«التداولية في المسرح العربي - دراسة تطبيقية على نماذج مختارة»

 «التداولية في المسرح العربي - دراسة تطبيقية على نماذج مختارة»

العدد 742 صدر بتاريخ 15نوفمبر2021

تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «التداولية في المسرح العربي - دراسة تطبيقية على نماذج مختارة» مقدمة من الباحثة فاطمة جهاد عبد الرازق العطار، وذلك بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وتضم لجنة المناقشة الدكتور محمد شيحة، أستاذ الدراما والنقد معهد الفنون المسرحية (رئيسًا ومناقشًا)، الدكتور أحمد صقر، أستاذ الدراما والنقد المعاصر بكلية الآداب جامعة الإسكندرية (مشرفًا)، والدكتور إبراهيم حجاج، أستاذ النقد المسرحي المساعد بكلية الآداب جامعة الإسكندرية (عضوًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.
وجاءت رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحثة كالتالي:
شهدت الساحة الإبداعية العالمية والمحلية في مجالات المسرح والقصة والرواية والشعر وغير ذلك من فنون الإبداع الكثير من الثورات الفكرية والفنية في أركان الفنون، وقد شمل هذا التطور والتحول مناهج التحليل الأدبي والنقد المعاصر، حيث تداول النقاد بعض المصطلحات التي وردت في معظم دراساتهم حول العلامات، والمرسل والمستقبل، والتلقي، والقصدية / العمدية، وأخيراً التداولية، ولعل جل هذه المصطلحات التي جاءت متعاقبة إنما جاءت لكي تلاحق التطور الإبداعي وتتخطى مراحل الجمود التي قد تصيب مدرسة من المدارس النقدية، حيث أن السيميولوجيا بما قدمته واضافته إلى قراءة وتحليل ونقد الإبداع والتلقي من مقاصد المرسل والملتقي في الأجواء القصدية، وأخيراً التداولية التي جاءت استمرار لتطوير ما عجزت السيميولوجيا عن تقديمه، كل ذلك يؤكد إن ما توصل إليه النقاد ليس نهاية المطاف، لكننا في انتظار الجديد على الساحة الإبداعية والنقدية العالمية.
إذ تعد التداولية نسقا ًمعرفياً استدلالياً سعى إلى الوقوف على أغراض القائل المقامية (المؤلف والنص المسرحي)، من خلال معرفة الاستراتيجية الخطابية للنص، ومن ثم يكون المعنى المقامي أساس التفسير، وذلك بالكشف عن قيمة القول خارج العالم اللساني، بمعنى البحث عن البعد العملي للقول، ذلك أن التداولية تجعل القول اللغوي (الخطاب) حدثاً في العالم يسعى إلى التعبير عن طريق التواصل. 
وتعود نظرة التداولية إلى الخطاب المسرحي بوصفه موضوعاً خارجياً يحتاج إلى فاعل (مرسل) ويقوم على علاقة تخاطبيه (رسالة) أي أنها تدرس العمل الإبداعي عبر التركيز على قصدية المبدع ومحاولة رصد البعد الحجاجي والمنطقي في النص، فهي تركز على الجانب الاستعمالي والتواصلي للّغة التي تهدف إلى إقناع الملتقى واستمالته وتحقيق الأثر الإيجابي فيه من وجهة نظر المبدع، إذ تعتمد دراسة التداولية للإبداع المسرحي على النهج الذي تركز عليه الباحثة، ذلك أن المقاربة التداولية والتركيز على العناصر والوظائف التداولية للنص جلها محاولات تقوم بها الباحثة عبر هذه الدراسة وذلك من خلال قراءة الدلالات والمعاني، والإشاريات والمعنيات الزمانية والمكانية، ورصد الحوارات والبعد الحجاجي، والإحالات المرجعية للوصول إلى قصدية الكاتب والهدف من النص، وذلك باستخدام آليات المنهج التحليلي الوصفي التداولي.
فقد امتد مصطلح التداولية في مساحة واسعة من مساحات الدرس اللغوي الحديث والمعاصر؛ ليتصل بدراسات أخرى لها صلة بالسيمياء واللسانيات والمنطق وعلم الاجتماع اللغوي وعلم اللغة الاجتماعي، وذلك لكون التداولية تعتني في المقام الأول بالأفعال الكلامية وهذه الأفعال تطلق ويراد بها تحقيق الإنجاز في الاتصال الخطابي بين المتحدث والمستمع.
وعرفت التداولية في العقد السابع من القرن المنصرم، وذلك على يد ثلاثة من فلاسفة اللغة هم « أوستن، وسيرل، وجرايس «وانشغلوا بطريقة توصيل معنى اللغة الإنسانية والطبيعية من خلال المرسل إلى المستقبل وفقاً للتداولية.
وبما أن التداولية علماً جديداً على الساحة الأدبية والمسرحية خاصة فقد أثيرت أسئلة كثيرة منطلقها من كون التداولية علماً جديد عرفه العرب قديماً وهو ما يدفعنا إلى طرح مثل هذه الأسئلة:
_ أين تكمن تداولية المسرح بصفة عامة وأسلوب الحوار المسرحي بصفة خاصة؟ 
_ هل يستطيع المؤلف أن يتوقع ردود أفعال المشاهد المستمع لما يسمعه من حوار شخصيات المسرحية على خشبة المسرح؟ 
_ هل يوفق الملتقى في فهم مقولات الشخصيات؟ 
_ هل ستنجح المسرحية بعد فهم مقولات النص في تحقيق حالة من التواصل بين المرسل والمتلقي؟ 
_ هل تكفي الملفوظات والجمل القولية والبصرية لتحليل بنية الحوار المسرحي بوصفها وحدات صغرى لتحقيق التواصل مع المتلقي؟ 
_ هل يمكن لأفعال الكلام أن تتجسد في النصوص المسرحية؟ وما هو دور أفعال الكلام وكيف تؤثر في المتلقي في حالة ما تحققت أفعال الكلام فما هو دورها داخل المسرحية؟
نجد أن التداولية تبحث في كل ما من شأنه أن يقرب الفهم والتواصل بين المتكلم والمستمع، كما أنها تبحث في السياق وفي كل الظروف الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي يمكن أن تساعد المتلقي وتحرك قدراته للوصول إلى المعاني التي يتكلم بها ومقاصده وأغراضه من الكلام، فالمستمع يسعى وفقاً للتداولية إلى تحقيق معنى يكون متداولاً بين المتحدث والمستمع من خلال سياقات الكلام اللغوية والاجتماعية والثقافية، ونظراً لأن التداولية حقل شامل لمجموعة من العلوم والمعارف التي تجتمع لتوصيل معنى محدد؛ فعليه تصبح كل رسالة من المرسل إلى المتلقي -المستمع- تحمل الكثير من الإشارات والعلامات التي تركز على القصد والهدف للإبلاغ عن معان محددة، ومن خلال عملية الاتصال يتحقق التواصل بيننا في كل زمان ومكان، ويستمر التجاوب بين المرسل والمستقبل عبر العصور؛ ويتم ذلك اعتماداً على استخدام اللغة التداولية التي تسهل على المتلقي الفهم وتقرب النص بما يحمل من معان منه؛ ليتمكن من تأويله التوافقي بين دلالات ونظريات السيميائية ونظريات خطاب النص.
كما اهتمت التداولية بالشروط والقواعد اللازمة للملاءمة بين أفعال القول وبيّن مقتضيات المقامات الخاصة به أي العلاقة بين النص وسياق الكلام، ويلاحظ دوماً تلك العلاقة الوثيقة بين التداولية والدلالة والنحو حيث يجمع بينها جميعاً مستوى السياق المباشر، مما يجعل التداولية قاسماً مشتركاً في بنية الاتصال البلاغية والنحوية.
غير أن النظرية التداولية تبحث في استعمال اللغة وأفعالها في الخطابات الحوارية؛ وجدت الباحثة في البحث والتطبيق على بعض النماذج المسرحية مثل نص مسرحية الملك هو الملك للكاتب السوري سعد الله ونوس ونص مسرحية الليلة الثانية بعد الألف للكاتب الكويتي سليمان الحزامي نظراً لما تتميز به من غلبة الطابع الحواري عليها؛ مما يمكننا من دراسة تداولية اللغة أثناء الاستعمال؛ ولعل النصوص المسرحية تحقق ذلك بإظهار وظيفة اللغة التي تركز وبشكل رئيس على التواصل بين المرسل والمستقبل، إذ وجدت أن بتطبيق مبادئ التداولية على هذه النماذج قد حققت منها الهدف التداولي. 
وقد أثبتت قدرة المنهج التحليلي التداولي في تحقيق الجديد من قراءة النصوص المسرحية وذلك خلال تتبع الحوارات المتبادلة بين شخصيات المسرحية وفق سياق لغوي محدد وسيلته الوضعية التبليغية، ومن الممكن أن تحقق التداولية استنتاجات ما يشكل تطوراً في مناهج التحليل، ذلك أن التداولية تشكل منهجاً جديداً منذ سبعينيات القرن الماضي تسعى للإجابة على مثل هذه الأسئلة:
1- من يتكلم وإلى من يتكلم؟
2- ماذا نقول بالضبط حين نتكلم؟
3-  ما هو مصدر التشويش والإيضاح؟
4- كيف نتكلم حين نريد أشياء أخرى؟
وجدت الباحثة أن أهمية التحليل التداولي يكمن في إعطاء نظرة جديدة لتحليل النصوص وذلك عند تطبيق نظرية «الأفعال الكلامية» على النص المسرحي النثري، ذلك إن التداولية تدرس اللغة الفعلية «لغة النص» أو اللغة في الاستعمال، والنص المسرحي يحقق هذا الهدف لدى الدرس التداولي. 
فقد تهدف دراستنا للتداولية إلى رصد بعض الخصائص الفنية لبنية الحوار في المسرحية من خلال إطار نظري عام هو نظرية أفعال الكلام حيث استندنا إلى للأسباب التالية: 
- إن اللغة الأساسية هي وظيفة التواصل وهذا ما يجسده هذا الموضوع نظراً لغلبة الحوار على المسرحية مما يعطينا مجالاً واسعاً لتحليل النص. 
- يجسد النص المسرحي اللغة الفعلية أو اللغة في الاستعمال، حيث يعد النص المسرحي مجالاً لرصد الأفعال في النص الحواري المسرحي.
- إمكانية إحلال التداولية محل غيرها من مناهج التحليل.
- إمكانية تحقيق مبادئ التداولية ونظرية أفعال الكلام على أرض الواقع. 
وبعد الاستقراء والبحث وجدت الباحثة في أن المنهج التداولي هو عملية دمج بين كل المناهج الأدبية السابقة وذلك من خلال أن المنهج التداولي قد أثبت من خلال استعماله للغة وتوظيف جميع معطياته لخدمة النص الأدبي والذي أيضاً لم يفصل بين أحقية المؤلف في نصه وتأثيره عليه وبين البنية الداخلية للنص مما أثبت أن هناك ترابط بينهما وإن له أحقيته الشرعية في أن يكون النص في الحجر الأساسي لجميع الابداعات الفرجوية والسينوغرافية، وأن النص عبارة عن أداة تعبير مكتوبة بصياغة لغوية أدبية يدمجها المؤلف مع أفكاره ومعتقداته أو مناقشة موضوع وفكرة من اعتقاده بالتأكيد قد تأثر بها من حياته أو مجتمعه أو حالة معينة يعيشها، كما أن العلاقة قد تطورت بين النص والمؤلف والمستقبل وذلك من خلال استعمال اللغة وتوظيف أفعالها قد وصلنا إلى مفاهيم أدق وتفسيرات أوضح مما قد تكون عليه القراءة الأولية للنصوص بشكل عام، كما أن استعمال الفعل اللغوي له دلالات سيميائية تواصلية أكثر وضوح من التفسيرات السطحية للحوارات الخطابية، أي أن التداولية تجمع بين الكلاسيكية وما بعد الحداثة.
 


ياسمين عباس