ندوة التجريب المسرحي في العراق والشام بالتجريبي

 ندوة التجريب المسرحي في العراق والشام بالتجريبي

العدد 837 صدر بتاريخ 11سبتمبر2023

ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في نسخته الأخيرة  برئاسة الكاتب سامح مهران  أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا الثالث من سبتمبر ندوة بعنوان «التجريب المسرحي في العراق والشام» تحدث خلالها عبيدو باشا من لبنان، عمر نفرش من الأردن، ميسون علي من سوريا، رياض موسي سكران من العراق. وعقب على هذه الندوة الدكتور عبد الواحد بن ياسر من المغرب، وأدارها الدكتور هشام  زين الدين من لبنان الذي أشار إلى أن التجريب في البلدان العربية ليس واحدا موضحاً أن  لدينا تجارب في العالم العربي تختلف جذريا بين منطقة وأخرى، ولهذا السبب انعقدت مثل هذه المحاور لنناقش موضوع التجريب في بلاد الشام وهي منطقة ذات خصوصية تتشابه مع  بعض بلدان العالم العربي، وهذا طبيعي لأن المسرح عامة جزء من المجتمع وبالتالي يعكس بيئة المجتمعات العربية المختلفة. 

التجريب في لبنان
عبيدو باشا ناقد ومؤلف مسرحي لدية العديد من المؤلفات أعرب عن استيائه  من تغافل البعض ذكر لبنان واستبدالهم بها بلاد الشام، مؤكدا أن لبنان دولة حرة مستقلة ويعني اسمها  بناء البيوت  وأن الشعب اللبناني دفع أثمانا باهظة حتى تحافظ على حريتها وكرامتها واستقلالها.
 أما عن المسرح التجريبي بلبنان فتحدث عن المراحل البارزة في بلده قائلا:  هناك ثلاثة مراحل مرتبطة بظروف اقتصادية سياسية واجتماعية، ضمنها مرحلة فؤاد شهاب رئيس الجمهورية الأسبق وهو چينرال بالجيش اخذ بعض القرارات المرتبطة بمؤسسات الدولة في ذلك الوقت ضمنها تضمين الثقافة في المؤسسات الرسمية ومن دهائه الفني اتخذ قرارا بأن تفتتح البرامج في التليفزيون والإذاعة بأغاني فيروز،  مروراً بمرحله الحرب الأهلية وصولاً إلي الواقع المر الذي يؤكد أن التجريب أصبح ككرة أرضية يحملها تمثال منحوت في حديقة عامة،  وجميعنا نعلم ما هذا التمثال فهو أطلس  والمسرح هنا هو أطلس العالم يحمل تجريبا، ينحني بدون أن يرفع كتفيه، هذا شبه ما يحدث بعد أن وقع الصلح بين التجريب والمجرب وهما لا يعلمان بعد أنهما في سجن تجريب، السجن هو الموضع الذي يراوح المسرحيون في الموضوع و يقدسونه بفخر، يعلقون عليه تعويلهم بدون أن ينتبهوا إلى أن التجريب ثنائي وثلاثي ومئوي  الولادة،  لا يأتي إلا بعد معاناة شديدة وبعد توفر الظروف وليس نحن من نأخذ قرارا يحتاج أن تتوفر له الظروف. فالتجريب يشبه أن يكون عملات قديمة لا تصلح إلا أن توضع بالمتاحف و يقوم التجريب بشكل أساسي على الغريزة ولا تقولوا لي بأن الغريزة هي للحيوان، هذا غير صحيح فالغريزة لدى الإنسان قضية يجب العمل عليها ويجب بلورتها لأنها قاعدة استثنائية في سلوكه، مسالك مختلفة، فجوهر الأمر هو دخول الغريزة في الأشياء بعيدا عن الأقنعة.  أضاف: التجريب حركة تطلع مباشرة إلي الأمام،  مضاد للانتظام.  وأكثر شيء ضد التجريب هو أن يتحول إلى مؤسسة، وهذا ما حدث بالفعل فجعل الإنسان يعمل وكأنه اله 

في الأردن
د. عمر نقرش أستاذ بكلية التصميم والفنون بالجامعة الأردنية تحدث عن المسرح التجريبي بالمملكة الأردنية واستعرض خلال مناقشته بعض النقاط والقواعد المتعلقة بهذا الأمر.  النقطة الأولى هي المتعلقة بالفن قال: الفن بالضرورة هو علم  
 مثله مثل أي مجال علمي،  يسير بطرق ومفاهيم علمية ولا يدار بشكل عشوائي ومن لديه هذه الأفكار فعليه  أن يعيد ترتيب أفكاره مره أخرى. وقال : حتي وقتنا هذا نختلف ونتفق حول مفهوم التجريب رغم أننا قطعنا شوطا زمنياً طويلاً  ولكن لم نصل لشيء حتى الآن. 
  استطرد: لدينا معيار أود ببساطة استعراضه خلال هذه الندوة  لكي نري من خلاله التجريب و كيف طبق هذا المعيار العالمي عربياً حتي نصل إلي  كيفية تطبيقه في الحلقة الأصغر في الأردن ونرى هل هي مجرد موجة أم أننا نعمل بمنطق وأسس مقنعة سليمة وننطلق من موضوع الفلسفة التجريبية أو الفكر التجريبي الذي لم يتطرق له أحد. تابع:  ظهر التجريب في عصر يسمى بعصر المنطق أو التنوير أو عصر النهضة الإنسانية. خلال هذا العصر ظهر اتجاهين وهما الفكر والتفكير الأول  نطلق عليه الاتجاه العقلي، إن العقل هو أساس ومصدر المعرفة، ثم ظهر الاتجاه التجريبي بناء علي تسلسل الأحداث.  والاتجاه التجريبي يقول إن التجربة الإنسانية الحسية هي أساس المعرفة ، وبالتالي صار التراجع للعقل أو الذهن لا يعد معيارا للحقيقة أو الوصول إلى المعرفة. هذا التيار يمثله فرانسيس بيكون الذي يقول إن العقل يعاني من أربعة أوهام وبالتالي إذا أردنا أن نصل للتجربة الحسية و الإدراكية خاصة بالفن لابد من التخلص من الأربعة أوهام هذه بما فيها بالطبع وهم المسرح، ومن هنا نقدر ننطلق  بالوهم الأول الذي يتمثل في أوهام القبيلة ويرتبط هذا الوهم بمراعاة العادات والتقاليد والأعراف حسب كل قبيلة، وبالتالي فأي مخالفة أو أي كسر لهذه المنظومة يعتبر صاحبه مطرود  من القبيلة، لأنهم يعتبروه صار خارج عن السرب، ففكرة القبيلة تبث الخوف من التمرد.
الوهم الثاني الفردانية أو الذاتية أو الانغلاق على الذات، وبالتالي يعتقد أنه معيار ذاتي، وأي شيء خارج كهفه أو ذاته يعتبر محض خيال، الوهم الثالث وهم السوق الصاعد والمقصود هنا هو رأس المال و تأثيره الكبير على الجماهير، الوهم الرابع يتمثل في أوهام المسرح وهي ببساطة أننا نتعامل مع المدونات السابقة بنوع من القدسية، وبالتالي لابد أن يدرك العقل الفرق بين النقد والنقل، ونحن نتعامل مع الموضوع بالنقل وليس العقل، وقد أشار إلي بعض النماذج في هذا الأمر ليستعرض باقي أوهام المسرح.    
 أضاف: نعلم إن التجريب موقف إنساني وحس فني  ليس حكرا على المسرح فقط ، فالتجريب داخل كل الفنون، لكن المسرح كان الأكثر مهارة واستطاع توظيف أو استخدام   التجريب سواء على المستوى الفني أو البناء الدرامي والجماليات للتجربة المسرحية، بالتالي التجريب لا يخضع لفكرة  السلطة، نابع من التفكير العقلي و النقدي سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وبالتالي أصبحت انتبه إلى أن المسرح العربي بالذات يريد أن يعلم الجمهور كل شيء عن التجريب لأنه يحتاج إلى آليات بالتفسير بالتلقي، وبالتالي كثير من الجمهور يدخل العرض ولا يستوعب ما يقدم له نتيجة عدم معرفته بالتجريب، لذلك فالتجريب في المسرح الأردني هو مجرد ملامح فقط .. لم نتوصل للتجريب الحقيقي بمفهومه ومعاييره المتعارف عليها ولكن الفرق المسرحية في الأردن كان لها دور كبير في رسم تلك الملامح، بالإضافة إلي المشاركة في المهرجانات الدولية ولكن للأسف النقد السلبي لم يمكنا من التطور 

التجريب في سوريا
  الباحثة ميسون علي استعرضت بحثها المسرحي الذي يحمل عنوان تجريب المسرح السوري من الحداثة إلى المعاصرة، وقالت إن التجريب مفهوم تكون في الغرب مع نهاية القرن التاسع عشر ارتبط  بالحداثة والتطور التقني الهائل الذي  بدأ مع دخول الكهرباء للمسرح نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين بأكمله،  ورأت أن الصفة التجريبية للمسرح غير مرتبطة بنوع أو تيار فني أو بفترة زمنية محددة لأن التجريب كان هو الدافع الأول لتطور المسرح  منذ تاريخه وولادته وحتى الآن، وبالنسبة للحداثة بالعالم العربي فهي كلمة  لها واقع خاص. وطرح إشكالية الصراع بين القديم والجديد والبحث عن الهوية  مع استقلال معظم الدول العربية عن الاستعمار الفرنسي أو الإنجليزي  بدأت الثقافة العربية تطرح سؤالا وهو ما يميز خصوصيته وهويته وهذا الشيء يشبه المسرح لذلك  فالتجريب بفترة الستينات  شكل هما من الدرجة الأولى وطرح تشريعات تزامناً مع فكرة استلهام التراث وإحيائه لتأصيل المسرح و بعد فترة  التابعية الطويلة ومنها فترة الاحتلال العثماني قبل الاستعمار الفرنسي والإنجليزي إلى آخره.
أضافت ميسون إن الأدباء والشعراء والفنانين رأوا أن الالتحاق بالمعاصرة والحداثة بالغرب تعني حرق المراحل للوصول لنفس التطور الغربي  خلال  الاطلاع واستخدام الأشكال الفنية المعروفة بالغرب، وهذه الفترة بدأ التعرف علي بريش وتقنية التدريب كموقع فكري وأيديولوجي، لذلك طرح استلهام التراث لتأصيل المسرح كما بدأ البحث أيضا عن  صياغة تغريبية إذا صح التعبير لتأصيل صيغة تقريبية ك الحكواتي مثلا آو السامر بمصر لإحياء التراث، كما بدأ البحث عن تعميق دور المسرح في المجتمع وارتباط هذا المسرح بالشعب. أوضحت ميسون إنه في فتره الستينات والسبعينات بدأنا نشعر بأن هناك تأسيس بما يسمى بالتجريب والبحث عن الهوية، كما تزامنت هذه الفترة مع عودة المخرجين والمؤلفين الذين درسوا في أوروبا الشرقية وتعرفوا علي مناهج مسرحية وبدأوا يقدموا في المسرح القومي بسوريا أعمالهم وكسروا التقليدية التي عرضت علي ذات المسرح من قبل، واعتمدت علي تقديم نصوص مترجمة ومن هؤلاء المخرجين شريف شاكر، نائل الاكرش، وغيرهما. 
وأشارت إلى أنه بعد هذه الفترة بدأت بالفعل روح المعاصرة تسود بعض التجارب التي تقدم، وبدأ البحث عن علاقة مختلفة مع الجمهور وإعادة النظر بموقع الممثل بالعملية المسرحية وأدائه المتميز وانفتاح المسرح عن باقي الفنون، كل ذلك  ساهم في التطور وإثراء فكرة التجريب. وأكدت إن مديريات المسارح والموسيقى كانت دافعا قويا في  تأسيس المسرح التجريبي الذي تأسس عام 1976 بقرار من وزارة الثقافة في ذاك الوقت و تم تعيين الكاتب  سعد الله ونوس مديرا ومشرفا على نشاط المسرح والمخرج فواز الساجر مخرجا في المسرح و اعتماد خاص على مسرح القباني بدمشق وكانت تجربه كبيرة ومهمة، هذا المسرح قدم من العروض المسرحية «يوميات مجنون»، «رحلة حنظلة»، والعرض الثالث كان عن ثلاث حكايات وهم «ضربة شمس ، وحكاية صديقنا، والرجل الذي صار كلبا» ،وغيرها وكانت هذه الأعمال دافعا كبيرا لتقديم فكر تقدمي. 
  اختتمت ميسون بذكر مطالبات سعد الله ونوس باستقلال المسرح التجريبي عن مديرية المسارح والموسيقى الذي لم يتم الموافقة عليها ، بالإضافة إلي وفاه فواز الساجر 1988 واستمرار تجربة التجريبي ذاتها من خلال مديرية المسارح والموسيقى كما استعرضت دور التجريب بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

المسرح التجريبي في العراق
قدم رياض موسي سكران قال غن ورقته البحثية بعنوان «حفريات التجريب في العراق» وان البحث لا يدعي اكتمال تغطيته للمشهد التجريبي في العراق،  لذلك توقف في حديثه أمام بعض المحطات المضيئة والعلامات الفارقة من خلال تجارب محددة ومعينة لرؤى ومقترحات وفرضيات إخراجية لمخرجين رسموا تضاريس خارطة التجريب في  المسرح العراقي، حيث شهد العراق الذي كان مختبرا حقيقيا  لمجمل أشكال الثقافة والفنون على مستوى الشعر والقصة والرواية والتشكيل حراكا متصاعدا وكان المسرح جزءا من هذا الحراك وكان المخرج المسرحي في تلك الحالة الصراعية يبحث عن مكان أو يبحث عن حالة سيطرة واستحواذ وبقاء للصراع من أجل البقاء وإيجاد مكان له في ذاكرة المتلقي العراقي التذي ازدحمت ذاكرته وازدحمت رؤيته بمشاهد ورؤى وتصورات وإنجازات وتجارب مهمة للمسرحيين العراقيين، وذكر  تجارب صلاح  القصب وغيره وعرض علي شاشات القاعة بعض الصور الخاصة بأعمالهم، وكيف استغلوا الفضاءات المغايرة لتقديم أعمالهم المسرحية. 
 يرى سكران أنها تجارب  صاخبة و أن التجريب  في المسرح العراقي لم يكن بحثا عن تراث أو حاجة جمالية وإنما كان استجابة لنداءات المستقبل واستجابة لنداءات الضرورة الواقعية التي فرضتها طبيعة الحياة الثقافية وطبيعة البناء الثقافي لكل من الفنان المسرحي والمتلقي.. موضحا أن  هذا يعني أن  هناك تصاعدا كبيرا وأن المسرح العراقي كان حريصا على أن يبحث عن وسائل وأساليب ورؤى وفرضيات ومقترحات تعيد تشكيل الخطاب المسرحي من أجل إيجاد طريقة للتواصل مع المتلقي.
استعرض سكران احد التجارب  التي رأى أنها شكلت منعطفا حاسما في مفهوم التجريب على مستوى النظرية والتطبيق في المسرح العراقي وهي تجربة مسرح الصورة  للمخرج الدكتور صلاح القصب وأكد أن تجاربه أثارت إشكالية كبيرة لأنها شكلت منعطفا كما قيل وواجهت كثير من وجهات النظر المختلفة التي كانت تدعي أنها نقدية ، واتهم بأنه يقود انشقاقا جماليا، ولهذا كانت التجربة مغرية لكثير من الشباب والمسرحيين العراقيين. أضاف:  الآن المسرح العراقي يتمثل تجربة صلاح القصب في كثير من إنجازاته واهم ما يميز تجربة القصب أنها لم تكن كثيرة التقليد في استخدام وتوظيف كامل مفردات العرض المسرحي علي مستوى المكان والزمان والمفردات وغيرها.  كما استعرض سكران بعض التجارب للمخرج عقيل مهدي التي رأى أنها تشكل علامات مهمة في حياته 
عقب علي هذه المناقشة الدكتور عبد الواحد بن ياسر قائلا:   أشفق على المعقبين  بسبب مجموعة من النقاط، موجهاً اللوم إلي إدارة المهرجان لعدم  توفير النسخة الأصلية من الأبحاث التي تناقش خلال الندوة، متمنياً أن يكون مخطئا في هذا الأمر. قال:  غن محتوى الأوراق الأصلية  غنية  وتتسم بالقوة، ليس ذلك مجاملة  لأصحابها، وأكد أن الندوة من الندوات القليلة التي يوجد بها مواد غنية وقيمة وتتسم بالعناية والاهتمام والمنهجية الشديدة والمصداقية الكبيرة . 
 


محمود عبد العزيز