “حلاق بغداد” لألفريد فرج، والتى تناولت الاحتيال بوصفه مقاومة مدنية شعبية، يتحول فيها “ أبو الفضول” من مجرد حلاق إلى بطل شعبى يقاوم الظلم، ويستعيد الحقوق بالحيلة والذكاء.
وتبيّن من خلال الدراسة أن الاحتيال فى المسرح المصرى لم يُقدَّم بوصفه فعلاً إجراميًا أو هروبًا من الواقع، بل غالبًا ما ارتبط بشخصيات تنتمى إلى الطبقات المهمشة، لجأت إلى الحيلة لاختراق جدران الواقع الصلب، إما للتمرد عليه أو للسخرية منه، أو لتقويمه.
كما كشفت الدراسة عن أن كُتاب المسرح لم ينظروا إلى المحتال نظرة واحدة، بل اختلفت الرؤية بحسب السياق الاجتماعى والسياسى للنص. ففى بعض النصوص بدا المحتال بطلا شعبيًا يسعى لتحقيق العدالة بطريقته الخاصة، وفى نصوص أخرى بدا ضحية لنظام اجتماعى غير عادل، وفى أحيان كثيرة كان صوتًا ساخرًا يكشف زيف المجتمع.
وقد رصدت الدراسة أن هذه الظاهرة لم تكن معزولة عن البنية الفنية للمسرحية، بل تداخلت مع عناصر البناء الدرامى، فشكّلت الصراع الرئيسى فى كثير من النصوص، وأسهمت فى تطور الحدث، وأثرت فى تشكيل الشخصيات، وبناء الفضاء المسرحى، الذى يعكس ازدواجية الواقع وزيفه أحيانًا.
واختُتمت الدراسة بعدد من النتائج، أبرزها:
إن توظيف الاحتيال فى المسرح كان واعيًا وهادفًا، وساهم فى تعرية الواقع وكشف مشكلاته الاجتماعية والسياسية.
أن المحتال المسرحى هو امتداد لشخصيات أدبية تراثية، لكنه فى السياق الحديث اكتسب أبعادًا أكثر عمقًا، وأصبح رمزًا للتمرّد الإيجابى.
أن المسرح المصرى خلال الفترة من 1952 إلى 1973 استخدم الاحتيال ليس فقط كأداة درامية بل كوسيلة لفهم المجتمع، وانتقاد السلطة، وإثارة الوعى العام.
أن هذه الظاهرة جسّدت تفاعل الفن مع التحولات الاجتماعية الكبرى، وكانت جزءًا من خطاب مسرحى أوسع يسعى إلى التغيير والإصلاح.
وتوصى الدراسة بضرورة العودة إلى دراسة الظواهر الاجتماعية فى المسرح بعين نقدية تحليلية، لما لها من أهمية فى فهم علاقة الفن بالواقع، ولما تحمله من دلالات ثقافية وتاريخية عميقة. كما تدعو إلى مزيد من الدراسات التى تتناول ظواهر مشابهة بأساليب جديدة تربط بين التراث والحداثة، وبين الفن والمجتمع.
بهذا، تضع الدراسة لبنة جديدة فى سبيل تأريخ ونقد الظواهر الاجتماعية فى المسرح العربى، وتفتح الباب أمام مزيد من النقاش حول دور الفن فى مساءلة الواقع، وتمثيله، وإعادة تشكيله.