اليوم العالمي للمسرح مسرح الثقافة الجماهيرية

اليوم العالمي للمسرح مسرح الثقافة الجماهيرية

العدد 709 صدر بتاريخ 29مارس2021

في يومه، يوم المسرح، لا يمكن بأي حال أن ننسى أو نتناسى أحد أهم روافد المسرح المصري بل والعربي وهو مسرح الثقافة الجماهيرية. فلا يمكن لمنصف أن ينكر دور هذا المسرح في إنعاش الحركة المسرحية المصرية ومن ثم العربية، بل يمكن القول بضمير مستريح إن فكرة (المسرح للجميع) لا تنطبق على أي جهد مسرحي كما تنطبق على مسرح الثقافة الجماهيرية؛ لأن الفرق المسرحية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة تنتشر انتشارا أفقيا بطول مصر وعرضها. ويشهد تاريخ هذا المسرح منذ نشأته في ستينيات القرن الماضي - كمحور أساسي لفكرة إنشاء جهاز الثقافة الجماهيرية - على الدور الفعال له ليس فقط في نشر الفن المسرحي بين ربوع الوطن (مدنه وقراه ونجوعه) بل كان ومازال - وهو الأهم - في نشر الوعي بمعناه العام. فمسرح الثقافة الجماهيرية لم يقتصر دوره فقط على إتاحة الفرص للمواهب في أقاليم مصر المختلفة، ولا في اكتشاف الطاقات في المجالات المسرحية المختلفة (تأليفا وإخراجا وتمثيلا وتصميما للمناظر.. وغيرها) ولكن كان دوره الأهم منطلقا من الإيمان بدور المسرح في تغيير وتطوير العقول والأرواح، عقول وأرواح ليس فقط مشاهدي المسرح ولكن قبلهم ومعهم عقول وأرواح ممارسيه.
من هذا الإيمان انطلق الآباء المؤسسون (مخرجون وكتاب ونقاد) يجوبون قرى مصر ونجوعها ينشرون الثقافة المسرحية بين أهلها، ويقدمون للحركة المسرحية أجيالا من بعدهم تحمل الراية وتضيف إلى تراث الآباء جديدًا ساهم بقدر كبير وفعال في تطوير حركة هذا المسرح. ولعل المجال هنا لن يحتمل ذكر أسماء المسرحيين كافة من الأجيال المتتابعة سواء ممن مروا (إلى) مسرح الثقافة الجماهيرية أو الذين مروا (من) مسرح الثقافة الجماهيرية. ربما فقط يكفينا القول إن نجوم المسرح المصري كافة في عناصره المختلفة (كتابة وإخراجا وتمثيلا و.. و..) منذ جيل ستينيات القرن الماضي وحتى الآن كان لهم بصمة جلية في سجل هذا المسرح، كما كان لهذا المسرح بصمته الواضحة في تاريخ كل منهم.
 بل إن الحركة المسرحية المصرية تتذكر بكل التقدير والإعزاز أن مر عليها وقت كان فيه مسرح الثقافة الجماهيرية هو الدرب المسرحي الوحيد المضاء وسط إظلام مسرحي أصاب مسرح العاصمة (حكومي وخاص) وكان مهرجان (المائة ليلة) الذي شهده مسرح (السامر) في ثمانينيات القرن الماضي أحد دلائل هذا الإصرار من فناني ومسئولي مسرح الثقافة الجماهيرية على الاستمرار والتحدي.
كذلك سيذكر سجل المسرح المصري بكل الفخر قدرة أبناء مسرح الثقافة الجماهيرية على التعافي السريع من حادث هو الأكثر ألما في تاريخ الحركة المسرحية المصرية بل والثقافية بشكل عام ونقصد به حادث حريق مسرح بني سويف (في الخامس من سبتمبر عام 2005) الذي راح ضحيته نخبة كبيرة من أفضل الكوادر المسرحية. وقد قاد هذا التعافي زملاء وتلاميذ من استشهدوا في هذا اليوم رافعين شعار (أن من ذهبوا حلموا وسعوا لخلق مسرح يشهده ويمارسه الناس كل الناس فلنستكمل المسيرة) بل ودشن هذا اليوم - الخامس من سبتمبر - عيدا رسميا للمسرح المصري.
ولعل الإنصاف يدفعنا إلى الإقرار بأن هذا المسرح - كغيره من جوانب الحياة الثقافية في مصر - قد مر بفترات من الوهن والضعف، لكنه وبإرادة فنانيه والمخلصين من مسؤوليه كان ينهض منها سريعا ليعاود ممارسة دوره الذي خلق من أجله وهو نشر الوعي بمعناه الأعم والأشمل. لذلك كان هناك حرص دائم من أبنائه (مسؤولين وفنانين ونقاد) على ضرورة دعمه بالعلم والمعرفة فظهرت مقترحات الورش المسرحية التي يشرف ويقوم عليها أساتذة متخصصون في مجالات المسرح المختلفة، وخرجت أيضا تجارب تبحث في إمكانية الخروج بالفعل المسرحي إلى أماكن مغايرة للمبنى التقليدي المغلق، فكانت الساحات والأجران والحدائق العامة و ضفاف النهر مسارح مفتوحة يستهدفون منها الوصول لأكبر عدد من مشاهدي المسرح وممارسيه وفي جانب آخر التجريب المسرحي بما يفيد تطوير هذا الفعل في علاقته بالبيئة الاجتماعية والحفاظ على الهوية المصرية بما سيطرحه هذا الخروج من بحث جاد في تراث المكان وتاريخه.
وها هو مسرح الثقافة الجماهيرية يخطو مؤخرا خطوته الأهم على طريق تطويره بمشروعه الحلم المعنون ب (ابدأ حلمك) القائم على العلم، علم فنون مسرح. وها هي بذرته تطرح حصادها الأول في ثلاث محافظات (أسيوط والفيوم والشرقية) كبداية لطريق لن ينتهي حتى يغطي محافظات مصر كافة في خطة مؤسسية شاملة يحددها هدف استراتيجي عنوانه الأكبر (بناء الإنسان).
لذلك كله وغيره الكثير كان لابد لنا ونحن نحتفي بيومه، اليوم العالمي للمسرح، أن نقول إن في مصر رائدة المسرح في الوطن العربي، مسرحا اسمه ويا للفخر (مسرح الثقافة الجماهيرية).
فكل عام ومسرحي العالم بخير.. دام مسرحنا ما دامت الحياة.
 


كاتب عام