التقويم الكامل.. للأداء المسرح (2-2)

التقويم الكامل..  للأداء المسرح (2-2)

العدد 728 صدر بتاريخ 9أغسطس2021

 حل مشكلة الفرقة الكسولة ثقافيا دون اللجوء إلى الإسناد :
يمكن أن نحافظ علي فكرة أن التقاليد المسرحية هي تسلسلات للملامح التي يوجد لها بدائل مقررة بدون قبول أشد تضمينات الإسناد قسوة(9) . ولأننا نستطيع أن نفعل ذلك، أؤكد أننا نستطيع أن نحافظ علي مبررات حدسنا فيما يتعلق بتفسيرات المتلقي التي سوف يقدمها المتلقي ذو الخلفية المناسبة في حالات مثل حالة الفرقة الكسولة ثقافيا . ولكي نرى لماذا ذلك، دعونا نختبر، بعناية أكثر مفهوم التقاليد الذي تبنيناه. فقد قٌدم هذا المفهوم لأنه عكس فكرة أنه إذا كان تسلسل الملامح هو نتيجة للاختيارات، عندئذ يمكن أن يكون كل اختيار معني قد اتخذ بشكل مختلف، وبالتالي يقدم تسلسل مختلف للملامح. فما نستطيع الحفاظ عليه من هذا المفهوم هو الفكرة الحاسمة المتمثلة في أن التقاليد هي ممارسات يمكن أدائها بشكل مختلف . وسوف نقدر علي الحفاظ علي هذا، علي الرغم من كل التقاليد، كما سنرى، لا تتكون من ملامح مختارة للعرض نتيجة للتشاور . فالمصادر التي نحتاجها لكي نرى أن كل هذا يمكن أن يوجد في النقاشات الحالية لطبيعة التقاليد الاجتماعية.
 تبدأ التحليلات البارزة للتقاليد الاجتماعية بالاعتراف بأن الاتفاقات الصريحة لا تبدأ أغلب التقاليد الاجتماعية . يضع كتاب اللغة الإيطالية للسنة الثانية الخاص بي في قائمة محتوياته العنوان التالي «تقاليد اجتماعية convenzioni sociali». وعادة ما يحيي الإيطاليون بعضهم البعض بالمصافحة. يعاملون الإيطاليون الذين يعرفونهم جيدا من خلال بناءات لغوية مألوفة، ويعاملون أولئك الذين لا يعرفونهم والأشخاص الأكبر منهم سنا باستخدام بناءات لغوية شكلية . ويضع الإيطاليون أهمية للألقاب بعكس الناس في أمريكا الشمالية، فألقاب مثل «دكتور «ودكتورة» لا تستخدم للأطباء وحملة دكتوراة الفلسفة، بل أيضا توجه لأي شخص لديه أي درجة جامعية . هذا يوضح أنواع الأشياء التي نعتقدها عندما نفكر في التقاليد الاجتماعية . بالتأكيد ليست الأمثلة الثلاثة التي قدمها كتابي المدرسي في اللغة الإيطالية هي أمثلة للتقاليد المكونة بواسطة الاتفاق الصريح . ولذلك، لا تنشأ كثير من التقاليد الاجتماعية بالاتفاق الصريح بين أولئك هم أجزاء منهم . ومع ذلك يبدو معقولا أن نسمي تلك التقاليد جزئيا لأن شيئا ما في تكوينها وتبنيها واستمرارها يلعب دور الاتفاق الصريح .
 والطريقة المعيارية لبحث من يلعب ذلك الدور هي بحث الحالات السهلة للتقاليد بالاتفاق لكي نرى ما هي صور التقاليد التي ما تزال فاعلة في حالات عدم وجود اتفاق واضح . ففي الاستخدام الأكثر تقليدية، وربما في الاستخدام الأصلي، يشير مصطلح « التقاليد « إلى الناس الذين تجمعوا معا لهدف ما، واتفقوا . وفي استخدام مبكر آخر، يشير المصطلح إلى أفعال جماعات من الناس اتفقوا علي إنشاء هذه الأفعال (10) . وما يبرز في الظروف الأصلية للتقاليد هو أنها تتعلق بالاتفاق الفعلي للناس علي حل بعض المشاكل المشتركة، للممارسات التي ينشئوها الناس الذين اتفقوا تحديدا علي هدف إنشاء مثل هذه الممارسات، ولحقيقة أن شركاء تلك الاتفاقات يجب أن يحافظوا علي ما تم ترسيخه .
 وقد نشأت عدة مناهج لتحليل التقاليد الاجتماعية منذ السبعينيات فيما يتعلق بما ينبغي أن نركز عليه في الظروف الأصلية . أحد المناهج، وهو العمل المهم الذي قدمه (ديفيد لويس)(11)، يركز علي فكرة التقاليد كحل للمشكلات المشتركة. وهذا المنهج مطلوب منه كيف يفكر في تلك المشكلات حتى يمكننا أن نرى كيف يصل الناس إلى الحلول بهذه الطريقة بموافقة معظم الناس الذين هم طرف في الحلول(12). وأهمية تحليل (لويس) في السياق الحالي له علاقة بتحليل ما نعنيه حين نقول إن الاختيار قد تم بطريقة مختلفة، أو أن بعض الأفعال قد تمت بشكل مختلف .
 يمكن توضيح جزء مما تعنيه أساليب الكلام هذه، فيما يتعلق بإعداد وتنفيذ الأداء المسرحي، بهذه الطريقة : عندما تصل فرقة مسرحية ما إلى تدريبهم الأول ويتسلمون النص الذي سوف يقيمون أدائهم علي أساسه، تسليما بالعمومية الكاملة للمسائل التي تواجههم، لا توجد طريقة محددة مسبقا منطقيا يستخدمونها في ذلك النص . ولا توجد حاجة ملحة لاستخدامه علي الإطلاق . فلابد من تحديد كل هذه المسائل، أو لا بد من افتراض كل قرار . حتى لو لم يقرر أحد ذلك .
 يقترح ( لويس) أننا نفهم فكرة أن الأشياء يمكن القيام بها بطريقة أخرى بالتزامن مع ادعائين : أن فعلا بديلا ما قد يخدم نفس الغرض بالنسبة لبعض الناس؛ وأنه إذا كان جميع الناس الآخرين تقريبا قد قاموا بهذا الفعل البديل، عندئذ يمكن أن يكون لدي أي واحد منهم سببا منطقيا وحاسما للقيام بذلك الفعل البديل أيضا . هذا التحليل المرضي بنفس القدر من شأنه أن يسفر عما نريده عن طريق وضع آلية لإنشاء التقاليد والمحافظة عليها، فان لم يكن ذلك من أجل حقيقة أنه يشوه بعض جوانب التقاليد الاجتماعية، فانه لأسباب مماثلة لن يستوعب الملامح المهمة في التقاليد الاجتماعية .
 في مقابل الجزء الأول من تحليل ( لويس )، جادل (تايلر بيرج Tyler Burge)(13) بأن هذا لا يمكن أن يكون هو المعنى الصحيح الذي تكون فيه التقاليد الاجتماعية اعتباطية . ويقدم (بيرج) حالة افتراضية لمجموعة من الناس الذين، رغم إقرارهم بوجود لغات أخرى، وأن استخدام إحدى اللغات الأخرى، كما يفعل العديد من المواطنين الآخرين، له العديد من المزايا مثل استخدام لغتهم الخاصة، مازالوا يعتقدون أن اللغة لها وزن ديني معين وبذلك يصرون علي أنه يمكنهم الاحتفاظ بلغة الرب حتى لو ضل الآخرون (14) . ويلاحظ أنه، علي الرغم من أن الاعتقاد نفسه ربما كان غير منطقي، فان معرفة أن الآخرين تحولوا لن توفر لهؤلاء الأشخاص أسبابا، ناهيك عن الأسباب الحاسمة للتحول إلى لغة بديلة(15) . والنتيجة هي أنه حتى عندما تدرك مجموعة من الناس الملائمين للتقاليد أن هناك بدائل – بدائل يوضح وجودها أنها ملائمة للتقاليد – فإنهم قد يرون بدائل مرضية بقدر متساو مع ما يقومون به .
 وليس لدينا سبب لتجنب الجزء الثاني من تحليل (لويس) أيضا . وتجادل (كاثرين لورد Catherine Lord )بأن التقاليد الفنية ليست متحفظة أصلا بنفس قدر تحفظ التقاليد الاجتماعية (17) . وتسليما بنموذج (لويس) في التقاليد الاجتماعية، فان لم يكن هناك سبب لتفضيل أحد البدائل علي الآخر، وإذا كانت الأفعال التقليدية هي تلك التي تم القيام بها من قبل لأن أفعالا سابقة تقدم حلا بارزا للناس، فلن يكون هناك أي سبب للتغيير . ولكن التقاليد الفنية تتغير بتكرار كبير . لذلك سواء كان تحليل (لويس) ملائم للتقاليد الاجتماعية من عدمه، فانه ليس ملائما لتحليل التقاليد ذات الصلة الفنية التي نهتم بها .
 التقاليد المسرحية، مثل أي تقاليد اجتماعية، تمثل شيئا يمكن القيام به بطريقة أخرى . وعندما تكون نتيجة للتداول، فان ما يتعلق بالموضوع له علاقة بحقيقة أن كل تسلسل بديل له وزن مختلف . فالبدائل لها تأثيرات إدراكية ولا إدراكية متوقعة علي المتلقين، ولذلك عندما يقوم المؤدون بالمداولة، فإنهم يبنون اختيارهم من أي تسلسل لتقديمه من خلال تأمل مجموعات المؤثرات هذه . لذلك، ربما يفكر المؤدون في شيء أكثر جوهرية من معرفة تفضيلاتهم وتفضيلات الآخرين عندما يتداولون حول البدائل . وهذا العامل يغير المعادلة فيما يتعلق باختيارات المؤدين بطريقة تشبه الطريقة التي يؤثر بها الاعتقاد بأن لغتنا تؤثر علي البدائل التي تواجه القبيلة موضوع دراسة (بورج) .
 ومع ذلك، يجب أن يكون هناك معيار ما لتحديد أن هناك شيئا بديلا ثابتا في الحالات التي لا يحدث فيها تداول . وأقترح التالي:
 لكل سلسلة من الملامح التي يستخدمها المؤدون في الأداء،   يوجد بديل حاسم، حيث أن كلمة “ حاسم “ تعني “ متاح “   للفرقة المسرحية لكي تقره .
 سوف يوجد فراغ ما لا نستطيع أن نقول بدقة ما هو البديل المتاح أمام الفرقة المسرحية لكي تقره . وسوف يكون شيء قوي أن نؤكد أنهم يجب أن يفكروا في الأمر بأنفسهم . لأن المشكلة التي نحاول حلها هي بالتحديد عندما لا يفعلون ذلك . والشيء القوي أيضا هو أن نؤكد أن الآخرين في إطار إشارتهم الزمنية أو الثقافية أو الجغرافية أو الفكرية فكروا في ذلك فعلا . إذ يمكن للفرقة أن تتخذ قرارا صريحا بالقيام بشيء، أو القيام به بطريقة معينة دون ملاحظة أن هناك بديل، وهذا يمكن أن يضع أي فرقة مسرحية أخرى في نفس الإطار المرجعي .
 ومع ذلك أعتقد أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح . ونستطيع أن نحصل علي ما نريد بالإشارة إلي تداولات فرقة مسرحية مرافقة مثالية ideal companion company . والفرقة المثالية المرافقة هي فرقة محتملة تعمل في ظل نفس الإطار التاريخي أو الثقافي أو الجغرافي أو الفكري مثل أي فرقة مسرحية فعلية . معنى مثالية أن يكون لأعضائها أكبر قدر ممكن من المعرفة في هذا الإطار وأكبر قدر ممكن من الوعي الذاتي الذي يسمح به الإطار فيما يتعلق بالإطار نفسه والمسرح من داخله . وهي أيضا فرقة مثالية لدرجة أنها يمكن أن تفكر في أي شيء يمكنها من ذلك .
 إذا فكرت الفرقة المسرحية المثالية في طريقة بديلة للقيام   بشيء،عندئذ يكون هذا البديل مقررا بواســطة أي فرقـة أخرى ضمن نفس الإطار التاريخي أو الثقافي أو الجغرافي أو الفكري .
 وبتناوله بهذه الطريقة، فان الادعاء بأن الأفعال التقليدية لا تعني، بوتيرة (لويس)، أن أي خطة أخرى للفعل سوف تؤدي نفس المهمة علي قدم المساواة. ولا يتطلب الأمر أن يكون هناك دائما نفس الوظيفة. فلن تعني حقيقة أنه كان من الممكن القيام بسلسلة من الملامح بطريقة مختلفة أنه من غير المنطقي اختيار بديل إذا اختار جميع المؤدين الآخرين بديلا، حتى عندما يفضل كل منهم أن يختار الجميع نفس البديل .
 قد يكون من المنطقي اختيار البديل بدون حجة، ولكن حتى هذا غير واضح. لنفترض أن مؤدية، مثل «رابيكا»، تفضل أداء دورها بالتوافق مع تسلسل الملامح التي تتسق مع عرض «جابلر عن بعد». ويفضل جميع الآخرين أن يؤدوا بالتوافق مع تتابع الملامح المتسقة مع عرض «هيدا الي هيدا». فمن المنطقي بالنسبة لـ«رابيكا» أن تفكر أن وزن تتابع الملامح المتوافق مع عرض «جابلر عن بعد» هو الوزن المناسب لها – وللأداء ككل – عندما يتطابق الآخرون مع التتابعات المتسقة مع عرض «هيدا الي هيدا». وفي هذه الحالة في الواقع تفضل أن يختار الآخرون نفس تتابع الملامح البديل لملامح العرض، والمختلف عن ذلك الذي تختاره .
 قد يعترض البعض علي أنني لم أعط تحليل «لويس» حقه، والذي قلت انه «يمكن القيام به بطريقة مختلفة» . لقد أكدت أن المؤدين يعتمدون علي مقومات أخرى فيما وراء أولئك الذين لديهم علاقة مع كونهم في حالة معرفة مشتركة فيما يتعلق بتفضيلاتنا وتفضيلات الآخرين . ولكن مزاعم «لويس» أن حقيقة أن الشخص يستنبط نتائج معتقداته عن العالم – عالم يعتقد أنه يشمل الآخرين الذين يستنبطون نتائج معتقداتهم، بما في ذلك إيمانهم بأشخاص آخرين – تقدم مصدرا إضافيا لمنطقنا: «بواسطة التفاعل مع العالم نكتسب مختلف التوقعات عالية الترتيب التي يمكن أن تخدمنا كمنطلقات». فهل يمكن للمدافع عن موقف «لويس» أن يلبي التوقعات عالية المستوى من النوع المشار إليه هنا لوصف منطق «رابيكا»؟. أعتقد لا. تنظر «رابيكا» في توقعاتها فيما يتعلق بسلوك الآخرين. ولكن هذه التوقعات ليست تلك التوقعات التي تصنع فرقا بالنسبة لها. فالفرق التي تفكر فيه يجب أن تكون له علاقة بالوزن، كما حددته مجموعة المؤثرات، تمثل باقي الفرقة وفقا لتوقعاتهم المشتركة بينما تمثل هي علي عكس تلك التوقعات .
 في بعض النواحي، يشبه الإلحاح علي ما تتداول حوله الفرقة المثالية لتسوية ما تقرره الفرقة الفعلية، إدعاء (ريتشارد وولهايم) بأنه «بسبب أن هناك أشياء تشكل الخلفية التي يبني عليها الفنان قصده بشكل أكبر مما يدرك، عندما نعيد بناء عمليته الابداعية «فإننا لسنا مقيدين بنقل قصده من وجهة نظره ولا حتى في الإطار الذي يمكن من خلاله أن يقدم الفنان إقرارا واعيا أو غير واع. وهذه ميزة الإستراتيجية التي أجادل من أجلها . لأنها تربط تحليل ما يعني أن نقول أن الفرقة يمكن أن تفعل خلاف ذلك مباشرة مع حل لمشكلة الفرقة الكسولة فنيا، فيما يتعلق بتفسير الأداء وفيما يتعلق بأحكام أن الفرقة تستخدم تقاليد بعينها .
 لا نحتاج إلى تجنب الإسناد تماما، لفهم أسلوب الأداء أو فهــم
 التقاليـد، فالمتـلقي يستفيـد من معرفــة البـدائل التي تتجـاوز ما يعرفه المؤدون .
 خيال الفرقة المثالية المصاحبة هو وسيلة مريحة للتعبير عن هذه الحقيقة بطريقة شكلية نسبيا. والنتيجة هي أنه عند الإشارة إلى قصد المؤدين أو إلى الوزن الذي تتسم به سلسلة الملامح، في الواقع، كعوامل في مداولات المؤدين، يركز المتلقون علي إعادة بناء عملية ابداعية ربما لا يجهلها المؤدون أنفسهم .
 إذا ظل هذا إجباريا علي ما يبدو، لأنه لا يزل يبدو أن المتلقين يفرضون قصدهم علي الفرق بدلا من نقل نواياهم الفعلية، وهذا علي الأقل أحد أهم الجوانب الضارة لهذا الرأي . وبالمقارنة مع ما تؤكده الفرقة المصاحبة فان الفرقة الفعلية التي يتم تقييم انجازاتها – خياراتها الخاصة وإخفاقاتها في الاختيار – التي يٌعتقد أنها مسئولة عن التفاصيل الفعلية لأي أداء بعينه . وعلي الرغم من أني أقدم تمييزا بين خصائص المؤدين الكامنة والمنتسبة باعتبارهم وسطاء العملية الإبداعية، فلن ننتهي إلى الرؤية التي علي أساسها يكون المتلقون فضلا عن المؤدون هم الذين يبتكرون العروض المسرحية .
 التقويم الكامل للأداء المسرحي والكشف عن الفشل المسرحي:
من الصحيح والمهم بالنسبة للرأي الذي أطوره، أنه إذا كان المتلقي غير واع بالتقاليد باعتبارها تقاليد، وإذا كان وجود تلك التقاليد مسئولا عن جوانب العمل الموجودة التي يجب تقييمها، عندئذ لا يمكن للمتلقي ببساطة أن يقيم هذا العمل، علي الأقل ليس تلك الجوانب . وهذا لأن التقييم يعتمد علي امتلاكه مستوى ما من الفهم لما تعايشه، حيث يقترب ذلك من امتلاك مفهوم لما نعايشه .
 وامتلاك مثل هذا المفهوم يحتاج من المتلقين أن يقدموا فرضيات فيما يتعلق بما يشرع فيه المؤدون في الأداء، واختبار هذه الفرضيات علي تفاصيل فعلية للأداء، عادة ما تتكشف، وتحدد الانجاز الذي يظهره الأداء نظرا لأهدافه وسياقه . والمتلقون الذين لديهم فهما أعمق هم القادرون علي تقديم أنواع الفرضيات ذات الصلة .
 والمتلقون ذوي الفهم الأعمق قادرون علي الكشف عن الفشل في المهارة وتفسيره . والمتلقي ذو الخلفية المناسبة هو الذي يفهم، أو يقترب من فهم،المصطلحات والأساليب الموجودة في اللعب . وسوف يعرف ما يشاهده . وسيفشل المؤدي الذي لا يعرض الملامح ذات الصلة في الصوت أو الكلام أو الحالة المزاجية أو الحركة أو الفعل . مثل هذا الفشل في إظهار الملامح ذات الصلة ربما يكون نتيجة لقلة المهارة . والمتلقي الذي يملك فهما أعمق لن يلاحظ هذا فقط، بل سوف يستطيع أيضا أن يفسر ذلك للمتلقين الآخرين . وحتى المتلقي المتمكن من الفهم الأساسي فقط سوف يكون لديه فهما ما لهذا النوع من الأشياء، علي الرغم من أنه لن يكون قادرا علي تفسير ما يفهمه .
 ربما يكتسب المتلقي فهما أساسيا لأجزاء الأداء ولكنه لا يستطيع أن يصف الشيء الذي يتم تطويره في العرض بالكامل . وهذا يمكن أن يحدث بثلاث طرق علي الأقل . يمكن أن يحدث إذا تجمعت بعض الملامح معا في تقاليد لا تؤدي بشكل واضح ومتسق إلى التأثيرات التي تستهدفها . أو ربما تحدث إذا لم يفهم المؤدون ما هي مؤثرات التي تحفزها التقاليد التي تبنوها، وبذلك قاموا بخيارات علي خلاف أهدافهم الواعية . وربما تحث أيضا إذا كانت أهداف الفرقة غير واضحة واختاروا مزيج من التقاليد المربكة للمشاهدين . وإذا تابع المتلقي كفاءة تفسير المؤدي فانه يكون قد قدم وامتلك فهما أعمق للمؤدي، وسوف يلاحظ هذا الفشل وسوف يستطيع أن يفسره للآخرين .
  يمكن للمتلقين الفاهمين أن ينفصلوا عن الأداء حتى أثناء متابعة الشيء المطور في الأداء وفهمه . وهناك عد طرق يحدث بها هذا . ويمكن أن يحدث إذا قدم المؤدون قصة للجمهور فقط لكي يجدوا أن الجمهور ملتزم بمعنى ما، بقيم الطريقة الأكثر ألفة لتقديم تلك القصة بعينها . أو ربما تحدث إذا التزم الجمهور بطريقة أخرى في تقديم القصة ايا ما كانت القصة، وفي هذا النوع من الظروف، من الممكن أن تكون طريقة التقديم هذه غير مألوفة للمؤدين . وبهذه الطريقة يمكن أن تحدث إخفاقات بين ثقافية . ومرة أخرى، في حين أن المتلقي الذي يفهم بشكل أساسي يشعر بالاغتراب في هذه الحالات، يمكن للمشاهد الفاهم بعمق، إذا حاول تتبع ما يجري علي مدار الأداء، أن يشرح ما الذي يخلق هذا الفشل وهذا الاغتراب.
 ان الوصف الذي قدمته للتو للمواقف التي يمكن للمتفرج أن يقيم من خلالها أداء مسرحي بالمعنى الكامل يمكن تناوله علي أساس أن الشخص الذي يفتقر الي الموضع غير قادر علي إصدار أي أحكام نقدية معقولة حول الأداء . ولكن الرأي الذي طورته لا يستلزم هذه الخاتمة القاسية . فالرؤية التي قدمتها لا تزعم أن أي متفرج لديه القدرات في جميع المجالات . فربما يكون قادرا علي امتلاك فهم أعمق لبعض أنواع الأداء المسرحي، ولكنه يفتقر الي الخبرة، أو يفتقر ببساطة الي الخلفية المناسبة لفهم أعمق لمختلف أنواع الأداء . لا تضمن القدرة علي فهم مجموعة واحدة من الممارسات بعمق امكانية فهم مجموعة أخرى من الممارسات بعمق . علاوة علي ذلك، لا يجب تناول أي شيء في الاعتبار الذي قدمته للإيحاء بأن المتفرجين متجمدين في مكانهم فيما يتعلق بقدراتهم .
 أنواع الاخفاقات التي يمكن أن يشرحها المتفرج ذو الفهم العميق للأداء، اذا قدم تفسيرات الأداء ذات الصلة، أنواعا كثيرة ومتنوعة . وهذا ربما يوحي أن النجاح في الأداء المسرحي شيء هش . ولكني ذكرتهم فقط لاظهار نسب النجاح أو الفشل التي تكمن في داخل هدف المتلقي الذي لدية التقييم الكامل للأداء المسرحي . وهذا يسمح لنا أن نقدم توصيفنا النهائي الدقيق للقييم الكامل للأداء المسرحي.
 التقييم الكامل للأداء المسرحي هو إعادة بناء العملية الإبداعية كيف يصل أداء مسرحي بعينه في مجمله وفي تفاصيله، سواء بنجاح أو فشل .
 هذا هو المعنى الذي يقوّم به أي إنسان أي عمل فني .
 ........................................................................................
جيمس هاملتون يعمل أستاذا للفلسفة بجامعة ولاية كنساس – بالولايات المتحدة الأمريكية . وله العديد من الدراسات المنشورة في مجال المسرح . وقد سبق أن قدمت له جريدة مسرحنا عدة دراسات مترجمة في الأعداد السابقة .
هذه المقالة هي الفصل الثاني عشر من كتاب « فن المسرح The Art of Theater” الصادر عن Balckwell Publishing LTD 2007 في الصفحات 181-198 .


ترجمة أحمد عبد الفتاح