مسرحيون: السعدني قدم علامات لا تنسى لفن المسرح وكان السهل الممتنع

مسرحيون: السعدني قدم علامات لا تنسى لفن المسرح وكان السهل الممتنع

العدد 870 صدر بتاريخ 29أبريل2024

سادت الوسط الثقافي بوجه عام والمسرحي بوجه خاص، وبين جماهير الشعب المصري والعربي  حالة من الحزن والأسى إثر رحيل الفنان القدير صلاح السعدني، الذي وافته المنية الجمعة ا 19 أبريل، بعد  مشوار امتد لنصف قرن، حفر خلاله اسمه في ذاكرة الجمهور المصري والعربي بأعماله المسرحية والتلفزيونية و السينمائية.. هو صلاح الدين عثمان السعدني، مواليد المنوفية في 1943، كان لنشأته دور كبير في صقل شخصيته الثقافية، حيث نشأ في كنف أخيه الأكبر الصحفي الكبير محمود السعدني، الذي كان لآرائه السياسية تأثير عليه وعلى  أعماله الفنية، حيث تم إيقافه عن التمثيل في إحدى الفترات بسبب آراء أخيه عن الرئيس السادات واختلافه معه، وبعد تدخل الأديب يوسف السباعي حين كان وزيراً للثقافة، عاد صلاح السعدني للوقوف على خشبة المسرح عام 1974 في مسرحية «العمر لحظة» أمام الفنانة سميحة أيوب.
قدم السعدني العديد من المسلسلات التليفزيونية والإذاعية والأفلام السينمائية، ولكن كانت بداية نشاطه الفني في المسرح المدرسي، وبعده وقف على خشبة مسرح كلية الزراعة بجامعة القاهرة، بمصاحبة زميله الفنان عادل إمام، وقدم في المسرح العديد من المسرحيات: (لوكاندة الفردوس 1964 وقام بدور صبي الفندق،  معروف الاسكافي 1966 في دور حسن،  مسحوق الذكاء 1967 في دور علي، زهرة الصبار 1967 بدور أنور، السكرتير الفني 1968، نجمة نص الليل 1972، حب وفركشة 1974، العمر لحظة 1974 ، قصه الحي الغربي، الدنيا مزيكا 1975، خدمة انسانية 1979 ، زقاق المدق 1985 ، البحر بيضحك ليه 1990،  باللو 1995 ، الجيل اللي جاي، أنا وبابا والقطة،  حاجة تحير، حارة السقا، الجيل الطالع، الناصر صلاح الدين، ثورة الموتى،  بالإضافة  إلى ( قصة الحي الغربي 1975) التي لم تُعرض بسبب مهاجمتها للحكومة.
كما شارك في ثلاثة عروض مسرحية ولعب فيها أهم أدواره مع المخرج الكبير مراد منير وهي: شخصية «أبو عزة المغفل» في مسرحية ( الملك هو الملك ) لفرقة المسرح الحديث، ودوره في مسرحية ( اثنين في قفة ) إنتاج سمير خفاجي لفرقة الفنانين المتحدين، وشخصية حمدي في مسرحية ( الدخان ) إنتاج قطاع التلفزيون.
( العمدة ) عُرف بخفة ظله وحسه الفكاهي والجدية والالتزام والثقافة والذاكرة البصرية القوية،  نعاه عديد من النقاد والمسرحيين المصريين بكلمات مؤثرة، وهو ما رصدته مسرحنا، في هذه المساحة  

مراد منير : السعدني كان درسا لكل الأجيال
في البداية قال المخرج مراد منير: كلما ذكرت صلاح السعدني يعتريني تيار عميق من الشجن؛ لأن صلاح لم يكن عِشرة مسرحية، ولكنه عِشرة صداقة وحياة عائلية، بدأت علاقتي به عندما أردت إنتاج مسرحية ( ملك الشحاتين ) وكان معي الفنان أحمد بدير الذي انسحب فجأة من العمل، فطلبت من السعدني أن يؤدي الشخصية فوافق وأحضر معه أبو بكر عزت، وقتها كان هناك حروب «من تحت الحزام»، فلم تظهر المسرحية،  وخرجت من هذه التجربة بسرعة، ثم بدأت في عرض ( الملك هو الملك ) وكان عبد الرحمن أبو زهرة سيقوم بالشخصية، ولكننا اختلفنا، فعرضت  الدور على صلاح السعدني فوافق، كنا نعمل طيلة الوقت من الثانية ليلا وحتى الخامسة صباحا، وكان السعدني ملتزما جدا.
 أضاف: من عاداتي قبل بداية أي عرض أن أعاتب نفسي على مافعلته فيه، و في يوم عرض الجنرال لـ (الملك هو الملك ) فوجئت بسفر السعدني إلى الإسكندرية، بسبب ما سمعه مني عن العرض، كان خائفا مما قلته، فحدثته موضحا له عادتي، فعاد السعدني مسرعا إلى البروفة الجنرال وظهر العرض بشكل جيد واستمر لمدة 18 سنة ، وبعدها عملنا في عرض ( الدخان) وكان معنا سبعة من النجوم منهم كريمة مختار وسامي مغاوري، وأثناء عملنا على الترابيزة كان هناك جزء يقول فيه السعدني ( ماما بتحط لي حتتين لحمة وبعد كدة بدأت تحط لي حتة واحدة وبدأت الحتة تصغر تصغر)  وفجأة أجهش في البكاء، كان السعدني يقدم العرض بكل وجدانه، وكان من أهم ما مثل صلاح، كان قمة تمثيل رفيعة جدا جدا ، وكان يجلس معي في البيت كعادتنا ونعمل سويا على الأداء جملة جملة، ونناقش طبيعة الشخصية وتاريخها وأدائها حتى يسيطر على الشخصية تماما.
 وأضاف : بعدها عرض علي سمير خفاجي نص ألفريد فرج (علي جناح التبريزي وتابعه قفة) الذي سمي بعد ذلك ب ( اثنين في قفة )، وكنت مُصِرا أن يقوم صلاح السعدني بأداء الشخصية، ولكن كانت هناك مشكلة بين صلاح وسمير خفاجي وتدخل سيد حجاب لإصلاح الأمر، والمسرحية عرضت فقط لمدة شهر، بعدها اشتعل حريق في شباك المسرح ولم نستكمل تصويرها، ثلاثة أعمال وأدوار مميزة على مستوى التمثيل المسرحي قدمها صلاح السعدني معي وكان درسا لكل الأجيال سواء في ( الملك هو الملك) أو ( الدخان ) أو ( اتنين في قفة).
وعن علاقتهما الشخصية أضاف: الود بيني وبين السعدني استمر عمرا بأكمله، حتى عندما تعب كنت أجلس معه وأحادثه. وأنهى حديثه متأثرا فقال: سأذكره طول حياتي بمنتهى الود، وبعد مماتي سنجتمع سويا.
 
عصام السيد: المرتجل الأعظم
فيما قال المخرج عصام السيد: اعتقد الناس أن صلاح السعدني سريع الحفظ، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أنه كان يستوعب المعنى ويصيغه بطريقته ليصبح الحوار صادقا؛ لأنه نابع منه، ساعده على ذلك طلاقة لفظية وثقافة موسوعية وقدرة على الحكي عظيمة ورائعة،  لا أعتقد أنه اضطر إلى الحفظ  والصم حتى في مسرحياته التي كانت باللغة العربية فهو يملك ناصية اللغة، ولا يعجزه صياغة أفكاره بها. وفي نفس الوقت كان يحافظ على المعنى الذى يقصده المؤلف، كما يحافظ على طريقته في استعمال اللغة. فما يقوم به لم يكن ارتجالا كاملا و لكنه خليط بين لغة المؤلف ولغته. و هكذا كان صادقا أعمق الصدق في كل ما قدمه.

فاروق فلوكس: تمتع بذاكرة بصرية قوية
 فيما علق الفنان الكبير فاروق فلوكس متأثرا: كان صديقي وكنا دائما ما نتقابل في الجامعة. عمل صلاح السعدني فترة في مسرح التلفزيون، ومن أبرز أعماله فيه  (زهرة الصبار) وعندما كبر قدم (الملك هو الملك) مع مراد منير، وكان دوره فيها مميزا جدا، ونجحت نجاحا كبيرا، وعندما أصبح نجما في الدراما عمل مع المتحدين مسرحية مع معالي زايد وكنت معه في ذلك العرض، ولكن المسرحية لم تسجل.
أضاف: اهتم بالدراما التلفزيونية لأنها تحقق نسبة مشاهدة كبيرة عند المصريين والعرب ، نجوميته جاءت من هذه النقطة، وقدم العديد من الأعمال التي تذكر له في هذا المجال منها ليالي الحلمية. كان متنوعا وقدم عددا من الأفلام التلفزيونية والسينمائية، منها فيلم (الأرض ) مع يوسف شاهين، وكان له نشاط فني كبير، فهو بالفعل عمدة الدراما العربية؛ شخصية لطيفة محبوبة، صديق صدوق، كان جاهزا لأي عمل بسبب ذاكرته البصرية القوية التي تمتع بها فكان يستطيع الحفظ بسرعة كبيرة، ووقتها أطلقنا عليه (موس التمثيل).
أضاف فلوكس: أخوه  الكاتب محمود السعدني سجن بسبب اختلافه مع السادات، ثم سافر إلى العراق ومنها إلى لندن، فكان رد فعل الحكومة أن أوقفت  صلاح السعدني عن العمل، وقد تأثر بذلك كثيرا، ومع ذلك لم يخرج للعمل في الكويت أو الامارات، وعندما رجع أخوه عاد السعدني للعمل مرة أخرى، وكان جاهزا دائما. وقد اعتزل ما يقرب من ثمان أو تسع سنوات، لا أعرف السبب، ولم أسأل لأني لم أرد أن أضايقه، قد يكون ذلك بسبب مرضه، رحم الله المثقف النبيل.

أحمد عبد الرازق أبو العلا: نموذجا للفنان المثقف الذي يُحسن اختيار أدواره
فيما قال الكاتب والناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا: يُعد (صلاح السعدني) نموذجا للفنان المثقف الذي يُحسن اختيار أدواره؛ لإدراكه أهمية أن يكون الفنان ملتزما بتبني قضايا مجتمعه، وهذا ما نلمسه من خلال تتبع الأعمال التي قدمها سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما، وأعتقد أن البيئة التي نشأ فيها ساعدته على تحقيق ذلك ، فلقد كان الشقيق الأصغر للكاتب الساخر الكبير ( محمود السعدني ) وهو من الكتاب أصحاب الرأي ، حتى أنه دخل في صراع مع السلطة في عصر السادات ، بسبب معارضته لسياساته ، هذا الأمر ترك تأثيرا كبيرا – كما أعتقد – على تشكيل رؤية الفنان وموقفه تجاه الواقع الذي يعيش فيه، تلك النقطة تحديدا من المهم أن يتحلى بها أي فنان.                           
  وبشكل شخصي لا أستطيع أن أنسى دوره في فيلم ( أغنية على الممر) على الرغم من صغر سني في الوقت الذي شاهدته فيه ، كتبها ( على سالم ) وأعدها سينمائيا (مصطفي محرم) وهو من الأفلام التي قدمت السعدني بشكل لافت حيث عالج موضوع هزيمة 67 وأسبابها ، وعرض قبل حرب أكتوبر المجيدة ،وكان السعدني وقتها في التاسعة والعشرين من عمره، منذ تلك اللحظة أدرك السعدني، وأدركنا معه، أهمية أن يكون الفنان حاملا لرسالة يقدمها بأدوات الفن،  ولن يتحقق له هذا إلا إذا كان صاحب موهبة حقيقية وهكذا كان، تلك الموهبة لم يفرط فيها رغبة منه في العمل كما يفعل البعض! ولا ننسى بالطبع شخصية (علواني) في الفيلم الذي يُعد من أهم مائة فيلم أنتجتها السينما المصرية وأعني به (الأرض) رواية ( عبد الرحمن الشرقاوي)، ولا ننسى شخصية (حمدي) في مسرحية (الدخان) التي كتبها (ميخائيل رومان) ولا الشخصيتين اللتين قدمهما في مسرحية (الملك هو الملك ) لسعد الله ونوس ( شخصية الصعلوك – شخصية الملك)، حتى الأعمال المسرحية التي قدمها للقطاع الخاص، تعكس دقة اختياره، ولا نستطيع أن نجد تهافتا فيها ومنها عمل كتبه (عبد الرحمن الخميسي) وهو واحد من الكتاب الملتزمين، وصاحب رؤية وموقف، وكان أيضا على خلاف مع سلطة السادات. وأعني بها مسرحية (عزبة بنايوتي) وكان السعدني في العشرين من عمره، ومن الواضح أنه عمل في سن مبكر جدا – كما يتضح لنا – فضلا عن موهبته التي واكبت هذا السن .. كل هذا أتاح له فرصة مواصلة مسيرة الجدية ، جدية أعمال تُعد علامات لا نستطيع نسيانها في مجالات الفنون المختلفة.

عبد الغني داوود: ابن المدرسة التلقائية 
فيما قال الناقد الكبير عبد الغني داوود: لي كتاب بعنوان «مدارس الأداء التمثيلي في تاريخ السينما المصرية»، فهناك من الممثلين من لم يدرس في معهد أو كلية ولكن يظل يتعلم، ويكون المخرج هو أول معلم له، بالإضافة إلى زملائه، ولكن التأثير الأكبر يكون للمخرج، لذلك يعد صلاح السعدني هو ابن المدرسة التلقائية، وعجينة الممثل التلقائي يجب أن يكون مكتسبا مهارات البساطة والتلقائية ( الأداء التلقائي) وأن يستطيع أن يعيش الدور عن طريق الإصغاء والانتباه، و موهبة الاحساس الوجداني بالشخصية، وفي المسرح يراعي العلاقة بينه وبين أجزاء خشبة المسرح أو الديكور في السينما، هنا تلقائية الممثل تعتمد على ان يُحَضِر للدور وأن يتلبس الشخصية، فتكون الشخصية هي الأساس على المسرح أو الشاشة، مثل دور السعدني في شخصية العمدة في مسلسل ( ليالي الحلمية ).
وفي المسرح عمل صلاح السعدني مع مراد منير دورا قويا ومتميزا وكان له كبير الأثر في مسرحية ( الملك هو الملك )،  كما أذكر له دوره في مسرحية ( عالم علي بابا ) عام 1976 في مسرح الجمهورية مع الفنانة هالة فاخر، صلاح السعدني هو ابن مسرح الهواة حيث عمل على خشبة المسرح المدرسي في مدرسة السعيدية، ثم على خشبة المسرح الجامعي في كلية الزراعة، وانضم في أوائل الستينيات للمسرح الكوميدي في فرق التلفزيون. رحم الله الفنان صلاح السعدني.

أبو الحسن سلام: بين الرحلة والرحيل  تتجلي العبرة
فيما كتب الدكتور أبو الحسن سلام في صفحته الشخصية:
رحلة الفنان القدير صلاح  السعدني حاملة لتاريخ فني ملتزم بقضايا مصرية، موشحة بإسقاطات سياسية تمس مراحل تحول سياسي واقتصادي واجتماعي مفصلية، شارك  فيها كل من أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ ونخبة  متميزة من نجوم التمثيل الدرامي المصري،  في إمتاع جماهير مصرية وعربية عريضة عبر متابعتهم لما قدموه على شاشات القنوات المختلفة، والتاريخ عبر كما قال ابن خلدون ، فالعبرة في رحلة الفنان صلاح السعدني في مدى اعتبار الفنان المصري والعربي لقيمة دوره واختياره لما يقدمه  عبر رحلة حياته الفنية وقيمة اتقانه، ومصداقية ما يقدم، وما يعود علي مشاهدي فنه من قيمة تمتع قبل أن تقنع، وليس هناك شك في أن ما قدمه صلاح السعدني عبر رحلته الفنية في المسلسل الدرامي وفن المسرح وفنون الشاشة يشكل قيمة فكرية واجتماعية وجمالية في أداءات رصَّعت تاريخ رحلته بأوسمة شعبية استحقها عن جدارة بروحه الكوميدية، روح ابن البلد المصري الذي سكن أداؤه وجدان مشاهديه  في مختلف الأدوار التي قام بتمثيلها، ملتزما بالروح المصرية الشعبية المتمردة  الساخرة، دون ترك أثر لخصومة مع أطراف المواجهة الدرامية ولا مع من على موقف نقيض  لما يقدمه، لذلك، سيظل صلاح السعدني حاضرا في حياتنا كما رفيقيه أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، حضور ثلاثتهم حضور دائم على رغم الغياب .

محمد عبدالله حسين: موهبة تمثيلية نادرة وحالة انسانية جميلة
وقال الأستاذ الدكتور محمد عبدالله حسين: صلاح السعدني أو عمدة الدراما المصرية، فنان كبير من زمن جميل، ليس مجرد فنان عبقري وإنما حالة إنسانية جميلة كانت تمشي على الأرض، انعكس ذلك على جميع الشخصيات التي مثلها، موهبة تمثيلية نادرة ويكفي أن تستعرض بعض أعماله السينمائية (الأرض، الغريب، أغنية على الممر، المراكبي درب الرهبة، شحاتين ونبلاء، الغول، العملاق وغيرها كثير، وأعماله التليفزيونية التي تعد علامات في تاريخ الدراما المصرية والعربية على سبيل المثال (ليالي الحلمية وأربيسك، حلم الجنوبي، الناس في كفر عسكر، الأصدقاء، رجل في زمن العولمة) شخصيات متنوعة أداها ببراعة. 
 أضاف: ذات يوم كنت مع صديقي الراحل المحترم سعيد صالح وقال لي: هل تعلم إني أنا من كنت مرشحًا لدور العمدة سليمان غانم في ليالي الحلمية؟ واعتذرت بسبب المسرح، وراح الدور لصلاح السعدني وعمله أحسن مما كنت هاعمله!! هذا يدل على عظمة ذاك الجيل!!
تابع: صلاح السعدني كان مثقفًا واعيًا ومن أكثر أبناء جيله موهبة، ولكن أخاه الولد الشقي الكاتب الكبير محمود السعدني جلب عليه كثير من المتاعب والمضايقات في مسيرته الفنية!!، ويكفي أنه اعتزل الفن نظرًا لعدم وجود دراما حقيقية في زمن الكتابة الرديئة التي تهدم المجتمع.

أيمن عبد الرحمن: الملك هو الملك من أهم أعمال المسرح المصري.
وحدثنا السيناريست والممثل د. أيمن عبد الرحمن  قائلا:  صلاح السعدني كانت له قدرات غير عادية في التمثيل، وأرى أن مسلسل ليالي الحلمية والشخصية التي أداها فيها تعد أيقونة في تاريخ الدراما التلفزيونية، وتلخص فن صلاح السعدني كله؛ نظرا لصعوبة الأعمال المتعددة المراحل، والانتقال من مرحلة عمرية لأخرى.
أضاف: كان يتمتع بخفة ظل غير عادية، أضافها للشخصية، بالإضافة إلى السلاسة والبساطة وقد كان السهل الممتنع ، في تأدية مثل تلك الأدوار الصعبة. كان مبدعا مضيفا.أما في المسرح فكان دوره في ( الملك هو الملك ) والشخصية  التي تتميز بالنقلات غير العادية، حيث يتحول من صعلوك فقير حياته بائسة، إلى ملك للدولة، فقدم درسا في فن الأداء التمثيلي والمسرحي، إلى جانب أنه شارك في تقديم عمل ذو قيمة عالية، يظل من أهم الأعمال التي قدمت في تاريخ المسرح المصري.
 تابع: صلاح السعدني فنان مثقف لا يعمل لمجرد العمل، كان لابد له أن يقتنع أولا بما يقدمه.  ولي تجربة شخصية معه ككاتب في مسلسل إذاعي اسمه ( أنا والحبيب ) عن قصه للدكتور عمرو عبد السميع، ورفض السعدني هذا العمل في البداية، كان لديه موقف من كتابات الدكتور عمرو، لأنه كان يمجد فترة السبعينات ويدافع عنها، وعندما اعتذر عن العمل اتصلت به وأقنعته بأني قدمت المسلسل بوجهة نظري أنا، التي توضح أن فترة السبعينات كانت بداية انحدار الثقافة المصرية، وبداية تحول سياسات مصر، ما أضر بالمجتمع المصري، بعدها وافق قائلا : أنا معك في تناول المسلسل من هذه الزاوية، وتعاملنا معا عمليا، وشاهدت بنفسي أن هذا الفنان له مبادئ وقناعات، ولا يعمل في أي عمل إلا إذا كان يتفق مع مبادئه وقناعاته،  لقد خسرنا مثقفا كبيرا قبل ان يكون فنانا كبيرا، كان يتمتع بخفه ظل غير عاديه الله يرحمه.

معتز السويفي:
قدم لي درسا في التمثيل
وعلى صفحته الشخصية كتب الفنان معتز السويفي:  قدم لي الراحل الفنان صلاح السعدني درسا في عالم التمثيل، فقد كنت قد رشحت في بدايتي مجاملة من صديق فنان كبير وقتها، للعمل في مسلسل (بين القصرين) وكانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أعمل فيها في مسلسل كبير ومع نجوم لم أكن أحلم أن أعمل معهم وتم الترشيح، وعرفت الدور، ولكنى لم أحصل على الورق، ولم أطلبه، لأنى لا أعلم فهي المرة الأولى، وذهبت إلى الاستوديو وأنا في غاية التوتر، وسألت عن صديقي وأستاذي الذى رشحني وأوصلوني إليه ولم أطلب الورق أيضا، وفجأة حضر مساعد المخرج وطلب منى أن أجهز بالملابس وارتديت بذلة وقميص وكرافتة – كانت لوالدي -  وأخذوني إلى لوكيشن التصوير ولم يكن معي الورق، فوجدت نفسى جالسا على مقهى في حارة وأمامي الأستاذ صلاح السعدني يرتدى بدلة وطربوش، فزاد توتري، وهنا حضر مساعد مخرج وأعطى الأستاذ ورق المشهد ، فنظر لي وقال : هل أنت حافظ دورك، فقلت لا، لم يعطني أحد الورق، فقال: « ولا يهمك ، يظهر أن تلك هي المرة الأولى لك»، وأخذ يهدئ من توتري، ويضحك معي، وطلب من الإخراج الانتظار خمس دقائق ، وفتح الورق وقرأه مرة واحدة،  ثم أعطاني الورق وقال لي اقرأه مرة، وبالفعل نفذت ما طلبه مني، ثم قطع الورق ورماه، وبعدها قال لي لنبدأ البروفة تسميعا، فصدمت، ولكنه قال « يا ياواد قول ماتخافش وافتكر اللى عنيك ولسانك وعقلك قراه» ، وبالفعل حدث ذلك وأصلح لي بعض الأشياء، ثم قال بصوت عالي (جاهزين) واستغرق ذلك أقل من خمس دقائق،  وصورنا المشهد على القهوة، وكان يؤدي شخصية ياسين ( عبد المنعم ابراهيم في الفيلم) وأنا صديقه الذي يجلس معه على القهوة، وبعدها أعطاني درسا فقال: كي تحفظ بسرعة جدا يجب أن تستخدم عينيك كالكاميرا، ومخك مثل شريط التسجيل، والاثنين يعملون سويا  في وقت واحد، وفى نفس الوقت يعمل كل من احساسك وفهمك للشخصية معهم، وقال لي ليست المسألة بهذه السهولة طبعا، فقط تحتاج إلى التدريب والممارسة يوميا لمدة عام على الأقل، سمعت كلامه ونفذت ما قاله لي، وبالفعل نجحت في هذه المهمة، وهو ما أفعله الآن، فكان درسا لم أنساه طيلة حياتي.
رحمه الله الفنان المبدع المثقف الأستاذ.


سامية سيد