ندوة العرض المسرحي «إنسان سعيد» بنهاد صليحة

ندوة العرض المسرحي «إنسان سعيد»  بنهاد صليحة

العدد 864 صدر بتاريخ 18مارس2024

تحت رعاية الأستاذ الدكتور غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون، وبإشراف المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقي المشرف العام على مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون، والمدرس المساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أقيمت ندوة نقدية عن العرض المسرحي إنسان سعيد لفرقة 902 كتابة سعيد سالمان عن بعض من نصوص المؤلف الروماني الفرنسي يوجين يونسكو، ومن إخراج جورج جيهام، وجلس على منصة الندوة الكاتبة رشا عبد المنعم والفنان والناقد جمال الفيشاوي والمؤلف سعيد سلمان والمخرج جورج جيهام بحضور كل فريق العمل والجمهور.
في بداية الحديث أشادت الكاتبة والناقدة رشا عبد المنعم بالشباب المشارك في العرض وخاصة لاختيارهم لكاتب مثل يوجين يونسكو، وقالت:
 أنا عن نفسي ككاتبة للمسرح تأثرت بيونسكو في بعض نصوصي المسرحية، وعندما تلقت دعوة لمشاركتي كناقدة لمناقشة العرض ترددت في قبول الدعوة حيث أنني كنت أفضل الحضور كمتلقٍ للعرض حيث أنني أعلم مدى معاناة الشباب، وكان لا بد من أن أستخدم أدوات الناقد بحساسية شديدة، وبطريقة تليق بالطاقة والجهد المبذول في العرض المسرحي من هؤلاء الشباب الرائع، ومبدئياً يهمني أن أعرف هذا العرض نتاج المسرح الجامعي أم إنتاج فرقة خاصة.
رد المخرج جورج جيهام وقال: 
بدأت التجربة من مسرح الجامعة لكننا كفريق من الشباب قررنا أن نطور من التجربة ونزيد عليها لتستوعب كل الفريق ووصول رسالة العرض لعدد كبير من الجمهور.
وانتقل الحديث مرة أخرى إلى رشا عبد المنعم فقالت:
إن المسرح الجامعي هو المعمل الحقيقي الذي يمد المسرح المصري بروح مختلفة وحساسيات جديدة، فهو باب الأمل للمسرح المصري الذي يعبر فيه الشباب عن أنفسهم.
يعتبر يونسكو من الكتاب الذين يكتبون عن العوالم الغرائبية فهو يضع يده على اللامعقول في واقعنا، فالواقع في أوقات يتجاوز حالات اللامعقول بشكل كبير، وأن اللغة تعجز عن التعبير والإنسان في مأزق كبير.
إن ما نعيشه الآن ليس ببعيد عن الأجواء الذي عاشها الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية فترى القبح والعنف الموجود والقولبة التي تظهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو الآلة الإعلامية العنيفة والتي ترسم صورة وهمية عن الإنسان والحياة والعالم، فهل يوجد عالم خالي من المشاكل؟ هل كل العالم مثالي؟ فرسالة العرض توضح مدى تظاهر الإنسان بالسعادة على الرغم من مدى العنف الاجتماعي الذي يمارس بعضنا على بعض بطريقة ما من خلال جميع الوسائل السابقة ولا بد أن لا يعلم الإنسان أنه حزين أو مكتئب فيزعج الآخرين، فيطلق عليه مصدر الطاقة السلبية.
أحببت فكرة العرض وأعجبت بمعالجتها فالشباب عبر فيها عن همومه؛ كما توجد مستويات كثيرة في تفسير العرض، وليست على المستوى الفكري فقط بل على مستوى الوجودية أو الواقع السياسي الذي يعيشه العالم وأحببت أنه على المستوى الإنساني ومهما كانت الأزمة؛ فإنه ولا بد أن يجب على الإنسان أن يعلن أنه سعيد، وقد عالج يونسكو ذلك في بعض أعماله منها جاك أو الامتثال فالأسرة كلها تقنع جاك إذا لم يمثل لرغبات الأسرة وأصبح يسير مع القطيع ويؤدي نفس الأعمال التي يودونها أي أنني أصبح شبه الناس فالملابس متشابهة والأداء به مبالغة، ونكرر نفس الكلمات دون أن نفهم معنى ما نكرره، جميعنا يلعب أدوارا وهمية غير حقيقية نتصورها حتى نصبح سعداء، ونعود لنص يونسكو نجد أن الأسرة تضغط عليه ليأكل البطاطس المطبوخة بالدهن، لأنه إن لم يأكلها فأخته سوف تعنز وأمه سوف تنتحر وأبيه سوف يصاب بأزمة قلبية، ففي النهاية ليس لديه حل غير أنه يخضع لطلبات المجتمع ويمتثل له على غير إرادته، ثم تأتي المرحلة الأخرى بأنه لا بد أن يتزوج فيحاول أن يهرب بلعبة بأنه يريد زوجة ذات أنفين، فيتحقق له طلبه؛ لكنه يعاود ويطلب أن تكون بثلاثة أنوف، فكل طرف في اللعبة الاجتماعية يحاول التفاوض حتى يكسب مساحة أكبر عن الآخر، لكن في النهاية جميعنا ندخل اللعبة سواء رفضنا قوانين اللعبة أو اللعبة نفسها، وظهرت المفاوضات، اللعبة في العرض اليوم حتي يصبح شبه أسرته، وهذه هي انطباعاتي عن العرض وأشكركم وبالتوفيق.
انتقل الحديث للفنان والناقد جمال الفيشاوي وقال:  
في بداية كلمتي أرحب بالحضور جميعاً أتقدم بالشكر للأستاذ الدكتور غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون، والمخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقي على هذه الدعوة الكريمة، وأعلن عن سعادتي بهذه الندوة النقدية بوجودي مناقشاً بجوار الكاتبة والناقدة رشا عبد المنعم، وكذلك تم تقديم العرض والندوة داخل  أكاديمية الفنون بيتي الثاني الذي تعلمت فيه، حيث إن بيتي الأول هو دراستي للهندسة، فقد تخرجت في كلية الهندسة قسم هندسة القوي الميكانيكية، كما أنني أقوم بمناقشة عرض مسرحي قدمه مجموعة من شباب المهندسين وطلبة كلية الهندسة، وتذكرت بداياتي في كلية الهندسة وحبي للتمثيل من خلال مشاركتي كممثل في مسابقات المسرح الجامعي، وفي حقيقة الأمر وبشكل عام أنا مشفق على هؤلاء الشباب الواعد الذين يعشقون الفن ويتمسكون بحبهم له وتقديمه في ظرف الحياة الصعبة فهم ينفقون المال على الفن ولم يتكسبوا منه فهم بصدق المستقبل للتطور والارتقاء بالفن في مصر، ومن خلال مشاهدتي للعرض أجد أنهم عرضوا قضية خاصة بإنسان هذا العصر، قدموا عرضا مسرحيا يصعب على المحترفين تقديمه؛ فما شاهدته اليوم هو عمل متميز لفريق عمل متكامل، هذا الفريق كنت قد بشرتهم في العام الماضي بأنهم سيحصدون جائزة العمل الجماعي عندما اشتركوا بعرض مسرحي في المهرجان القومي للمسرح العام الماضي، فعندما كنت أشاهد العرض وسط الجمهور جاءني أعضاء من الفريق وتم سؤالي عن رأيي كفنان وناقد في العرض، فكان ردي ما أخبرتهم به، وبالفعل حصلوا على جائزة العمل الجماعي، ويسعدني أن أشاهد لهذه الفرقة عرضا آخر بهذا التميز، وأقول إنه عندما أريد أن أكتب مقالاً عن العرض لابد وأن أكتب إطاراً نظريا بتعريف عن الكاتب يوجين يونسكو وبعض من نصوص المسرحية ومسرح العبث، وتحليل التناول الفني بين نصوص يونسكو المستلهم منها العرض ونص العرض الذي قدم على المسرح، وقد ألمحت الأستاذة رشا عبد المنعم في حديثها عن يونسكو ومسرح العبث.  
عند قراءتي لنص العرض وما تم تقديمه من نصوص يونسكو أقول: 
إن العرض مستلهم عن بعض نصوص الكاتب يوجين يونسكو، وهذه النصوص هي (المغنية الصلعاء، جاك أو الامتثال، التحيات، الرجل ذو الحقائب)، فلماذا والآن نقدم نصوص من مسرح العبث الذي نشأ بعد الدمار والخراب الذي ارتكبه الإنسان في حق البشرية والبعد عن المنطق وعدم قدرة اللغة على التواصل بين البشر؟
وللرد على ذلك أقول إننا نعيش على كوكب الأرض الذي أصبح قرية صغيرة، وأصبحت الرأسمالية المتأخرة هي المسيطرة على العالم وتحولت المجتمعات إلى مجتمع استهلاكي، كما أننا نشاهد الآن ما يدور من حولنا على سطح الكوكب والمعاناة الحقيقية لإنسان هذا العصر من حروب بكل الوسائل التي أنتجها لنا العلم الحديث، لقد تشكل العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والآن يتشكل العالم بطريقة أخرى، وهذا هو السبب الحقيقي لتقديم مثل هذا العرض الآن، لكن من وجهة نظري أقول:
إن المبدع هو الأقدر على أن يكون المفسر والمعبر الجيد عن عملة الفني مهما أشار أو أضاء أو ألمح الناقد، لكن لفت نظري وجود كلمة تأليف وتنفيذ على بامفلت العرض فالكثير من الهواة وأيضا بعض من المحترفين يتناسون أهمية ضبط المصطلح للدقة والأمانة مع المتلقي، فهل ما قدم هو تأليف أم اقتباس أم دراماتورجيا، وهذه دراسة لا مجال لها الآن، ومن وجهة نظري أن ما تم تقديمه اليوم هو كولاج مستلهم من بعض أعمال يونسكو التي ذكرتها. 
ومن الجائز أن يكتب الكاتب تأليف على سبيل المثال عندما يتناول عمل مستلهم عن مسرح العبث وبطريقة بعيدة تماما عن تكرار ما تناوله يونسكو، فمع التنظير وتطور الشكل المسرحي أقول كناقد إن هذا العمل به تناص وقدم مسرح الصورة وهو من مقولات مسرح ما بعد الحداثة. 
وعودة للعرض أقول طالما قدم هذا الكم من الشباب الواعد عرض من نصوص يونسكو فأنا على يقين أن هؤلاء الشاب لديهم ثقافة مسرحية عن طريق صقل موهبتهم بالدراسة النظرية والعملية.
عند حديثي عن مخرج العرض أقول إنه تناول العرض كما كتبه المنظرون لمسرح العبث من خلال أفكار غير متسلسلة وبعيدة عن المنطقية، وتقديم مسرح بلا حبكة وبلا صراع بلغة نمطية لا معنى لها، ولا يمكن الاعتماد عليها كوسيلة اتصال في حوار غير محكم، كذلك الأداء التمثيلي والتشكيلات الجسدية للممثلين، والديكور التجريدي، وكذلك الملابس التي اتخذت نفس الملامح مع تغيير بسيط في اللون والذي استخدام لتحديد مجموعة ما من الشخصيات، فنجد الأسرة ترتدي ملابس يغلب عليها الكاروه البرتقالي في بني، وركاب القطار يغلب على الملابس الكاروه المائل للون الأزرق الفاتح (اللبني)، ويرتدي الابن وحامل الحقائب الملابس العصرية فهم لم يشكلوا جزء من القطيع، ومشاركة الجمهور في اللعبة المسرحية بخروج البنت التي تأخذ بيد الابن من وسط الجمهور ثم العودة به مكان جلوس الجمهور والخروج به من باب صالة العرض حيث الأمل للخلاص.
عندي كلمة أخيرة أنني شاهدت صورة بصرية متميزة في حدود الإمكانات المادية لفرقة هواة، وقدمت لوحات فنية متميزة على مدار العرض، ولا نستطيع الاستغناء عنها وحذفها، لكنني شعرت بطول العرض وأن رسالته وصلت للمتلقي، وشعرت ان العرض انتهى، فكان من الأفضل حذف جزء من وقت العرض حتي يستقطب العرض عدد أكبر من الجمهور من ثقافات مختلفة دون الشعور بالملل على الرغم من السخرية التي أضافت لمحة كوميدية، وأن أزمة الإنسان التي تمثل على خشبة المسرح تتقاطع بشكل أو بآخر مع المتلقي في صالة العرض، فالعرض يمس كل منا بشكل ما.
عموما الفن ذائقة ووجهات نظر مختلفة، والإنسان في تعلم مستمر طالما أنه يعيش فوق الأرض وأتمنى أن أسمع المؤلف والمخرج وأشكركم.
انتقل الحديث لكاتب نص العرض سعيد سلمان وقال:
 بالفعل أتفق مع ما قاله الفنان والناقد جمال الفيشاوي عن خلط المصطلحات وذكر العديد من المسميات. 
رد علية الفنان والناقد جمال الفيشاوي وقال إن جزءا من عمل الدراماتورج هو التدخل في تسويق العمل وليس عملية الإشراف الفني فقط وتوجد الكتابة على الكتابة.
 وقال سعيد: أتمنى أن أعرف ماذا أكتب عن عمل مثل هذا بالتفصيل بعد الندوة حيث أواجه دائما مثل هذه المشكلة.
تدخلت في الحديث الكاتب والناقدة رشا عبد المنعم التي أوضحت أنها قابلت مثل هذه المشكلة في بعض كتابتها، وأنها كتبت نصوصا تستند على نصوص أخرى، وفي هذه الحالة تكون كتابة على الكتابة، ولكنني أدخل في علاقة جدلية مع النص، ولا يمكن أن يكون النص الجديد الذي كتبته يكون هو النص الأصلي لكنه يصبح نصا آخر، لكن عندما أعمل على نصوص كثيرة أستلهم منها في عملي فرفعاً للحرج أقول إنها كتابة وأذكر المصدر، ولا أقول تأليف.
وأكمل المؤلف سعيد سلمان قائلاَ: حضراتكم وصلتم لما كنا نريد أن نتطرق له في النص وهو السعادة المزيفة المنتشرة في العالم، والقوالب التي نقبع فيها ولكي أكون إنسانا سعيدا يجب أن يكون جسدي منحوتا، وآكل وأشرب أشياء مخصوصة، فالمطلوب مني أشياء مرهقة حتى أحسب على المجتمع بأنني إنسان سعيد أكون ناجحا في كل شيء، وأن أكون شبه إنسان معين، حتى ينظر لي الآخر على  أنني إنسان سعيد، والحقيقة أن العالم أصعب من ذلك بكثير، فنحن الآن نحارب في كل شيء ودائمي الاعتراض على أي شيء.
انتقل الحديث للمخرج جورج جيهام فقال:
تعليقاً على كلام الفنان والناقد جمال الفيشاوي بالنسبة للجمهور حاولنا بقدر المستطاع أن نعمم الفكرة حتى لا يكون موضوع العرض يحتاج جمهورا معينا قارئا عن يونسكو والعبثية، وأن العبثية هي أقرب شيء أريد تقديمه في هذا العصر الذي نعيشه، وحضرتك قلت إن العبثية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية والآن نعيش نفس المشاكل التي مر بها العالم، فقد حاولنا التركيز على شخصية بيرانجيه/ الابن بطل العمل حتى دون أن يتكلم فاللغة أصبحت عاجزة تماماً عن التعبير حتى عن المشاعر، زي ما أشرت حضرتك، فقد أصبح العالم مجتمعا استهلاكيا، حتى الاستهلاكية دخلت في المشاعر، ولا بد أن نصف الشعور وإعطاء اسم واحد فقط ومحدد؛ على الرغم من أن لحظات الشعور الإنساني واسعة ومتعددة ومتداخلة، وحقيقة كما أشرت حضرتك لاحظت أن كل من شاهد العرض حدثني بأنه أحس بأن العرض يمسه بشكل ما.
انتهت الجلسة بتعقيب وشكر للحضور من الكاتبة والناقدة رشا عبد المنعم والفنان والناقد جمال الفيشاوي.  
 


أحمد زيدان