«الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية في مسرح نجيب سرور»

«الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية في مسرح نجيب سرور»

العدد 855 صدر بتاريخ 15يناير2024

تمت مؤخرًا مناقشة رسالة الدكتوراة للباحث المسرحي محروس حسن عبد المقصود محمد بعنوان «الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية.. دراسة تحليلية في مسرح نجيب سرور» بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، في قاعة ثروت عكاشة. 
وتشكلت لجنة المناقشة من الدكتور أحمد بدوي مشرفًا ومناقشًا ومقررًا، أ.م .د الدكتور شوكت المصري مشرفًا ومشاركًا ومناقشًا، والدكتور محمد زعيمة مناقشا من الأكاديمية، والأستاذ الدكتور. أماني فهيم مناقشًا من الخارج، أستاذة الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة حلوان، ومنحت اللجنة الباحث بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.

الشخصية الدرامية
وفي البداية تحدث الباحث قائلًا: إن أية شخصية درامية مُجسدة تصل إلى المتلقي، هي في الأساس محصلة لثلاث ثقافات وثلاثة إبداعات: ثقافة وإبداع المؤلف الدرامي، وثقافة وإبداع المخرج، وثقافة وإبداع الممثل ووعيه بآليات الوسيط الدرامي الذي يقدم من خلاله الشخصية الدرامية، والفن ظاهرة اجتماعية، نشأت وتطورت في ارتباط وثيق، بتطور قوى الإنسان في مواجهة الطبيعة من ناحية، وبقدرة الإنسان على تفسير الطبيعة والسيطرة عليها من ناحية أخرى، والفنان ابن مجتمعه، الذي وُلدَ فيه وتربى وتعلم وآمن بالمعتتقدات والعادات والتقاليد، والموروث التاريخي والحضاري، واعتنق أيدولوجية مجتمعه، حتى يستطيع فيما بعد، أن يكتب ما تمَّ اختزانه في اللاشعور الفردي له والجمعي لمجتمعه، ويحوله إلى إبداع يعبر عن هذا المجتمع.

أهمية البحث
وأوضح الباحث: تنطلق دراسة «الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية» لدراسة وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية، ودراسة دور العقل الباطن الفردي للمبدع والجمعي للمتلقي في بناء الشخصية الدرامية تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا، حيث أن الإبداع الدرامي رسالة من اللاوعي إلى اللاوعي مرورًا بالوعي عند المبدع والمتلقي وسوف ترتكز الدراسة على تحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية في مسرح نجيب سرور. 

نصوص الدراسة
وتابع الباحث: إن دراسة وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية في مسرح نجيب سرور تمثل في الدراسة في نصوص مسرحيات أربعة وهي: «الحكم قبل المداولة»، الذباب الأزرق»، «أوبريت ملك الشحاتين»، «منين أجيب ناس». 
والسبب الرئيس وراء اختيار هذه المسرحيات أنها سياسية، وأراد نجيب سرور أن يطرح موقفه الفكري حول القضايا التي تتعرض لها المسرحيات الأربعة، ولم يتم تناولها  بالدراسة والتحليل الأكاديمي بالشكل الكافي في حدود علم الباحث، ولأن «نجيب» رأى في نفسه نائبًا عن الشعب المصري والعربي بل الضمير الجمعي المصري والعربي، وحاول أن يكون سدًا منيعًا عنيدًا يقوم بالتصدي لأعداء مصر والأمة العربية والإسلامية، فتحمل تبعات قراراته منفردًا وحيدًا، وذلك نتيجةً لثباته على مبادئه ولطرحه لأفكاره الثورية المناهضة لكل أنواع السلطة في الوجود الإنساني.

وأوضح الباحث أن تساؤلاته البحثية تتمثل في: 
ما الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية؟ ما دور العقل الباطن في العملية الإبداعية تأليفًا؟ هل حياة المبدع الخاصة وتجاربه الشخصية لهما دور مهمٌ في تحقيق الصدق الفني في إبداعه؟ ما الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية في مسرح نجيب سرور وسماتها الخاصة؟ 

المنهج التحليلي
واستخدم الباحث المنهج التحليلي بأدواته الثلاثة «النقد ـ التفسيرـ الاستنباط» للوصول إلى الإجابة عن التساؤت السابقة، واستفاد الباحث من الدراسات السابقة على سبيل المثال لا الحصر منها: دراسة: رشا محمد محمود الفوال (2021) بعنوان «عملية الإبداع فى شِعر العامية «دراسة سيكولوجية»، رسالة دكتوراه، جامعة المنصورة،  كلية الآداب، قسم علم النفس، ودراسة: توفيق موسى اللوح (2005)، بعنوان: «المسرح السياسي المعاصر ودوره في تشكيل منظومة القيم الدرامية في الفترة من 1967-1981م»، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، ودراسة: د. أحمد محمد حسن صقر (1987) بعنوان: «التناول المسرحي للحكاية الشعبية عند نجيب سرور» دراسة في النقد المسرحي، رسالة ماجستير، جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم المسرح.

وأوضح الباحث أن بحثه العلمي ينقسم إلى مقدمة وثلاثة فصول:-
أبعاد الشخصية
الفصل الأول: يتناول الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية، وفيه تمَّ تعريف البعد والشخصية لغة واصطلاحًا، وتم التعرف على أجزاء الجهاز النفسي، ومناطق الشعور في النفس الإنسانية، والشخصية في نظر علماء النفس، كما تمَّ تعريف التطهير والتحول والتعرف وصفات البطل التراجيدي عند أرسطو، والمحاكاة الأرسطية في نظر نجيب سرور، وتمَّ التعرف على الأبعاد الكاملة للشخصية الدرامية، وهي تسعة أبعاد: الفسيولوجي، والسسيولوجي، والسيكولوجي، والهووي، والأناوي، والأناوي الأعلى، و المكاني، والزماني، والوسيطي الدرامي.

طرق بناء الشخصية
ثم تمَّ التعرف على طرق بناء الشخصية الدرامية في الشعر وفي المسرحية، وأنواع الفنان المبدع من حيث طريقة الإبداع، كما تعرفنا على طريقة الخلق والتعبير عند المؤلف الدرامي، ودور الحلم واللاشعور في بناء الشخصية الدرامية، ودور العقل الواعي واللاواعي في الإبداع الفني، وطريقة السياق وتجاوز السياق، وطريقة قراءة النص مرتكزة على النقد النفسي، والمصادر الدرامية والحقيقة والتجربة النفسية عند نجيب سرور وفي مسرحه.

الأبعاد النفسية والاجتماعية
والفصل الثاني: يتناول الواقع الحياتي لنجيب سرور وأثره على النص المسرحي لديه، وفيه نتعرف على «نجيب»، ومؤلفاته وحياته والأزمات النفسية والاجتماعية الكبرى في حياته، والمجتمع الذي عاش فيه نجيب سرور وعلاقته بوالده محمد أفندي سرو، كما تمَّ التعرف على رؤية زوجته الروسية له ورؤية «ثروت» أخوه ورؤيته لنفسه، والرؤية النفسية والاجتماعية عند نجيب، وما هو سبب التفجيرات الأدبية في حياة الأديب، ووظيفة الشعر المسرحي عند نجيب سرور، وأهم سماته الإبداعية، كما تمَّ التعرف على الأبنية الاجتماعية في مسرح نجيب سرور.
والفصل الثالث: يعرض دراسة وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية في مسرح نجيب سرور، والطريقة التى تمَّ بها تحليل المسرحيات الأربعة هي كالآتي: 

تحليل المسرحية
وطريقة تحليل المسرحية.. تتمثل في موضوع المسرحية  والفكرة وطبيعة الحدث البناء الدرامي والصراع في المسرحية واللغة والحوار، والزمان والمكان والإيقاع العام في المسرحية وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصيات الدرامية، والأبعاد النفسية من حيث: الشعور واللاشعور وعلاقة الشعور باللاشعور وردود الأفعال والازدواجية العاطفية عند الشخصيات الدرامية، والأبعاد الاجتماعية من حيث: نوع الطبقة ونوع العمل أو الوظيفة والمستوى التعليمي والديانة والحياة المنزلية والموطن الأصلي والمكانة في المجتمع والمشاركة في الحياة السياسية والهوايات والأنشطة التى تمارسها الشخصيات الدرامية. 

عينة الدراسة
مسرحية «الحكم قبل المداولة» ويعرض فيها نجيب سرور وجهة نظره في هزيمة 5 يونيه 1967، واعتراضه على تقديم قائد الجيش المشير عبد الحكيم عامر كبش فداء للهزيمة، وإلقاء المسؤلية كاملة عليه دون غيره، رغم أن المسؤلية مشتركة من قبل الجميع.
 و«الذباب الأزرق»، ويعرض فيها «نجيب» وجهة نظره في قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي من خلال جثة شاب فلسطين، لا يوجد مكان لها كي تدفن فيه، ويرى أن دفن جثة المواطن الفلسطيني في تراب أرضه الحرة المحررة مسؤلية كل عربي وكل مسلم.
و«أوبريت ملك الشحاتين»، وفيها يعرض «نجيب» وجهة نظره في حكم الرئيس محمد أنور السادات لمصر والصراع على حكم مصر من مراكز القوى وأنصار الرئيس جمال عبد الناصر وأنصار الملكية، ويرى أن «السادات» لا يحكم مصر منفردًا.
 و«منين أجيب ناس»، ويتناول فيها الظلم والقهر الذي تعرض له من قبل جهاز المخابرات ودخوله إلى مستشفى الأمراض العقلية وفصل رأسه عن جسده، ويرى أنه هو الشاطر حسن المغني الشعبي الذي عشق نعيمة أو مصر جميلة الجميلات الذي ضحى بنفسه من أجلها.

الخاتمة والنتائج
توصل الباحث. محروس سعد في بحثه إلى النتائج التالية:
الإبداع الدرامي رسالة من اللاوعي إلى اللاوعي مرورًا بالوعي عند المبدع والمتلقي، ولقد ارتكزت الدراسة على تحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الدرامية في مسرح نجيب سرور. 
واستطاع قسطنطين ستانسلافسكي (1863: 1938) أن يصل إلى الواقعية النفسية كمنهج إبداعي، بعد أن استفاد من الواقعية التاريخية عند دوق ساكس مينيجن (جورج الثاني 1826م:1914م)، الذي اهتم بالدقة التاريخية من حيث دراسة المكان والزمان والديكورات والملابس، وكذلك استفاد من الواقعية الاجتماعية عند هنريك إبسن (1828: 1906) مثل مسرحية «بيت الدمية»، ثم درس بعمق أبحاث سيجموند فرويد (1856:1939) في التحليل النفسي للشخصية الدرامية، الذي قرأ مسرحية أوديب ملكا لسوفكليس، ومسرحية هاملت لوليام شكسبير قراءة نفسية.
 وأكد على العلاقة الوطيدة بين علم النفس والدراما، وبدأ ستانسلافسكي في البحث عن الدوافع النفسية لسلوك الشخصيات الدرامية تحت سطوة العقل الباطن، وقراءة النص الدرامي قراءة نفسية، اجتماعية، كما استفاد أيضا من أنطون تشيخوف (1860: 1904)، وقام بإخراج مسرحيات (الخال فانيا ـ الشقيقات الثلاثة ـ بستان الكرز) وفق المنهج الواقعي النفسي.
إن البنية التي تحكم اللاوعي هي بنية لغوية في صُلبها تعتمد على التداعي وعلى غير ذلك من قوانين اللغة، وإذا كانت بنية اللاوعي بنية لغوية فإن الأدب يعتبر أقرب التجليات اللغوية إلى تمثيل اللاوعي، ويصبح تحليل الأدب من منظور نفسي مرورا بالتوازي بين الوعي وبنية اللغة هو المدخل الصحيح لمنهج النقد النفسي.
في لحظة الإبداع تكون كل الذكريات والمعلومات المتعلقة بالموضوع الذي يكتبه المؤلف مستدعاة وفق قانون التداعي الحر للاوعي، تلك هي الآلية التى يعمل بها عقل المبدع في شتى مجالات الإبداع، إن الصراع النفسي لدى الفنان المبدع مستمر لا ينتهي، وسلة المكبوتات عامرة ممتلئة، ما إن يعمل التداعي الحر للأفكار والذكريات المرتبطة بالموضوع الخاص بالعمل الإبداعي، فتنطلق المكبوتات في شكل إبداعي متجانس مختلط بالمشاعر الصادقة والآلام التي عاناها الفنان أثناء ولادة العمل الفني، إن الإبداع الأدبي والفني يجعلنا نرى أنفسنا من الداخل وكأننا أُناس من زجاج أبيض شفاف يُظهر كل أسرارنا، ونجاح العمل الأدبي يتوقف على الصدق في نقل المشاعر والأحاسيس أوالصدق الفني.

بُعد الشخصية
إن مفهوم «بُعد الشخصية» مفهوم مجرد بطبيعة الحال، فلم ير أحد بُعد الشخصية بشكل عياني، وهو تخطيط رمزي يساعدنا على فهم الشخصية، والشخصية عنصر مُخترع ككل عناصر الحكاية، فهي تتكون من مجموع الكلام الذي يصفها، ويصور أفعالها وينقل أفكارها وأقوالها، وليست الشخصية شخصًا، ولا وجود لها خارج عالم العمل الفني، وأن الشخصية هي نتاج اللغة، ولا وجود لها خارج الكلمات الدالة عليها في النص، وأن عالم الشخصية النفسى ليس فيها ولا في ما يُنسب إليها من صفات وأفعال، بل هو نتاج شكل من أشكال العلاقة بين الجمل اللغوية، وقد تمثل الشخصية الكاتب بصورة مباشرة (نجيب سرور، في منين أجيب ناس، هو حسن مقطوع الرأس) أو غير مباشرة؛ والشخصيات التي يُبدعها الكاتب هي عدة أوجه لذات الكاتب أو نفسه، وثيمة الموت واضحة في كل نصوص نجيب سرور فنجد أن جميع أبطاله يموتون، فها هو ياسين وأمين وعطية وحسن، قد ماتوا في تراجيديات سرور التي كتبها.
الشخصية الدرامية لا بد أن تُبنى على أبعادها الثلاثة البعد الفسيولوجي والبعد السسيولوجي والبعد السيكولوجي، ويرى سيجموند فرويد أن الشخصية الدرامية من الداخل لها ثلاثة أبعاد أيضًا هي البعد الهووي والبعد الأناوي والبعد الأناوي الأعلى، بينما توجد ثلاثة أبعاد  أخرى بالإضافة إلى الأبعاد الستة، هي: البعد المكاني والزماني والبعد الوسيطي الذي تظهر فيه الشخصية الدرامية للمتلقي، وعلى هذا تكون أبعاد الشخصية الدرامية هي تسعة أبعاد «فسيولوجي، سوسيولوجي، سيكولوجي، هووي، أناوي، أناوي أعلى، مكاني، زماني، وسيطي».

نجيب سرور عبقري لا يملك سوى قلمه البتّار
تؤكد كل الشواهد أن نجيب سرور لم يكن يومًا مجنونًا ولكنه كان عبقريًا لا يملك سوى قلمه البتّار، واعتقد أن قلمه سوف يجعل الشعب يخرج إلى الشوارع ليخلعَ الحاكم، أو يثور ويهدم الفساد، فلقد آمن نجيب سرور أن القلم يمكنه أن يكونَ ندًا للسيف، والموهبة الطاغية تكون بديلا للحاكم، واتخذ نجيب من اللاوعي الإنساني الجمعي مخزونا انطلق منه في معظم إبداعه الأدبي والفني.

نتائج الدراسة
الشخصية الدرامية كائن ورقي متخيل يخضع في تكوين أبعاده الكاملة لرؤية المؤلف الدرامي الذي كتب الشخصية مرتكزاً على اللاوعي الفردي للمؤلف واللاوعي الجمعي للمجتمع الذي يعيش فيه، وتكون الشخصية الدرامية انعكاسا للمخزون المتراكم عند المؤلف الدرامي، فأوفيليا شكسبير، هي أوفيليا كما تخيلها أو كما يراها من وجهة نظره هو فقط.

إن الظروف الاجتماعية التى أحاطت بنشأة وتكوين نجيب سرور أسهمت فى بلورة فكره ورؤيته النفسية والاجتماعية للحياة، فضياع حلم والده محمد أفندي سرور الذي استقر في الأنا الأعلى لدى «نجيب»؛ شكلَّ دافعًا مباشرًا وقويًا نحو تحقيق الحلم الذي فشل فيه والده، فظل منذُ الطفولة وحتى وفاته حاملا لشعلة الإبداع، ولم  يستسلم، رغم وضعه في مستشفى الأمراض العقلية، وهو ليس مريضًا، وحاول نجيب سرور أن يجعل إبداعه الأدبي والفنى تعبيرًا عن المجتمع الذي يعيش فيه ولم تكن القضية الفردية تشغل باله، ورأى من نفسه فارسًا نبيلًا وجب عليه الدفاع المستميت عن أحلام وطموحات المصريين والعرب، ولم يرض نجيب سرور بالظلم والاستبداد.
في مسرحية «الحكم قبل المداولة» صدر الحكم بأوامر عليا بإعدام المواطن س البريء حتى تهدأ الجماهير بعد هزيمة 1967، وتصب جام غضبها على الضحية التي قدمتها المحكمة قربانًا للحقيقة المُرة، ولقد اتحدّ أصحاب الأوامر العُليا ضد المواطن «س» الذي يمثل الضمير الجمعي المصري والعربي والإسلامي حتى يحصلوا على حياتهم ويحتفظوا بمناصبهم وكراسيهم وامتيازاتهم في المجتمع فمات بالسّم ليحيا الجميع، وشخصية المؤلف نجيب سرور موجودة بأبعادها الكاملة في كل أحداث المسرحية من البداية حتى النهاية.
في مسرحية «الذباب الأزرق» فشل الكورس في إيجاد مكان لدفن جثة الشاب الفلسطيني، فاقتحم الكورس والمؤلف المُختفي خلف الكورس صالة الجماهير العربية والمسلمة، لكي يقولوا:« هذه هي الجثة ودفنها في أرضها المحررة مسؤوليتكم جميعًا، والرسام البوهيمي والكورس الذين لم يتركوا خشبة المسرح لحظة واحدة هم نواب عن المؤلف داخل النص.
في «أوبريت ملك الشحاتين» لجأ نجيب سرور إلى عالم الشحاتين وتخيلِّ صراعا بين أبودراع وأنصاره أو الرئيس جمال عبد الناصر وبين أبو مطوة وأنصاره أو الرئيس السادات على حكم ألماظ أو مملكة الشحاتين، وطلب من الجماهير رأيهم في الصراع على لسان ألماظ حتى تنجو من مكر المحتل الأجنبي، والمؤلف وموجود بين صفحات النص هو الشاعر الذي خانته زوجته.
في «منين أجيب ناس»، ضفرّ نجيب سرور حكاية حسن ونعيمة وأسطورة إيزيس وأوزوريس وحياته الشخصية في جديلة واحدة، وحصول نعيمة على رأس حسن جعل العدالة تأخذ مجراها، وتم القصاص من قتلة حسن المغني، كما أن أعمال نجيب سرور الإبداعية من أشعار ومسرح ودراسات نقدية احتفظت بها مصر فهي ميراث يستقر في اللاشعور الجمعي للمجتمع الإنساني.
المؤلف نجيب سرور لم يترك شخصياته الدرامية في المسرحيات الأربع سالفة الذكر تلقى مصيرها بمفردها أمام القارئ أو المتفرج؛ بل كان ملازما لها كشخصية درامية مؤثرة في الحدث، كونه مؤلفًا عاشقًا للتمثيل والإخراج، وهذه ظاهرة المؤلف المسئول عن العملية المسرحية برمتها والتي قام عليها فن المسرح منذ بدايته حتى الآن.
 


همت مصطفى