«كراكيب» أحدث عروض الأطفال بدمياط الجديدة

«كراكيب» أحدث عروض الأطفال بدمياط الجديدة

العدد 842 صدر بتاريخ 16أكتوبر2023

تاريخ مدينة دمياط الجديدة والأصلية يؤكد أنها محافظة ذات طابع جاد جداً وعملية والمتوقع ألا تجد الفنون المسرحية بغيتها في مثل هذه المدينة لولا أن الفنون لا تتجزأ وفن المسرح لا يقل أهمية في هذه المنطقة العملية عن فنون النحت والنجارة ولذلك يتم التعامل بجدية شديدة مع رواد المسرح من الأطفال والموهوبين لتصبح هذه المحافظة الملهمة صاحبة الريادة والاهتمام المسبق والدائم بمسرح الطفل أكثر من غيرها ولديها أكثر من فريق يشارك في الأعمال المختلفة لفنون الطفل أحدهما للتعبير الحركي والآخر للعروض التقليدية ونحن بدورنا نرصد هذه التجربة الدمياطية منذ بدايتها وإلي هذه اللحظة بكل اهتمام وشغف وحديثا شاهدنا في دمياط عرضا بعنوان «كراكيب في المسرح» عن نص للكاتب المسرحي المعروف (سعيد حجاج) وفي هذه المسرحية نجد أنفسنا في مسرح مهجور محروم منذ زمن من الأعمال الفنية والإبداعية ولذلك سكنته الحشرات والحيوانات وكذلك الزواحف وغيرها من شركاء الكوكب الذين يفضلون العيش بالأماكن الخربة والمهجورة وهذا ما حدث في هذا النص المسرحي الذي يتصدر شخصياته قراقوز وزوجته وفي المقابل يوجد مدير المسرح ويفترض العرض أن مالك المسرح قبل رحيله أوصي بتمليك ثلاثتهم للمسرح كي يضمن آلا يختل نظام لعمل في مسرحه ويبقي أطول وقت ممكن طالما اقتسموا المسئولية الموزعة بين هذا المثلث إلي ثلاثة مستويات أحدهم يمثله القراقوز الذي قام بتمثيل دوره بالعرض «محمد السعيد» المتمسك في هذه الدراما ببقاء المسرح لأنه يعشق فنونه ويرفض تماماً أن يتخلي عن عالمه وعن دنيا التمثيل وهو يحب ما يفعل ولو كان بلا ربح أو عائد أنه ككل عشاق المسرح الحقيقيين يحب المسرح بجنون بينما «البلياتشو» أو القراقوزة قرينته الذي قامت بتشخيصه «أسماء البلتاجي» ليست علي نفس الدرجة التي هو عليها من العشق وإنما هي تتمني أن يتبدل الحال وأن تستطيع أن تربح أموال نظير التخلي عن الجزء الخاص بها من ملكية المسرح وهي تحرض القراقوز أن يتبني رأيها ويغادرا معا المسرح ويستثمرون الأموال في مشروعات كثيرة أخري تدر المال وتجلب الربح إلا أن ذلك لم يحدث بالفعل لأنها تتراجع عن ذلك تماماً أمام صدق عشق القراقوز وإيمانه الكبير بأهمية المسرح ولذلك ينتصر في لعبة التحديث رواد الخط الثالث من العرض المتمثل في الشريك الثالث مدير المسرح الذي تقدم بالفعل خطوات علي طريق البيع والفقد واتفق علي أن يتم ذلك نظير مبلغ كبير ولكنه توقف عندما أصطدم برغبة القراقوز وصاحبته في التمسك بالمسرح وأمام هذا الموقف الصامد يعمد المدير إلي تزييف الواقع بأن يزور إرادتهم فيتفق مع المستثمرة الذي لعبته بمهارة كبيرة «سارة حسين» أو (سوسو هانم) في العرض، ويوقع مدير المسرح العقد نيابة عن الشركاء كونه صاحب حق الإدارة بدلا منهم ويعطيها المكان ويسهل لها عملية الشراء والاستثمار في مقابل أن يأخذ المال وتتم الصفقة ويحزن القراقوز حزناً شديدا مما حدث ويبحث عن طريقة لاسترداد حقه المنهوب وفي هذه اللحظة يتجلي دور الكائنات التي تستعمر المسرح والتي تتنوع إلي ثعابين وأبراص وخنافس وكلاب وقطط، كل هذه الكائنات تتحد وتقف مع بعضها في سبيل الحفاظ علي حق القراقوز في بقاء المسرح وبعد سلسلة من المفارقات والصراعات بين هذه الكائنات مع أقرانها من الحالمين بالثراء والتمتع بحياة أفضل حالما يهدم ذلك المكان المهجور ويتم الإعمار فالفأر يتمني أن يصبح المسرح مصنع للجبن الرومي ليجد فيه طعامه المحبب إلا أنه قبل النهاية يقتنع كما الجميع بأن ما هو فيه أفضل وأنهم يجب عليهم مساندة القراقوز في الدفاع عن قضيته العادلة واسترداد حقوقه المسلوبة في التوقيع أو عدم التوقيع وإثبات التزييف الذي تم علي إرادته علي نحو ما حدث وهنا يتحد الجميع وتتجمع الإرادة الصالحة علي هدف واحد ويتم التخطيط بصورة جيدة فيتم لهم ما أرادوا ويستعيدون حقهم في ممارسة الألعاب التمثيلية والتمتع بالعيش في المسرح.
 لتنتهي تلك التجربة الدرامية المسرحية بعودة الحقوق آخر الأمر إلي أصحابها لتغمر الفرحة أرجاء المكان وينتهي العرض بحفل كبير، وقد شارك في تنفيذ هذه الفرحة عدد كبير من أطفال مدينة دمياط الجديدة الي جانب دمياط الأصلية التي بدأ فيها مشروع مخرج هذا العرض (أحمد غزلاني) الذي يعد واحد من أهم مخرجي مسرح أطفال الأقاليم في مصر والذي يرتفع مستواه مع استمرار العروض وتتراكم خبراته في كل عام منذ سلك هذا الطريق في إخراج عروض الأطفال التي لا تتطلب حب للمسرح فقط وإنما تحتاج إلي الحب والتعاطف مع رواد هذا النوع المسرحي من الأطفال الذين ظهروا في أفضل صورة ممكنه في هذه المسرحية وقدموا أغاني واستعراضات جيدة جداَ في هذا العرض الذي استعرضت فيه (حنان الغزلاني) براءتها في تخطيط منظومة حركية تعبيرية غير تقليدية وقام بتنفيذ الموسيقي والألحان الفنان المخضرم (توفيق فودة) الذي يمثل هو أيضاً ضلعاً وركناً أساسياً في عروض طفل دمياط وجاءت التجربة بمثابة حلقة جديدة في سلسلة العروض المتميزة التي تقدم للأطفال بدمياط وقد شارك بالتمثيل في هذا العرض الجيد المخرج (حسن النجار) الذي تميز أيضاً في هذا العرض بعدما تشكلت قدراته التمثيلية بصورة أعمق وكان قريب جداً من الأطفال وأدي  دوره مع هذه الكائنات المهمة وسط الكراكيب المسرحية بكل جدية وفاعلية وذلك علي حد تعبير المؤلف الذي أعتبر هذه الكائنات هي الشخصيات الممثلة للجانب الخير بالعرض وأنها هي التي تهب لحمايته مما احاط به من خطر وهو أمر خيالي في الواقع ولكنه في دنيا الأطفال التي لا حدود للخيال فيها أداة ممكنة للتعبير عن أهمية الاتحاد وضرورة الاعتصام للوقوف صف واحد في وجه كل أفاق وظالم ومزور وهكذا تتعلق هذه الدراما الطفولية اللطيفة بخيال المتلقي الصغير لكي تظل نموذجاً جيداً إلي الخيال المطلق الذي من الممكن أن تحلق في سماءه العروض المسرحية التي تستهدف الأطفال.
 


محمود كحيلة