«جنة هنا» في المركز القومي للمسرح

«جنة هنا» في المركز القومي للمسرح

العدد 719 صدر بتاريخ 7يونيو2021

من خلال الفعاليات النقدية التي يقيمها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة الفنان ياسر صادق أقام المركز الأسبوع الماضي ندوة لمناقشة  العرض المسرحي»جنة هنا» تحدث فيها النقاد إبراهيم الحسيني و باسم صادق، وأدارتها الكاتبة نور الهدى عبد المنعم .»العرض من  إنتاج فرقة الغد برئاسة الفنان سامح مجاهد، بطولة عبير الطوخي، هالة سرور، محمد دياب، تأليف صفاء البيلي، وإخراج محمد صابر. 
أعرب الكاتب إبراهيم الحسيني عن سعادته بما يقدمه المركز من  ندوات نقدية مسجلة يرى أنها تعد من أهم الفعاليات وأرجع أهميتها إلي توفير مادة مسجلة حول لعمل يمكن الرجوع لها، وهو ما يفيد الباحثين علي مدي الزمان. 
قال الحسيني « جنه هنا» اسم مناسب، وأن الأسماء لها دلالات واضحة مشيرا إلي أن «جنه» ليس لها من اسمها نصيب لأنها تعاني معاناة شديدة في الواقع الذي يعيش بداخلها. أضاف:  تشعر البنت طوال الوقت بتقصير معها وتشعر بالاستياء والغضب تجاهه وهو ما  يدفعها إلي سؤال الأم.  قال إن  البنت علي قدر عال من الثقافة درست الفلسفة، بالإضافة إلي كونها شاعرة، وربط بينها  وبين مؤلفة النص قائلا إن البنت لها نصيب من الشبه بالكاتبة، في إشارة إلى ان معظم كتاباتها لا تخلو من الفلسفة .. أضاف: وقد وضعتنا أمام بنت تواجه المجتمع بغضب شديد لغياب الأب والسند،  وكذلك القيمة، التي يمكن أن تكون الأب  يمكن أن تكون الحبيب. 
قال إن الأم «هنا» هي وحدها التي تعلم أنه مات، وليس له وجود فعلي، وأشار إلى أن  جملة «الأم» الفنانة عبير الطوخي (احنا ما بيعيشلناش رجاله) تعني عدم وجود الرجل في إطلاقه في هذه الأسرة، الأب والزوج ، ربما باستثناء شقيقها الذي يحاول طوال الوقت إقناعها بالانفصال عن الزوج الغائب والاقتران بغيره، ولكنها لا تريد الزواج، وقد اضطرت أن تعيش هذه الكذبة بينها وبين نفسها حتي تقنع ابنتها أن الحياة يمكن أن تستمر بشكل طبيعي في غياب الأب.  
أشار الحسيني إلى أن الكاتبة استخدمت السرير كأداة لاستدعاء مقولات عن عذاب البنت حالة الاختباء التي تعيشها، وبالتالي تريد أن تبيع السرير للتخلص من الماضي الذي يمثل لها عادات وتقاليد سلبية مثل ختان الإناث والتحرش الجنسي وغياب الأب .  أما عن أسلوب الكتابة ولماذا هي بالعامية وليس بالفصحى فقد رأي الحسيني أن العامية ساعدت المتلقي كثيرا علي استيعاب الفكرة والتعايش معها بشكل سهل وبسيط،   كما هو الحال في بناء الديكور الواقعي  لمي زهدي، وأشار إلى صور البنات المشوهة علي جدران الغرفة،  وصورة الأب التي تقع في أعلي نقطة منها ، وكأن الأب شاهد علي الأحداث 
و أشاد الحسيني بأداء الفنانة عبير الطوخي مؤكدا أنها أبدعت أداء الدور كعادتها ، وأنها تعي ما تقول و تجيد فن الصمت كما تجيد قوة الكلام،  كما أشاد أيضاً بأداء بالفنانة الشابة هالة سرور. مؤكدا على أنه لولا الأداء القوي من هاتين الممثلتين من حيث الإلقاء والأداء والتعبيرات، كان من الممكن أن يصاب المتلقي بالملل، كما أشاد أيضاً بالفنان محمد دياب موضحاً أنه لم يحظ بمشاهدة العمل في وجوده .
وجه الكاتب والناقد المسرحي باسم صادق الشكر للفنان سامح مجاهد مدير مسرح الغد علي الدور الإيجابي والفعال باختياره نوعية عروض مهمة وتقديمها علي خشبه مسرح الغد حظت بنجاح كبير خلال السنوات الماضية، كما قدم الشكر لمديري الفرق المسرحية مشيرا إلى أنهم صنعوا حاله من الزخم والوهج في المسارح المصرية، غير مقتصرة على مسرح الدولة، بل شملت القطاع الخاص أيضاً، مؤكدا أن هناك محاولات جادة للتنافس مع مسرح الدولة ما ينعكس بالإيجاب علي الحركة المسرحية.
واتفق صادق  في كثير من النقاط التي أثارها الحسيني، مؤكدا أن العمل يعد من الأعمال المهمة جدا للكاتبة صفاء البيلي،  وأنه من الأعمال التي أثارت جدلاً كبيراً عند المتلقي والنقاد، ما يدل على  أهميته، وطالب أن يمنح العمل فرص مشاهدة واسعة لأنه  يحرض علي التحرر من المفاهيم الخاطئة،  بما يثيره  من محاكمات وتساؤلات يوجهها للمجتمع  الذي وضع «جنه» و»هنا» في أزمة كبيرة وجعلهم ضحايا.
أضاف صادق: نحن أمام حالة إخراجية متميزة للمخرج محمد صابر، تضع المتلقي دائماً في حاله تأمل، ووصفه بالمغامر لان النص من النصوص الشائكة التي تحتوي على صراعات ونقاشات وتساؤلات وتحديات، تابع :  يتمثل نجاح المخرج بداية من عنوان المسرحية المضاد لأحداثها ، في اختياراته للفنانين الذي كان اختيارا موفقا جدا، خاصة أن السن متقارب، وان كان يدل علي معاناة الأم التي  تزوجت في سن صغيرة جدا. 
قال  صادق إن محاولة تحطيم السرير أفضل من موت الأم،  لأنه يمثل عادات سلبية مؤثرة في المجتمع وفي حق المرأة.
أشاد صادق بتصميم الأزياء لمي زهدي مشيراً إلي أن الألوان الأبيض والأسود خدمت الحالة الدرامية بشكل كبير وكذلك وبساطة الديكور، وأشار إلي أن وضع السرير كان عائقا لحركه الراقصين في أحد المشاهد الاستعراضية و كان يجب إدراك ذلك  حتي يزاداد المشهد جمالا، وتمنى في النهاية التوفيق لكل صناع العمل.
أما الفنان ياسر صادق رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية فقال: نادرا ما أتحدث عقب أي ندوة ، ولكن هذا العرض بالتحديد أصابني بالحيرة لأنه يمس المشاعر وقريب من وجدان المتلقي، مضيفاً أنه يشعر وكأن النص تجربة حياتية نابعة من الداخل، وأن العنوان»جنة هنا» مناسب جدا للأحداث، لأنها جنة صناعية من هنا، وليست جنة الخالق العظيم. وأكد أن الأحداث الدرامية تؤكد انها جنه أرضية غير كاملة. وأشاد صادق بالمخرج محمد صابر قائلا إن أعظم ما في الموضوع  أن المخرج ( مافردش عضلاته) و أعطي المساحة الكاملة لعبير الطوخي وهالة سرور ليقدما للجمهور مباراة تمثيلية تمتلئ بالإبداع الفني، وهذا في حد ذاته نجاح كبير للمخرج.
وجه المخرج محمد صابر الشكر للنقاد على تحليلهم الإيجابي للعرض ونقدهم البناء، وقال إنه أدرك بالفعل أن وضعية السرير التي أشار إليها الناقد باسم صادق في المشهد الاستعراضي تشكل إعاقة للرؤية، و أنه استخدم السيلويت لتفادي ذلك، وهو ما أرجعه لطبيعة قاعة مسرح الغد، قال :  في رحلة الصعيد استعضنا عن ذلك بتحريك السرير أثناء الاستعراض، واختتم حديثه بقوله إن الندوة تشكل إضافة له كمخرج، ووجه الشكر للمركز القومي للمسرح برئاسة الفنان ياسر صادق.
بينما أعربت الفنانة عبير الطوخي عن سعادتها بردود الأفعال الإيجابية تجاه العمل وقالت إن مشاعرها تجاه العرض مختلفة تماماً عن أي شخص آخر، لأنه يستعرض كيف تعرضت الأم هي الأخرى ل(الختان) و أنها حاولت في السياق الدرامي أن توضح في صمت ما حدث لها، علي الرغم من رفضها لهذا الفعل ولكنها استمرت  كما استمرت في كذبها علي ابنتها حول حقيقة بعض الأمور، لأنها تأمل أن تصل البنت إلي اعلي مرتبه تعليمية 
وفي الختام  قالت الكاتبة صفاء البيلي أن نص «جنة هنا» يمثلها وإنها كانت تشعر أثناء الكتابة أنها تكتب عن ذاتها وعن والدتها، وأنه عندما قرأته مع ابنتها شعرت بأن ابنتها تمثل جنة وأنها تمثل الأم.. أضافت البيلي أن سعادتها تكمن في أن كل من شاهد العرض رأي نفسه في شخصية من شخصياته، مؤكدة أن العرض احدث تغيرات في كثيرا من الذين شاهدوا المسرحية .
 


محمود عبد العزيز