رؤى وأفكار.. للمبدع مصطفى سليم

رؤى وأفكار.. للمبدع مصطفى سليم

العدد 799 صدر بتاريخ 19ديسمبر2022

برحيل الشاعر والناقد والكاتب د. مصطفى سليم فقدنا عزيزا غاليا, محبا للجميع وأحبه الجميع. ذو البسمة الهادئة والقلب الطيب الجميل. عرفناه صديقا رائعا وناقدا كبيرا وشاعرا رقيقا ومؤلفا مبدعا, أثرى الحياة المسرحية بكتاباته وإبداعاته وآراءه. ومن ناحيتي كم تحاورت معه كثيرا في مختلف قضايا المسرح ومشكلاته وأحواله, وقد شارك معي بآرائه القيمة والثرية في لتحقيقات والحوارات والشهادات الفنية التي قمت بنشرها على مدار السنوات الماضية بجريدة مسرحنا وفي نشرة المهرجان القومي للمسرح المصري لعدة دورات . وهنا سنقوم بنشر بعض من أراءه وشهادته في بعض القضايا والأحوال المسرحية, التي طرحها وأدلى بها, تكريما لروحه الهادئة وتوثيقا لرؤاه القيمة بعد عزف أوتار الرحيل.
لماذا نجرب؟ وإلى أين وصلنا بعد كل هذه السنوات؟ أين هوية المسرح المصري والتأصيل له فيما يقدم من عروض يطلق عليها صفة التجريب؟ أكد د. مصطفى سليم على ضرورة البحث عن التأصيل للمسرح المصري قائلا:
 منذ أوائل الستينات توجد رغبة عند المبدع المصري لفتح آفاق جديدة, فمجموعة المبدعين الذين سافروا للخارج وتعرفوا على المسرح الطليعي الأوروبي, جاءوا بفكر جديد حدث بينه وبين الفكر السائد مزج أو ديالكتيك أنتج تجارب هامة جدا مثل تجربة ياسين وبهية التي أخرجها كرم مطاوع من تأليف نجيب سرور,  وتجربة إميل جرجس في الثقافة الجماهيرية عن عطيل وأسماها عطا الله, وتجارب سعد أردش في مسرح الجيب, والتي استفاد منها بعد ذلك المسرح المصري بشكل كبير وقدم مجموعة كبيرة من الأعمال التي سبقت المهرجان التجريبي وسبقت التفكير فيه, بالفعل كان هناك تجارب, مثل مسرح الفلاحين لهناء عبد الفتاح في الأقاليم, مسرح السرادق, المسرح السياسي الذي كان يقدمه لطفي الخولي, مسرح المقهى الذي حاول أن يقدمه صالح سعد, وهنا التقت وجهة نظرنا في مسرحنا المصري مع وجهة النظر الطليعية القادمة من الخارج وقاموا بتشكيل عملية التأصيل, المبدعين كانوا على وعي تام ودراسة, فتمكنوا من إنتاج أشكال رائدة لا نستطيع الآن أن ننتج ربعها. فقديما كان لكل هذا تأثير حقيقي في المسرح المصري لدرجة أنه قدم مسرحا في الأقاليم . أما الآن فالمسرح الذي يقدم اللغات غير الكلامية لو كان أصيلا لأثمر, بمعنى أنه لو تجذر في المجتمع المصري لأنتج تيارات, لكنك لا تستطيع أن تذكر عرض شعبي في هذا الإطار مثل مسرحية اللعبة لمنصور محمد, هذه هي الحالة الفريدة جدا في كل هذا الإطار, أما ما قدم بعد ذلك في الأوبرا وفرق الرقص الحديث ما هو إلا مسرح نخبة, وليس مسرحا جماهيريا على الإطلاق بدليل أن الحالة الفريدة الوحيدة التي قدمت مسرحا جماهيريا كانت اللعبة لمنصور محمد ولم يكمل مشروعه, لكن المسرح الحركي لم يتجذر في المجتمع المصري, ولم ينتج تيارا مسرحيا حقيقيا حتى الآن, حتى أن كل اللغات غير الكلامية مازالت لغات غير أصيلة في المسرح. فلو كانت هذه الأشكال قائمة على موضوع وكلمة وفكر مرتبط بالناس قبل الشكل الحركي لأثمرت. مثل اللعبة لمنصور محمد, فهو فيها  لعب على أوتار وقضايا تخص كل طبقات المجتمع تخص الناس وعبر عنها بطريقة الناس, فاستطاع أن يقدم عرضا لمدة ساعة ونصف بدون كلام ومع ذلك فكله ضحك ومعرفة وفكر, وأي شخص من أي طبقة يمكن أن يفهمه, فمنصور رصد سلبيات المجتمع وكانت مفهومة جدا, فنحن لم نتبنى المسرح الحركي بالطريقة التي تناسب مع مجتمعنا, وبالتالي لم يستطع أن يشكل تيارا في مصر. فالمجتمع  المصري يحتاج إلى مسرح حتى لو بدون كلام يخاطب كل طبقات الشعب فنحن يجب أن نبدأ من الناس.

عن الفن بين الموهبة والدراسة, والإجابة عن السؤال المتكرر في كل العصور عن  مدى تحقيق الاستفادة من الالتحاق بالدراسة العلمية؟ وهل تكفي الموهبة وحدها لصنع فنان متميز؟ تحدث د. مصطفى سليم عن أهمية تجذر الموهبة وتأصلها في المبدع قائلا:
 لا شك أن مسألة الدراسة تصقل الموهبة ولكن هذا الصقل له شروط وعلى رأسها أن تكون الموهبة متأصلة في المتقدم للدراسة من زمن وليست شيئا طارئا عليه أو اكتشاف مفاجئ لم ينتبه إليه, فعلى سبيل المثال أتذكر في تجربتي الشخصية أني بدأت كتابة الشعر والتمثيل على خشبة المسرح وأنا في السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية. فالاكتشاف يأتي مبكرا حين جاء الممثل القدير/ محمد جبريل لعمل عرض مسرحي بالمدرسة فقدم له الأساتذة الطلاب الذين يرون فيهم القدرة على التمثيل وقالوا له هذا الصبي يقول شعرا. ثم اختارني لدور البطولة في هذه المسرحية فاكتشفت أني لدي القدرة على التشخيص أيضا, في المرحلة الاعدادية والثانوية حصلت على جوائز كثيرة في الشعر ومثلت مع الأستاذ/ مصطفى عبد المجيد رحمه الله المسئول عن النشاط المسرحي بالمدرسة السعيدية وهو شخصية مرموقة وله مكانته. إذن هناك تسلسل في وضوح الموهبة وتأكيدها عبر سنوات الدراسة وبالتالي حين التحقت بالمعهد لم يكن المعهد بالنسبة لي مكان للدراسة وإنما مكان لإبراز مواهبي ذهبت إليه قاصدا متعمدا ولم أقم بتحضير نفسي كما جرت العادة بل جلست مع زملاء أعزاء وجيران مثل الأستاذ/ مازن من الرقابة وكان جاري في الجيزة والأستاذ/ محمد زعيمة وكان جاري في العمرانية ومع الأستاذ/ نبيل الحلوجي , جلسات للنقاش الثقافي ثم دخلت الامتحان ونجحت بتفوق. إذن الموهبة يجب أن يكون لها جذور لدى الموهوب, لم تطفح فجأة. وهي ربما تحقق النجاح الجماهيري مصادفة أو فجأة, هذا أمر آخر لأنه قدري, أما من يكتشفون أنهم موهوبون فنسب النجاح لهم بعد ذلك بالدراسة تكون أضعف فربما تكون هي موضة في حياتهم أو لحظة طارئة.
ماذا تقدم الدراسة للموهوب؟ أولا: تقدم له عالما ثقافيا متعددا ومتنوعا. ثانيا: تساعده على تكوين رؤية للعالم. ثالثا: تدربه فيكتسب مع الموهبة المهارة فيصبح محترفا. رابعا: تقدمه للوسط الثقافي أو الإبداعي الذي يتخصص فيه وتفتح له المجال. خامسا: تجعله يصنع شبكة صغيرة من العلاقات تمكنه من إيجاد فرص في المستقبل. سادسا: تميزه عن باقي الممارسين للمهنة لأنه يمتلك ثقافة هذه المهنة ومصطلحها النقدي السليم ويستطيع أن يتحدث عنها بما يجعلنا نثق في موهبته. لذلك عندما نستمع مثلا إلى الفنان الكبير/ نور الشريف عندما يتحدث عن فن المسرح أو التمثيل نكتشف أننا أمام ممثل من طراز مثقف. لأنه كان متفوقا في دراسته فاكتسب الثقافة وهذا لم يؤخره أبدا عن أن يكون نجما بل بالعكس جعله نجما من نوع خاص. وسأذكر حادثة أخرى خاصة بالاحتكاك بالنجم نور الشريف تؤكد أهمية الدراسة للموهوب, ففي مسرحية «كاليجولا» كنت مساعدا مخرجا منفذا للإخراج وكان الفنان/ نور الشريف يأتي قبل مساعدي الإخراج والمخرج وجميع أفراد العمل بساعتين يحمل مراجعا باللغة الفرنسية والانجليزية والعربية عن شخصية «كاليجولا», يقرأ ويدرس ويتعمق في الشخصية, يضع خطوطا أسفل السطور الهامة ويبدأ في معالجة ما قرأه كل ليلة في البروفات من خلال تجسيده للشخصية, إلى أن يصل إلى الشكل النهائي. ما أن يشعر بالرضا يأتي في موعد البروفة مباشرة, هكذا يكون الفنان الذي يعرف قيمة المعرفة بالنسبة للموهبة . المعرفة تثقل الموهبة وتعمقها وتجعلها تنتقل من مرحلة الهواية وأنها مجرد موهبة إلى آفاق العبقرية.
أما من فاته التقدم للدراسة الرسمية المتخصصة فيستطيع أن يصنع أكاديميته الخاصة ببحثه عن المعرفة في كل مجال, يستطيع من خلال مكتبته, من خلال السؤال والبحث, من خلال قراءة الرسائل العلمية, من خلال حضور ندوات والاشتراك في ورش, والاحتكاك بالأكاديميين, يستطيع ان يصنع أكاديميته بحق. من خلال متابعة المحاضرات التي أصبحت الآن تتاح على وسائل التواصل الاجتماعي, محاضراتنا أصبحت موجودة, يسجلها الأبناء ويرفعونها على الشبكة العنكبوتية وتتاح للجميع. إذن هو يستطيع أن يصنع هذا بنفسه لنفسه كما فعل عباس محمود العقاد. فقد صنع أكاديميته أو جامعته بنفسه.

حول إقامة المسابقات والمهرجانات المسرحية المختلفة في كافة مجالات المسرح بين د. مصطفى سليم أن المسرح صناعة ثقافية, ووضح ذلك بقوله:
إن المسرح يمثل نوعا من أنواع الاحتكاك المباشر مع البشر فلابد أن ننظر إليه كصناعة وليس كمجرد إبداع إما أن ينتج إنتاجا جيدا أو سيئا, بل لابد أن يكون له معايير تصنيع بحيث أن كل عمل فني ينتج لابد أن يكون له معايير جودة بدرجة كبيرة ولابد أن نراقب مردوده وأهدافه عند الناس هل ستتحقق أم لا, أما فكرة الإنتاج في المطلق فقد انتهت في العالم كله.
ولدينا محور آخر مرتبط بما سبق وهو النصوص المسرحية, فأحد الحلول كي نجد نصا مسرحيا جيدا هو تلك المسابقات التي تقام في التأليف المسرحي, فلدينا بالفعل نصوص جيدة وتحصد الجوائز. فلماذا لا يتم إنتاج هذه النصوص, وهذا مرتبط بفكرة الإنتاج فهذه نصوص مضمونة الجودة, ثم يدعي البعض أن هناك أزمة نصوص, ثم تُترك المسألة للمخرج كي  يختار ما يشاء من النصوص, ويأتي بمشروع جاهز قام هو بتحضيره من قبل ويُعتبر نجاحه غير مضمون ولم يحدد له أهداف سوى ما يريد المخرج فقط تحقيقه, وهذا كلام غير  علمي.  فقبل إنتاج أي عرض لابد أن أجيب على سؤال: لماذا أقدم هذا اليوم وما هو المردود والهدف الذي أود تحقيقه؟ وإذا كنت أريد تحقيق أهداف حقيقية ولدي تصور عن الواقع الذي أعيشه فلابد أن أطرح النصوص في برنامج محدد ويبدأ المخرجون في الاختيار من بينها, وهذا ما يخص النصوص الفائزة بمسابقات هذا العام على مستوى الوطن العربي هذا العام. فمسرح الغد مثلا عمل على تقديم نص مسرحي اسمه «فطيرة التفاح», وهو أحد النصوص الفائزة في الهيئة العربية للمسرح منذ سنوات, فأين باقي النصوص؟ إن مصر وحدها قد فازت بعدد هائل في السنوات الأخيرة في مسابقات التأليف, فلماذا لا تقدم تلك النصوص في عروض على خشبة المسرح؟
وما أريد التأكيد عليه إن معايير الجودة  تبدأ من النص وبما أننا نبحث عن أعلى معايير للجودة فعلينا أن نختار من بين النصوص التي اختيرت في مسابقات كبرى مثل مسابقة ساويرس والمسابقة الهيئة العربية للمسرح ومهرجان المونودراما  ومهرجان المسرح الشبابي ومسابقات الثقافة الجماهيرية, ومسابقة المركز القومي للمسرح مسابقة معرض الكتاب, هذا على سبيل المثال وليس الحصر. فيجب على البيت الفني للمسرح أن يضع خطة لإنتاج هذه النصوص ويطرحها على عدد كبير من المخرجين بحيث أنه يضمن أولا مستوى من الجودة على مستوى النص. ثانيا المسرح الشبابي أو المسرح الذي يقوم على صناعته الشباب هو المحور الرئيسي لأي تنمية إذا كنا نبحث عن تنمية مستدامة في مجالات الإبداع الفني, فمن باب أولى أن نهتم بإبداع الشباب لأنه يمثل المستقبل ويمثل ما سنراه قريبا لأن هذا الشباب حينما يصل لمرحلة أن يكون مخضرما فهو الذي سيقوم على صناعة المسرح ويمكن التحكم في مستوى الجودة والوصول لأعلى مستوياتها من خلال احتكاك وجدل و تواصل بين التجارب العالمية والمحلية والعربية وبالتالي يستطيع مسرحنا أن ينتج لنا معايير جديدة ومتمردة بدأ العالم يتفق عليها في هذه الصناعة الهامة والأساسية والتي تقوم أساسا على الاحتكاك المباشر بالمتلقي.

حينما أثيرت مشكلة اقتراح  إزالة مسرح البالون هذا الكيان الثقافي والفني الفريد لنقله إلى منطقة مطار إمبابة, كان لدكتور مصطفى سليم رأيه الرافض من البداية لهذه الفكرة موضحا أنها كارثة قومية, وبين ذلك بقوله:
أولا إن نقل البالون والمحيط الثقافي له يعتبر كارثة قومية لأنه لا مبرر لهذا النقل حتى لو كان هناك اتفاق من بعض الجهات المعنية بعمل مشروعات معينة في نفس المكان, فلما لا تضم هذه المشروعات فرق البالون نفسها بمعنى إذا كنت مثلا ستقوم ببناء مجموعة من المولات أو مول ضخم للبيع والشراء ودور اللهو والتسلية فلما لا تحتوي على اشتراط لفرق البالون بأن  يكون لها أماكن مخصصة وكذلك السيرك بحيث أنها تصبح جزء من منظومة المشروع الاستثماري الجديد وهذا سيدر عائد ضخم جدا لوزارة الثقافة وسيكون عائدا حقيقيا وليس عائدا ظاهريا ولا ننسى أن السيرك يدر العائد الأكبر بين جميع دور العرض وهذا بشكل دائم ولا يرتبط بنوع عرض معين ولا إنتاج أو غيره. ثانيا ما علاقة أرض مطار إمبابة بمسرح البالون , فهي إذا كانت أرض شاسعة فهناك مشروعات كثيرة لا حصر لها يمكن القيام بها, فلماذا نغير موقع البالون وننقله ثم نبني مرة أخرى مشرع آخر ونبني البالون مرة أخرى في مكان مختلف, وهكذا فكل هذا في رأيي إهدار للمال العام, ثالثا: لماذا تم تحديث مسرح البالون بالملايين مؤخرا في نهاية عهد الفنان هشام عطوة إن كنا قد قررنا هذا القرار منذ فترة تسبق تولي هشام عطوة لقطاع الفنون الشعبية, خاصة أنني على يقين في معلومة تقول إن هذا المشرع قديم وقد ثار المثقفون ضده وألغاه جمال مبارك ووقف في صف المثقفين آنذاك. إذن التفكير في نقل هذا المجمع الثقافي والفني كان قديما ومخططا له في  الجهات المعنية بالتخطيط العمراني ونحن نعلم ذلك , فلماذا لم نقدم مقترحات منذ فترة طويلة لتضمن حقوق المثقفين في هذا  المكان الذي يعتبر رمز ومعلم من المعالم الثقافية. نفت معالي وزيرة الثقافة ما تردد على لسان النائبة ولكن لم تنف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ذلك ,مازلنا نتساءل حول ذلك المشروع القديم الذي يطفو على السطح كل فترة , لم يصدر بيان عن مجلس الوزراء ومازلنا في حيرة هل بيان معالي وزيرة الثقافة يعني أن البالون على وضعه أم مازالت هناك تحركات لنقلة وإن كانت بعد تهدئة مؤقتة للرأي العام. ما أراه شخصيا إن كان هناك مشروع مفيد للدولة ومفيد للناس سيقام في هذه المنطقة أنا لست ضده, بشرط أن يحتوي على فرق البالون والسيرك القومي والسامر وعلى كافة الأنشطة التي تقام في هذه المنطقة ومعها ما يريد  المستثمر أن يقدمه بل ستكون جزء مما يرد أن يصنعه مع اشتراط أن يكون هناك جانب من الدعم أو الخدمة الثقافية التي بني البالون على أساسها أصلا ولا ننسى أن هذا المسرح في عام 1970 جمع كل الفرق التي أنجزها أهم وزير ثقافة في تاريخ مصر وهو ثروت عكاشة والفرق كانت في مواقع مختلفة وهي فرقة رضا والفرقة القومية وغيرها, ثم تم جمعها في موقع واحد وهو البالون وبالتالي هو له تاريخ وفي خلال شهور سيتم نصف قرن وبالتالي فالتضحية به بهذه الطريقة ونقله إلى مناطق نائية سواء مطار إمبابة أو السادس من أكتوبر سيكون خسارة كبيرة على الثقافة  المصرية بل وكارثة.   

كما تناول في شهاداته وجهة نظره حول المهرجان القومي للمسرح المصري في شهادته عن دورة لعام 2020 موضحا أهميته في مسيرة المسرح قائلا:
 تراجعت الحركة  المسرحية في مصر بشكل كبير في بداية العشر سنوات الأخيرة,  أو يعتبر تقريبا توقف الإنتاج ثم عاد بشكل ضعيف بعد ثورة يناير 2011, ثم في عامي 2013 و2014 بدأ الإنتاج المسرحي يستفيق ثم حدثت فترة تصاعد جيدة استمرت حتى 2018, لكن العام الماضي حدث هدوء نسبي ربما بسبب أمور خارجة عن الأمور الفنية وهي مسألة الحماية المدنية كشرط لفتح المسارح ولا نستطيع أن نقول إن هذا أمر ثانوي أو غير مهم خاصة بعدما حدثت أحداث دامية في بعض مسارح وفي أنشطة فنية بسبب غياب نظام الحماية المدنية, فكان لابد أن  نقبل بالأمر الواقع حتى تتم كل هذه المشاريع بحيث أننا نكون في حالة نفسية جيدة أثناء العمل حتى لا يكون لدينا هلع تكرار هذه  الحوادث.
 أتوقع أن يكون العام القادم أكثر إنتاجا من العام  الماضي. في نفس الوقت من جانب آخر فإن مسرح الثقافة الجماهيرية يقفز قفزة  جيدة في السنوات الأخيرة خصوصا في الفترة من 2013 , 2014 وحتى الآن فقد قدم نماذج جيدة جدا تنافس النماذج الاحترافية الكبيرة وتوجد أيضا طفرة كبيرة قادمة في هذا العام في الثقافة الجماهيرية فهو بعد فترة من الخمول أصبح يشارك في الحصول على الجوائز.
إن المهرجان القومي للمسرح المصري قدم خدمة مهمة جدا للمسرحيين وهي أننا وضعنا أيدينا على شكلنا ومشاكلنا الفنية وتعرفنا على بعض الجهات الإنتاجية المختلفة و كما بدأ المسرح المستقل في الاختفاء من الصورة نوعا ما, بدأت نوادي المسرح في تقديم تجارب نوعية جيدة جدا , كما اكتشفنا من خلال المهرجان أيضا أن المسرح الجامعي ذو مستوى عال جدا  في جامعات مصرية كثيرة. وبالتالي فدور المهرجان مهم جدا وأثره كبير وهو يتطور مع الزمن بحكم تطور الأشياء  وأصبح هو التقييم السنوي للإنتاج بغض النظر عن التسابق لأن هذه المسألة لا أحبذها لأنها تدخل بنا في مجال مثل الرياضة والبطولات وكأس أحسن لاعب وما شابه, فالمهرجان هو تجميع وحصر وتقييم للمنتج المسرحي خلال العام وهذا بالطبع بالغ الأهمية. وأذكر أن دكتور أشرف زكي قد أسس هذا المهرجان سنة 2007  في فترة كان المسرح فيها قد حقق إنجازا كبيرا على مستوى الإيرادات لأنه بعدما تراجع المسرح التجاري في هذه الفترة تم اجتذاب نجوم القطاع الخاص بعد توقف الخاص مثل سعيد صالح وفيفي عبده ومحمد نجم وغيرهم, حيث كان المسرح قبل الثورة في حالة انتعاش على مستوى الإيرادات وكان في طريقه لانتعاش آخر على المستوى الفني ثم في 2011 توقف المسألة فترة, ومع ذلك ظل  المهرجان القومي للمسرح هو الكاشف الذي يقدم لنا معلومات عن الفترة السابقة.
وفي العشر سنوات الماضية ظهرت العروض الأكاديمية للمعهد العالي للفنون المسرحية وبدأت تحصل على جوائز أيضا كل عام وهذا معناه أن النظرة المستقبلية للفن الحقيقي من خلال العلم والدراسة والمعرفة وليس للأشكال التقليدية  التي كانت مطروحة من قبل في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. ورغم الأزمة التي حدثت في أيام الثورة وما بعدها, وجدت أماكن ظلت متماسكة  وحافظت على تواجدها مثل مركز الإبداع الفني الذي لم يتوقف بل ظل مستمرا حتى لم يكن لديه دعاية كافية بسبب عدم اهتمام الأنظمة بالمنتج المسرحي. لكن بمجرد أن بدأ الانتعاش كان حاضرا بقوة لأنه جاهز بعمله واستمراراه. وكذلك فرقة  الرقص الحديث وفرقة فرسان الشرق بالأوبرا, واستمرا في العمل وتقديم منتج ربما لا يحسبه المسرحيون على المسرح ولكنه سار في اتجاه وأصبح له شوط وصار مشاركا بقوة في مصر بل وفي العالم, وهو من النقاط المضيئة التي ظهرت بشدة في السنوات الأخيرة كمنتج وكمكان يقدم أعمالا متميزة.   

حينما احتفى المهرجان القومي بالكاتب المصري في دورة خاصة به كان لدكتور مصطفى سليم وجهة نظر خاصة ومهمة حول هذا الاحتفال عبر فيها عن طموحاته وأمنياته لكيفية تقدير دور الكاتب المصري, حيث قال في شهادته:
تعد خطوة رائعة وشيء عظيم أن يطلق اسم الكاتب المصري على هذه الدورة ولكن إلى أي مدى ينعكس اسم الدورة على فعالياتها؟ هذا ما لا أستطيع تقييمه الآن لذا حذرت مرارا وتكرارا من أن لا يكون الاسم على مسمى فلا تكفى ندوات أو كتيبات أو لوجو يعبر عن الكاتب المصري ليصنع مردودا حقيقيا.
وكنت أود أن يقام حوار مجتمعي ثقافي بمشاركة المؤلفين والنقاد وصناع الحركة المسرحية والمهتمين حول الكاتب المصري يقدم مقترحات ومرتكزات لفعاليات حقيقية ومبتكرة.
أخشى ما أخشاه أن يكون سقف طموح القائمين على الدورة أن يقيموا بعض الندوات من هذا النوع الذي لا يحضره سوى بعض الصحفيين والأصدقاء وتتحول في النهاية لمكلمة حول بعض المؤلفين.
أعتقد أنه يجب التحضير لمدة عام كامل منذ انتهاء الدورة السابقة لنصل إلى نتائج مؤثرة ولها مردود حقيقي وكنت أتمنى إقامة مجموعة من الفعاليات والمبادرات منها مثلا أن يتم دعوة كافة الكتاب الفائزين في مسابقات المسرح بالمؤسسات والمهرجانات الكبرى لحضور الفعاليات والحديث في سلسلة لقاءات مصورة عن تجاربهم عبر محاور متميزة من النقاد القادرين على إدارة هذه الحوارات ويتم بث هذه اللقاءات عبر وسائل التواصل كما يتم حفظها كوثيقة بالمركز القومي للمسرح خاصة والمركز الآن يقوم بدوره بالفاعلية المطلوبة.
كذلك دعوة عشرة من الكتاب لإقامة ورش كتابة جماعية لاكتشاف مواهب جديدة على أن يجمع إنتاج هذه الورش من نصوص جماعية في كتاب يحمل عنوان (عشرة نصوص تأليف جماعي).
كنت أحلم أيضا أن يتم قبل كل عرض من عروض المهرجان عرض فيلم وثائقي قصير عن أحد المؤلفين المصريين الراحلين مع تقديم درع تكريم لأحد الكتاب الأحياء ويتم تحديد عددهم وفقا لعدد العروض ويتم هذا الطقس بشكل يومي في عرضين أو ثلاثة يوميا.
كنت أيضا أتمنى تكريم عدد من كتاب المسرح المصري من الراحلين والأحياء وعمل نسخ شعبية محدودة التكاليف من أعمالهم الكاملة.
وبالطبع هناك مقترحات أخرى كان من الممكن أن تخرج من رحم الحوار المجتمعي الثقافي ولكن أما وأن هذا لم يحدث فأنا لا أملك سوى أن أتمنى وأحلم.

كما كان د. مصطفى سليم حريصا على طرح أفكاره حول الاحتفال بالمخرج المسرحي في المهرجان القومي , وقد أدلى بشهادته في ذلك قائلا:
لا بأس أبدا أن يكون المخرج المسرحي محورا أساسيا للمهرجان وان كنت لا أحبذ أن تكون المهن المسرحية محورا للمهرجان وهو ما يجعلني أتساءل ترى ما هي المهنة المسرحية التي ستكون محورا للدورة رقم 50 مثلا وكم مهنة مسرحية أصلا لتكون محاورا لكل دورة وعلى أي الأحوال هي سياسة المهرجان ونحن نحترمها لأنها اعتمدت من زملاء وأساتذة نجلهم ونحترمهم وكم تعلمنا معهم ومنهم.
وأقول إن المخرج المسرحي في مصر تجاوز في مهامه مهنة المخرج وذلك بسبب منظومة الإنتاج المسرحي وسياساته في مصر ..
فالمخرج يقوم بمهام المنتج الفني ومهام الدراماتورج وأحيانا يقوم بمهام الإدارة المسرحية والتسويق والدعاية بل ويكون بطل المسرحية أيضا في بعض الأحوال.
وهذا الأمر ليس جديدا على سياسات الإنتاج في مصر فهو قديم ويعود لبدايات المسرح العربي ورواد التمثيل والإخراج وإدارة الفرق أمثال جورج أبيض وعزيز عيد وفتوح نشاطي ويوسف وهبي وغيرهم.
وهنا نقف لنقول بشكل عام إن غياب وتداخل مهام بعض المهن المسرحية مثل الدراماتورجي وإدارات التسويق والإدارة الفنية والسياسات الإنتاجية العشوائية والروتين وعدم وجود دراسات جدوى للمشروعات الفنية شكلت عبئا على المخرج المسرحي الذي تحول من مخرج متفرغ لتأليف عرضه المسرحي إلى فرقة مسرحية تتحرك على الأرض عليه كل المهام ويحمل فوق أكتافه كل الهموم.
نعم المخرج المسرحي في مصر بطل مثل هرقل يحمل كل الهموم ويتحمل كل التبعات وهو الذي يتحمل وحده الفشل أما النجاح فله ألف أب.
يستحق المخرج المسرحي المصري لقب المبدع البطل لأنه يقاوم من العوائق والصعاب ما لا يتحمله بشر عادي وبالتالي فهو يخوض مغامرة الإخراج وفي كل مرة تكون المغامرة خطرة وعليه أن يكون بطلا بكل معاني الكلمة.
تاريخ الإخراج في مصر يؤكد أن المخرج هو الإرادة المنتجة للعملية المسرحية فنجاح عزيز عيد في تقديم أوبريتات الثلث الاول من القرن العشرين فتح مجالا لتجربة فريدة للمسارح الموسيقية في مصر ونجاح طليمات والزرقاني والألفي في وضع البنية العلمية للإخراج والفرق الكبرى ذات الصيغة القومية كانت النقلة الكبرى التي مهدت لجيل الستينات ليأتي نجاح إدارة سعد أردش لمسرح الجيب ليفتح أفاق المسارح الطليعية العالمية أمام أبناء جيله من المخرجين وما تلاهم وتجارب كرم مطاوع مع نجيب سرور ويوسف إدريس فتحت آفاقا جديدة للمسرح الشعبي الحداثي وتجارب جلال الشرقاوي مع محمد صبحي أعادت انتاج الكوميديا ديلارتي وتجربة السقا في مسرح العرائس وتجربة العصفوري في الطليعة التي قدمت مسرحا عصريا بالإضافة لمجموعة من المواهب الفذة وتجربة فهمي الخولي الهامة لتقديم مسرح جماهيري في فرقة المسرح الحديث وتجربة عبد الغفار عودة في المتجول ثم البالون وتجارب مراد منير وعصام السيد ومحسن حلمي وناصر عبد المنعم وغيرهم من الأسماء المهمة التي فتحت الباب لجيل جديد على طريق الريادة والتجديد وصولا لجيل المبدع خالد جلال وزملاءه نادر صلاح الدين وأحمد طه وشادي سرور وهشام عطوة وغيرهم الكثير من المخرجين المهمين ثم جيل إسلام إمام ومازن الغرباوي وعادل حسان وسامح بسيوني وغيرهم من الأسماء والأسماء اللامعة في كل جيل.
المخرج هو الذي خاض المعارك الحقيقية من أجل عملية الإنتاج المسرحي ولولاه لدفن المسرح هذا من وجهة نظري فهو الذي يعاني منذ يختار النص إلى أن يرى العرض النور ومعاناته بسبب سياسات الانتاج التي عفى عليها الزمن هذا إذا كان هناك أصلا سياسات إنتاج.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏