لا يوجد مذهب يسمى «التجريبي» والتجريبية عملية إجرائية في إنتاج العمل الفني

لا يوجد مذهب يسمى «التجريبي» والتجريبية عملية إجرائية في إنتاج العمل الفني

العدد 838 صدر بتاريخ 18سبتمبر2023

   أقيمت السبت الثاني من سبتمبر أولى الندوات الفكرية ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي تحت رئاسة الدكتور سامح مهران ندوة  بعنوان «الجغرافيا وفنون الأداء المسرحي»،. أدارها السفير علي شيبو من العراق، و أربعة من الباحثين المصريين  وهم: الدكتور محمد المحمدي رزق ، مختار سعد شحاتة ، الدكتور سيد الإمام ، وعبد الناصر حنفي ، وعقب عليها هشام كفارنة من سوريا .
   افتتح الندوة الدكتور محمد سمير الخطيب عضو اللجنة العليا ومنسق الندوات بالمهرجان، قائلًا: محور الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء والتجريب المسرحي، محور هام ،فقد كان هناك إشكالية وهي علاقة التجريب المسرحي بالجغرافيا الثقافية، حيث يتواجد في الوطن العربي العديد من الثقافات المتنوعة، كما لا يوجد مفهوم شامل وموحد للتجريب، إنما يوجد ما يسمى بالتجريبيات، لذلك جاءت الندوة الأولى بعنوان «الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء المسرحي».
   استهل السفير علي شيبو من العراق حديثه بمقدمة تمهيدية عن مفهوم الجغرافيا الثقافية، قائلًا: مفهوم الجغرافيا الثقافية يطرح مشكلة معرفية مربكة مزدوجة تتعلق أولًا بفروع ومجالات جديدة من الجغرافيا، وثانيًا تتعلق بمنهج التفكير الجغرافي القائم على المعارف الملموسة، لذلك فأن مشروع الجغرافيا الثقافية يتبنى ويستجيب لمفهوم الثقافة كما تعتقده العلوم المجتمعية المعاصرة، فالجغرافيا الثقافية تستكشف الأبعاد المكانية للمجتمع.
كما تحدث عن علم الجغرافيا والجغرافيا الثقافية قائلًا: يهتم علم الجغرافيا بدراسة طبيعة الأرض وتضاريسها، أما الجغرافيا الثقافية فهي تندرج تحت فرع الجغرافيا البشرية المعنية بالسكان، أي بالبشر، هذا الفرع من الجغرافيا يتفحص بعمق العلاقة بين الثقافة والفضاء العام الذي يحتضن تمركز المجتمعات الحضارية، كما يستكشف كيفية تشكيل الممارسات الثقافية، بما في ذلك الأداء الفني والترفيهي، وتبسيط المعنى وتسهيل الإبانة، والتمثيل والتشخيص الذي يرمز للغير. فإن الجغرافيا الثقافية تلمس العلاقات بين الثقافات والبيئات الاجتماعية وكيفية تأثير وتأثر كلا منهما.
و علي شيبو عن الأداء قائلًا: مفهوم الأداء الجوهري في الجغرافيا الثقافية يشير إلى الطرق والوثائق التي يجسد بها المؤدون ثقافتهم، باعتباره نمطا من الاستفسار الدائم الذي يستكشف كيفية إنتاج الثقافة وتحويلها من الأفعال الأدائية إلى منتج حي، كما يمكن استخدام فنون الأداء لاستكشاف الأسئلة المتعلقة بالجغرافيا الثقافية مثل الهوية. ويمكن النظر إلى الأداء الفني كأنه وسيلة فنية إبداعية لنشر الوعي، وتكمن أهمية الأداء في امتلاك الصوت الذي يمكن أن يسمع من قبل المجتمع.

الطرب ونجوما
   الدكتور محمد المحمدي رزق، أستاذ ورئيس قسم اللغات بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة تحدث عن «الطرب ونجوما في شرق أفريقيا، بالتركيز على أداء اثنين من فناني زنجبار هما الفنان «ما كامي فاكي»، والفنانة «بي كيدودي». قال: إن المتخصصين بالأدب الشعبي السواحيلي اثبتوا وجود فن الطرب بشرق أفريقيا بعصر سلطان برغش بن سعيد، الذي جاء إلى مصر عام 1875، وتقابل مع الخديوي حينها، وشاهد غناء الفرق المصرية، وأراد أن يكون بقصره فرقة مشابهة، لذلك أوفد شاعر قصره إلى مصر كي يتعرف على هذا الفن، وبعد ذلك أصبح فن الطرب فنا شعبيا بزنجبار، كما تأسس هناك نادي يسمى بنادي الطرب، وطريقة أدائهم قريبة من الطريقة المصرية.
كما أضاف: هناك نوع ثان ويسمى بأغاني نجوما، تعتمد على الرقص والطبول، وقد حدث تفاعل ودمج بين الطرب المأخوذ من الثقافية العربية وبين النجوما، الذي يقدم في احتفالات الزواج والولادة والمناسبات السياسية وغير ذلك.
ثم تحدث عن الفنانة بي كيدودي قائلًا: إنها تؤدي أغاني الطرب وأغاني النجوما، كما أنها ملقبة بأم كلثوم أفريقيا فقد كانت تسمع الأغاني العربية وتعيد غنائها بطرق أخرى تثبت فيها هويتها الثقافية، كما أنها كانت تستطيع الغناء باللغة العربية بجانب اللغة السواحلية، أضاف: بي كيدودي تعد إحدى أيقونات الطرب والغناء بقارة أفريقيا وذلك لأنها أعادت غناء أغاني المطربة سيتي بنت سعد التي كانت تسبقها بعدة أعوام، وقد أسهمت بي كيدودي في تطوير أغاني الطرب والفنون بزنجبار، وأنشأت طربا يسمى بطرب النساء حيث تكون الفرقة مكونة من النساء فقط، وقد زارت الفنانة بي كيدودي مصر وهي بعمر 102 سنة.
واختتم المحمدي حديثه بالفنان ما كامي فاكي قائلا إنه قدم فنا يدمج بين الطرب والنجوما. 
ثم تحدث الباحث الأستاذ مختار سعد شحاتة المتخصص في التاريخ والدراسات الإفريقية والشعوب في جامعة يو إن إي بي بسالفادور البرازيل قائلًا: إن البرازيل تقسم جغرافيًا إلى أربعة أقسام، قسم خاص بالشمال، وقسم أقصى الغرب في الأمازون، وقسمي الوسط والجنوب. أضاف: البرازيل مشهورة بفن الكرنفال خاصة ثقافة السامبا، فقد كان الكرنفال قديمًا شيء رسمي تابع للكنيسة الكاثوليكية وكان يتعلق بصيام الأربعين، لكن نظرًا لأن البرازيل تعاني من العنصرية حتى الآن خاصة الجنوب، فعندما طُرد الأفارقة المسيحيين ومنعوا من دخول الكنيسة بدأوا في التضرع إلى الله. وليس كل البرازيليين يعرفون الكرنفال، حيث يتمركز في مدن معينة وهي: «ري دي جانيرو»، «سالفادور»، «برنامبوكو».
وضح الأستاذ مختار الفرق بين كرنفال ري دي جانيرو وكرنفال سالفادور، قائلًا: الأول منظم، يعتمد على مدارس السامبا، ويقام سنويًا ويستخدم في السياحة، وتقدم فيه رقصات متعلقة بالهوية البرازيلية والقضايا السياسية. أما عن كرنفال سلفادور فهو الأشهر لأنه متعلق بثقافة الأفارقة العبيد ويسمى بكرنفال اللحم، حيث يتواجد به مئات الآلاف الذين يتراقصون بالشوارع.
و اختتم ا مختار حديثه بفن الكابويرا قائلًا: إنه فن المقاومة والصمود، ويتم ممارسته في مصر باعتباره فن الدفاع عن النفس كالكاراتيه، لكنه فن المقاومة بالرقص على الإيقاعات، ويعود أصله إلى غانا وانجولا.

جيو مسرحية
    الكاتب والناقد المسرحي عبد الناصر حنفي تحدث عن الجيو مسرحية ومعناها، قائلًا: كلمة جيو تعني الأرض، كما تشير إلى أي نطاق، ويمكن أن نأخذ منها مصطلحين وهما: الجيوغرافية والتي تعني رسم ووصف سطح الأرض، و الجيودسيا أي قياس الأرض وتحديدها، وهذا المصطلح يمكن أخذه إلى منحى فينومينولوجي. لأن الجيودسيا تتضمن علم الظهور أي كيفية تكوين الظاهرة في العالم، كما يقبل علم الظهور بالتعددية. 
وتحدث عن ظاهرة مسرحية تسمى «المسرح النصي المكرر عرضه» قائلًا: هذه الظاهرة تعني تقديم عرض مسرحي قائم على نص مسرحي تم عرضه أكثر من مرة، وهذه الظاهرة كانت غير موجودة بكثرة.

فوضى فكرية 
الدكتور سيد الإمام قدم مداخلته  تحت عنوان  «نحو تأسيس مفهوم التجريب في إطار ثنائية الوحدة والتعدد الثقافي» قائلًا: لاحظت أنه مع كل دورة من المهرجان التجريبي يتم إعادة إنتاج نفس الأسئلة ونفس الأطروحات، وفي رأيي المشكلة كلها تبدأ من المناطق الرمادية في الفكر إلى تحديدات قاطعة للمفاهيم والمصطلحات، إلى حد إيجاد خلط بين التجريب كعملية إبداعية وبين المحاولات التجريبية، فتكون المسألة تجريب في تجريب، ويمكن وصف هذه العملية بالفوضى الذهنية بل في النهاية هي عملية عبثية، فإن لم نتعاط  مع مصطلح التجريب بدقة سوف تحدث حالة فوضوية شديدة سواء في الإبداع أو النقد وغيره.
كما تحدث عن مفهوم التجريب، قائلًا: أول من استخدم مفهوم التجريب هو إميل زولا حينما قدم كتاب باسم القصة التجريبية، حيث لأول مرة نرى كلمة التجريب مرتبطة بالإبداع الأدبي الفني، ويناقش الكتاب المحورين التي تقوم عليهما فكرة التجريب في الأدب والفن، المحور الأول كيف يمكن للإبداع الأدبي الفني الاستفادة من التجارب الحقيقية الملموسة التي يصل لها العلم في مجال ما، أما المحور الثاني وهو كيف يمكن تأسيس العملية الإبداعية على المنهج العلمي في البحث، أي إعادة تأسيس العقل الإبداعي على الخضوع إلى العملية العلمية القائمة على الملاحظات. هذين المحورين يشكلان ثنائية بالغة الأهمية لتحديد مفهوم التجريب في الفن والإبداع، وإذا تم الاستغناء عن هذين المحورين نكون أمام عملية عشوائية لا علاقة لها بالتجريب.
وأضاف الإمام: لا يوجد مذهب يسمى بالمذهب التجريبي، بل أن التجريبية هي عملية إجرائية قاعدية في إنتاج العمل الفني، وإذا تم تصدير عملية تجريبية في الإبداع في كل عمل تجريبي، فيجب الربط في النهاية بتأجيل الحكم الجمالي. كما أن الحركات التجريبية دائما ما تظهر بعيدة عن المسرح التجاري أي بعيدة عن سيطرة النجوم، لذلك ظهرت فكرة القاعات الصغيرة وقاعات الفنون التشكيلية. و ختم دكتور الإمام  حديثه قائلًا: إن المحاولات التجريبية الحقيقية في المناطق العربية ترتبط ارتباطا وثيقا بين الثقافة الموروثة ومدى العلاقة بالثقافة الغربية.

تعقيب 
المؤلف والمخرج المسرحي هشام كفارنة من سوريا، بدأ حديثه قائلًا: الجغرافيا علم يسعى إلى قراءة سمات وتضاريس وبنية الأرض، وأيضًا الجغرافيا الثقافية هي جزء من الجغرافيا البشرية، نحن كبشر ومخلوقات على سطح الأرض فنانون ومؤدون نؤدي أدوارًا في فضاءات خاصة بنا، ونحن المؤدون الفنانون نشبه إلى حد ما المؤدون في الحياة الواقعية، فالجغرافيا بتنوعاتها المناخية تؤثر في تكويننا كبشر في الحياة الاجتماعية.
أضاف قائلًا: أريد التحدث عن جزء صغير من سوريا، هناك قرية جبلية من ريف دمشق تدعي حربون، تتربع على ذروة تلاقي جبلين، وفي أسفل الجبل يوجد نبع ماءه عذب طيب، أهل هذه القرية يقومون بتمرينات رياضية، شبيهة للتمرينات التي يؤديها المؤدون، طبيعة هذه القرية شكلت أهلها، جميعهم يقومون بالغناء، معنى ذلك أن جميع الجغرافيات تشكل فنانين ينتجون أداء مرتبطا بالبيئة والتراث الخاص بالمكان.
و ختم حديثه قائلًا: الفن رؤى وإعادة صياغة، ومقولة الفن مرآة الواقع مقولة كاذبة، فالفن رؤية وإضافة جديدة للواقع.
وعقب الدكتور سامح مهران رئيس المهرجان على مداخلة الدكتور سيد الإمام قائلًا إنه سوف ينطلق من مقولة شهيرة من الأمثال الشعبية المصرية «الحركة بركة» عندما يتحرك الإنسان فهو يتحرك بجسده أي يفعل بجسده، وهنا يصبح الجسد مرئيًا، عندما يتحرك الإنسان يستخدم كل مفردات جسده في أماكن متعددة، حيث تلعب الجغرافيا دورًا في الجسد، فيصبح الجسد هو موطن الفعل. أضاف قائلًا: إن الأفعال الأدائية تنقسم إلى الأفعال التمثيلية أي إلزام المتحدث بالحقيقة المتضمنة في فعل الكون، والأفعال التوجيهية والأفعال الإلزامية وأخيرًا الأفعال الإعلانية، لإنشاء واقع اجتماعي جديد، كما ينشئ حركة الجسد من جديد ويعيد تشكيل العالم ومناقشة النصوص المسبقة التي أصبحت لا تعبر عن عالم متغاير، وهذا ما يسمى بالتجريب. وختم حديثه قائلًا : مناقشة الماضي والتاريخ شكل من أشكال التجريب.
 


آية سيد- مي الدماصي.