«عبث إدريس وعبد الصبور في المسرح المصري»

«عبث إدريس وعبد الصبور في المسرح المصري»

العدد 742 صدر بتاريخ 15نوفمبر2021

في إطار احتفالات وزارة الثقافة بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور وتحت رعاية وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وإشراف رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي المخرج الكبير خالد جلال.
احتفى المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة الفنان  ياسر صادق، بالشاعر الكبير الراحل صلاح عبد الصبور، في تمام السابعة والنصف مساء الأحد 24 أكتوبر 2021م بقاعة المجلس الأعلى للثقافة وبتقدمة للدكتور مصطفى سليم لدراسة تأليف دكتور أحمد سخسوخ، وبحضور عدد كبير من الأكاديميين والإعلاميين والشعراء والمهتمين بمجال المسرح منهم: د. أسامة أبو طالب، الشاعر والكاتب عماد عبد المحسن مدير النشاط الثقافي والفني بقطاع شئون الإنتاج الثقافي، الشاعر والإعلامي د. عادل معاطي، الناقد المسرحي أحمد عبد الرازق أبو العلا، د. علاء قوقة رئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، د. مختار يونس.
بدأ الاحتفاء بتقديم الفنان ياسر صادق للحفل وتقديم فيلم تسجيلي وثائقي بعنوان «فارس الكلمة» من إعداد وإخراج كريم الشحري، واستعرض الفيلم السيرة الذاتية والمسيرة الفنية ورحلة عطاء الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، و شهادات كل من ( ا. د. أحمد مجاهد، الشاعر والاعلامي عادل معاطي، المخرج محمود فؤاد صدقي، ا. د. علاء قوقة، ا. د أسامة أبو طالب) والفيلم من إنتاج المركز القومي الثقافي للمسرح. 
ثم قدم د. مصطفى سليم رئيس قسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون،  دراسة تناولت إصدار المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية «عبث إدريس وعبد الصبور في المسرح المصري» تأليف: د. أحمد سخسوخ.
د. مصطفى سليم: صلاح عبد الصبور متوافق مع ذاته 
 استهل د. مصطفى سليم حديثه بالوقوف دقيقة حداد على الراحلين ا. د. فوزي فهمي وا. د. صلاح الراوي. 
ثم قال: دعونا نجتمع في رحاب شاعر يغوص في أعماقنا دعونا نتجاذب أطراف الهوى والشعر والتجمع في ذكر مآثر الفارس الشاعر المسرحي الكبير صلاح عبد الصبور. 
ان هذا الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه أخذنا إلى عوالم مختلفة تتجاوز حدود الدراسة التي كتبها أستاذنا المعلم الراحل الدكتور أحمد سخسوخ فهذه الدراسة التي بين أيدينا والتي تحمل عنوان عبث إدريس وعبد الصبور ربما تكون في حدود أضيق بكثير من هذا الطموح الذي صنعه هذا الفيلم الذي أنتجه المركز القومي للمسرح للمخرج الموهوب كريم الشحري. 
وتابع سليم : هذه الدراسة في عجالة « عبث إدريس وعبد الصبور في المسرح المصري» هي دراسة تقوم على فرضية أن يوسف إدريس لم يكن يريد أن يقدم عبثا ولم يقصد أن يقدم عبثا في مسرحية الفرافير، أما صلاح عبد الصبور فكان يقصد أن يقدم عبثا وبالتالي نجد صلاح عبد الصبور متوافق مع أستاذنا ذاته أما يوسف إدريس غير متوافق مع ذاته. 
والحقيقة يستوقفني سؤال قد يغير نظرتنا لموقف الكاتب فماذا لو لم يكن يوسف إدريس قد كتب مقالاته الثلاث الشهيرة «نحو مسرح مصري» في مجلة الكاتب وكتب هذا النص (الفرافير)، هل كان تقييم أستاذنا الراحل الدكتور أحمد سخسوخ كان سيختلف؟ وهل كانت نظرته لما أسماه بعبث إدريس كان سيختلف؟ .
هل بالضرورة علينا أن نقرن الإنسان الطيب من «ستشوان» بنظرية المسرح الملحمي حينما نتعرض لشاعر كبير اسمه « برتولت بريشت «الذي كتب قصيدة رائعة عن الفقراء و كانت الكلمة المفتاح فيها « أنهم فقراء بلا مأوى» لقد عاشت القصيدة فلتذهب النظرية إذن إلى حيث تذهب فقد انتهت النظرية و عاش الشاعر. 
استكمل سليم قائلا: حينما أنظر إلى الفرافير بمعزل عن دعوة نحو مسرح مصري أجد أن الكاتب شاء أم أبى لم يكن يقصد بالضرورة أن يقدم مسرحا مستفيدا من مسرح العبث حتى وإن بدا غير ذلك، فالدلائل كثيرة وهذا ما يثبته العالم الكبير الدكتور أحمد سخسوخ في كتابه، هو يثبت أن يوسف إدريس نقل أفكارا بعينها وأن نفس الأفكار قامت عليها مسرحية» مسافر ليل»، اذا المشكلة الوحيدة أن يوسف إدريس سبق هذا النص بتنظير يهدف فيه تأصيل المسرح المصري. 
وأضاف سليم: إننا أمام كاتبين كبيرين قدما نموذجين لمسرح العبث على حد تعبير دكتور أحمد سخسوخ وهذا ما تثبته هذه الدراسة بغض النظر عن التقييم النهائي لكاتب الدراسة. 
الفارق في الحقيقة في نظري أن النموذج الأول انطلق من وضعية ذات صبغة شعبية ثم ذهب وراء التجريد لمنطقة عالمية خارج الأطر الشعبية حيث بدأ من سامر شعبي ثم قام بالتجريد ثم التجريد ثم التجريد إلى أن وصل لمرحلة يمكن أن نسميها كونيه في علاقة السيد بالعبد. 
وبالتالي فإن الوضعية الرئيسة تنطلق من شكل شعبي ولكن تنتهي إلى قضية إنسانية مجرده تتجاوز حدود الثقافات المحلية، أما صلاح عبد الصبور فقد بدأ من وضعية عالمية إنسانية موجودة في كل مكان وكل قومية وفي كل ثقافة، وهي علاقه الراكب بعامل التذاكر، أما علاقة السيد بالفرفور فنجدها في السامر الشعبي و علاقة الراكب وعامل التذاكر فهي في كل مكان وزمان، لكن الإثنين استخدما نفس الأدوات، ويثبت دكتور أحمد سخسوخ أن ملامح بعينها مكررة في النصين لكنه دائما يرى ان تمثل ادريس هو نوع من الفشل أما تمثل صلاح عبد الصبور فليس فشلا.

وأضاف سليم: أنا أعتقد أن هذه هي نقطة الخلاف بيني وبين العلامة الكبير الدكتور سخسوخ وكنت أتمنى أن يكون على قيد الحياه لأناقشه في هذا الأمر. الإثنين نجحا بنسب ما في تقديم مسرحية خالدة أما النجاح الكبير لمسرحية مسافر ليل فلم يكن انعكاسا لتمثل النص للعبث وانما في رأيي منبعه أنه قطعة من المسرح الشعري لا يفوقها قطعة في الوطن العربي وفي اللغة العربية بوجه عام فهذه المسرحية أكثر نقاء من الناحية الدرامية في تاريخ المسرح الشعري العربي. 

واستكمل سليم قائلا: كانت لي تجربة شديدة الأهمية مع الفنان وليد الشهاوي في مرحلة الدراسات العليا، قلنا لماذا لا يلحن نجيب سرور؟ لماذا لا يلحن صلاح عبد الصبور؟ نحن في حاجه لمسرح موسيقى ولدينا شعراء أجلاء، حين قرأنا النص كما هو مكتوب وجدنا صعوبة كبيرة في أن يخضع لقوالب موسيقية ومن المستحيل أن يفكر أي إنسان أن يقوم بعمل دراماتورج ل «مسافر ليل» فهي لا تحتاج لدراماتورج مهما كانت الرؤية مختلفة، فالنص مكثف بدرجة لا تستطيع معها الأخذ منه أو الإضافة له، فما الحل؟ دخلنا أنا ووليد المغامرة فقال وليد احتاج لسطور متناسقة لعملية التلحين فعرضت عليه استخدام المد و التكرار مثلما يحدث في حلقات الذكر وقمنا بالتطبيق مدا وتكرارا لبعض الأحرف والكلمات حتى انتهينا من النص موسيقى وألحان ، فحصل الشهاوي على تقدير امتياز واستقطبه مسرح الطليعة فقدم التجربة. 
في مسرحيه «مسافر ليل» أنت تنسي الشعر فالدراما تأخذك من البداية للنهاية، وأن الشعر هو جزء من جمال هذه الدراما وليست الدراما مرسخة لكي أقول قصائد شعرية أو هي مناسبات لكي اقول أشعار . 
أما التجربة الأخرى التي يمكنني الوقوف عندها ولأننا بصدد الحديث عن المسرح وليس عن قصيدة، هي التجربة التي تحدث عنها الدكتور علاء قوقه في الفيلم حين قدم محمود فؤاد صدقي النص كما يتمنى المؤلف داخل قطار، وكم كنت أتمني أن يكون أحد ركاب هذا القطار الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور في تصوري إنه كان سيشعر انه النص الذي كتبه يتنفس داخل قطار صدقي. 
الجمال في التجربة أن فريق العمل تلبسته حالة صلاح عبد الصبور فصاروا أمناء عليه أكثر من أي أحد آخر وصارت التجربة وثيقة في تاريخ المسرح المصري لمسرح صلاح عبد الصبور. 
وأنهى د. مصطفى سليم كلمته قائلا: هذه الدراسة التي تستعرض مواطن العبث في مسرحيه إدريس وعبد الصبور هي دراسة جادة وهامة وتطرح الكثير من الأسئلة ، وسؤالي انا.. ماذا لو خلصنا نص يوسف إدريس من التنظير الذي سبقه وخلصنا نص صلاح عبد الصبور من اعتراف صلاح عبد الصبور أنه معجب بأونيسكو، هل تقييمنا للنصين كنصين عبثيين سيختلف، أم أننا سنخرج بنفس المخرجات التي وصل اليها الراحل الدكتور أحمد سخسوخ.
شهادات ورؤى الكتاب والشعراء حول الشاعر و الكاتب الكبير صلاح عبد الصبور 
د. أسامة ابو طالب: كل ما كتب عن مسرح العبث في العالم العربي إنما هو تقليد للشكل فقط وليس تقليد للروح
  استهل د. أسامة كلامه بسعادته لوجوده في هذا المكان قائلا:  أنا في الحقيقة سعيد ومتأثر جدا لوجودي بين حضراتكم وسعادتي أكثر حينما أتذكر أن هذا المركز وضع بين أيدي أمينة مع الفنان القدير ياسر صادق وتحت رعاية وزيرة الثقافة التي اهتمت كثيرا بالاحتفال والاحتفاء ب الكاتب والشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وأشكر كل من حمل الأمانة وحافظ على التراث في المركز القومي للمسرح. 
تابع أبو طالب: الحقيقة إن مسرح العبث لا يمكن أن يكتبه عربيا على الإطلاق لأن هذا الهم غير موجود أبدا «هَم العبث» هو هَم أوروبي فالمواطن الأوروبي يحدث له رعب من الهواجس النووية. 
ولكننا هنا لا نشعر بذلك ولا نحمل هما لذلك فهمومنا مختلفة عن الهموم الأوروبية وبناء على هذا كل ما كتب عن مسرح العبث في العالم العربي إنما هو تقليد للشكل فقط وليس تقليد للروح، والروح هو الهم الذي يجعل من هذه القطعة المسرحية صادقة كل الصدق فيتناولها ممثل أو مخرج أو ناقد لأنه يبحث عن هذا الهم الذي هو الدافع لكتابة هذه المسرحية وليس لتقليد هذه المسرحية، ما عدا محاولتين اثنتين فقط من وجهه نظري يطلق عليهم هذا العبث، المحاولة الأولى هي التجربة العظيمة الأولى «مسافر ليل»، والتجربة الثانية هي « الغرباء لا يشربون القهوة» لمحمود دياب هاتين المسرحيتين فقط وليس غيرهم على الإطلاق يحملون هذا الهم، الهم الكوني في «مسافر ليل»، والهم السياسي في «غرباء لا يشربون القهوة» فهذا ينطبق على العالم كله.
استكمل أبو طالب:  أما عن علاقة السيد بالعبد التي حدثنا عنها دكتور مصطفى سليم هي علاقة لا تمثل مسرحة العبث فهي علاقه اجتماعية في الأداء فهي سياسية واقعية اجتماعية، ولكن أمام هاتين المسرحيتين فقط كُتب كثيرا لمن يدعون كتابة المسرح العبثي لأنه من السهل جدا ان تقلد القشرة الخارجية التي تقوم على الغرابة، والغرابة ليست على الإطلاق هي السمة الأساسية في مسرح العبث؛ لأن في مسرح العبث مسرحيات تبدو كأنها واقعية على سبيل المثال وتبدو مسرحيات أخرى وكأنها فانتازيا وأخرى ديستوبيا.. وهكذا، فكلها كتابات تدل على منهج مهم جدا في مسرح العبث وهو المعاناة فعلا معاناة الحرب ومعاناة البشر ومعاناة الكنيسة الكاثوليكية من تاريخ الظلم في أوروبا، والمعاناة التي أحدثها عالم التنوير الجديد ورفضهم كل الميتافيزيقا، ثم نفى الميتافيزيقا كاملة وبالتالي أطلق على هذا المسرح العبث ولم يطلق فجأة على الإطلاق ولكن تجمع الفنانين التشكيليين مثل سلفادور دالي ومعه كتاب وآخرين وقالوا: أننا نقوم بعمل ثورة على الواقعية وثورة على المسرح البرجوازي والفن البرجوازي و بورتريهات الفنانين... الخ
كل هذا يجعلنا نؤسس لحركة جديدة وسميت في البداية «بالحصان الخشبي» عندما تم البحث عن أول كلمة يروها في القاموس ومنها ظهرت السريالية بالاتفاق مع اندريه بريتون     والرمزية الفرنسية. وتبلور هذا المسرح وبجانبه كان المسرح الملحمي في أوروبا الذي كان ينتمي انتماءً كاملا للواقع وتم هذا المسرح الذي كان له  صلات قوية ب سلفادور دالي وبيكاسو... وغيرهم، وكل ما يعبر عن الواقع تعبيرا لا واقعيا. 
واضاف د. أبو طالب : أردت أن أثبت في هذه المسألة أن مسرحية الفرافير وكما قال سيدنا علي بن أبي طالب « لولا أن الكلام يعاد لنفد «  فنحن نأخذ الفكرة ونقلبها ونقدمها بأشكال جديدة، ولكن ما أثبت عليه تماما أن المسرح العربي بأكمله ليست فيه إلا مسرحيتان  تحملان هموم العبث وهم مسرحيتي «مسافر ليل» و»الغرباء لا يشربون القهوة».
الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا: صلاح عبد الصبور هو رائد الدراما الشعرية ونصوصه تكتمل فيها شرط الدرامية. 
عبد الرازق: الدرامية في الدراما الشعرية هي الأساس وهي الجوهر 
استهل الناقد والمسرحي أحمد عبد الرازق أبو العلا كلمته بشكر كل من اهتم بهذا الحدث واخراجه بهذا الشكل الجيد، وتابع : سألت نفسي لماذا يعتبر صلاح عبد الصبور ناجحا في تقديم المسرح الشعري؟ 
إن صلاح عبد الصبور هو رائد الدراما الشعرية لأنه بالفعل استخدم الدراما، فاللغة الشعرية ما هي إلا أداة تساعد هذه الدراما. 
وتابع عبد الرازق:  علاقة صلاح عبد الصبور بالمسرح العالمي علاقة قوية فهو شاعر وقبل أن يكتب المسرحية الشعرية ترجم إليوت... وغيرها من الترجمات وهذا مما يكشف كم كانت علاقته بالمسرح، فهذه العلاقة ترجمها في الترجمة، وترجمة النصوص عرفته معنى الدرامية التي ينبغي على كاتب المسرح أن يتمسك بها لأنها الشرط الأول، أما الشعر فهو مجرد أداة، وهنا نجح عبد الصبور عن أبناء جيله الذين قدموا مسرحا شعريا مثل مهران السيد ومحمد إبراهيم أبو سنة وأنس داود وغيرهم ولكن نصوص هؤلاء لا تحقق الدرامية في مسرحياتهم حيث غلبت الشعرية الغنائية وأخرجت نصوصهم من هذه المنطقة، لدرجة أنه يصعب تقديم هذه النصوص على خشبة المسرح اليوم، ففي هذه الحالة يجب إعادة كتابة هذه النصوص مرة أخرى لتقديمها. 
واستكمل عبد الرازق قائلا : أما نصوص صلاح عبد الصبور تستطيع أن تقدمها وقدمت بالفعل كما كتبها صلاح عبد الصبور على خشبة المسرح لأن فيها شرط الدرامية هذا الشرط الذي لم يستطع تحقيقه معظم الشعراء إن لم يكن كلهم الذين لجأوا إلى كتابة المسرحية الشعرية. 
ومن المفارقات الغريبة في هذا الإطار الذي يثبت ما ذهَبْت إليه من أن الشاعر الذي يريد ان يكتب مسرحية لابد أن يقرأ جيدا صلاح عبد الصبور؛ لكي يعلم كيف استطاع صلاح أن يزاوج بين الشعر كأداة درامية وليس الشعر وموسيقاه المتعارف عليه وبين أن يحقق كل شروط الدراما، فالشاعر إذا أراد ان يكتب مسرحا شعريا عليه أن ينحي اللغة الشعرية جانبا و يضع في المقدمة الدراما. 
وتابع : يعتبر صلاح عبد الصبور مدرسه نتعلم منها الإشكالية التي مازالت حتى الآن قائمة حتى لدى الكتاب الجدد الذين يكتبون مسرحا شعريا فهذه المسرحيات لم تقدم على خشبه المسرح لافتقادها الدراما ولأنها لا تصلح للأسف للتقديم على المسرح؛ لان الكاتب لم يكن مدركا لهذه الإشكالية وهي إشكالية ان تكون الدرامية في الدراما الشعرية هي الأساس وهي الجوهر، واستطاع صلاح عبد الصبور ان يحقق هذه المسألة فعلى الرغم من أنه قدم فقط خمسة نصوص إلا أن هذه النصوص الخمسة تعد نموذجا جيدا فهي على مستوى الوطن العربي الريادة للمسرح الشعري الحقيقي الذي لم ينتصر للشعر بقدر انتصاره للدراما.
د. عادل معاطي: أهم أدوات أي كاتب هي اللغة 
كلمه الاستاذ الدكتور عادل معاطي:
 أنا أعتبر نفسى محظوظا لأن أول مؤتمر ثقافي إعلامي حضرته كان في الزقازيق سنة 84 وكان صلاح عبد الصبور شخصيه المؤتمر، وتمر هذه السنوات لنتكلم اليوم عن صلاح عبد الصبور أهم شاعر وكاتب استطاع ان يؤثر فينا جميعا هم كمثقفين وشعراء، وانا ايضا محظوظا عندما دخلت التليفزيون وكنت مذيعا في البرامج الثقافية وكانت بالصدفة مدير البرامج الثقافية الأستاذة الراحلة سميحة غانم زوجه الأستاذ صلاح عبد الصبور، فكانت فرصتي أن أدخل بيت صلاح عبد الصبور وأتلمس أوراقه ومكتبه وكنت حريص أن أرتب مكتبته، فلم يكن لي الحظ في مقابلة صلاح عبد الصبور  من قبل. 
 تابع معاطي: أنا أعتبر أن أهم أدوات أي كاتب هي اللغة، واللغة هي رموز تقابلها دلالات، وقدرة الكاتب على توظيف هذه الرموز وتطويعها في كل مقام وكل مقال. 
انا أرى صلاح عبد الصبور في أعمال المسرح الشعري الذي أقوم بعمله،  فأنا احاول ان أحبو في عالمه بشكل أو بآخر، لكنني خضت تجربة استحضر فيها صلاح عبد الصبور في «عالم مسافر ليل» وجعلته جزء من التركيبة، وجمعت كل شخصياته في مسرحياته الخمس بحيث انه يتعامل معهم ويتقابل معهم ويتكلم معهم فشعرت في هذه المسألة أنه ليس بالضرورة أن ينفصل  الإتجاه العبثي في «مسافر ليه» مع الاتجاه الصوفي في «الحلاج» او الاتجاه الواقعي في «ليله والمجنون» او.. او.... 
ولكني شعرت انك تستطيع في أي من أعمال عبد الصبور أن تجد فيه من ملمحا من الملامح المختلفة. 
وأضاف معاطي: في كل هذه الأعمال استطعت أن أستحضر صلاح عبد الصبور وأجعله يحاور هذه الشخصيات جميعا و يحاول أن يصل معهم إلى بعض الرؤى والأفكار مع طرح شخصيات جديدة ربما أكون أنا من طرحها، ولكنها ليست من نتاجي فهي من نتاج صلاح عبد الصبور، منها مثلا شخصية عامل النظافة وهو من حاولت من ابتكره فهو يحاول ان يلتقط الأفكار التي تقع من الركاب في مسافر ليل ويضعها في  «كيس» وصندوق المفاجآت، فكان هذا فكر استنتاجي حاولت أن استوعبه من عالم صلاح عبد الصبور. 
د. مختار يونس: شعر صلاح عبد الصبور مرأي أكثر منه مقروء 
وعن صلاح عبد الصبور سينمائيا كانت كلمة الأستاذ الدكتور مختار يونس:
 حقيقه أنا أعمل بالصورة أكثر من عملي بالكلمة، فعندما نرى أعمال الراحل صلاح عبد الصبور نجد أن كل شعره سينمائيا وليس مسرحيا؛ لأنه كله صور، فشعر صلاح عبد الصبور مرئي أكثر منه مقروء، والأجيال تستطيع أن تتناقل هذا التصوير لأنه سيظل حيا ومستمرا لأجيال؛ لأنه ليس بالكلمة ولكنه كان يعبر بصريا ايضا.
د. علاء قوقة: صلاح عبد الصبور هو الكاتب الذي يستفز الممثل والمخرج والناقد والمحلل لأنه على قدر البساطة على قدر التعقيد والجمال
 استهل د. علاء قوقه كلمته  بان الحديث عن الشاعر صلاح عبد الصبور لا ينقطع وكل كلمة وعبارة كتبها تحتاج للتأمل. 
فشعره يتصف بالدرامية وليس مجرد كما كان الآخرون من قبله يتحروا شعر التفعيلة والعمودية والقافية، فذلك كان يجعل بعض الكتاب يكتبون بإسهاب فيقولون المعنى أكثر من مرة و بصور مختلفة رغم جودتهم في الشعر، وعلى رأسهم عبد الرحمن الشرقاوي وأحمد شوقي و عزيز أباظة، فلديهم من الرصيد الشعري ما يجعلهم داخل القالب الكلاسيكي، لكن صلاح عبد الصبور خَرَج الشعر من مجرد كلمة تُقال للقافية. 
وهذا الخروج جعله يتحرر من أن يجلس فترات طويلة يكتب ليصل لمعنى واحد فكان يصل بكلمة واحدة للعديد من المعاني، ومثال على ذلك في  مسافر ليل» جملته الشهيرة والتي يفهمها الآخرون خطأ «أنت قتلت الله وسرقت بطاقته الشخصية» ، تحمل هذه الجملة رغم بساطتها فلسفة ومعاني عديدة، فكيف تقال مثل هذه الجملة ولا يقع لها صدى داخل الأوساط الدينية والمواطن البسيط فكيف تؤدَّى ويفهم المواطن المقصود منها، فأخذت من الجهد والدراسة والتحليل كثيرا، وكانت البروفة تتوقف بالساعتين للمناقشة حول جملة ما، فيتم فتح افاق كثيرة في العمل من مجرد مناقشة بعض النقاط. 
وتابع قوقة: صلاح عبد الصبور هو الكاتب الذي يستفز الممثل والمخرج والناقد والمحلل لأنه على قدر البساطة على قدر التعقيد والجمال فالممثل يكون شاعر والمخرج يكون شاعر حتى يفهم كيف يكتب والمقصود من التركيبة والعلاقة بين الإثنين، فبساطة صلاح عبد الصبور تحمل الدرامية. ومسرحية بسيطة لصلاح عبد الصبور في 45 دقيقه قالت أشياء عديدة وتوصلت إلى العمق في حين مسرحيات أخرى تصل لثلاثة فصول ووقت أكبر من الساعات لا تصل منها لشيء.
الجدير بالذكر أن صلاح عبد الصبور كان من رواد الشعر والمسرح الشعري في العالم العربي، واقترن اسمه بكبار الأدباء والشعراء والكتاب العالميين، كما أنَّه كرَّس اسمَه إلى جانب روَّاد الشعر الحر، ومن أهم الجوائز التي حصل عليها صلاح عبد الصبور: جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته الشعرية الشهيرة مأساة الحلاج التي حصل في عام 1966م، جائزة الدولة التقديرية في الآداب والتي حصل عليها بعد وفاته في عام 1982م، الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة المنيا في عام 1982م، الدكتوراه الفخرية من جامعة بغداد كذلك بعد وفاته في عام 1982م.
ترك  صلاح عبد الصبور خلفه أعمالًا مسرحية وشعرية عظيمة كان لها تأثير كبير في عدة أجيال لاحقة من الشعراء في مصر خصوصًا والعالم العربي عمومًا.
ومن أهم مؤلفاته الناس في بلادي و هو أول ديوان شعري له
ومن مؤلفاته المسرحية خمسة أعمال فقط هي:
الأميرة تنتظر، مأساة الحلاج، بعد أن يموت الملك، ليلى والمجنون، ومسافر ليل.
وتوفي في أغسطس 1981.
 


سامية سيد