بــاب عــشــق.. مسرحية من التراث تجسد الصراع بين السلطة والحب

بــاب عــشــق.. مسرحية من التراث تجسد الصراع بين السلطة والحب

العدد 833 صدر بتاريخ 14أغسطس2023

«فالوجه مثل الصبح مبيض .. والشعر مثل الليل مسود» 
«ضدان لما استجمعا حسنا .. والضد يظهر حسنه الضد» 

بهذه الأبيات لخص الشاعر المجهول جمال معشوقته الأميرة الحسناء التى لم يراها إلا فى خياله فقط، فى قصيدة طويلة سميت بالقصيدة الدعدية نسبة إلى دعد تلك الأميرة الجميلة التى تبارى فى وصفها وحبها الشعراء، برواية «باب عشق» المستلهمة من التراث العربى للكاتب المتفرد إبراهيم الحسينى والتى نال عنها جائزة ساويرس الثقافية فى التأليف عام 2022، وقد وصفها الشاعر الكبير فاروق شوشة أنها من أفضل عشرين قصيدة كتبت فى الحب جمعها في كتابه المعروف بـ (أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي ) .
وقد قمت باختيار هذان البيتان تحديدا لأبدأ بهم مقالتى النقدية عن العرض المسرحى «باب عشق» لما فيهم من معانى تختزل رسالة  العرض المسرحى، فالشاعر لم يرى حبيبته ولكنه موهوب ويملك من الخيال ما يؤهله لوصفها نتيجة إحساسه المفعم بالحب، وبالتضاد أدرك الشاعر جمال حبيبته، فبالتضاد تعرف قيمة الأشياء، فلولا الشر ما عرفنا قيمة الخير، ولولا الكراهية ما عرفنا قيمة الحب، وتلك هى رسالة العرض المسرحى صراع بين كل من الشر والخير، الفن وكارهيه من خفافيش الظلام، الموهوب والموهوم، وأخيرا صراع بين السلطة بكل جبروتها وأطماعها والحب والقوى الناعمة بكل رومانسيتها وأحلامها . 
«باب عشق» مسرحية من إنتاج مسرح الطليعة تحت قيادة  الفنان عادل حسان، الذى أصبح أسمه وحده ثقة وماركة مسجلة للإبداع، لما يتمتع به من حس فنى متفرد فى اختيار وإنتاج النصوص المسرحية المتميزة والمتنوعة بما يناسب ذوق كل متلقى، وساعده فى ذاك النجاح كونه مخرج مسرحى أيضا بجانب وظيفته كمدير للمسرح، والمسرحية من إخراج المخرج المبدع حسن الوزير الذى نال شهرته فى الوسط كواحد من أشهر المخرجين الذين يقدمون عروض التراث على مر تاريخه المسرحى . 
تدور أحداث العرض المسرحى حول أميرة فائقة الجمال اسمها «دعد» من بنات أمير من أمراء نجد، وكانت شاعرة  بليغة وفيها أنفة فخطبها إلى أبيها جماعة كبيرة من كبار الأمراء، لكنها تأبى الزواج إلا برجل أشعر منها، فنظمت مسابقة بالرغم من رفض أبيها فى أول الأمر تدعوا فيها إلى الزواج من أفضل من ينظم شعرا يصف  فيه حسنها وجمالها بل ويرث الحكم بعد وفاة والدها الملك، فأستحث الشعراء قرائحهم ونظموا فيها القصائد طمعا فى حكم البلاد فلم يعجبها شئ مما نظموه، وشاع خبرها فى أنحاء جزيرة العرب وتحدثوا بها، وكان فى تهامة شاعر بليغ حدثته نفسه أن ينظم قصيدة فى سبيل تلك الشاعرة من أجل الفوز بالزواج من هذه الأميرة التى اشتهرت بجمالها فى ربوع كل الإمارات ومن أجل اقتناص الحكم أيضا، وبالفعل نظم قصيدة طويلة متفردة فى قافيتها يصف فيها جمال الأميرة من رأسها حتى أخمص قدميها، ثم فى نهاية القصيدة يصف لها نفسه وصفاته وموطنه، ومن ثم ركب ناقته قاصدا نجد حيث مقر الأميرة، فألتقى فى طريقه بشاعر قاصدا نجد لنفس السبب وقد نظم قصيدة هو أيضا فى دعد، فلما اجتمعا باح التهامى بغرضه وقرأ له قصيدته، فرأى أن قصيدة التهامى أعلى طبقة مما كتب هو، وأن التهامى حتما هو من سيفوز بالزواج منها  فأحتقر قصيدته، فوسوس له الشيطان أن يقتل صاحبه وينتحل قصيدته، فقام بقتله غدرا بالفعل وحمل القصيدة حتى أتى نجد، ونزل على ذلك الملك وأخبره بما حمله على المجيء، فدعا الملك ابنته فجلست بحيث تسمع وترى، ولكن لعنة القصيدة أصابته فكلما أنبرى فى قراءة القصيدة يسمع صوت آخر كلمات صاحبها  له « =قصيدتى ستقتلك يا غيلان ولو بعد حين، وأنا رغم موتى سأعيش أكثر مما تتصور»، وبعدها أخذ الشاعر ينشد القصيدة بصوت عالى على غير عادتهم، فأدركت دعد من لهجته انه ليس تهاميا، حيث سمعت فى أثناء إنشاده أبياتا تدل على أن ناظمها من تهامة، فعلمت بنباهتها وفراستها أن الرجل قتل صاحب القصيدة وانتحل قصيدته، فدبرت له المكيدة وطلبت منه أن يقتل هؤلاء المتآمرين على العرش التى يحيكها بكر الفحام وزير البلاد وجلال البسطامى قائد الجيوش، فيقوم الشاعر بقتلهم بالفعل وهنا تتأكد الأميرة انه قاتل زوجها ومنتحل قصيدته، فالشعراء لا يعرفون طريق الدم ومن ثم تأمر بالقصاص منه وقتله وهى تقول «أقتلوه، فهو من قتل زوجى»، ومن ثم تعلن نفسها الملكة وتأمر بإعلان الحداد فى البلاد أربعين يوما على وفاة أبيها حيث أخفت خبر وفاته لفترة حتى تكشف الشاعر وتتخلص من الخونة والمتآمرين على العرش .
كان للكاتب إبراهيم الحسينى هنا لافتة ذكية بالتعاون مع المخرج حسن الوزير حينما عمدا سويا إلى التغيير من مهنة غيلان كشاعر، كما جاءت بالتراث إلى مهنة أحد رعاة الأغنام بالبادية كما جاء بالعرض المسرحى.
والهدف المرجو من هذا الإعداد هو تعمد صناع العمل فى عدم إظهار «الشعراء» الذين يمثلون الفن الراقى والقوى الناعمة إلا فى صورة مثالية من باب إظهار جميل الأشياء بتضادها، فالشاعر على عكس راعى الأغنام تماما، فالأول مرهف الحس بليغ الكلمات بينما الثانى حاد الطباع وجاف المشاعر بحكم بيئته التى يعمل بها وطبيعة مهنته القائمة على المشقة، وهذا هو ما سوف تستند إليه الأميرة الحسناء من دليل إثبات فيما بعد على كذب غيلان وانتحاله لقصيدة لم يكتبها وقتله لزوجها الشاعر بعد أن يلبى رغبتها بقتل كل من تآمر على الحكم، كما ذكر الكاتب فى نصه المسرحى  ومن المعروف أن الشعراء يكرهون لغة الدم، كما لم يكتفى الكاتب هنا بإظهار غيلان فى صورة راعى الأغنام ذو الطابع الوحشى، بل جعله يهوى تجسيد تماثيل مشوهة غير مكتملة الرأس كناية على وحشيته وما ينتابه داخليا من نقص وأمراض نفسية  يغلفها الحقد والحسد على الآخرين . 
والتراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلفته  الأجيال السابقة للأجيال الحالية، والتراث الشعبي هو عادات الناس وتقاليدهم وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر تتناقلها الأجيال . ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية مثل : الأشعار، والقصائد المتغنى بها، وقصص البطولة، والأساطير، ويتضمن كذلك: الفنون، والحرف، وأنواع الرقص، والأغاني وحكايات الأطفال، والأمثال السائرة .
ومعظم قصص التراث هى ضرب من الأساطير حاكها الخيال حول أولئك الأبطال مثل قصة أبو زيد الهلالى وغيرها، إلا أن فروعها تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة وذلك بفعل التراكم الثقافي والحضاري وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات الأخرى، ويتمتع البدو بتراث شعبي واسع وخاص، تكون نتيجة ظروف حياتهم الخاصة حياة أهل البادية. أو هى قصص لأشخاص حقيقية  بالفعل ولكنها كانت مجرد موقف أو فكرة أو حدث مغاير لأصل القصة المتداولة أساسا ولكن نالها التطوير والتحريف والخيال كثيرا على مر الزمان حتى أخذت الطابع البطولى الذى يتوق إليه المجتمع فى النهاية مثل قصة ياسين وبهية التى تعد من التراث المصرى ومثل قصة الأميرة دعد والقصيدة اليتيمة محور النقد هنا والتى تعد من التراث العربى  على سبيل المثال لا الحصر، ويستخدم البدو فنون البلاغة في شعرهم لاسيما التشبيه والاستعارات والكنايات، ويلخص الشعر تجارب الحياة  لديهم،  وبما أن الشعر يعتمد على الحفظ الشفاهي؛ كان لابد من نظمه على إيقاع شعر منظوم، أو شعر بدوي، أو زجل إبداعي عند سكان الجبال، يطورون ألفاظه مع المحافظة على الإيقاع، وقد يترافق مع آلات موسيقية، ويغنى ليروي ما يقع بين القبائل بين حروب وخصومات تدعو إلى الفخر . ويستخدم أيضاً في المدح، الهجاء، الرثاء، والتعبير عن انفعالات اللذة، الألم، الحب، وغيرها .
والتجديد هنا هو إعادة تفسير التراث طبقا لحاجات العصر؛ فالقديم يسبق الجديد، والأصالة أساس المعاصرة، والوسيلة تؤدي إلى الغاية، التراث هو الوسيلة، والتجديد هو الغاية، وهي المساهمة في تطوير الواقع وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته، وفتح مغاليقه التي تمنع أي محاولة لتطويره، والتراث ليس قيمة في ذاته إلا بقدر ما يعطي من نظرية علمية في تفسير الواقع والعمل على تطويره .
لذا نخلص فى النهاية من كل ما سبق إلى معضلة هامة إلا وهى أن التراث الثقافي يعد جزءا مهماً من الذاكرة الشعبية والوطنية والإنسانية، ينبغي للمعنيين به من صناع  الفن من المخرجين والمنتجين والمؤلفين الاهتمام به وتوثيقه فنيا وحمايته من الضياع، لاسيما أنه تراث روحي أو معنوي وليس مادى يؤدي إهماله أو التهاون في حفظه إلى جعله فى طى النسيان، وقد يجيء زمن لا يذكر عنه شيئا . ومن المعروف أن التراث هو كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة؛ فهو إذن قضية موروث وفي نفس الوقت قضية حاضر يعبر عنه من خلال ما يبثه من قيم وبطولات ومعانى، لذا ما قام به كلا من إبراهيم الحسينى كمؤلف وحسن الوزير كمخرج وعادل حسان كمنتج هو عمل بطولى توثيقى تاريخى لا يقل قيمة أو أهمية عن قيمة ما تم تناوله من تراث فى عملهم المسرحى، حيث انهم يقومون هنا بعملية إعادة إحياء لتراثنا العربي وحفظه مرئيا، مما ينبغى معه أن تكون تجربتهم تلك بمسرح الطليعة منهج ثابت ودوري لحفظ التراث بكل مسارح الدولة . 
يحسن الوزير دوما اختيار أبطال عرضه المسرحى بما يتناسب مع المقومات الشكلية والروحية للشخصية المسرحية، لذا بمجرد مشاهدتك للعرض المسرحى ستشعر بأن كل فنان قد تم تسكينه فى الدور الذى يتلاءم مع نبرة صوته وطريقة أدائه التمثيلى مع مراعاة أن يتناسب أيضا تكوينه الجسمى والعضلى وكذا مرونته الحركية مع الدور أو الشخصية  التى يلعبها، لذا تألق جميع الممثلين بالعرض المسرحى بلا استثناء فى أدوارهم الموكلة اليهم وأتسم أداء البعض منهم بخفة الظل، بداية من ماهر محمود فى دور الشاعر دوقلة، هالة ياسر فى دور دعد، محمد أمين فى دور غيلان، فكرى سليم فى دور الملك، محمد صلاح  فى دور بكر وزير البلاد، محمد جاد فى دور القائد جلال، مى زويد فى دور الراقصة شهد، دنيا عونى فى دور مأمونة، شيماء يسرى فى دور سلمى المغنية، عمرو على فى دور المنادى، إسلام البشبيشى فى دور هارون، أحمد حسن فى دور طاهر، محمد دياب ومحمود جمال فى دور خطيب 1 و2، نهاية إلى خالد العيسوى فى دور راشد السياف، وان كان الأخير أتسم أدائه بنوع من المبالغة قليلا كان عليه أن يحد منها، قياسا بصفات الشخصية التى يلعبها والتى تتصف بالمكر والدهاء وإن كان هذا لا يمنع من إتقانه للشخصية بشكل عام . 
تصميم الديكور لفادى فوكيه أعتمد على بعض الموتيفات المتحركة التى تؤدى أكثر من غرض بالعرض المسرحى، فتارة نجدها تعبر عن قصر الملك، وتارة  نجدها تعبر عن الحانة وتارة أخرى نجدها تعبر عن سوق المدينة، وهى موتيفات بيضاء اللون ذات رموز شاعرية ومبهمة تعبر عن الطابع الرومانسى للعرض المسرحى، كما لجأ إليها فوكيه استعاضة عن الديكورات الضخمة التى يحتاجها العرض بلوحاته المتعددة حيث سهولة تحريكها وتغيير تشكيلاتها من لوحة لأخرى، كما إنها عبرت فى ذات الوقت عن الغموض الذى يحيط بالراوية من كل النواحى بدءا من القصيدة اليتيمة والتى سميت بذاك الاسم نتيجة تفردها فى قافيتها بما يستحيل مقارنتها بأية قصيدة أخرى كمثيلاتها فى الشعر الجاهلى، وقيل أيضا فى سبب التسمية لإنها قصيدة لا يعرف لها صاحب، نهاية إلى الأميرة الحسناء والشاعر المجهول اللذان لم يرى كلاهما الآخر بالرغم من حالة الحب الروحانية التى جمعت بينهما، فالغرابة هى عنوان ذاك النص المسرحى، وبالتالى كان لابد معه أن يكون الديكور المعبر عنه يتسم بالغرابة أيضا، إلى جانب ذلك استعان فوكيه أيضا ببعض الخلفيات الكلاسيكية المتغيرة من القماش المرسوم والذى بالرغم من بساطته إلى انه أدى الغرض المطلوب منه بحرفية عالية، فوجدنا إحدى خلفياته  تعبر عن المدينة بكل ما فيها من بيوت بالطراز العربي القديم، كما وجدنا خلفية أخرى تعبر عن البادية ليلا حيث القمر وسهرات السمر، لذا نجح فوكيه بعبقرية وبخامات متواضعة أن يجعل المتلقى يشعر بالمصداقية لكل ما تراه عينه من لوحات تعبر عن الطراز العربى القديم بكل ما يتصف به من فخامة وثراء بالرغم من بساطة الفكرة . 
الأزياء  لمها عبد الرحمن جاءت ملائمة لطبيعة العرض المسرحى كنوع من أنواع التراث العربى، فوجدنا كل ملابس الشخصيات المسرحية أخذت الطابع الكلاسيكى العربى القديم ومطابقة تماما لزمن الرواية، كما نجحت مصممة الأزياء إلى حد كبير فى أن تجعل المتلقى يستطيع أن يميز بسهولة ما بين طبقة عامة الشعب وطبقة البلاط والديوان الملكى، من خلال ملابس كل منهم المختلفة عن الأخرى جملة وتفصيلا، فوجدنا هنا السواد الأعظم من الشعب يتشابهون فى ملابسهم الشعبية مع بعضهم البعض على اختلاف درجاتها، باستثناء ملابس سلمى المغنية والراقصة شهد والتى جاءت مطرزة ويكسوها اللمعان حيث طبيعة مهنتهم التى تعتمد على السمر والسهر مما يستوجب معها أن تكون ملابسهم ملفتة للآخرين، بينما جاءت ملابس كلا من الملك والأميرة الحسناء مصحوبة بألوان ملكية هادئة وناصعة وذات خامات تدل على الثراء مثل الأبيض والأزرق بالنسبة للأميرة، والعباءة  المطرزة والتاج الملكى المطعم بالألماظ  بالنسبة  للملك، بينما الديوان الملكى كان التاج هو الإكسسوار المميز للوزراء بينما ملابس راشد السياف جاءت أشبه بملابس الحروب والجيوش .
كانت الأشعار لدرويش الأسيوطى هى أكثر العناصر أسهاما فى نجاح العرض المسرحى، حيث أن النص فكرته قائمة على التنافس الشعرى من أجل نيل قلب الأميرة، فجاءت معظم أغانى العرض معبرة عن الحالة المسرحية باستثناء بعض الأغانى على لسان سلمى المغنية التى جاءت بعيدة عن هدف ورسالة العرض إلا أنها كانت مطلوبة دراميا لكونها مطربة فى حانة  تتغنى بأشعار الأميرة دعد للعامة تعبيرا عن إعجابهم بموهبتها المتفردة، كما جاءت كلمات الأشعار للأسيوطى هنا متفقة لغويا والطابع التراثى لزمن الراوية قلبا وقالبا .
عبرت الموسيقى والألحان لمحمد حسنى بإتقان بديع عن شاعرية النص المسرحى وكلماته الكلاسيكية وقافيته العالية مع الصوت الطربى الواعد لكلا من ماهر محمود وشيماء يسرى، مما اسهم فى سهولة دخولها إلى قلب المتلقى بالرغم من صعوبة كلماتها، كما أسهمت استعراضات محمد بحيرى فى إضفاء جو من البهجة والمتعة البصرية لجمهور المتلقى مع فقرات الرقص للراقصة شهد التى قامت بتأديتها مى زويد بإتقان ومهارة فائقة .
كما كان لمكياج وفاء مدبولى دورا كبيرا فى إضفاء عنصر المصداقية على الشخصيات المسرحية، مثلما كان أيضا للدعاية المسرحية لأحمد مجدى دورا بارزا فى الإقبال الجماهيرى على العرض المسرحى نتيجة توفيقه فى التعبير للمتلقى من خلال البوستر المسرحى عن خصوصية العرض المسرحى وما يحتويه من تراث، فجاء البوستر أيضا متقنا ويحمل نفس بساطة العرض فى كل عناصره  وبأقل الرموز فيه، مثل بوابة القصر التى تتصف معماريا بالطابع العربى فى إشارة إلى قصر الأميرة دعد حيث تدور الأحداث يحاوطها من الخارج بعض النخيل مختلف الأطوال حيث طبيعة البادية هناك، بينما يبرز فى وسطهم نخلة شامخة  تعبر عن العشق الحقيقى الخالى من الزيف والمطامع والمؤامرات والمتمثل فى الشاعر دوقلة، بينما يكسو منظر الغروب المكان بمجمله مصاحبا لرحيل الطيور من تلك النخلة الباسقة تحديدا تعبيرا عن ذاك الحب الضائع الذى يخلد فى قلب الأحبة وان لم يكتب له النهاية السعيدة بفعل قوى الشر الموجودة دوما فى كل قصص التراث المختلفة .
الرؤية الإخراجية لحسن الوزير لخصها فى كلمته الموجزة عن عرضه المسرحى «باب عشق» حيث وصفها بأنها مجرد تجربة مسرحية أراد من خلالها أن ينتصر للحياة التى يجب أن نعيشها ضد كل أنواع الصراعات وعلى رأسها الصراع  على السلطة والنفوذ بأن نفتح باب للعشق فى كل جوانب حياتنا يكسوه الحب والنقاء والإخلاص خالى من الزيف والمطامع والمؤامرات والشرور والحسد وكل الصفات المذمومة، ليخرج المتلقى من العرض المسرحى فى حالة تطهير وهو يحمل قلب عاشق محب  للحياة  والخير والجمال .
أحسن الوزير تناوله للتراث كعادته دوما من خلال تقديمه لعرض مسرحى منضبط من كافة عناصره، بدءا من الإضاءة المعبرة عن كلاسيكية العرض بألوانها الناعمة نهاية إلى الإيقاع السريع المحكم والحركة المسرحية السلسة والمعبرة عن روح ذاك التراث العربي، وان كان العرض فقط ينقصه أن تكون النهاية أقوى من تلك النهاية المفاجئة التى أختارها مخرج العرض، والتى كنت أفضل أن يكون ختامه باستعراض غنائى قوى يعبر من خلاله عن رسالة العرض فى المجمل ويبرز أيضا الطابع الكلاسيكى الشعرى للنص كنوع من التراث . 
لم تكن جائزة ساويرس الثقافية عن مسرحية «باب عشق» عام 2022 هى الجائزة الوحيدة التى تحصل عليها الكاتب المبدع والناقد المسرحى والسيناريست إبراهيم الحسينى، فقد سبق وأن نال العديد من الجوائز طوال مسيرته فى الكتابة النقدية والمسرحية من مصر واغلب الدول العربية نستطيع أن نسرد بعضها على سبيل المثال لا الحصر : 
جائزة أفضل مؤلف مسرحى من المهرجان القومى للمسرح المصرى عام 2021 - جائزة فارس الإبداع العربى من دار نشر النيل والفرات / مصر وجريدة صدى المستقبل / ليبيا عن مسرحية العطش عام 2020 – جائزة  د.سعاد الصباح / الكويت عن دراسة نقدية طويلة بعنوان» فعل التسييس فى مسرح سعد الله ونوس « عام 2000 – جائزة المجلس الأعلى للثقافة ثلاث سنوات متتالية ( 2000 – 2002 )عن مسرحيات (وشم العصافير، عازف الناى، أيام إخناتون) - جائزة كاتب العام من جامعة هارفارد الأمريكية عن مسرحية «كوميديا الأحزان» المترجمة comedy of sorrows  وتم عرضها من إخراج د.ريبيكا ماغوربالإنجليزية فى افتتاح مؤتمر women making democracy  بجامعة هارفارد عام 2012 .
من هنا ندرك أننا أمام كاتب وأديب مسرحى من الطراز الفريد يمتلك من أدواته ما يؤهله إلى تمثيل مصر عالميا وربما يأتى يوما لنراه فيه وقد حصل على جائزة نوبل فى الأدب ليكون ثانى الحاصلين عليها بعد الأديب الكبير نجيب محفوظ، حيث أن معظم كتاباته تغوص فى المحلية والخصوصية المصرية والعربية وتلك هى سمات العالمية، مثلما نجد فى راويته «باب عشق» موضوع النقد حيث يستحضر من خلالها التراث العربى الأصيل بكل عاداته وتقاليده وتاريخه  من خلال  قصة «القصيدة اليتيمة»، ولكن برؤية معاصرة يبرز من خلالها أثر القوى الناعمة وما تمثله من توترات ومخاوف وعدم توافق وصراعات مع كل طامعى السلطة على مر العصور، وكلنا نعلم أن القوى الناعمة المصرية كانت أول من أطلق شرارة ثورة 30 يونيو العظيمة ضد أهل الشر وأصحاب النفوذ من خفافيش الظلام وخاطفى السلطة . 


أشرف فؤاد