كوفــيد يفرض حضوره على ديفيليـه 19

كوفــيد يفرض حضوره على  ديفيليـه 19

العدد 749 صدر بتاريخ 3يناير2022

على مسرح الجمهورية وضمن عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، قدمت فرقة الرقص المسرحي الحديث عرض «ديفيليه» من إخراج وليد عوني. منذ اللحظات الأولى لدخول المتفرجين لصالة العرض يجدون أنفسهم جزءا من اللعبة بداية من الستار المفتوح لخشبة المسرح كاشفا عن تفاصيل الديفيليه حيث الملابس المعلقة على الحاملات الخاصة بالملابس التي عادة لا تظهر في عروض الأزياء، ولكن العرض هنا يبرز وجود هذه الحاملات ويقوم بتوظيفها خلال لوحاته، فظهرت هذه الحاملات في عمق المسرح وعلى الجانبين، وخلال الدقائق الأولى يظهر وليد عوني مخرج العرض وهو يقوم بأعمال النظافة باستخدام مكنسة بيد خشبية، وكأنه يعد المكان لبداية العرض ثم يقف مواجها للمتفرجين متوجها بنظراته بينهم مبتسما وموجها لهم القبلات، وينادي فريق العمل بأسمائهم جميعا مستدعيا لهم للظهور على خشبة المسرح، فيقومون بالوقوف بمواجهة المتفرجين أيضا، وعقب توجيه نظراتهم وقبلاتهم إليهم تبدأ اللوحات الراقصة.
   هذه البداية كانت من شأنها أن تثير انتباه المتفرج ومعها يدرك أنه إزاء عرض غير تقليدي، وهو ما يتأكد مع توالي المشاهد، حيث يدور العرض حول ديفيليه وفريق العمل المشارك به، وخلال اللوحات يظهر تجسيد حركي للمعاناة التي نعيشها منذ ظهور كوفيد وتأثيره على كافة مظاهر الحياة والعلاقات الإنسانية، فها هو عرض الأزياء يبدأ ويرتدي المشاركون ماسكات الفم والأنف اللامعة زاهية الألوان حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من نشاطات الحياة، كما يظهر أحد مرضى كوفيد ويؤديه وليد عوني، فيبدو مؤديا لرقصة وكأنه يعزف على آلة الساكس فون ويشاركه ممرضات تقمن بتمريضه، إلى جانب ظهور بعض المرضى يرتدون ماسكات الوجه ويؤدون حركات راقصة تعبر عن الألم الذي يعاني منه مريض كوفيد، والأمر ينسحب أيضا على العلاقات الإنسانية التي ينكشف أمر بعض منها مع حلول الوباء، فتظهر الفتاة التي تؤدي رقصة بفستان الزفاف، ولكنها سرعان ما تصاب بكوفيد فترتمي على أحد المقاعد، ورغم بقاء حبيبها بجوارها لدقائق فإنه يبدأ بالبحث عن امرأة أخرى، وحين يجدها يبادلها لحظات العشق على مقربة من حبيبته الملقاة على المقعد، كما يتخلل العرض مشاهد كلامية قصيرة وهي مشاهد فردية تؤكد على العزلة التي خلفها الوباء، فتظهر فتاة ترتب ملابسها وتنظر في المرآة مزهوة بجمالها الذي ليس له مثيل، وفي مشهد آخر تظهر فتاة ترتدي لثوب مزين بالصور التي تحمل ذكرياتها في الماضي ولا تتحدث عن الحاضر الذي يخيم عليه الوباء.
    يعتمد العرض على استخدام رؤى غير تقليدية في الطرح والتلقي، كاسرا للحدود بين خشبة المسرح والصالة في أكثر من موضع، بداية من جلوس بعض المؤدين يمينا ويسارا كمتفرجين يتابعون ما يقدم من لوحات استعراضية ويشاركون في مشهد أو آخر، وكثيرا ما تتوجه نظرات المؤدين متطلعين بشكل مباشر إلى المتفرجين يشاهدونهم وكأنهم هم الجمهور، ومن خلال الحوار المباشر مع الجمهور تقوم بعض الشخصيات بتقديم ذاتها مثلما فعلت الفتاة التي تجسد شخصية شهرزاد، فخلال المشهد ظهرت المؤدية بملابس حديثة لامعة وقامت بتعريف نفسها بأنها شهرزاد، وذلك في مفتتح اللوحة، ثم تبدأ بتقديم استعراض بمشاركة الراقصات ثم الراقصين ممن يجلسون على جانبي المسرح. ويتم استفزاز الجمهور في موضع آخر حين يقوم وليد عوني من خلال شخصية المخرج التي يؤديها بالنزول للصالة وإلقاء أعواد المكرونة على المتفرجين.
    يدور العرض في إطار غير واقعي في شكل ساخر أقرب لأجواء الحلم، مستفيدا عوني من رؤى الدادية والسيريالية في كسر ما هو تقليدي؛ بل واستفزاز المتفرج أحيانا، فنرى الرقصة الشهيرة للبجعات الأربع من باليه بحيرة البجع يؤديها أربعة رجال يرتدون زجاجات بلاستيكية في أقدامهم ويؤدون الرقصة بشكل ساخر على موسيقى الباليه الشهيرة لتشايكوفسكي وسط صرخات امرأة وطرقات الزجاجات البلاستيكية على الأرض وتشويشها على إحدى العلامات الكلاسيكية، ويتم تقديم شهرزاد في صورة استعراضية معاصرة على نفس موسيقى كورساكوف الكلاسيكية، ونرى شابا في عرض الأزياء يرتدي بدلة لامعة زاهية الألوان مرتديا لحذاء نسائي عال الكعبين، كما يظهر طبيب يرتدي الزي الواقي من الوباء ويمسك بكرة ضخمة وكأنها الكرة الأرضية يحركها يمينا ويسارا تارة أو يحملها على ظهره تارة أخرى، مجسدا اللوحة التي انتشرت مؤخرا في ظل الوباء، فظهرت اللوحات الاستعراضية منفصلة يربطها انتماؤها للديفيليه والرابط الأبرز هو حضور كوفيد على كافة اللوحات.
   استطاع وليد عوني تقديم لوحات استعراضية متنوعة جسد من خلالها تأثير كوفيد على شتى مظاهر الحياة، مبرزا الإمكانات الجسدية للمؤدين، وموظفا الطبيعة المرنة للرقص الحديث في تعميق الأسلوب الساخر الذي تعرض به لأزمة كوفيد 19، معتمدا على مقطوعات موسيقية تنوعت بين الشرقية والغربية، منها ما هو معروف ومنها ما تم وضعه خصيصا للعرض، وجميعها تم اختيارها وتوظيفها بشكل دقيق، ولعبت الملابس وتصميمها وألوانها دورا مهما في كل لوحة وكانت ملابس جريئة في تصميمها وألوانها، إلى جانب الدور الذي لعبته الإضاءة في استكمال الصورة المبهرة للاستعراضات والملابس، خاصة وأن الفضاء المسرحي هنا قد اتسع ليمتد إلى عمق المسرح وأقصى الجانبين.
    نجح ديفيليه 19 في جذب المتفرج منذ البداية وحتى النهاية عند خروج المؤدين دون تمهيد لنهاية العرض، تاركين الجمهور في حالة تساؤل: هل انتهى العرض أم لا؟! فكان بالفعل عرضا مثيرا للتساؤلات استطاع أن يشغل ذهن المتفرج.


شيماء توفيق