«مروح ع فلسطين» عرض يرد على إدعاء الرغبة في النزوح

«مروح ع فلسطين»  عرض يرد على إدعاء الرغبة في النزوح

العدد 843 صدر بتاريخ 23أكتوبر2023

 الأن وفي ظل محاولة التهجير القسري الذي يمارسه الكيان الصهيوني في أشرس هجمة على غزة بعد أن أصيب بصفعة من المقاومة الفلسطينية لم ينلها منذ حربي الاستنزاف  وأكتوبر ، أتذكر عروض مسرحية كثيرة كنت قد شاهدتها على مدار سنوات طويلة . لكن يبقى لعرض « مروح ع فلسطين « نكهته الخاصة باعتباره يتناول الأمر بعيني من لم يكن يعرف .
 «مروح ع فلسطين».. لم يكن مجرد عرض أبهر كل من شاهده في واحدة من ليالى المسرح الحر بالأردن منذ سنوات  بل كان «صرخة حياة»، من قلوب أرهقها الحنين 
اعتمد العرض  الذى قدمته فرقة «الحرية» من تأليف وإخراج البرتغالية «ميكائيلا ميراندا» على منهج (المسرح الاستيعادى) أو كما يطلقون عليه بالإنجليزية «Play backTheater» وهو نوع مسرحى يتخذ من حكايات الجمهور مادة أساسية يعاد تجسيدها مسرحياً. ولهذا النوع أشكال عدة فمنها ما يعتمد على حكايات الجمهور الحاضر الآن، ومنها ما يعتمد على تجميع الحكايات ثم العمل عليها فى مختبر خاص يتم فيه التفاعل بين أفراد الفريق كافة، يضيفون ويحذفون حتى يصلوا إلى اتفاق نهائى يرون أنه الأنسب لتقديم تلك الحكايات.
النوع الأخير هو ما اعتمدت عليه فرقة (الحرية) فى تقديمها فكرة تبدو بسيطة، يمكن اختصارها فى السؤال: «ماذا لو قرر فتى فلسطينى ولد وعاش فى الولايات المتحدة الأمريكية أن يزور يوما الأرض الأم؟ ماذا سيرى خلال رحلته وما الذى سيقرره فى نهايتها؟».
يبدأ العرض بتمهيد افتتاحى قدمه قائد الفرقة (نبيل الراعى) بإنشاده موالا فلسطينيا مصحوباً بعزف على آلة العود، مهيئاً جمهوره لاستقبال عرض مسرحى مختلف. بعده يدخل مجموعة الممثلين (ستة أشخاص) يرتدون السواد يقفون صفاً واحداً على بساط أبيض فى منتصف الخشبة، ليكون هو بمساحته المحدودة مجال عرضهم لا يتخطونه أبداً طوال ساعة إلا قليلاً.
مشاهد العرض الأولى هى بمثابة اتفاق بين أفراد الفرقة والمتلقى على المنهج الذى اختاروه. فهم أجساد بشرية تتحول إلى (تمثال- سيارة- منضدة- ساحة مطار- جهاز الكشف على الأوراق- حاجز أمنى- مقهى شعبى... وغيرها).. وهم أيضاً شخصيات عدة تتغير من لحظة إلى أخرى حسب الموقف، مع الإبقاء على الممثل الذى يقوم بدور فتى الرحلة.
أجساد الشباب تتحرك بليونة وببساطة لتنقلك من مكان إلى آخر ومن حدث لآخر عبر توافق عضلى وصوتى مثيراً للإعجاب والدهشة. ويرسمون عبر مشاهد متتابعة ملامح رحلة الوافد الجديد الذى يصعد درجات سلم الاكتشاف درجة درجة. ونكتشف نحن معه فلسطين التى لم نك نعرفها، تلك المنزوعة عنها كل غلالات الشفقة، فلسطين الواقعية بناسها الحقيقيين، بسخريتهم ولعناتهم ونضالهم، وحتى بأنماطهم البشرية المختلفة التى تفجر الضحكات فى الصالة.
رحلة وعى الفتى تصل ذروتها مع استشهاد أحد أقاربه برصاص قناص صهيونى، ليأتى المشهد الأخير خطاباً يرسله إلى أهله فى أمريكا يخبرهم فيه بقراره الأخير «أنا باق هنا.. فى فلسطين» بل يدعوهم للعودة، وكأنه يجسد مقولة محمود درويش الخالدة «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».
‎فى عرض كهذا يعتمد على الحكى المجسد عبر تشكيلات بصرية يكون البطل هو الممثل، ذلك الذى تدرب كثيرا حتى يتمكن من السيطرة على إيقاع عرض يخلو من الألوان والكتل الديكورية أو حتى الإكسسوارات المساعدة. ليبقى جسد الممثل والكلمة المكتوبة بتكثيف والمنطوقة بإحساس مدرب- هما فقط عنصر الفرجة المسرحية. فرجة لا تستهدف تعاطفك بقدر ما تستهدف وعيك ومشاركتك، فها أنت تخرج من الصالة تستكمل عنوان العرض فى ذهنك ليصبح «مروح ع فلسطين و.. وباق فيها» لأنها وكما قال عنها محمود درويش «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».


محمد الروبي