الحلقة السابعة من عين على المسرح يناقش كتاب لوكنت!؟ ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي لفؤاد عوض

الحلقة السابعة من عين على المسرح يناقش كتاب لوكنت!؟  ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي لفؤاد عوض

العدد 718 صدر بتاريخ 31مايو2021

قدمت الهيئة العربية للمسرح الحلقة الشهرية السابعة من سلسلة «إقرأ كتب الهيئة»، ضمن برنامج عين على المسرح، على منصتها الإلكترونية والتي ناقشت كتاب «لوكنت...!؟ ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض» سيرة مسرحية ذاتية كتبها وأعدها ناجي ظاهر وفؤاد عوض.
شارك في حلقة كتاب «لو كنت...!؟» كل من مؤلفي الكتاب أ.ناجي ظاهر وأ.فؤاد عوض وأ.عدنان طرابشه وأدار اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.
وقدم مدير اللقاء سيرة مختصرة للأستاذ ناجي ظاهر ويطرح عليه سؤالا إفتتاحيا لتقديم الكتاب:
• ما حظ الأستاذ ناجي ظاهر من حلم الأيام القادمة؟ وما الذي يتقاسمه مع سيرة ذلك الشاب الذي كتب قصته على جدار كهف العشق وأغمض عينه بانتظار ست الحسن لكنها لم تأت لأنه خرق بكتابته تلك على الجدار، عهد «الكتمان» الذي أبرمته معه... ومن يومها لم يدخر جهدا للقاء محبوبته بعد اختفائها... وتنهي الحكاية بجملة «...هو حلم المسرح، هو حلم واحد منا أراد أن يكون هناك مسرح حقيقي في بلادنا، وعاش الحلم من أقصاه إلى أقصاه» كيف نعيد تفكيك القصة الرمزية هذه، على ضوء التجربة المسرحية للأستاذ فؤاد عوض الموثقة في الكتاب؟
ليجب الكاتب ناجي ظاهر: أولا أوجه التحية والشكر إلى الهيئة العربية للمسرح وإلى المنظمين والمبادرين وإلى الإخوة المشاركين وإلى كل من يستمع إلينا، شكرا لكم لأنكم أتحتم لنا أن نفتح صفحة مهمة جدا من حياة الثقافة الفلسطينية، هذه الصفحة تجسد سيرة رجل مسرحي يقدم شهادة هامة جدا حول سيرة مسرح على امتداد ثلاثة عقود (وهي في الحقيقة تجاوزت نصف القرن). توقفنا عند القعود الثلاثة الأخيرة لسبب بسيط هو أنها شهدت عملية احتراف ومأسسة للمسرح.
يقول أ. ناجي ظاهر: ربطتني بالصديق المخرج المسرحي فؤاد عوض علاقة ثقافية ما فتئت تتطوّر وتتعمّق يوما اثر يوم، شهرا بعد شهر وعاما في اعقاب عام، واستمدت هذه العلاقة قدرتها على الصمود وتجاوز الخلافات العادية الطفيفة، من امرين، أحدهما اننا ابناء بلدة واحدة هي الناصرة، والاخر اننا آمنا بالفن، كل بطريقته بالطبع، واحدًا من اشكال الوعي الاجتماعي وحافزًا على تحسين الة الحياة ورفدها بوقود النماء والازدهار، اضف الى هذا اننا تربيّنا في نفس الشوارع والساحات وشربنا أمواهنا الاولى من نفس النبع القائم قريبًا من بيت فؤاد القائم في الحي الشرقي من الناصرة.. نبع الجابية، اما ثقافتنا فقد كانت متقاربة جدًا جدًا، كونها آمنت بان الحب والحرية هما الرافعتان الاساسيتان الثابتتان اللتان تفضيان بكل من يؤمن بهما الى فضاء التقدم الحضاري وبناء الانسان.
كما قلت آمنا بهذه المبادئ والقيم كلٌّ بطريقته، فقد اتفقنا واختلفنا، كما ورد في كتابنا المشترك « لو كنت»، لا سيما فيما يتعلّق بدور الفن في المجتمع، فقد امن هو بان الفن يفترض ان يكون مؤدلجًا ويحمل رسالة، وقد انعكس ايمانه هذا في كل ما قام به، نفّذه وقدّمه من المسرحيات الهادفة، مثل مسرحيات: الملك هو الملك، الفيل يا ملك الزمان وراس المملوك جابر، وغيرها من المسرحيات التي اعتقد انه سيتحدث عنها فيما يلي من وقت، فيما امنت انا بان الفن اوسع من الايديولوجيا وانه اشمل منها كونه نتاجًا ابداعيًا لا يخضع الا لقانون الإغراب او الادهاش كما قال ناقدنا العربي العريق حازم القرطاجني في كتابه الرائع منهاج البلغاء وسراج الادباء.
وقد اكدتُ له، في نقاش ضمّناه كتابنا هذا، ان هناك فرقًا كبيرًا بين الالزام والالتزام المفروغ منها، كون الفنان المبدع ينطلق فيما يُنتجه من مكان وزمان معينين، وبذلك يُضحي التعبير عما يعيشه ويلامسه من قضايا يومية وايديولوجيات بأطراف روحه مجرد تحصيل حاصل.
في هذا الكتاب الذي تعاونا، فؤاد وانا، في كتابته واعداده للطبع، واتفقنا مسبقا على ان يكون سيرة مسرحيّ ومسيرة مسرح، نُقدّم معلوماتٍ ضافيةً عن فنان مثقف مجتهد ودارس، خرج من بيئة شعبية متواضعة الحال ومن عائلة مباركة الابناء، يمكن التعلم من تجربته في كل شيء، في الاصرار والمثابرة على تحقيق الحلم وجعل الحياة ذات معنى، وممكنة العيش، كما يمكن التعلم من اختياراته للمسرحيات التي نفذها وقدّمها على طبقٍ من محبةٍ الى الجمهور العربي في بلادنا. لقد قدّم فؤاد وشارك خلال حوالي نصف قرن من العطاء العديد من المسرحيات، وقد توقّف مطولا عند المسرحي العربي المبدع سعد الله ونوس فقدّم له المسرحيات المذكورة آنفا، اضافة إلى مسرحية اخرى من ابداع ونوس ذاته هي احلام شقية، وما زلت اذكر ما قاله لي صديقٌ فنان تشكيلي بعد مشاهدته هذه المسرحية: اية عبقرية هذه، اية عبقرية في الكتابة والابداع. كما توقّف عند الابداعات المحلية في بلادنا، فمنحها الفرصة للنماء والازدهار، وتعاون مع كتّابِها ومبدعيها بمهنية لافتة، واشير فيما يتعلّق بهذا، انه حمل كاتبّ احدى المسرحيات المحلية على ان يعيد كتابة مسرحيته، سبع مرات، بعدها قام بإخراجها، ليضيف الى خزينة العطاء المسرحي المحلي رصيدا لا باس به، سيشارك بلا شك في مهمة مخرجنا الهُمام وزملاء كثر له، في بناء قلعة عطائنا المسرحي التي تعلو سنة في اعقاب سنة ويسمق بناؤها.
يُميّز فؤاد عوض، كما يظهر في هذا الكتاب بجلاء، بين النص المسرحي وبين ما يسميه الرؤية الاخراجية، فهو عندما يّقدِم على اخراج مسرحية، يحرص على دراستها من جميع النواحي، فاذا ما اضافت الى رصيده، واكاد اقول مشروعه المسرحي، ما يفيد وينفع الناس، أقدم على الخطوة التالية، وهي وضع رؤية مسرحية خاصة، تُبرز جماليات هذه المسرحية او تلك، اما اختيار الممثلين فانه يخضع لديه الى قوانين صارمة، فهو لا يختار الا الممثل المناسب شكلا وفكرا لهذا الدور او ذاك، كما انه يُشدّد بصورة تكاد تصل حد الهوس في تشكيل الديكور على اعتبار انه الحاضنة الاساسية والحادبة لما تقدمه المسرحية من احداث.. رؤى وافكار. ولعلّي لا ابتعد هنا إذا ما اشرت الى تلك الجدية المصحوبة بصرامة حديدية في كل ما يقوم به مخرجُنا المُصرّ والمثابر، سواء كان في مجال الاخراج المسرحي او مجال العمل الاداري، فقد شغل فؤاد العديد من المناصب الادارية لعلّ اهمها ادارته لمسرح الميدان منذ اواخر القرن الماضي الى اوائل القرن الجاري، اي منذ اواسط  التسعينيات حتى اواخر العشر الاول من القرن الجاري. كما كان واحدا من مؤسسي ستوديو الناصرة في السبعينيات، وهو يشغلُ اليوم منصبَ مدير المؤسسة الثقافة الرسمية الاولى في مدينتنا المشتركة الناصرة، مركز محمود درويش الثقافي البلدي.
هذه الهمّةُ الجبارةُ المدركةُ لما تقوم به وتنفّذه من اعمال ثقافية ابداعية، منها كتاب لو كنت، منحت امكانيةً واسعةً وثقةً كبيرة اهّلته للتعاون مع العديد من المسارح العربية الناشطة في بلادنا، فقد تعاون مع عدد كبير من هذه المسارح، كما يظهر في كتابنا هذا، وقد اخرج مسرحيات للكبار والصغار على حد سواء، ومما اذكره اننا، فؤاد وانا، تعاونا مع مسرح صديق عمره الفنان الممثل والمخرج المسرحي، صاحب مسرح الخيّال، محمد عودة الله مناذرة، في تقديم مسرحية للأطفال حملت عنوان رحلة الخرنق- ابن الارنب، قمت بإعدادها للمسرح فيما قام فؤاد بإخراجها وقام محمد ذاته بأدائها مسرحيا، كونها مونودراما مسرحية الممثل الواحد.
تعاونُ فؤاد مع هذا الكم الكبير من المسارح اهّله للتعرف على الكثير من الممثلين، اهل المسرح والمخرجين، وهو يذكر هؤلاء وما احاط بهم من خفايا واسرار في العديد من صفحات هذا الكتاب، فمن المخرج رياض مصاروة الى المخرج مازن غطاس، نراه يتنقل برشاقة غزال ذكي اراد ان يوثق للحياة الفنية المسرحية، خلال معايشته لها عبر حوالي نصف القرن متوقّفّا عند العقود الثلاثة البارزة في رحلته،  ومقدّمًا صورةً تصل حدّ الشهادة على مرحلة ملتهبة في حياة مسرحنا المحلي في البلاد، وتساهم بالتالي في تشكيل حركة مسرحية جدية وفاعلة.
يُقدّم هذا الكتاب باختصار صورةً للمسرح العربي في بلادنا منذ بداياته الاولى في الستينيات والسبعينيات، حتى الثمانينيات وما بعدها، ويُطلع قارئه على التحولات الجذرية في مسرحنا من الهواية الى الاحتراف، موضحا ان فؤاد ورهط من الطلائع المسرحية، اسسوا لمسرح جديّ وجاد يعتمد في تقديم ما يريد تقديمه على أهل العلم، المعرفة والدراسة، ويُحوّل المسرح بالتالي الى مؤسسة تعطي لمجتمعها أكثر مما تأخذ منه، ولا تعيش عالة على اهل المسرح اولا والمجتمع ثانيا.. كما حدث في البدايات المسرحية.
شكر أ.عبد الجبار خمران مدير اللقاء أ.ناجي ظاهر على مداخلته، ثم قدم سيرة مختصرة للأستاذ فؤاد عوض وطرح عليه سؤال:
• أثارني علامتي التعجب والاستفهام في العنوان بعد كلمتي «لو كنت» ونقط الاسترسال الثلاث، فقررت مع نفسي أن تكونا عتبة للدخول إلى نقاش كتاب حافل بالأحداث والنصوص والمسارح والتجارب.. ما الذي تخفيه نقط الاسترسال الثلاث وعلامتي التعجب والاستفهام في العنوان؟
أ.فؤاد ناجي: أحب بداية أن أرحب بكل الزملاء والأصدقاء وكل المسرحيين العرب الذين يتابعوننا في هذا اللقاء، وأرحب كذلك بالزملاء المشاركين في هذه الندوة، وأشكر الزملاء من الهيئة العربية للمسرح؛ المبادرة والراعية لهذا النشاط.
مرحبا عزيزي غنام الذي كان له الفضل في انتقال فؤاد عوض من المنطقة المغلقة وتجاوز حدود الاحتلال إلى العالم العربي، وكان ذلك خلال التقائي به لأول مرة هو وعلي عليان بمهرجان القدس... واستمرت اللقاءات، وكان حديثنا كيف للفنان الفلسطيني أن يتجاوز هذا القفص الضيق الذي سمي احتلال... وتحياتي للأستاذ الحسن النفالي كما لا أنسى شكر الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح.
في الواقع ناجي ظاهر حكى كل ما يمكن أن أحكيه عن الكتاب... وأحب أن أنطلق من سؤالك أستاذ عبد الجبار ثلاث نقاط استرسال وعلامتي التعجب والإستفهام في العنوان: أردت للعنوان أن يحمل أسئلة عينية طرحتها وكنت مصر على ان يرد النقاط الثلاث، لأنه في استمرارية لموضوع الكتاب ولمضامينه لانه توقف عند عام 2008م فهناك استمرارية منذ ذلك الحين وعلامة التعجب تكن في كونه يحضر نفسية / نفسيات معينة خلال فترة العمل المسرحي عبر التجارب الفنية.
يضيف فؤاد عوض أنه خلال فترة من الزمن والتي كانت بدايات التجربة المسرحية الفلسطينية الحديثة، ليس من ناحية الكتابة المسرحية لأنه سبق ذلك في بداية القرن 20 كانت هناك كتابة مسرحية فلسطينية تمركزت مواضيعها حول القضية الفلسطينية. وفيما بعد نكبة عام 1948م كانت فترة مفصلية في التاريخ فقد تشرد جزء كبير من الشعب الفلسطيني، وأجبر على أن يترك أرضه وبيوته وأن يعيش في الشتات في دول مجاورة، لم يكن ذلك سهلا بل كان الأمر مرعبا ومخيفا، وعلى المستوى الشخصي كان ذلك بالنسبة لي نقلة نوعية في التفكير وفي تحديد مساري المسرحي مستقبلا، فالقضية الفلسطينية قضيتنا قضيتنا كفلسطينيين وقضية العرب أجمعين.
وتابع: نحن نعيش أمام / مع / تحت احتلال كيان صهيوني رهيب سعى كل الوقت إلى إخفاء الرواية الفلسطينية، وطمس الهوية وإلقائها إلى الجحيم، الكيان الصهيون قوي جدا ومسلح بآلة عسكرية قوية وخطيرة، إضافة إلى ذلك لديه مشروع موجه ضد البقية الباقية في أرضها، وبالتالي حاول تذويب هذه الهوية او هذه الفئة وإدخالها تحت جناح «الحياة المشتركة» وغيرها من المفاهيم... التي جعلتنا نحن الفنانين المسرحيين مستقبلا عندما وعينا وكبرنا على هذه المأساة، أن نجتهد في توثيق روايتنا الفلسطينية كما نحن نريد، وكما نراها بأعيننا نحن.
وهذا الامر كان مفاجئا لهم: أننا بقينا وأننا حافظنا على هويتنا الثقافية وهويتنا الفلسطينية والعربية... ولا حظنا ذلك في الحرب الأخيرة – دون الدخول في التفاصيل – في وحدة الحال بين جميع مناطق فلسطين التاريخية.
حاولت من هذا الكتاب – يقول فؤاد عوض – أن انقل للقارئ مشاعر وأحاسيس قمعت واضطهدت لكنها وجدت لها متنفسا، وكان المتنفس (المسرح). حاولت ان انقل مأساة وملهاة الفنان المسرحي، تلك الروح الإنسانية ذلك الكيان المسرحي المفعم بالإنسانية والحياة والامل في مقابل غطرسة واضطهاد واحتلال وحواجز وتغييب الهوية السياسية والقومية والوطنية والثقافية أيضا، كل هذا تجدونه بين أوراق وفصول الكتاب، ولضيق المجال سوف لن أدخل في تفاصيل التجربة المسرحية الفلسطينية أو الحديث عن نفسي كما ذكر صديقي وزميلي مشكورا أبو علاء، ناجي ظاهر.. وأرى ارتباطا بالسياق أن احكي عن ثلاث أو أربع قضايا جوهرية أشغلت بال جميع المسرحيين العرب عامة والفلسطينيين خاصة كونهم جزء مهم من فسيفساء الحركة المسرحية الفلسطينية والعربية والعالمية.. وإن لم اتحدث في الكتاب عن الجميع – كما ذكر ناجي – وهم كثر مثل رياض ومازن ... لسبب ان تجربتي تقاطعت مع تجربتهم المسرحية من خلال العمل معهم سوية.
ليضيف أ. عوض: نقطة مهمة كنت أريد أن أضيفها في سياق هذا الحديث – سأقدمها بإيجاز – أردت التحدث عن دور الفنان المسرحي الفلسطيني خاصة في وقت الحروب والأزمات، فأنا كمسرحي لا يمكنني أن اتجاهل ما حدث قبل أسبوع من خلال إعلان الحرب على شعبنا الفلسطيني، لن افتح النقاش حول تفاصيل هذا العدوان، بقدر ما سأتحدث عن دور الفنان الفلسطيني والعربي في هذه المعركة .. هل هو فنان ملتزم بالقضية ام يقدم الفن للفن أو الفن للترفيه والترويج... أنا لست مهرجا ولا «كوميديان» حتى أقدم تهريجا فحاولت ان اربط بين ما حدث في «الحي جراح» من محاولات لطرد الفلسطينيين من بيوتهم، ما احد الاعمال التي قمت بكتابتها وغخراجها وهي مسرحية «عبير ملف رقم 63/96» وهي قضية موضوعها الإحتلال وهو مرفوض من كل الأمم والهيئات والمؤسسات ولكن عندما نتحدث عن الإيستيطان نجد ان هناك من يتعاطف مع المستوطنين اليهود، وكنا سباقين لهذا في مسرحية «عبير...» عام 1999م حين تناولنا موضوع المستوطن اليهودي المتطرف على الأرض الفلسطينية في حدود 67 (رام الله والقدس ومحيطها) فجاءت هذه الكتابة كعمل يجسد الدور الحقيقي للفنان الملتزم إضافة إلى الرؤية الإخراجية المسرحية حيث تم دمج المسرح الرقمي- الديجتال كون كانت رقعة الحدث واسعة جدا فمزجت بين فنون الفيديو-آرت  وخشبة المسرح.
فيما قال عدنان طرابشه: قبل أن أبدا بمداخلتي أحب أن أنوه إلى أن المسرح تحت الاحتلال تكون مواضعه غالبا سياسية، وأنا اتحدث هنا عن المسرح الملتزم، وأشبه هذا المسرح عادة بـ «النبي» الذي لديه إشارات ضوء حمراء تنبه وتحذر الشعب من الموبقات التي تنتظره في المستقبل، فدور المسرح مهم في هذا الإتجاه.
يستطرد المسرحي طرابشه، أرجع إلى المسرح الفلسطيني وأقول: مما لا شك فيه أن المسرح الفلسطيني لم يبدأ في الستينات من القرن الماضي. ففي فترة الانتداب البريطاني قامت السلطات البريطانية بتشجيع الفنون كما فعلت في البلاد التي وقعت تحت انتدابها كمصر والأردن والعراق.... وقدمت المسرحيات اليونانية والبريطانية والفرنسية وغيرها، وكانت على الغالب بترجمات عربية، وكانت أيضا محاولات لبعض المسرحيين بتقديم أعمال من إبداعهم، ولكن معظم الأعمال التي قدمت في يافا وحيفا والقدس وبيت لحم والناصرة كانت مترجمة بالأساس لمسرحيين بريطانيين أمثال شكسبير الذي تم عرض مسرحيته هملت (عام 1932).
وتابع: في فترة الانتداب انتشرت دور السينما في معظم مدن فلسطين، وعرضت فيها الأفلام والمسرحيات والحفلات الموسيقية العربية والعالمية وأجريت فيها مباريات وبطولات رياضية محلية ودولية، ففي شارع جمال باشا في يافا، كان خمس دور للسينما: الحمرا، والفاروق والرشيد، والشرق والنبيل وسينما أبوللو. وقد ارتبط وجود المسرح بالحركات والمدارس التبشيرية ولهذا قبل النكبة (1948) معظم الفنانين كانوا مسيحيين أو طلاب من أديان أخرى درسوا في مدارس تبشيرية، مدارس اعتمدت تمثيل ما جرى للسيد المسيح وفقا لما ورد في أناجيل العهد الجديد. وتعود النشاطات الموسيقية والمسرحية إلي سنوات ما قبل الاستعمار البريطاني، ففي فترة الاستعمار التركي كانت نشاطات مسرحية في المدارس التبشيرية وأندية الشبان المسيحيين في فلسطين وسائر الدول العربية منذ القرن التاسع عشر.
وأضاف: كان لهذا المد الثقافي تأثير كبير على الأندية والجمعيات المسلمة التي نشطت وقدمت المسرح وسائر الفنون أيضا. ولمعت أسماء عديدة من المسرحيين الفلسطينيين قبل نكبة عام 1948 مثل: جميل البحري، وبرهان العبوشي، ومحمد حسن علاء الدين، ومحيي الدين الحاج عيسى، وعزيز ضومط. وكما أسلفت قدمت الفرق الموسيقية والمسرحية العربية من بلاد الشام ومصر وبلاد الفرنجة عروضها في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني وهذا بحد ذاته شكل دافعا لتنشيط الحركة المسرحية في فلسطين أكثر. والدراسات تشير إلى وجود ما لا يقل عن 30 فرقة مسرحية في الأندية والمدارس المسيحية والإسلامية ولكن يمكننا القول بأنها امتازت بموسميتها وعدم مهنيتها واعتمدت الخطابة والميلودراما والتقليد.
 


ياسمين عباس