المخرج والارتجال والدراماتورج.. على طاولة القومي للمسرح

 المخرج والارتجال والدراماتورج.. على طاولة القومي للمسرح

العدد 785 صدر بتاريخ 12سبتمبر2022

عقد المهرجان القومي للمسرح المصري، برئاسة الفنان القدير يوسف إسماعيل «دورة المخرج المسرحي المصري»، بالمجلس الأعلى للثقافة، ضمن الملتقى الفكري مائدة مستديرة ، تحت عنوان ” المخرج والارتجال وحرفة الدراماتورج ” أدارها المخرج ” عصام السيد ” وتحدث فيها من  المخرجين مراد منير، الفنان عزت زين، حسن الوزير، أحمد طه، شادي سرور، و الدكتور أسامة رؤوف.
بدأت الجلسة بكلمة المخرج عصام السيد الذي قال:  أن علاقة المخرج بالنص المسرحي مرت بعدة مراحل ، المرحلة الأولى هي التقديس ، ثم تطورت إلى التعديل التي تحولت فيما بعد إلى معركة ، هذه المعركة بدأت في مصر في الستينات، ولكنها خارج مصر بدأت منذ القرن الثامن عشر، وأبرز تلك المعارك معركة «الفرافير» بين الكاتب يوسف ادريس والمخرج كرم مطاوع حول نص الفرافير، وأيضا بين الشاعر المسرحي نجيب سرور وجلال الشرقاوي في « آه يا ليل يا قمر» و ازدادت خلال فتره التسعينات، على الرغم من وجود كتاب كبار، سعدالله ونوس مثلا كتب أن المخرج حر في تقديمه للنص، ومراد منير قدم معالجة خاصة أقرها سعدالله ونوس، ومنها معركه صغيرة دارت بين الدكتور رشاد رشدي وسمير العصفوري، بسبب تغيير الأخير لفصل كامل حوله إلى رقصة ،  كل ذلك نتج من وجود شخص اعتبر أبو الدراما ولكنه أضر بالدراما، حيث كتب كتابا عن المسرح اعتبر لمدة كبيرة المرجع الأساسي، ولكن هذا المرجع كتب بناء على نصوص ولم يكتب بناء على عروض، وبالتالي كان المسرح لفترة طويلة نصا مسرحيا اولا ثم إخراجا ثانيا، على الجانب الأخر هناك كوارث أاو جرائم ترتكب في حق بعض النصوص، حيث يقوم بعض السادة المتجربين على النصوص بتدويرها، فيقومون بعمل اشياء عكس ما يقصده الكاتب أو ليس لها علاقة بما كتبه ، وهو ما يحكمه شكل المنتج أيا ما كانت قيمة الذي يقوم بذلك، بحجة انها رؤيته لكنه في النهاية يقدم افكارا مختلفة عن ما يقدمه المؤلف.

ومن جانبه قال المخرج مراد منير: لست معتادا أن أحكي عن اسلوبي في تناول عروضي المسرحية اذ اترك تقييم عروضي للسادة النقاد لكني استطيع أن احكي عن مغامراتي المسرحية و كيف قادتني قدماي لإنجازها. 
وأوضح منير: انا لا اكتب في اوراقي محددا منهجا معينا لعملي، بل تمتلئ نسخة اخراجي للعمل بما يشبه الأشعار أو الموسيقى تعبيرا عن أحلامي و كوابيسي و أشواقي و  شغفي بمشاهد العمل، اكتب مثلا في المشهد الختامي لمسرحية المملوك جابر : «التوابيت كالقدر، وأسنة الرماح ترتفع كأنها تطعن قلب السماء الملتهبة، الغياب يسود، وايقاع  الرعب يصل ذروته مهما قاومت، فهم قتلى زمان سخيف».
 وتساءل منير متى يأتي السحر؟ ومتى يشتعل الشغف؟  وأجاب : لا أذكر أنني أقدمت على إخراج عمل إلا إذا اشتعلت عشقا بعالم النص المسرحي وكم رفضت بإلحاح عروض من كبار الكتاب لإخراج  نصوصهم لأني لم أشعر بالشغف البالغ ، أذكر على سبيل المثال جلسة في فندق «شبرد» مع الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، قرأ لي نصا مسرحيا جديدا، و كانت لي بعض الملاحظات الجوهرية التي رفضها، قال لي : «اعمل النص زي ما هو!» ، قلت له – رحمه الله- :  «النص تأليف المؤلف، أما العرض فهو تأليف المخرج» 
واستكمل منير: أما ما أشعل شغفي بنص « رأس المملوك جابر»، فالسبب الأول هو الدخول و الخروج المتعدد من و إلى التشخيص بتلقائية و إيقاع دقيقين، ثم هذا الاعداد المسبوق بالتفكير الطويل و البحث الدؤوب في كل مشهد لإبرازه بشكل  مكثف و جديد داخل الإطار للرؤية الاخراجية الناضجة و المحددة. أما السبب الثاني، فهو اتفاق رؤيتي بكاملها، مع رؤية كاتب النص السوري سعد الله ونوس، والذي نص في مقدمة عمله على سعادته بترك الحرية المطلقة للمخرج المسرحي في التصرف الخلاق في عمله دون الإخلال بطبيعة الحال بالمضمون العام للنص، سمح لي هذا باستبعاد عناصر مهمة في نص ونوس مثل» القهوة «التي كان الشباب يعلقون فيها على احداث المسرحية طيلة عرضها و استبدلت هذا بإطار أكثر حيوية في رأيي و اكثر اقترابا من الوجدان الشعبي المصري مما جعل  ناقدا كالأستاذ حلمي سالم يكتب في جريدة الأنوار اللبنانية:  «لقد أضفى مراد منير على النص ما جعله ميثولوجيا مصرية خالصة»
واستكمل منير: أبدع ما في هذا العرض كان هو رؤيتي للمشهد الأخير، الذي تنبأت فيه بسقوط بغداد وهو ما حدث بعدها بأكثر من عشر سنوات، و يبدو أن هذا هو قدر  المبدع  أن يستشرف المستقبل و ينبه جماعته و أمته  لما هو آت، و لعل نجاح هذا العرض هو ما حفزني للالتقاء مجددا بنص سعد الله ونوس.. 
 أما مسرحية « الملك هو الملك» فكان لها حظ كبير من النجاح ، قرأت نص سعد الله الجديد فرأيته كاملا، فما يشعل شغفي تماما أن أرى النص المسرحي مجسدا على خشبة المسرح بكل تفاصيله من ديكور وموسيقى و إضاءة وأداء تمثيلي و إيقاع فور أو اثناء قراءتي له، هكذا رأيت الملك للوهلة الأولى، قد كان فيها سحر ساحق، قررت أن اعطي قلبي لهذه التجربة، فحملت قلبي، وطرت إلى سوريا، وعشت فيها اربعين يوما، و الشاعر أحمد فؤاد نجم يكتب لي اشعار المسرحية، التي لم تكن اشعارا، بل كانت اغنيات من الوجدان الشعبي من العاب الأطفال والإنشاد المتداول بين الناس، مثل  (علي عليوة، شرم برم، حادي يا بادي) وأغاني السبوع الطقسية بكل تفاصيلها، لقد حققت معادلة متوازنة قال عنها الدكتور علي الراعي «ليس هذا مسرح المتأنقين ولا أصحاب البطون المتخمة، إنما هو فرح كأفراح الموالد و المهرجانات الشعبية، يقدم للمتفرج لعبا مسرحيا كالذي كانت تقدمه مهرجانات الكوميديا في اثينا القديمة و سيرك روما ذو الألعاب الخشنة ومخايلو خيال الظل في مصر المملوكية، حيث المسرح لعب أولا ثم ما استطاعت قدرة الفنان ان تضيفه بعد  هذا من فكر وافكار. وقد رأيت هذا النص من الوهلة الأولى؛ لأنه سمح لي أن أصب أحداث المسرحية في قالب مسرحي شديد المرونة يجمع ما بين المسرحية المرتجلة و الكباريه السياسي و عروض الموالد، و حافظت على الفكرة الرئيسية في نص ونوس بنفس الحيوية الذي وضعت فيها قالب المسرحية. لذا لم تعتبر مسرحية «الملك هو الملك» درة المسرح المصري من فراغ، فقد زينها مجموعة نجوم مشرقة، أدت اداءا تمثيليا كبيرا، أقنعت جمهورها فالتف حولها، محمد منير المطرب الذي انفجرت شعبيته بعد هذه المسرحية التي صنع منها «البوم» انتشر في ارجاء العالم العربي انتشارا رهيبا، و بهذا يمكن أن نقول أنه يمكن لعرض مسرحي أن يجعل من أحد المطربين ملكا. 
واكمل منير: أما عن نص « الدخان» فقد أصابني مس السحر بهذا النص منذ نعومة اظافري، كنت أردد جملا من حواره بيني و بين نفسي و أنا مازلت صبيا ، حتى أتيح لي أن اخرجه في مسرح التليفزيون ، وما يميز هذا العرض أن له لغة أشبه بالطقوس الوثنية ، التي لا تعرف مصدر سحرها و إنما تهيمن على كيانك بالكلية ، لهذا كان علي أن أهتم بعالم اللغة عند ميخائيل رومان و أيضا بقوة الحدث عنده،  استخدمت ديكورا بسيطا و صنع لي محمد نوح معادلا موسيقيا ساحرا من أغنيات سيد درويش و فيروز ليصنع عالم شبه موازي لسحر النص المسرحي ، كان الممثلون في هذه التجربة مطيعين للغاية .. بداية من السعدني و فايزة كمال وسمية الألفي وكريمة مختار ، كنت أتبع معهم منهج قسطنطين ستانسلافسكي في التجسيد الابداعي للشخصيات ، و بذلوا معي جميعا جهدا خرافيا حتى البكاء أحيانا من فرط الانغماس، لم استعرض عضلات المخرج فيه ، لكن ابرزت قوة نص ميخائيل رومان ، و كان هذا فعالا للغاية عند الجمهور ، كانت انفعالات الصالة تضج بالفرح و الحزن كأنهم يشاركوننا أفعال العرض ، وسبب لي هذا العرض جروحا كثيرة ، ظلم ميخائيل رومان حيا حين عرض هذه المسرحية على المسرح القومي إذ قال فيها الدكتور لويس عوض «هناك شيء اسمه الدخان على المسرح القومي»، وظلمت المسرحية حين تم عرضها مرة واحدة فقط رغم الإشادة الكبيرة جدا بمستواها الفني ، عرضت في الثالثة صباحا مرة واحدة و اختفت بعدها لماذا؟ هل صدر اوامر بإلغاء هذا العرض؟ 
تابع : أما عرض «منين أجيب ناس»  فقد امتزجت هذه المسرحية بدراستي سنتين لأصول  المسرح الشعبي، ولحسن الحظ أنني فهمت منهج نجيب .. و رصد ذلك الكثير من النقاد الكبار كتبت عنه الدكتورة نهاد صليحة وبول شاؤول، وكانت كلماتهم تعبيرا صادقا عما حاولت تقديمه  في هذا العرض الذي جمع الافا من المصريين حوله حين عرض مرتين في ليلة واحدة في مهرجان بغداد 1985 و لعلي اذكر اخيرا أنني بعد أن انتهيت من اخراج العمل تماما ، ظل في أدراج الوزارة لمدة أربعة عشر شهرا، حتى أتت لحظة ممكن أن اسميها جنونية ، حين سأل أحد رؤساء الهيئة و كان جديدا في موقعه» هذا العمل ديكوراته ،ملابسه ، موسيقاه منتهية فما الذي يمنع ظهوره على المسرح؟» فأجاب عبد الغفار عودة رحمه الله  «أعطنا خشبة مسرح نعرضه لك هذا الاسبوع « وعرضت المسرحية في نفس هذا الاسبوع ليحاصر مسرح السلام أكثر من خمسة آلاف مشاهد ، لم يستطع أن ينفذ منهم إلى داخل المسرح سوى الف مشاهد. وفي عرض «لولي» كانت تسحرني دائما موسيقى أوبرا كارمن لجورج بيزيه ، ففكرت ذات مرة لماذا لا أرى كارمن مصرية على خشبة المسرح؟ فأقمنا ورشة عمل أنا و المؤلف محمد الفيل حتى أنجزنا العمل  الذي أصاب احمد فؤاد نجم بنفس السحر فأعاد كتابته عبر تسعة أشهر ناسجا فيه و مكملا للأحداث بأشعار نابعة منه ، و أعطيناه لعمار الشريعي و صنع استعراضاتها عادل عبده ، فأردنا أن يتكامل للعمل عناصره التي تشمل كل فنون المسرح من دراما و استعراض و غناء و انشاد ؛ لنخلق هارموني متكامل من المتعة البصرية و الحسية وسط سينوغرافيا تشكيلية صممها حسين العزبي حتى قيل عنها «لولي أو كارمن المصرية « أول مسرحية استعراضية  حقيقية من 22 سنة ، إن لولي الاستعراضية هي أفضل عروض 1995»استطاع هذا النص الجميل أن يجذب في بطولته الفنانة فايزة كمال مع المطرب الكبير محمد الحلو واحمد ماهر و سامي العدل و عائشة الكيلاني ، كل هؤلاء  قدموا في هذا العرض كل فنون المتعة السمعية و البصرية. 
و يقول غنها الناقد مدحت أبو بكر : «هنا يتجاوز دور المخرج إلى مبدع و منسق عام فنون الفرجة الدرامية في عرض ممتع ثائر متمرد جديد  مجنون..»
 وأنهى مراد منير قائلا: هل أتى هذا الجنون من فراغ؟ لا .. إنما اتى عبر تدريبات شاقة  تمتد إلى خمسة عشر ساعة يوميا لمدة اربعة اشهر كاملة لم نأخذ فيها اجازة يوما واحدة . كان العمل مرهقا و ممتعا ، استمر العرض ستة أشهر كاملة، كامل العدد ، و لست أدري لماذا لم يكتب له أن يستمر ست سنوات و هو يمتع الجمهور كل ليلة  بكل فنون الفرجة والفرحة؟.  

وقدم المخرج الفنان عزت زين تجربته قائلا: تغيرت العلاقة بالنص المسرحي بطبيعة الحال ، لم تعد القراءة لمجرد المتعة و المعرفة ، أصبح هناك أبعاد أخرى للقراءة أهمها: أن تتحرك مشاعري تجاه النص، و يتكون لدي تصور عن إمكانية تقديمه ثم ذلك المعيار الهام الذي ألزمت نفسي به طوال الوقت ، أهمية النص للجمهور المستهدف : هذا المعيار اتسع ليشمل تماس العرض مع الواقع أو اللحظة التي يعيشها الجمهور محليا أو عالميا ..
وأوضح: أن القراءة كانت للاستقرار على اختيار نص مسرحي مرتبطة دائما بزمن تقديم العرض و مكان تقديمه وأولوية طرحه شكلا و موضوعا على الجمهور ، ثم تأتي أسئلة أخرى تتعلق بتوافر عناصره الفنية و إمكانيات إنتاجه التي لا تقتصر على الميزانية المتاحة فقط و لكن تشمل المسرح و امكاناته الفنية .
وكان من الأهمية بمكان البحث في علاقة المخرج بالنص وهل هو ناقل للنص أو مجرد مفسر ام هو مبدع أمين؟ والحقيقة اني كنت على قناعة بأن المخرج لا يجب أن يأخذ النص بعيدا عن فكر المؤلف أو يطرح رؤية مضادة لرؤية المخرج، كما كان يحلو للمخرج عبد الغفار عودة أن يردد دائما حكاية المخرج الاسرائيلي الذي قدم تاجر البندقية ، لكنه و على عكس ما أراد شكسبير قدم «شايلوك المرابي» كمسكين محاصر و مضطهد ممن يريدون السطو على ماله !
وأشار زين : كنت و ما زلت بالطبع مع حرية المخرج التي تسمح له بالمغامرة الفنية ، فالنص المسرحي عنصر من عناصر العرض المسرحي ، مع ضرورة الحفاظ على ما يسمي بالمورال « المغزى الأخلاقي « للنص .
أضاف: تنوعت اختياراتي للنصوص، ورغم انه تم اعتمادي كمخرج بالثقافة الجماهيرية عام 1984 و قبل مولد إدارة نوادي المسرح بعامين الا انني كنت منحازا للمولود الجديد المتجدد المغامر ، خاصة و انه سبق ذلك التحاقي بمعمل تدريب الممثل تحت إشراف الدكتور نبيل منيب عام 81/ 82 ثم في ورشة  د. هناء عبد الفتاح عام 86/ 87 .. و كما ذكرت كانت رحلة اختيار نص لفرقة مسرحية بالثقافة الجماهيرية أو فرقة مسرحية لاحدي الكليات أو لمنتخب الجامعة مسألة ليست سهلة على الاطلاق . وتنوعت الاختيارات ما بين النصوص المصرية و العربية أو نصوص المسرح العالمي و كان كل اختيار  بمثابة اكتشاف للنص و عالم المؤلف و المقالات النقدية التي تتناول مجمل اعماله.
واضاف زين : في البدء كانت الفرجة .. مشاهدة العروض المسرحية في المدرسة و في مسرح مدينتنا ، ثم في ذلك الجهاز السحري الذي اشتراه ابي و دون عليه تاريخ تربعه داخل بيتنا 9 / 9 / 1966 ، و منه عرفت المسرح الاحترافي و اسماء رواده الكبار يوسف وهبي « راسبوتين « و زكي طليمات « تاجر البندقية « و تراث الريحاني العظيم يقدمه عادل خيري  ، ثم الشباب الجدد في مسرح التليفزيون.غير أن النص المسرحي الذي بدأت قراءته  في المرحلة الثانوية و في سنوات الدراسة في الجامعة هو من أطلق الخيال إلى آفاق رحبة تعدت علي سالم و سعد وهبة و يوسف إدريس و الفريد فرج و كان لابد من العودة إلى الينابيع الأولى في المسرح اليوناني و مسرحيات شكسبير ثم هذا الرجل الذي داعب خيالي بمسرحه الثوري و كنت أبحث عن نصوصه التي انقلبت علي وحدات ارسطو الثلاث و كسرت الايهام و اخترقت الحائط الرابع ، وكانت القراءة للمتعة و المعرفة وهي التي فتحت الباب واسعا للخيال ، وكنت أرى بعين خيالي الكتلة و الفراغ و اللون و الحركة و الظلام و السكون و أرى رجالا و نساء أتفرس ملامحهم من خلال أقواس المؤلف والتعريف بأسمائهم و أعمارهم... الخ.
تابع: كانت قراءة المسرحيات  حتى عام 1984  مقصودة لذاتها لممثل مارس نشاطه المسرحي في المدرسة ومركز الشباب و قصور الثقافة و الجامعة ، وهو ما كان يعني قراءة عشرات النصوص التي تحولت إلى عروض مسرحية و هو ما كان يخلق مقارنة حتمية بين البدايات في بروفات الترابيزة و بين النهايات مع تحية الجمهور في آخر ليلة عرض!! كانت هذه المقارنات بمثابة تقييم لإبداع كل العناصر الفنية التي شاركت في العمل و في القلب منها المخرج المسرحي.  في بعض الأحيان و اثناء مشاركتي كممثل كنت اتحفظ داخلي على طريقة تناول المخرج للنص « الحذف المخل أو إضافة ما يسمي بالافيهات إلى نص الحوار .. الخ «
عن  البداية قال:  في عام 1984  تقدم المخرج صالح سعد بمشروع مسرحي تم تسميته فيما بعد « يحدث في قريتنا الآن « ضمن ما أسماه بمسرح السرادق و كان قد صدر بيانه التأسيسي الاول عام 1983 فيما أذكر ؛  و هو المشروع الذي نفذه في إحدى قري الفيوم ، و لم أكن شاهدا علي التجربة فقط بل شاركت في صياغة « النص « الذي كان يعتمد مصادر مختلفة تبدأ من قصة قتل قابيل لهابيل و الغراب الذي علم  قابيل دفن أخيه، إلى موال ياسين و بهية الشفاهي و أخيرا نص ياسين و بهية لنجيب سرور . و كانت التجربة تعتمد على تفكيك المصادر المختلفة و إعادة صياغة الأحداث و الشخوص بل أن التجربة امتدت إلى كسر نمطية المنصة واستخدام 6 منصات كمناطق  تمثيل ، رغم تماسك الإطار النظري للتجربة و إشادة النقاد بها ، الا انني علي المستوى الشخصي كان لي رأي شخصي مفاده أن ياسين و بهية لنجيب سرور أعلى في قيمتها الفنية من تلك الصياغة المتواضعة للحوار و التي لم  تقترب من كثافة و دلالة اللغة عند نجيب سرور . وبعد أشهر قليلة من هذه التجربة قررت خوض تجربة الاخراج للمرة الأولى بنص نجيب سرور « ياسين و بهية « ، و الحقيقة أن دوافع الاخراج المسرحي كانت كثيرة و متعددة و لكنها كانت على محك الاختبار، و كان نجاح ياسين و بهية تأكيد لاختيار الاخراج المسرحي .
واختتم عزت زين قائلا: حصاد هذه الرحلة - حتى الآن - تمثل في إخراج 20 نصا مسرحيا مصريا و ثلاثة نصوص من المسرح العربي وتسعة نصوص من المسرح العالمي ، أضيف إلى ذلك أني شاركت في تمصير و اعداد كثير من نصوص المسرح العالمي التي قدمتها .

وعن تجربته قال المخرج حسن الوزير: في بداياتي شاهدت مسرح كثيرا ولكني كنت انتقد في المسرح شيئين: الخطابة الشديدة في أداء الممثل وتوزيعة المجاميع و الارتجالات الكثيرة على المسرح، ومن هنا جاءت دراستي واختياري للإخراج، وكانت بدايتي مع اللغة العربية الفصحى في نادي الأدب في بور سعيد ولم تكن في هيئة المسرح، بدايات عملي بالمسرح من خلال نصوص باللغة العربية الفصحى، لأني ارى أن الفصحى عنصر فني إضافي في العرض المسرحي وليس العكس، أي نستطيع أن نمتع المشاهد بجماليات اللغة العربية خاصة لو كانت شعرا، وقدمت عروضي الأولى مع الثقافة الجماهيرية مثل “مأساة الحلاج” في أسيوط 1988 وكانت مرحلة هامة في حياتي. ثم تعرفت بهشام السلاموني( رحمه الله ) مما جعلني اتعامل مع النص المكتوب، وبالتالي استفدت كثيرا منه  لأنه كان موهوبا وعلى ثقافة عالية، وأذكر أن أحداث أسيوط  الدامية جعلتني أشعر بمدى ضآلتنا، ما فائدة ما نقدمه في ظل الدماء، لكن عندما قرأت نصا لهشام وسمعته في برنامج «مين بيضحك على مين» شعرت بالشغف والرغبة في عمل هذا النص وكانت مرحلة السلامونى هامة جدا، واخذ العرض مركز اول وأكملت معه تجربتين اخريين  
واستطرد: رحيل السلاموني جعلني امكث في بيتي ثلاثة سنوات لا أفعل شيئا، ثم كانت علاقتي بدكتور محمود بشير وهو من عرفني على دكتورة هدى وصفي  ومن هنا كانت علاقتي بمركز الهناجر للفنون، وحاولت خوض التجربة الثالثة  والاخيرة مع دكتورة هدى وصفي، فكانت البداية مع «ارض لا تنبت الزهور» الكاتب محمود دياب، وكان النص الوحيد الذي لم يعرض له وعلى حد قول ألفريد فرج «لأنه نص اسود وكئيب»، والمهم لأي تجربة أن تكتمل وهذا ما أريده أن اكمل تجربتي واتمنى ذلك لان لدي احساس اني لم أقدم شيئا، ولكن الظروف في البلد لم تهيء لنا ذلك،
وأضاف الوزير: «أرض لا تنبت الزهور» كانت بداية علاقتي مع الفن التشكيلي، فرزقني الله بدكتور عبد القادر وشاح وكان مهما جدا في حياتي، فالمسرح على علاقة حميمة بالفن التشكيلي، حركة الممثل على خشبة المسرح وعلاقتها بالآخر لابد أن تخلق باستمرار كتلة جديدة وبالتالي فراغ جديد، وهو ما تؤيده الكاميرا في أواخر العروض، و»أرض لا تنبت الزهور» كانت بداية كيف أحول المعنى العام للنص بشكل تشكيلي على المسرح بأرض شائكة قد تخيف الممثل، لأن المخرج أن لم يدخل في عالم جديد لم يره مسبقا لا أعتقد أنه سيقدم فنا جيدا، فعلاقة الفن التشكيلي بالمسرح  كانت سببا في الطفرة التي شهدتها سينوغرافيا المسرح. وعندما قرأت « طقوس الإشارات والتحولات» لسعدالله ونوس وجدت نفسي أمام حالة شكسبيرية، انبهرت بالشخصيات لأن النص المسرحي هو قناعة بفكرة وإعجاب بشخصيات ومواقف ورغبة جديدة في تقديم تقنية جديدة، وهذا ما يجعل المخرج يقرر إذا كان سيعمل هذا النص ام لا. وكان البحث بيني وبين نفسي عن جماليات العرض المسرحي وان يكون له علاقة بالفن التشكيلي المصري، فهل يعقل أن الفن التشكيلي المصري الذي يبهر العالم اجمع لم يكن عنصرا اساسيا في الفنون المرئية، هذا لا يصح على الإطلاق. وفي عرض «أبو العريف» الذي تم عرضه اثناء الثورة والذي قُبر بشكل غير منطقي بسبب خلاف سياسي، أرجو عرضه للناس، فهو اخر ما وصلته في علاقتي مع الصورة في المسرح المصري.

وعن تجربته تحدث المخرج شادي سرور قائلا:  الدورة السابقة كانت دورة المؤلف والحالية هي دورة المخرج واعتقد أن هذا هو الترتيب الصحيح، فالطبيعي أن نبدأ من الورق وأتفق مع فكرة انه لو لم يعشق المخرج النص ما قدمه، عندما كنت صغيرا كنت احب الفنان فؤاد المهندس كانت مسرحياته بالنسبة لي كنز به المتعة والسحر، ولكني لم أكن أدرك وقتها ما هو المخرج، إلى أن حضرت مسرحية «علشان خاطر عيونك»، وفي هذا العرض لم اتذكر غير المخرج وانبهرت به حقا، لجمال توظيفه لكل عناصر العرض، من هنا بدأت اهتم بفكرة المتعة الحقيقية التي يصدرها ذلك الجندي المجهول، وبدأت انطلق بالاهتمام بالفن في فترة الجامعة، ودرست تاريخ المسرح، وكان اول عرض لي اسمه» لير ادوارد بوند» وكان المخرج محمد عمر، وهو من أثر في كثيرا لأنه شخصية قيادية قوية وكاريزما عالية جعلني في حالة انبهار ، وبدأت في متابعته، وخاصة في كيفية التعامل مع النص وكيف كان يتعامل مع الأبعاد في شخصية الشبح، ففتح في ذهني طريقة استقراء النص، وأتى بعدها الأستاذ جلال الشرقاوي وكان يدرس الإخراج ولم انسى ما قاله في فكرة تصنيف المخرج ما بين المترجم والمفسر والمبدع والفرق بينهم، واستمع لآرائنا في ندوة، حتى احتدم النقاش وكل أفتى بطريقته ولكنه قدم مثالا « إذا اعتبرنا أن النص المسرحي عبارة عن وردة حمراء ، فالمخرج المترجم يأخذ تلك الوردة وينقلها كما هي، والمخرج المفسر يعطي الوردة الحمراء للناس مع سؤالهم لماذا هي حمراء ويفسر ذلك، والمبدع من يغير لون الحمراء إلى صفراء. ثم بدأت علاقتي مع هذه المعاني، فالمبدع لا يولد مبدعا وإنما يمر بتلك المراحل، وتخمرت تلك المعاني بداخلي وبدأت علاقتي ب الإخراج في جامعة عين شمس وقدمت 7 عروض ولم يكن في ذهني الحصول على الجوائز، وإنما كيفية تطبيق ما تعلمته، وكيفية الاختيار بين المتنوع حتى الوصول للثبات، وكانت بدايتي مع الكاتب اسامة نور الدين ومسرحية « كيوبيد في الحي الشرقي» وكان شرط العروض في تلك المرحلة أن تكون تابعة لمنهج الواقعية السحرية، وهو ما ينطبق على مسرحية «كيوبيد في الحي الشرقي» ونجح العرض ونال مركزا اول. ووجدت متعة شديدة فهناك حالة عصف ذهني في المناقشة بيني وبين الكاتب مما يثري العمل الفني، ثم قدمت عرض» على جناح التبريزي «  لألفريد فرج وكان لدى مشكلة في نهاية المسرحية، كان النص لا يشمل حال البلد، فأردت زرع قضية ، ووافق ألفريد فرج على تخريجات النص واعجب بها وقد أضافت للرؤية الإخراجية كما قال ألفريد ، ثم تعاملت مع نص « أرض لا تنبت الزهور « لمحمود دياب وهو نص مكتوب بعبقرية، وفكرة النص كانت الأرض التي تروى بالحقد لا تنبت زهرة حب، ولكن ما لفت نظري اليه جملة» اننا لا نفتش تحت التاج على انسان، فلا نجد سوى ملك» وهى التي بدأت ابني عليها العرض، ولم أغير شيئا، وهنا بدأ الوعي بأننا ممكن أن نتعامل مع النص المسرحي كما هو ومن الممكن التغيير في استراتيجيته، خاصة أن قوام النص المسرحي قواما دراما قويا.
تابع: ثم انتقلت لمجموعة من العروض منها سكة السلامة والطيب والشرير والجميلة، وكانت ذائقتي دائما تتجه للنصوص المصرية والعربية ولم ألجأ للنصوص الأجنبية، وكنت افضل العمل مع المؤلف الحي يرزق، ليكون بيننا الجدل والنقاش والعصف الذهني الذي به نصل إلى المتعة للمشاهد، فالمخرج شقين: منطقة إبداعية واخرى تنظيمية ،  الإبداعية هي منطقة العصف الذهني التي يكون فيها المخرج ديمقراطيا مع جميع عناصر العمل، أما التنظيمية فيكون المخرج هو المايسترو الذي سيقود تلك المنظومة التي تم الاتفاق عليها، والمؤلف والمخرج يجب أن يصلا لنوع من الالتحام للوصول سويا لعمل جيد، وعندما اشتغلت مع أسامة نور الدين في «الغار» رغم صعوبته بدأنا انا وهو رسم الصورة سويا، المرة الوحيدة التي تعاملت فيها مع نص لم يكن من اختياري هو « نص الملكة والخليفة» لأبو العلا السلاموني، وهو كنص أدبي ممتاز ولكن على مستوى الرؤية كان مختلفا، فتحدثت معه،  فقال لي افعل ما تريده بالنص حسب رؤيتك، واحببت النص وصعدت الحكاية من الملكة والخليفة إلى المحروس والمحروسة، ليتحدث بشكل عام وليقدم قضية تمس الناس، وقدمنا النص وكنت اول مرة أقدم فكرة التمثيل داخل التمثيل، ونجح العرض، وتعاملت بعدها مع محمود الطوخي في عرض « غيبوبة» وميول محمود الطوخي تختلف تماما عما تعاملت معهم، فهو يقدم الكباريه السياسي وأنا لم أقدم ذلك مسبقا ولكن كان لدى الحماس للتجريب ، وبالفعل قدمت تجربة غيبوبة ولاقت نجاحا لأنها كانت بعد الثورة و كان فيها رصد المتغيرات. وقدمت في 2016 عملا باسم « واحد تاني» تأليف مصطفى سعد، وكان مؤلفا ومخرجا عظيما وله منهج ورجل مسرح له فكر خاص، وكان مرنا جدا، وسعدت جدا بتجربة العمل معه.
وختم سرور قائلا: المخرج عندما يتعامل مع النص المسرحي باحترام ووعي بمفهوم ما يقدم يصل به للناس، ويكون على علاقة مع الكاتب سواء حيا أو متوفيا لديه الأمانة والضمير المهني تجاه الورق.

وعبر المخرج أحمد طه قال: أرى أن اختصار مفهوم المخرج في علاقته بالنص المسرحي كلام ضيق، لأن تربة المخرج المسرحي أشمل من فكرة النص فقط.
أضاف : كانت المرحلة الأولى من حياتي في التعامل مع النصوص المسرحية بقدر ما كان بها من مراهقة السن بقدر ما كانت الوعاء الذي خرجت منه إلى مسرح الجامعة ومسرح كلية الحقوق، كنت وما زلت ابن التجربة الناصرية وابن نادي الفكر الناصري الذي مارست المسرح بداخله، فالسنوات الأولى من بداياتي كان المسرح يقتصر مفهومه على السياسة والمعارضة ، اما كيف تختار نصا فبالتأكيد يتم اختيار النص الذي يأسرك ويدهشك وتكون قد شاهدته على المسرح اثناء قراءته، في تجربتي المتواضعة لم يكن من الضرورة أن يعجبني النص فأقدمه، وإنما كنت استدعيه في لحظة، فليس من الضرورة أن يكون يومي وإنما قد يظهر من ذاكرتي وقراءاتي الأولى. وهذه المرحلة لم تستمر طويلا لأني خرجت من مسرح الجامعة لعالم أكثر اتساعا وهو العمل في مسرح الأقاليم وكان ذاك اختياري رغم اني ابن العاصمة، وهو ما أعطاني الفرصة للسعي وراء عروض الوزير والميرغني، وبدأت تتشكل اختيارات أخرى للنصوص لدى، إلى أن جاء هوس جيل التسعينات الضائع  والذي كان لديه الولع والاهتمام بمسرح الصورة.
وأوضح طه أن : المخرج هو مؤلف العرض المسرحي كما هو معروف، انا بدأت مما وصل إليه الآخرون فتركزت لدى المفاهيم، كانت المرحلة الأولى المسرح السياسي حتى سنة 95 .. ثم تغير مفهومي تماما بجانب محاولتي لامتلاك ادواتي في التعامل مع النص المسرحي ومع فريق العمل. لكن كانت لدى جملة سحرتني
فأنا من دراويش وتلامذة مراد منير، وفي خلال الشهور التي ساعدنا فيها قال لي جملة لم أستطع نسيانها «أهم ما في الشغل أن يكون المشاهد سعيدا بالعرض فالمتعة هي الأهم، ونحن لن نستطع إصلاح الكون» فكان همي الكبير كيف اجعل المشاهد سعيدا بالعرض واستطيع أن اغير من مشاعره ووجدانه، وكنت أحسد حسن الوزير على تجربته مع هشام السلاموني.
واضاف: لم يتحقق لي خلال مشواري الصغير أن أكتب نصا مع مؤلف أو نشتغل على فكرة فيخرج منها منتج مسرحي، كانت تجربة تسحرني جدا فكنت أجري وراء حسن وهشام السلاموني، وكانت مكتبتي المسرحية وما قرأته من قبل وعمل تماس مع الواقع في تلك اللحظة أو مع بعض أفكار تخصني في تلك اللحظة هو المحرك للاختيار. وأنا أرى أنه المخرج يجب أن يكون قادرا على الاحتشاد وعمل التماس مع العرض وإدارة العناصر الفنية، واتفق في أن لدينا مناطق مهملة فنحن نعظم جدا دور النص ولكن في إطار تعظيمنا وتقديسنا لدوره  نغفل العناصر الهامة في المنتج المسرحي مثل الاعتماد على الفنون الأخرى مثل الفن التشكيلي والموسيقى والرقص.... وغيرها ؛لأنها تشارك المؤلف في الطرح. وكان من حسن حظي اني تعلمت على أيدي أساتذة كبار ، وحاولت من خلال مشواري البسيط أن أقدم مسرحا جيدا، فالمخرج هو صانع العرض المسرحي، وأنا أرى أن المخرج المسرحي في مصر الآن متأخر جدا في قيمته التقديرية المعنوية والمادية.


سامية سيد