في مئوية ميلاده مسرح نجيب محفوظ بين الحضور والغياب بقصور الثقافة

في مئوية ميلاده مسرح نجيب محفوظ بين الحضور والغياب بقصور الثقافة

العدد 802 صدر بتاريخ 9يناير2023

ضمن أنشطة  الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان هشام عطوة، أقيمت ندوة حول “مسرح نجيب محفوظ “، احتفالا بذكرى ميلاده، بمكتبة الدقي،  الأربعاء 28 ديسمبر،  وتحدث بالندوة النقاد المسرحين أحمد خميس، و أحمد عبد الرازق أبو العلا، والدكتور محمد زعيمة، وأدار الندوة الشاعر والناقد أحمد زيدان.
واستهل زيدان الندوة قائلا: عُرف نجيب محفوظ بالروائي وكاتب القصص، ولكنه لم يُعرف بأنه كتب المسرح، وأوضح: من خلال قراءاتي للدراسات والنصوص في مسرح نجيب محفوظ وجدت أن الحوار يمثل مساحة كبيرة في مسرحه كما في « التركة، ويميت ويحيي»،  بالإضافة إلى فكرة الزمن كما في «المطاردة»، والحوار الأخلاقي كما في  «الشيطان يعظ»، وذكر زيدان عددا من النقاد والكتاب الذين كتبوا دراسات حول مسرح نجيب محفوظ منهم « جرجس شكري ودكتور حسن عطية ودكتور محمود كحيله ودكتور علي خليفة والناقد عبد الغني داود».. وغيرهم، وقال إن  النصوص التي تمت حول مسرح نجيب محفوظ قليلة ولم يطلع عليها الكثير. ونادى زيدان من خلال الندوة بإعادة طبع تلك الدراسات غير المتوفرة بغض النظر عن اختلاف البعض حول مسرح نجيب محفوظ .
خميس : نصوص نجيب محفوظ  مهمة و تعكس أفكاراً جادة
فيما أشار الناقد المسرحي أحمد خميس إلى  أن هناك خلافا كبيرا حول أهمية مسرح نجيب محفوظ،وأوضح أن نجيب محفوظ نفسه يقول:  “أنا لا اعترف بنفسي ككاتب مسرحي»، وهي عبارة محيرة وغير حقيقية، مثلما قال توفيق الحكيم: “ إن مسرحي لا يقدم للعرض المسرحي، وإنما يقدم للمناقشة «  وقال: نجيب محفوظ لديه مجموعة من النصوص المسرحية، وهي نصوص مهمة تعكس أفكاراً جادة، ومن موضوعاتها يتبين لنا أن الرجل مهموم بمشاكل الوطن، ولم يبدأ للكتابة في المسرح إلا بعد هزيمة 67، ومن ضمن تصريحاته أنه قال : « لم أفكر من قبل أن أكتب للمسرح، ولأن الرواية تتطلب وقتا طويلا،  رأيت أن المسرح أجدى وأهم  في ذلك التوقيت بعد هزيمة 67 « ومن هنا كتب مسرحياته، وقدم طريقه لتداول الحوار والأفكار حيث تطرح كل شخصية شخصيتها، فيتضح الاختلاف بين الشخصيات في مسرحه،  أضاف خميس:   بدأ محفوظ مسرحياته  بمسرحية (يميت ويحيى) وفيها ناقش ما حدث في 67 على طريقة شخص حيران ولديه تاريخ من الأجداد الذين توفوا منذ وقت طويل ويعيشون في خياله ومؤثرين في حياته .                                    
 تابع خميس: في مسرحيات نجيب محفوظ لا نجد شخصيات بأسمائها،  وإنما بصفاتها ( الرجل – المرأة -  الفتاة – العملاق ).. وهكذا،  و قدم قراءة لمسرحية ( يميت ويحيي) مشيرا إلى أن  بطلها شخص مهزوم، وقال إن النص يبدو بسيطا ولكنه - في الواقع -  ليس بسيطا بالمرة، ولكنه ينحاز للإنسان المصري ويدافع عنه  لحظه الهزيمة،  حتى يعود مرة أخرى لينتصر .   
  بعدها قدم خميس قراءة لنص  (مشروع للمناقشة )  الذي تناول  فيه – محفوظ -  مسرحية مزمع تقديمها من قبل مجموعة من الفنانين ( ممثلون – مخرج – ناقد - مؤلف ) يدور بينهم حوار، يركز فيه ( محفوظ ) على فكرة السلطات المختلفة المسئولة عن تقديم العرض المستقبلي وشخصيات المسرحية.
زعيمة : مسرح نجيب محفوظ غير منتشر
وفي كلمته أشار الناقد الدكتور « محمد زعيمة» إلى أن نجيب محفوظ صنع اسما كبيرا في عالم الرواية، كما صنع اسما كبيرا لمصر بحصوله على جائزة نوبل في الرواية، ومع ذلك  لم يُقدم لنجيب محفوظ غير نص “النجاة “ في قاعة يوسف إدريس، قدمه جلال توفيق، بطولة ياسر جلال . وتساءل زعيمة: لماذا مسرح محفوظ غير منتشر ؟
أضاف : محفوظ قدمت عن رواياته بعض المسرحيات، ففي الستينيات تصدت « أمينة الصاوي « لإعداد بعض أعماله مسرحيا، وكان الإعداد لا علاقه له بالمسرح، حتى أن  الدكتور محمد مندور تساءل في أحد كتبه: كيف يسمح أن يعرض نصا بهذا الشكل الذي ليس له علاقة بالمسرح؟
وقال إن مسرحه أقل قيمة من رواياته ومع ذلك  فهو نوع من المسرح لا يقل عن الآخرين وله مكانة أيضا.  وأرجع زعيمة توجه نجيب محفوظ إلى المسرح بعد عام 1967 إلى نفس ما حدث في الحرب العالمية حينما أصيب الأوروبيون بنوع من عدم الفهم لما يحدث، وأصبح السؤال سؤالا كونيا وموجها إلى الله، لماذا يحدث هذا ؟  ما أفرز اتجاهات الوجودية.
 وقدم زعيمة قراءة قصيرة لنصي “المطاردة والمهمة» موضحا أن نص المطاردة به فكرة الانتظار دائمة، وأن كل النصوص تقريبا بها  هاجس الانتظار وأن هناك سلطة عليا، هي التي تتحكم،وقال إن ي ما يميز نصوصه انها تفسر بطرق متعددة، وهي شبيهة بما قاله توفيق الحكيم حينما قال أنه يكتب مسرحا فكريا ذهنيا، ولكن المسرح مسرح.
 وأشار زعيمة إلى أن طريقة محفوظ في نصوصه جعلت الحوارات ليست درامية وإنما هي حوارات فكرية، فيها من الفلسفة ما يجعلنا نتذكر حوارات افلاطون،  فهو يبني على تساؤلات وفي النهاية يضع المتلقي أمام إجابة، وهو ما يجعل الحركة الدرامية ضعيفة، والفعل الدرامي ليس به التشويق المطلوب، وقال  إن لعبة الزمن هي اللعبة المستمرة طوال نص “المطاردة” وكأنها رحلة الحياة، والناس في انتظار معرفة من الذي يطاردهم “الزمن، السلطة، القوى الأعلى أو غير ذلك.
وقال إن نص “المهمة” يحمل  فكرة الانتظار نفسها، حيث ينتظر البطل قدوم الحبيبة، ودائما ما تحدث المفاجآت في النهايات، والتي ترمي إلى تساؤل بسيط وهو: ما الجدوى من الحياة؟ .
اوضح زعيمة  أن “ المطاردة والمهمة» نموذجين يوضحان الفكرة،  ويجيبان عن :لماذا بدأ محفوظ الكتابة المسرحية في 1967، وقد حول المسرحيات لبديل عن الروايات والسينما، حيث كان يعتقد  أن المسرح أسهل، وقد يتم باقل الإمكانيات، وهو دافعه من وراء كتابة مسرحيات بسيطة يمكن أن  تقدم في أماكن صغيرة أو مغلقة، ولكن يغلب عليها طابع التشاؤم و التساؤل، مع النهايات المؤلمة التي تجتمع عند فكرة: ما الجدوى من الحياة ؟، وهو ما يظهر في فترات الأزمات .
عبد الرازق أبو العلا : نجيب محفوظ والمسرح.. وليس مسرح نجيب محفوظ
فيما قال الكاتب والناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا: سأتحدث عن ( نجيب محفوظ ) والمسرح، وليس مسرح نجيب محفوظ، لأن هناك فرقا بين العبارتين، مشيرا إلى أنه اختار ذلك للوقوف على السياق الذي عمل فيه محفوظ كروائي صاحب مشروع حقيقي وعالمي، وكان من بينه رغبة الكتابة  في المسرح فقدم بعض النصوص القليلة التي أعتبرها النقاد مسرحا .
قال عبد الرازق إنه يضع لهذه الندوة عنوانا هو عبارة قالها نجيب محفوظ  في حوار مع الكاتب ( رجاء النقاش ) مفادها ( المسرحيات لا يمكن أن تخرج من الغرف المغلقة)  بمعنى أن الكاتب المسرحي لابد أن يكون متصلا بالحياة المسرحية وكواليس المسرح اتصالا مباشرا، وهذا لم يتحقق له، لانشغاله بالكتابة الروائية، أكثر من أي شيء آخر. واصل:  استدعائي لتلك المقولة، ليس لأني سأتأثر بها حين أناقش مسرحياته، ولكن مجرد استرشاد بها فقط، لنعرف كيف كان نجيب محفوظ ينظر إلى المسرح، وكيف كان يري تجربته المحدودة معه ووعيه بطبيعة الكتابة المسرحية، وإيمانه بأن ما يكتبه هو أقرب للحواريات منه للمسرح، وهو ما دفعه إلي وضع النصوص التسعة التي كتبها داخل مجموعات قصصية، فلم تنشر في كتاب بوصفها نصوصا مسرحية إلا بعد رحيله، والمجموعات التي ضمتها تلك النصوص هي : تحت المظلة 1969- الشيطان يعظ 1979- الجريمة 1973 – خمارة القط ألأسود 1969 ) .
 أضاف أبو العلا : مسرحيات محفوظ الخمس الأولي ( يحيي ويميت – التركة – النجاة – مشروع للمناقشة – المهمة ) جاءت في إطار تأثره بهزيمة 1967، فأراد التعبير عنها قصصيا ومسرحيا، ولذلك نجد تأثير الاتجاه العبثي الذي ظهر في المسرح العالمي، على تلك الكتابات التي ضمها في مجموعة تحت المظلة، وهي نفسها تقدم قصصا تعكس ذلك العبث الناتج من إحساسه العارم بالهزيمة، والبحث عن إجابة السؤال ماذا حدث؟    ورؤيته الفلسفية للعالم الذي يعيش فيه، التي انعكست على تلك الحواريات المسرحية، كما انعكست تماما على رواياته،   ولكنه حين أصدر مجموعته ( الشيطان يعظ ) عام 1979 وضع فيها نصين هما « الجبل والشيطان يعظ «، وجعل عنوانها عنوانا للكتاب، وكتب داخله بأن نص ( الشيطان يعظ ) هو مسرحية من ذات الفصل الواحد، وذلك التحديد لم  يذكره في نصوصه الأخرى، ورأى عبد الرازق أنه كان محقا في ذلك لأن هذا النص تحققت فيه شروط كثيرة من شروط الكتابة الدرامية .                    
أضاف : إن وعي نجيب محفوظ بطبيعة الكتابة للمسرح، وشروط تحقق الدرامية، نراه واضحا حين جعل المؤلف في مسرحية ( مشروع للمناقشة ) يعبر عنه، ويطرح رؤيته . ومن النص نفهم أنه يعلم أن المسرحية عبارة عن بناء، وأن المؤلف يكتب والمخرج يفسر، ويؤكد على أهمية ألا يتدخل أطراف العمل في عمل المؤلف عند التنفيذ، وأن المسرحية تقوم على صراع، وأنه عمل جماعي، كل هذا ذكره على لسان بطل مسرحية ( موضوع للمناقشة ) .
وقال عبد الرازق : في عام 1969 قدم مسرح الجيب ثلاث  مسرحيات لنجيب محفوظ  بإعداد : مصطفى بهجت مصطفى، ومن إخراج أحمد عبد الحليم، وهي نصوص ( النجاة – التركة – يحيي ويميت ) إلا إننا لم نجد اهتماما نقديا بتلك التجربة، بما يعني أن أعماله في تلك الفترة لم تكن مؤثرة، كما أثرت رواياته، خاصة وأن الواقع المصري في الستينيات كان مزدحما بالكتاب الكبار في مجال الكتابة المسرحية، ولن تستطيع كتاباته المسرحية المنافسة في ظل وجودهم ؛ لأنها أعمال تحتفي بالحوار أكثر من احتفائها بعناصر المسرح المتعارف عليها، وهذا لا يعيبه، لأنه كاتب روائي من الطراز العالمي، وليس من الضروري أن ينجح ككاتب مسرحي .
وأكد أبو العلا أن نجيب محفوظ يحب المسرح حبا كبيرا  بدليل أن روايته ( أفراح القبة ) تتضمن نصا مسرحيا كاملا في داخل السرد الروائي، بما يعرف بالمسرواية، تلك التي كتبها توفيق الحكيم في عمله ( بنك القلق ) وفيها أيضا تقنية المسرح داخل المسرح، تلك التي قدمها لويجي بيراندللو في بعض نصوصه وأبطال الرواية هم أنفسهم أبطال المسرحية ( أفراح القبة ) ومن خلالها نتعرف على مأساتهم وأبعادهم، وعلاقاتهم، وصراعاتهم الداخلية والخارجية.
تابع : المفارقة أنه تم إعداد تسعة أعمال روائية له مسرحيا، وأخرجها كبار المخرجين ( كمال ياسين - عبد الرحيم الزرقاني - فتحي الحكيم - صلاح منصور- حسين كمال – حمدي غيث – نجيب سرور – أحمد عبد الحليم ) وقد حدث هذا في الستينيات  مع رواياته ولم يحدث مع مسرحياته، وذلك لأن رواياته بها كل عناصر المسرح : الحوار – الشخصية– الحدث – الفعل)   لكنها كتبت سردا، ولذلك كان من السهل إعدادها مسرحيا.
ففي مسرحه لا نجد حدثا متطورا، ولا درامية، بقدر انحيازه التام للحوار، ولكن الحوار وحده ليس هو المسرح .                                                                             
وأشار عبد الرازق إلى أن نجيب محفوظ حقق مفهوم التراجيديا في رواياته كما لم يحققها كتاب المسرح العربي، وتلك مفارقة ثانية، وهذا الكلام أثبته بالدليل الكاتب المسرحي ( يسري الجندي ) في كتابه ( نحو تراجيديا معاصرة ) الصادر عام 1969، ووضع نجيب محفوظ إلى جوار المسرحيين العالميين الذين حققوا مفهوم التراجيديا، وتلك نقطة مهمة جدا تكشف وعي نجيب محفوظ بطبيعة التراجيديا، التي حدد مفهومها ( أرسطو ) .                        
وأشار ابو العلا  أيضا إلى نقطة تتعلق بنص  ( الشيطان يعظ ) وتتعلق باهتمام محفوظ في تلك الفترة، بالبحث عن قالب عربي للرواية العربية، بعيدا عن القالب الغربي الذي كتب فيه معظم رواياته، وقد لجأ إلى التراث بحثا عن العناصر التي  تحقق له هذا الطموح، وهو ما حققه في رواياته ( حكايات حارتنا – ملحمة الحرافيش- ليالي ألف ليلة وليلة – رحلة أبن فطومة ) ومنها ذهب إلى تراث الحكاية الشعبية في مسرحية ( الشيطان يعظ ) ونجح بالفعل في ذلك، وقدم فكرة مهمة أساسها رفضه لألوهية الحاكم. وأوضح أبو العلا  كيف حقق نجيب محفوظ الدرامية في هذا النص.
 


سامية سيد