قهر الذات ورؤية العالم في ليلة القتلة

قهر الذات ورؤية العالم  في ليلة القتلة

العدد 835 صدر بتاريخ 28أغسطس2023

في أمسية بديعة شاهدت أمس السبت مسرحية «ليلة القتلة» تأليف الكاتب الكوبي «خوسيه تريانا» وإعداد عن ترجمة فتحي العشري قام به مخرج العرض صبحي يوسف، وليلة القتلة من أشهر مسرحيات خوسيه تريانا إن لم تكن أشهرها، إنها إنعكاس حي لتعدد ثقافات المؤلف،فهو كوبي المولد،وأسباني النشأة،وفرنسي الثقافة،والمسرحية تعكس صورة من صور تعسف الآباء في تربية أبنائهم،ورد فعل الأبناء تجاه هذا التعسف،حيث يقوم الأبناء بقتل آبائهم في ليلة القتلة!!
رؤية عبثية للحياة من أجل خلق صورة مثالية للعالم!! تأثير التربية التعسفية على الأبناء وعقوق الأبناء للآباء لدرجة قيامهم بقتلهم!!
وهذه الفكرة لها جذور في مسرحنا العربي أسبق من خوسيه تريانا ،حيث تناولها محمد تيمور -وهو فرنسي الثقافة أيضًا- في مسرحية «العصفور في القفص»وفي مسرحية»عبدالستار أفندي» الأولى تناول قضية تربية الأبناء تربية تعسفية والثانية عقوق الأبناء لآبائهم! تريانا كتب مسرحيته 1965 ومحمد تيمور كتب مسرحيتيه 1917،1918!!
لكن الفارق الوحيد هو الفارق بين الثقافتين الغربية والشرقية حيث لا تسمح الثانية بقتل الآباء مهما فعلوا بينما يمكن أن يحدث ذلك في الأولى!!
ونعود للعرض المسرحي الذي أعده وأخرجه صبحي يوسف،وكما أشرت سابقًا أن الإعداد عن ترجمة فتحي العشري الرائعة، والأجمل هو رؤية صبحي يوسف التجريبية، والأكثر جمالًا هو إخراجه لرؤيته التي جعلتنا نتفاعل مع العرض شكلًا وموضوعًا ،ست شخصيات يرتدون زيًا موحدًا «البيجامات المقلمة» في إشارة واضحة على أن الدراما تدور في أسرة واحدة ذات خلفية اجتماعية وثقافية واحدة، أو ربما لتشير إلى أن الجاني هو الضحية والضحية هي الجاني في الوقت نفسه!! وبين التدليل المبالغ فيه والعتاب الذي يصل إلى حد التعنيف المستمر تبدو القضية المطروحة،من خلال فريق عمل رائع؛ فالممثلون: إميل شوقي واع بما يفعل تماماً أداءً وحركة ربما لأنه في الأساس مخرج مسرحي مائز له بصمة وتاريخ مسرحي مشرف، ونشوى إسماعيل رائعة أداء ورشاقة، وياسر مجاهد الموهوب الذي أدى دوره المركب بشكل رائع وإحساس متنوع جعلنا نشفق عليه من هذا المجهود الجبار على نار خمسين دقيقة مدة العرض،والأداء السلس للمياء جعفر التي أدت دورها بإتقان وتنوع بين الغيرة والغضب، أما مروج فهي ممثلة واعدة أتقنت أداء دورها من خلال تعبيرات الوجه وتنوع طبقات الصوت والإيماءات، وشيماء يسري ذات الصوت الرخيم القوي، والأداء المسرحي الرشيق المتنوع بين الكوميديا والتراجيديا فهي بحق تعد مستقبل المسرح الغنائي في مصر.
وجاء ديكور سماح نبيل مناسب تمامًا للعرض في قاعة صغيرة،وألحان محمد حمدي رؤوف التي استمتعنا بها مع صوت شيماء يسري إلا إنني شعرت بعدم اتساقها مع الشكل التجريبي الذي اختاره مخرج العرض لعرض فكرته.
إن فريق عمل «ليلة القتلة» فريق متكامل بحق خصوصًا الجندي المجهول المخرج المنفذ وليد الزرقاني الذي يجمع بين الأكاديمية والممارسة. تحية تقدير واجبة لفريق العمل والمخرج صبحي يوسف والمخرج عادل حسان الذي دائماً يقدم أعمالًا تجعل مسرح الطليعة طاقة نور متجددة في واقع ثقافي صعب وعصيب.


محمد عبد الله حسين