«الروبة» عرض تونسي جرئ جدًا

«الروبة» عرض تونسي جرئ جدًا

العدد 844 صدر بتاريخ 30أكتوبر2023

من العروض التي شاهدتها خلال فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الأخيرة (30) العرض التونسي «الروبة»، نص وسينوغرافيا وإخراج حمادي الوهايبي، بطولة حسام الغريبي، عواطف العبيدي، نور الدين همامي، محمد شوقي خوجة، سامية بوقرة، خلود بديدة.
بدا اسم العرض غريبًا بالنسبة لي «الروبة» فهذه المفردة تعني باللغة العربي «الخمير»، ولا شك أن الخمير قد يصل لدرجة التعفن، خاصة أن كلمة روبة باللهجة التونسية تعني «فستان»، فراح عقلي يرجح المعني الأول، لكن بعد بدء العرض اكتشفت أنها تشير إلى ملبس القضاء والعدل «روب»، وبمرور الأحداث تأكدت أن المعنى هنا له علاقة وثيقة بتعريف اللغة العربية مع الربط أيضًا بروب العدالة، فماذا لو أصيب هذا الروب بالعفن وانتشرت رائحته لدرجة أنها تزكم الأنوف نتيجة الفساد الذي انتشر وطال بعض ممن يرتدون هذا الروب؟
وعلى الرغم من الإسقاطات التي يحتويها العنوان وتعدد التأويلات إلا أن العرض جاء صريحًا وجريئًا وبه مغامرة كبرى، حيث يتناول الفساد في أكثر المواقع حساسية «القضاء والمحاماة»
يبدأ العرض بحالة من الصخب حيث أصوات السيارات والشارع مع حركة دائمة سريعة وبخطوات قوية حيث مجموعة الشخصيات تتحرك في كل زوايا ومواقع خشبة المسرح، ومن دون تفكير نستطيع أن نعرف بسهولة أن هذا المكان يمثل محكمة، فمعظم الشخصيات ترتدي «روب المحاماة» وفجأة ينهار جزء من المحكمة ونسمع أصوات الانهيار وكسر الزجاج، والصراخ والخوف والفزع، فينحسر الجميع في ممر ضيق من المحكمة أُغلق عليهم من جميع الجهات، ومن هنا يبدأ الحدث الدرامي، فانهيار المبنى هنا لا يمثل الجدران فحسب لكنه مجرد سبب للكشف عن انهيارات أخرى تتمثل في القيم والأخلاق والدين، حيث يتبين من الحوارات طبيعة الشخصيات الموجودة في هذا المكان: أربعة محامين، قاضية هي رئيسة المحكمة ومتهم، وتؤدي حالة الانهيار النفسي الذي تسبب فيها الخوف من انهيار باقي المبنى فوقهم أو عدم تمكنهم من الخروج إلى تبادل الاتهامات والكشف عن الفساد الذي يمارسونه من رشوة وتزوير وتلاعب بالقانون وقلب الحقائق حتى أن القاضي نفسه متورط في هذا الفساد، في النهاية نكتشف أن المتهم الموجود معهم هو أقل جُرم من الجميع. 
تتضافر جميع عناصر العملية المسرحية لإخراج هذا العرض فلا يوجد عنصر زائد أو ناقص، فالإضاءة التي صممها طه الجباري وشعيب بشر تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الفراغ ورسم المكان حيث الشباك المنبعث منه الضوء والخطوط المتوازية التي تشبه القضبان وتظهر من خلالها جميع الشخصيات وكأنهم في قفص الاتهام، كذلك حركة الممثلين التي انتقلت من القوة في بداية العرض إلى الضعف بشكل تدريجي، والأداء وهو العنصر الأهم حيث الهدوء والانفعال وحركة الجسد والإيماءات كلها جاءت موظفة مع طبيعة كل شخصية والموقف.
حتى طرق القاضي بالمطرقة بعد أن كان يهدف إلى ضبط وتنظيم العمل داخل قاعة المحكمة تحول إلى وسيلة للتعبير عن الخوف والتوتر، موسيقى قيس بن مبروك وكذلك المؤثرات الصوتية نجحت في التعبير عن المكان والحالة النفسية والعصبية للممثلين.
بالطبع لفت انتباهي كما لفت انتباه معظم الحضور أن عدد السيدات أكبر من عدد الرجال في السلك القضائي، كما أن رئيس المحكمة سيدة، وهو ما عبر بالفعل عن نسبة عمالة المرأة في تونس، كذلك أن المرأة قد تولت القضاء ورأست محكمة بالفعل في تونس. 
أما ما يؤخذ على العرض هو طول الحوارات به وقد أدت بالطبع إلى طول الزمن، خاصة وأن الحوار باللهجة الدارجة.


نور الهدى عبد المنعم