الفارس النبيل حمدي طلبة .. وداعا

الفارس النبيل حمدي طلبة .. وداعا

العدد 843 صدر بتاريخ 23أكتوبر2023

لا نقبل أن يرحل الفارس، ولا أن يترجل عن حصانه، ولا أن يمضي بعيدا، ربما ينأى جسدا، لكنه وهو في طريقه للغروب يثبت الحضور وينقشه في قلوب المحبين والأصدقاء والتلاميذ، لذا يظل حمدي طلبة أثرا لا يمحى وذاكرة لا تنسى
غيب الموت مؤخرا - المخرج المسرحي الكبير حمدي طلبة عن عمر ناهز 68 عاما، و يعد الراحل حمدي طلبة واحدا من أهم وأبرز مخرجي مسرح الثقافة الجماهيرية الذين قدموا أعمالا من التراث الشعبي، وقدم العديد من الأعمال المسرحية، كما أسس فرقة «بني مزار» المسرحية عام 1985، وكون أول نادي مسرح في الثقافة الجماهيرية ببني مزار عام 1986. 
كما أسس الراحل مركز بني مزار للظواهر المسرحية عام 2009، وأشرف على جميع تجارب نوادي المسرح في بني مزار، ومن أبرز أعماله المسرحية الوزير شال الثلاجة، العفريت في كفر سالم لسعد الدين وهبة، الكاتب والشحات لعلى سالم، مجلس العدل لتوفيق الحكيم، عريس بنت السلطان لمحفوظ عبد الرحمن، المهرج لمحمد الماغوط، مملكة الحيرة لأحمد فرغلي، حدوته مزارية لناصر عبد الله، حلم يوسف لبهيج إسماعيل، سعد اليتيم لمحمد الفيل، بالإضافة إلى مشاركته في عدد كبير من المهرجانات المسرحية المحلية والدولية. التقينا بعدد من المسرحيين للتعرف عليه أكثر 
فارس مسرح بكل معنى الكلمة
قال الكاتب المسرحي طارق عمار: عرفته فنياً منذ أكثر من ثلاثين عاماً من خلال ما شاهدته له من عروض في مسرحه الذي أفنى عمره فيه مسرح الثقافة الجماهيرية، ثم تقاربنا عام 2019 عقب عرضي “أمير الجنوب” إخراج الأستاذ الكبير أحمد البنهاوي إلى أن التقينا وجها لوجه منذ عام واحد فقط، لم تخب فراستي فالرجل فارس مسرح بكل معنى الكلمة.. ثقافة ووعي فارق وإبداع وتوهج رغم حالته الصحية.. بفقدان الكبير حمدي طلبة يتعاظم فقدنا لكبار كثيرين تربينا في كنفهم، وتعلمنا على خشبات مسارحهم.. عزاؤنا الوحيد وعد نقطعه على أنفسنا ألا نكف عن السير في نفس الدرب، وننذر نفس النذر.. نذر المسرح المهموم بالوطن.. مسرح الثقافة الجماهيرية. 

ستبقى لأمد بعيد حيا بمسرحك وتلاميذك وأصدقائك
 فيما وصفه المخرج والفنان عزت زين قائلاً: حمدي طلبة رمز كبير من رموز مسرح الثقافة الجماهيرية يكاد يكون أيقونة ترمز لانحيازه ودفاعه الدائم عن هذا المسرح وإيمانه العميق والأصيل بدوره، وكان هذا الإيمان على التوازي مع إيمانه أن هناك ما يمكن أن نسميه المسرح «المزاري» نسبة إلى بني مزار صاحبة كنز التراث والحكايات والطقوس الشعبية التي ظلت تطل علينا في كل مهرجان مع عرض جديد يختار له أن يخرج من العلبة الإيطالية إلى آفاق أرحب، ويمكن القول أن هذا المسرح ظل مختلفا، ووثيق الصلة ببني مزار وبحمدي طلبة حتى تم إنشاء مركز لمسرحة الظواهر الشعبية في بني مزار تتويجا للمسيرة الطويلة المخلصة لحمدي طلبة، أضاف: لقد جمعني نادي المسرح بحمدي طلبة في العام 1986، كان مسئولا عن نادي مسرح بني مزار.. متحمسا جادا ومخلصا حتي للهجته وطريقة أداءه الخاصة التي تميزه، ترجل حمدي طلبة، وهو الذي مر بمحنة حريق بني سويف، وظل على حبه وإيمانه يمسك بعكازين يعينانه على الحركة بينما ظل قلبه مفعما بمحبة غامرة للمسرح وناسه، ألف رحمه ونور، وستبقى لأمد بعيد حيا بمسرحك وتلاميذك وأصدقائك ومحبيك. 
 
عرفته فنانا قبل أن أعرفه إنسانا
 فيما قال الشاعر والكاتب والمخرج ناظم نور الدين: الأستاذ حمدي طلبة في اعتقادي الشخصي من مخرجي الصعيد ومصر المهمين والكبار رغم أننا لم نعمل سويا في عرض مسرحي واحد بشكل تعاوني، ولكني رأيته كيف يعمل وكيف يضحي ويتفانى من أجل إخراج عمل فني جدير بالاحترام، عرفته تحديدا عام 2004 في مهرجان القصور المقام في بني سويف ، عرفته من عرضه” طاقة شوف” تأليف أستاذي علاء المصري، عرفته فنانا قبل أن أعرفه إنسانا حينما عرفني عليه علاء المصري بعد انتهاء العرض، ثم تجددت علاقتنا مرة أخرى حينما أخرج لقومية بني سويف ولسوء حظي لم نتعاون في كل التجارب التي خاضها في بني سويف، ولكن شهادتي عنه فيما رأيت من موقع القريب المدقق أن الأستاذ حمدي طلبة كان رجلاً مخلصا بكل ما تعنيه الكلمة من معان، هو مخلص إنسانيا وفنيا، ظل مخلصا للمسرح خشبة وناسا حتى النفس الأخير ربما يخلص له المسرح والناس أيضا ويقدرونه حق قدره وخصوصا أنه في ظني هو وكثيرين من الأساتذة لم يقدروا في حياتهم، وكأننا دائما ما ننتظر غيابهم؛ لنهرول في التعبير عن كيف كانوا أساتذة وكيف كانوا مهمين، أتمنى يوما ما أن ينصف المسرح ناسه، أسماء كثيرة منها حمدي طلبة الصعيدي الجدع والفنان والإنسان المخلص،   لروحه الطاهرة السلام والسكينة. 
 
 يؤيد ويحب ويشجع كل المواهب الشابة 
فيما قال المخرج خالد أبو ضيف: الأحباب يرحلون واحدا تلو الآخر، الحبيب والمعلم والصديق الفنان حمدي طلبة يرحل عن عالمنا إلى عالم أفضل، كان يؤيد ويحب ويشجع كل المواهب الشابة، أذكر له عندما كنت ممثلاً في فرقة أسيوط القومية في عرضي (مأساة الحلاج) و(عفواً ممنوع التصوير) من إخراج أستاذى ومعلمى الفنان حسن الوزير، كان يحضر من بني مزار ليشاهد البروفات ولا يبخل بإسداء النصائح التي أفادتنى وساعدتنى كثيراً في أدائى للشخصية، ولا أنسى أيضاً مواقفه التى تدل على أصله الطيب في حضور بروفات أولى تجاربي في نوادي المسرح التي أضاءت لي الكثير وحفزتني على استكمال التجربة، دمت طيباً حيا وميتا ولروحك منى السلام، يغفر الله لك ويسكنك فسيح جناته. 

معلم ومربي أجيال
فيما نعى المخرج شريف النوبي المخرج حمدي طلبة فقال: رحم الله المخرج الكبير حمدي طلبة أحد أعمدة مسرح الثقافة الجماهيرية الذي كان مُعلما ومربي أجيال.. في علم 2013 كان عضو لجنة تحكيم المهرجان الإقليمي لنوادي المسرح لإقليم جنوب الصعيد الثقافي وشاهد لي عرضا مسرحيا كعضو لجنة تحكيم وبعد التصعيد إلى الختامي تحدث معي بشكل شخصي عن التجربة بشكل أدهشني بحضوره ووعيه، وكان سبباً في إسعادي بشكل كبير.. هذه النوعية من الفنانين نادرة من حيث مقدرتهم على المزج بين الفعل الإنساني والفني في آن واحد.. ومن هنا كان الحديث معه في جوهره العطاء والحب وتصحيح مسار، وكان صاحب خيال مبتكر وعلى ذلك رفع الرؤية إلى آفاق أرحب من المستوى الضيق، أعطاني البصيرة، وأخرجني إلى عرض ختامي، تم اعتمادي كمخرج بالثقافة الجماهيرية، وخلال هذه الفترة الزمنية حوالي 10 سنوات جمعني معه لقاء في مهرجان مسرح الهواة الماضي الذي كان منذ أيام، وكان يصادف أن عرضي الذي كان داخل المسابقة كان في نفس اليوم مع عرض المخرج حمدي طلبة عندما شاهدني قال لي وللحاضرين باللفظ (شريف النوبي الفنان الجميل أنا الذي اعتمدته مخرجا) وتحدث مع الحاضرين عن التجربة التي شاهدها لي في عام 2013. 
رحم الله الفنان والإنسان صاحب الرؤية والبصيرة والحكمة والتأمل والوعي المخرج المُحارب حمدي طلبة له الرحمة والمغفرة ولنا جميعاً الصبر إن شاء الله.

عندما تهاديك الحياة بالمبدعين الحقيقيين
فيما روت الكاتبة المسرحية مروة فاروق عن الراحل فقالت: عقب تخرجي من الجامعة عام 2000م تقابلت مع المبدع حمدي طلبة كان قد شاهد لي عرضا مسرحيا للأطفال، وأشاد بكتابتي في مسرح الطفل، ومن حينها وحتى رحيله، أصبحنا فريق عمل، نقدم سنويا عرضا لطلائع الشباب والرياضة، تميزت عروضنا وحصلنا على الجوائز الفنية، من خلال هذه التجارب، أنصت له كمبدع وكإنسان، كان شخصا حقيقيا ظاهره كباطنه، يعيش الفن أسلوب حياة، منزله صالون ثقافي يلتقي فيه الجميع، كتابا، مخرجين، وممثلين، أسرته كانت مندمجة في عالمه المسرحي ومشاركة له، فهو ابن لمخرج مسرحي وورث أبناؤه حب واحترام المسرح، كما كانت أسرته رمزا للحب الحقيقي، شاركته وساندته في كل خطواته، تعرض في رحلة حياته للكثير من الصعاب منها إصابته البالغة في حريق ثقافة بني سويف عام 2005 م، بسببها تبدلت حالته الصحية وأصبح يتحرك على عكازيين، كان يتحدى عنادهما له، ويصر على القفز بهما في معارك الإبداع، كانت رؤيته للحياة رؤية حساسة مبهجة لم تغضب ولم تنهزم، ظلت الحياة رغم قسوتها عليه، ظلت في نظره، فرصة تتجدد للاكتشاف، للبهجة التي يعبر عنها من خلال إبداعه المسرحي، كان إذا مس شيئا قرأ إحساسه، كان التراث همه ومجال بحثه، عبر عنه من خلال نصوص متميزة لمبدعين كبار، الكاتب الكبير أستاذ جلال عابدين، والكاتب الكبير، ابنه وصديقه الروحي الكاتب المتميز إسلام فرغلي، انطلقوا من خلال فرقتهم المستقلة فرقة الهاية المسرحية وتميزوا بعروضهم التراثية، كان المسرح المزاري، الذي خرجت منه عروض فرقته المسرحية بمركز بني مزار بمحافظة المنيا، مسرحا ذا خصوصية وعبير تاريخي ظل يعايشه ويتجاوز به الموت الذي راوده كثيرا عن نفسه، واقترب منه عشرات المرات، كان يقاومه بالفن وبالإبداع إلى أن استسلم له، وهو مستعدا له برضا كبير. لوقت قريب كان متواصلا معنا ومحتويا لنا أصدقاءه وتلاميذه، أعضاء فرقته.. لآخر لحظة كان يدعمنا، ويمدنا بطاقة مفعمة بالحياة والحب والتقديس للمسرح، سيفتقدك المسرح كثيرا، ستفتقدك أرواحنا التي كانت تخاطب فكرك وتجادله،  نعزي أنفسنا في فقدك ورحيلك الموجع. 

جعل من بيته مسرحا وفتحه للجميع دون بحث عن شهرة أو مكاسب
الكاتب إسلام فرغلي تشارك مع المبدع حمدي طلبة في العديد من الأعمال،  وعن رحلتهما سويا ذكر قائلاً: هو رجل مسرح بمعني الكلمة بمعني أنه يعيش يومه كاملاً 24 ساعة في العمل المسرحي جعل من بيته مسرحا، وفتحه للجميع دون بحث عن شهرة أو مكاسب فردية خاصة، وجد متعته وعشقه في المسرح، وأنفق فيه عمره وماله، مع مطلع التسعينيات قرر الأستاذ حمدي طلبة أن يقدم مسرحاً شعبياً معبرا عن الهوية المصرية وبمشاركة الباحث الفولكلوري المبدع جلال عابدين ذهب إلى (البهنسا)؛ ليبدأ مشروعا مسرحيا متفردا في جمع التراث الشعبي المحلي وإعادة صياغته مسرحيا ليقدم عدة عروض لفتت الأنظار إلى مشروعه المسرحي وجعلت من (بني مزار) مقصدا للمسرحيين والنقاد. 
وتابع قائلاً: وأهم هذه العروض(حدوتة مزارية) (مهرة الوقت) (بحر التواه) (الحسومات) وهي عروض لمعت في مسرح الثقافة الجماهيرية، وشاركت في المهرجانات المسرحية الدولية و المصرية، في 2005 كان أحد المصابين في حادث حريق مسرح بني سويف، وبكل إصرار وعزيمة وعشق عاد للعمل مجددا بعكازين يسير بهما أثناء علاجه ليواصل رحلته وعطاءه دون انتظار؛ فهو لا يطيق أن يعيش دون مسرح، المسرح هو علاجه هو أنفاسه هو أولاده، أتذكر هذا المشهد دوما بعد عودته من المستشفى حين حملناه على كرسي لبيت ثقافة بني مزار وعلى وجهه ويده كريم الحروق التي تعرض لها. في 2008 عمل من خلال مشروع مركز الظواهر المسرحية أثناء إدارة الأستاذ الكبير عصام السيد للمسرح، وشاركته تقديم عروض (ليالي الهاية) 1 و2 ثم قدمنا واحدا من أهم تجاربه (عباد الشمس)، وهو عرض مزجنا فيه بين برديات الفلاح الفصيح وشكاوي المرأة الريفية المصرية في غنائها والحكي الشعبي، عرضت عليه فكرة العرض فتحمس لها.. كان مغامرا يسعي نحو المجهول، ولا يهمه النتائج.. ثم قدمنا (حكايات النهر) عن أسطورة مصر القديمة باطا وأنوبو.. ثم قررنا تكوين فرقة مستقلة أسميناها (الهاية) قدمنا من خلالها عدة عروض أهمها (الكتلة والفراغ)، وهو عرض حكي شعبي ثم قدمنا (عباد الشمس 2) وهو العرض الأخير الذي قدمه من أيام في مهرجان مسرح الهواة ونال خمسة جوائز. عطاء لا يتوقف وحب بلا مقابل، منذ أيام قبل وفاته كان يقدم عرضا للصم والبكم لأحد المدارس دون مقابل.. كذلك قدم حفلا لأحد المدارس الحكومية وعندما سئل: هتاخد كام؟ قال لهم: ولا حاجة. كان المقابل دوما هو المتعة.. متعة المسرح.. متعة العطاء. من الصعب تقديم شهادة عن رجل مسرح اسمه حمدي طلبة. في 2018 قدمنا عرض (أطياف البهنسا) وبعده عرض (برمجد) وهي عروض حققت نجاحا جماهيريا كبيرا. 

الفارس المناضل النبيل
نعى الفنان ناصر عبد التواب المخرج حمدي طلبة فقال: الأخ والصديق المحترم حمدي طلبة، فنان مهموم بقضايا بلده ووطنه، أحد فرسان المسرح النبلاء، وصاحب تجربة مهمة في بني مزار، استلهام من الحكايات الفرعونية والشعبية القديمة، وإعادة تقديمها وطرحها مسرحيا في شكل درامي معاصر، له تلاميذ كثر في العديد من محافظات مصر، تعرفت على النبيل (حمدي طلبة) في دورة نوادي المسرح التي نظمتها الإدارة العامة للمسرح على هامش المهرجان التجريبي، والدورة أقيمت بالجامعة العمالية بالقاهرة، وكانت تضم مجموعة من شباب مخرجي نوادي المسرح، على سبيل المثال لا الحصر (أسامة رؤوف، د.جمال ياقوت، علاء المصري، شريف الدسوقي، صلاح محمود) محاضرات في الصباح، وفي المساء نشاهد عروض التجريبي. كان رحمة الله عليه يومياً بعد العروض يعقد حلقات نقاش حول هذه العروض معنا جميعا. حمدي طلبة فنان مناضل محب لله والناس عاشق للوطن والحياة، ورغم أنه أحد ضحايا المسرح في بني سويف، إلا أنك تجده دائما كريما متفائلا وضاحكاً. إلى جنة الخلد صديقي الفارس المناضل النبيل. 

شيخ مخرجى الثقافة الجماهيرية 
 الكاتب والشاعر أشرف عتريس قال: هو رفيق الكاتب المسرحى جلال عابدين، عرفناهما من خلال عروض مائزة في بني مزار (مزار سياحى لمحافظة أخناتون – نفرتيتى) حيث الإقامة والإعاشة هناك، والمسرح الشعبى هناك، وتحفة المسرح هناك (البهنسا) وقصص وحواديت وحكايات تعامل معها جلال عابدين بحرفية شديدة، وهو الباحث في علم الفولكلور، فقدما معا (بحر التواه، الوحشة والمليحة، مهرة الوقت)، وأجاد المخرج الفنان حمدي طلبة، وهو أحد رموز المسرح في المنيا بل الصعيد كله، كانت التجارب المسرحية التى تم ذكرها في بداية التسعينيات، وكنت شاهدا مستمتعا بما يطرحه على الخشبة الخال حمدي من شخوص وألعاب وأغانى من التراث، ومعه مدحت نظير ونجوم فرقة بني مزار الذين عرفناهم، وكان الوصف (شرف المنيا).. هم يجيدون التحبيظ والتشخيص واللعب مع الجمهور ومن خلفهم المعلم الأول لجيل الوسط حمدي طلبة. التاريخ لا ينكر من سبقوه من ممثلين ومؤلفين عشقوا المسرح كما أخلص له مولانا الخال حمدي. 
وتابع قائلاً: أما في جامعة المنيا فكان  المنافس الشرس لحضور وقوة وإبداع طه عبد الجابر، أسامه طه، حسن رشدي، محمد نجيب، مصطفى عبد الرحمن، وكانت البداية لهذا المسرح الجامعي ومسابقته السنوية في بداية التسعينيات 99- 2005.. كذلك لن ننسى (شعبة المسرح) في مديرية الشباب والرياضة، وتخريج أجيال عديدة من عباءة حمدي طلبة وريادته في هذا المجال. أما الإنسان الكريم الذى أعرفه تماماً صاحب البسمة الرقيقة، المسرحي الودود، له من الإنسانية والرحمة والقلب الرقيق نصيب سوف يشفع له، إن شاء  الله، في جنة الرحمن ، وقد ترك سيرة طيبة وذكرى مليحة كما نقول في صعيدنا. الذكريات تطول والتاريخ أطول والسيرة الطيبة ممتدة، ولن أكتفى بتلك الشهادة، سوف أكتب مرارا شهادات عن الصديق الفنان الإنسان الذى يحفظ تاريخ المسرح المنياوي أكثر منّي في كل فرقة، وكل موقع ثقافي يتبع فرع ثقافة المنيا، تلك غاية من يريد أن يعرف قيمة المسرح المنياوي وقاماته المبدعة. خالص عزائي ومحبتي وتحياتي من العقل قبل القلب لهذا الرجل.

قدم مسرحا بملامح تجربته الإنسانية وخبرته
فيما قال الموسيقار والفنان عبد الله رجال: المخرج حمدي طلبة نور المسرح الذي أضاء وانتشر وأبدع وعلم وأنار، مقدما مسرحا بملامح تجربته الإنسانية وخبرته وممارسته الهاوية والعاشقة لهذا المعشوق، ونداهة السحر بحكايته وروايته، وهو من الرواد الذين ضحوا بأعمارهم في بقعة محدوده سرعان ما انتشرت وطافت كل ربوع مصر، ومسارحها ،مثله مثل الراحلين السابقين تجدهم بكل بلد رهبانا منقطعين لهذا الفن؛ لينير العقول ويرسم البهجة والمتعة والدهشة دون انتظار مقابل سوى تصفيق المحبين وصدى متعتهم تشبع ذاته وقلبه.. رحمة الله على زمن يحمل علامته ومسرحه، ورقة شجر تسقط ولا تعود، عوضنا الله بتلاميذه ومريديه ومن تعلموا على يديه كل الخير. 

رحل الناظر حمدي طلبة وبقي تراثه وتجربته
 تحدث الكاتب المسرحي جلال عابدين فقال: خاض تجربة المسرح على يد والده الذي كان أحد مؤسسي تيار المسرح في مدينة “بني مزار” رفقة ثلة من المثقفين وبمضي الوقت اعتمد كمخرج ثقافة جماهيرية بمسرحية “عريس لبنت السلطان” فضلا عن عمله بالمسرح المدرسي والشباب والرياضة. صداقة جمعتنا أبناء جيل واحد عاش تجربة ناصر، ورحيله وما أعقبها من عبور وانفتاح، وبدأ نضج الوعي وكنت مجرد صديق؛ إلا أنه استدرجني لعالم المسرح عندما بدأت في تجربة جمع الموروث الشعبي بمنطقة “بني مزار” وقراها ودارسا بالمعهد العالي للفنون الشعبية، وترتب عليها أن أخرج مسرحية “بحر التواه” ثم “مهرة الوقت” وأشرف على تجربة “لعبة الوحشة” و”المليحة” وبعدها الحسومات وأخيراً “الغرقى يتجهون جنوبا”، وشاركنا في تجربة مسرحة الظواهر الشعبية. خضنا معا تجربة ثرية واتفقنا واختلفنا وربما اختلفنا أكثر مما اتفقنا، ولكن في الفن هو  طفل سرقه عشق المسرح، وتحول بيته لملتقى لهواة المسرح من أنحاء مصر، وضحى بوقته وماله لأجل مشروع فكري وإنساني، وشاركته زوجته رحمها الله هذا العشق بالتشجيع والمؤازرة، ولا أنسى يوم تعرضا لاعتداء الجماعات المتأسلمة على محطة قطار منفلوط ؛ لمنعه من الإخراج لفرقة منفلوط، معذرة لتشوش أفكاري،  مع بداية الخريف تسقط أوراق كثيرة، نجا من محرقة بني سويف، ورحل في نفس الشهر ويوم ذكرى رحيل ناصر تجول عبر قرى ومدن مخرجا وعضو لجان تحكيم وسعد بآلاف الصداقات من كافة الأجيال كإنسان ومسرحي وناقد ومخرج. ناظر المدرسة الذي بدأ حياته بالتدريس في قرية نائية في ريف قنا، وعاد ليبدأ تجربة مسرح بني مزار التي قدمت عشرات المسرحيات ودوما كان يبحث في كل من حوله عن موهبة ما عن ملحن وممثل وعازف ومصمم ديكور ومؤلف، فكنت أنا وإسلام فرغلي من بني مزار ،  حلمه الأبدي إنشاء بيت ثقافة بني مزار ورغم سعيه لتخصيص قطعة أرض لتشييده، يبدو أن الجهات المعنية مهمومة بمقاعدها. هذا البلد أنجب فيلسوف مصر مصطفى عبد الرازق وعلى عبد الرازق مؤلف أصول الحكم الذي أقام مصر وأقعدها والأثري د.أحمد بدوي مؤلف مواكب الشمس، ومترجم الجزء الخاص بمصر من كتاب هيردوت وأبطال استشهدوا في معارك مصر وعلماء وأساتذة جامعة محرومة من مؤسسة ثقافية حقيقية كانت حلما. حمدي طلبة عشق الحياة وحدق في عيني الموت طويلا وبلا وجل، ولم تفارقه بسمات الأمل وسألني ذات يوم “تفتكر رغم كل معاناتي، عايش ليه” ؟؟ 
فمازحته “عمر الشقي بقي” وحشتني بحة صوته، واستدراجه لذاكرتي وأفكاري وذكرياتنا وما يحضرني من موروثنا الشعبي، يتوقف عند فكرة ما ليحولها لمشروع مسرحية ؟؟ 
وتابع “عندما نستحضر فولكلورنا العائلي وجولاتنا معا بالقاهرة في مطلع شبابنا، وكم مازحته عقب نجاته من كارثة بني سويف بمقولة الشهيد الحي، نعم عانى ما عاناه بلا تزيد ولا استدرار شفقة ولا متاجرة، وبمجرد ما تفاتحه في المسرح ينسي آلامه، ويتحول لكائن آخر يجري بروفة مكتب أو في ورشة مسرح أو يشاهد مسرحية أو يخرجها. رحل الناظر حمدي طلبة، وبقي تراثه وتجربته وعشرات المريدين ، عفواً عجزت عن استحضار تجربتنا وتجربته وكتبت على عجالة سيرة مبتورة ربنا يرحمه ويسكنه فسيح جناته. 

محارب بدرجة فنان قدير
المخرج المسرحي عماد عبد العاطي ذكر قائلاً: جبل الهموم حمدي طلبة “جمل المحامل” آن له أن يستريح، لحق بحبيبته ورفيقة عمره التى ما اختفى حزنه من قلبه منذ وفاتها. عشت معه معاناتها من المرض كما عشت معه معاناته بعدها، وشكواه المستمرة من تعب الفراق، حمدي طلبة محارب بدرجة فنان قدير. لو تعرض أي شخص لما تعرض له حمدي في حريق بنى سويف لجلس في منزله ينتظر الموت، ولكنه أبى أن يسكن منزله، وخرج ليمارس حياته بالمسرح من جديد، ضاربا عرض الحائط بكل آلامه وذكرياته السيئة وصال وجال في كل مسارح مصر والمهرجانات، قومي وتجريبي وختامي، ومشارك له باع كبير في لجان التحكيم. حمدي طلبة روح هادئة وطاقة إيجابية قوية لكل من تعامل معه، فما بالكم بنا نحن أصدقاءه المقربين؟

 شجرة أينعت وآتت ثمارها 
 قال المخرج أسامة عبد الرؤوف: الصديق والمعلم والرائد، كما عرفناه منذ الصغر، يجوب الفرق في الصعيد ليضع اللبنة الأولى للمسرح في كثير من البقاع التى تأخر الظلام في الجلاء عنها. 
أول مرة رأيته كانت في صيف 1996 في المسرح الصيفي لقصر ثقافة أسيوط، في أحد المهرجانات وكان يعرض مسرحية (الرحلة النعمانية) وكان ذلك بحضور كوكبة: الكاتب بهيج إسماعيل المعد للرواية والروائى محمد مستجاب صاحب الرواية، وتمثيل فرقة أبوتيج المسرحية، كان عرضا رائعا من روائعه. حمدي طلبة هو أحد أعمدة نوادي المسرح، في صعيد مصر، صاحب أيدلوجية فنية ترقى لأن يكون قصر ثقافة متحرك، يختلف في التفكير والصياغة والإنتاج، أذكر أننى كنت إلى جواره هو والمرحوم محمد فرغلي في تسجيل ناريشن مسرحية (جبل الطير)، والتى كانت رائدة في المسرح المفتوح، وذلك في استديو (كامبيو ساوند) لصاحبه أيمن. صحبت الفقيد في كثير من المحافل مثل المؤتمر العلمي للمسرح المصري دورة المنيا ودورة القناطر، كما جمعتنا لجان تحكيم نوادي المسرح في الوادي والمنيا وسوهاج والبحر الأحمر. كان كثيرا ما يجتر ذكرى بني سويف وكيف نجا بأعجوبة مترحما على من فقدناهم، أيها الجميل والنبيل حمدي طلبة ارقد إلى جوار أحبابك وأحبابى: محمد فرغلي وأحمد عبد الحميد ونزار سمك وبهائي المرغني وحسن عبده وصالح سعد ومحسن مصيلحي ومدحت أبو بكر، أولئك الذين صدق فيهم قول الأبنودى (صاحيين في القلب كأن محدش غاب). 
 
المسرح وهموم مدينته الفقيرة
ونعاه الكاتب والشاعر والمخرج الفنان ياسين الضوي فقال: أوجعني رحيل هذا المسرحي المناضل المؤثر ذو الروح دائمة التبسم والوداد والدهشة، وجعا أظنه يتجاوز الشعور بالفقد أو الفراق، يتجاوز حتى شعوري باقتراب ميعادي ودوري، إلى أوجاع ومخاوف أوسع وأشمل من حدود شخصينا.. تلك المواجع التي كنا نتحدث عنها في آخر مكالمة بيننا يا حمدي – الإقصاء والنفي والنكران وطمس الأثر. حمدي طلبة منذ سنين طويلة خلق المسرح من هموم مدينته الفقيرة، أذكر اتصاله بي منذ ما يقرب من ربع قرن على الهاتف الأرضي في منزله، وكنت أنا في بيت والدي بقوص، وباغتني بصراخ ضاحك مفعم بفرح طفولي التمع في صراخه حرف الجيم المعطش قائلاً: «خلاص يا جميل جبنا حتة أرض وجبنالها تخصيص وهيبقي لفرقة بني مزار» أخيرا لفرقة مسرح. 
وتابع قائلاً: ظل يقدم لافتة أبرزت كثيرين من الموهوبين في شتى صنوف الإبداع التي تصب في عروضه المسرحية، ولعل أبرز هؤلاء الشعراء الشاعر والمؤلف أشرف عتريس والمؤلف إسلام فرغلي، وألتمس العذر إن لم أذكر أحدا قد يسوءه جهلي به، فأنا لم أزر حمدي طلبة إلا مرة واحدة كان قد دعاني لزيارته بإصرار المحب الكريم فالتقيته ببيته ثم التقيت بفريقه المسرحي في إحدى البروفات، ولم ينحصر عطاء حمدي طلبة في حدود فرقته ببني مزار، إذ تنقل بين فرق الأقاليم، وكان حريصاً – وإن شق الأمر عليه – أن يشاهد أعمال غيره من المخرجين، فكنا نتلاقى في مواسم البهجة بمهرجانات مسرح الأقاليم ونتطارح همومنا وأحلامنا وضحكاتنا المنهكة، وأضاف قائلاً: ثم وفي ذلك العام المشؤوم 2005 حطه القدر في حريق بني سويف المروع، وخرج منه محملاً بابتلاءات صحية متعددة... عملية جراحية تلو الأخرى.. وهو يواصل الركض والارتحال لإخراج الأعمال المسرحية في الأقاليم.. يسعى ولا يهدأ خلف المسرح أينما كان وكيفما كان وفي حقيبته وحلقه صنوف الأدوية وعقاقير العلاج والمسكنات وحلم كبير. في رحمات الله ورضوانه يا حمدي. 

أحد أعمدة ومؤسسي نوادي المسرح
قال الكاتب المسرحي شاذلي فرح: رحيل المخرج حمدي طلبة خسارة للمسرح المصري كله، وليس للثقافة الجماهيرية فقط؛ فقد كان فاتحاً بيته لكل محبي المسرح والنقاد من كل المحافظات، قدم تجربته الفريدة والرائعة «البحث عن مسرح مصري « من خلال الموروثات الشعبية التي كان يجمعها مع الكاتب جلال عابدين، فمسرح حمدي له مذاق وطابع خاص ومصرية شديدة، وقد يكون لرحيله علامات استفهام كبيرة، أن يتوفاه الله قبل افتتاح مهرجان نوادي المسرح ال30 بيومين، وهو أحد أعمدة ومؤسسي نوادي المسرح كمخرج منذ 1990 وحتى قبل مفارقته للحياة، كان دائماً على خشبة المسرح مخرجاً أو محكماً أو مدرباً للتمثيل، وكان طيب القلب وابتسامته لا تفارقه،  وبرغم مأساته في حريق بني سويف كان يتنقل في المسرح ويتابع العروض، وهو يحمل عكازين ويحتفي بكل المخرجين وكان لا يحمل ضغينة لأحد، كان محبا للحياة رغم رحيل زوجته وظل يقف على عكازيه كما النخل العالي يناطح الشمس، ويناطح سحب السماء بفنه، وكان آخر عروضه في مهرجان الجمعيات الثقافية، وكأنه يودع المسرح والمسرحيين والعاصمة، رحمه الله على الفنان والإنسان حمدي طلبة.

لم يكن مجرد مخرج مسرحي
كان معلما ومرشدا وقدوة
فيما أعرب المخرج سعيد منسي عن حزنه الشديد لرحيل المخرج حمدي طلبة فقال: مهما تحدثت عنه فلن أوفيه حقه، فهو تاريخ كبير بمسرح الثقافة الجماهيرية، ومسرح جنوب الصعيد وخاصة المنيا، ولم يكن مجرد مخرج مسرحي كان معلما ومرشداً وقدوة، ومثلا أعلى للكثير من المخرجين. أنشأ فرق كثيرة ومنها فرقة بني مزار ومركز التنوير في بني مزار بفرقته المستقلة التي أنشأها هناك، وكان بينى وبينه مواقف إنسانية عديدة. أتمنى أن يكرم بالشكل اللائق له ولتاريخه المسرحي فكلنا كمسرحيين نحمل له ذكريات إنسانية طيبة رحم الله المخرج القدير حمدي طلبة، وسيبقي أثره في تلامذته وكل من علمهم. 


رنا رأفت