الحب فى« سر مدينة السعادة» لنجلاء علام..

الحب فى« سر مدينة السعادة»  لنجلاء علام..

العدد 697 صدر بتاريخ 4يناير2021

«المسرح فرجة» ويكتب النص المسرحى كى ينفذ على خشبة المسرح، ليراه المتلقين، وجمهمور مسرح الطفل، غالبا مايكون من الأطفال والأسرة، ويعتمد مسرح الطفل بداية على الاثارة والدهشة والابهار، هذه العناصر هى التى تجذب الجمهور من اللحظة الأولى لفتح الستار وحتى نهاية العرض، وكما قال الفرنسى «شارل لالو: «بأن مسرح الطفل هو أهم ابتكارات القرن العشرين» لما يحمل العرض من تأثير مباشر على عقل ومخيلة الأطفال، من خلال أداء الممثلين على خشبة المسرح، وقدرة الممثل على التجاوب مع الجمهور وإقامة حوار مرح ومثمر يجذب الطفل إلى العرض بل ويجعله جزء منه، ويرسم البسمة على الوجوه، فلا يتسرب الملل إلى نفسه، ومن خلال الموسيقى والألحان الخفيفة الراقصة، التى تجعل الطفل يسبح فى فضاءات جمالية، خاصة حينما تقترن بالاضاءة الناعمة والمعبرة عن الموقف الدرامى، لتكون منسجمة مع الديكور بألوانه المبهرة والملابس الدالة على مضمون الشخصية المسرحية، هذا الجو المفعم بالجمال والسحر يرسمه مخرج العرض من خلال رؤيته الخاصة للنص المسرحى الذى كتبه المؤلف، وفى ظنى كلما كانت أفكار الكاتب جيدة، والنص مكتوب بحرفية كلما ساعدت المخرج فى عمله ليضيف من عندياته اللمسات الجمالية لتتكامل عناصر العرض المسرحى ويصبح عملا فنيا متفردا.
(1)
ولكى نكون منصفين –بداية- الكتابة لمسرح الطفل تحتاج لحرفية شديدة الدقة، ولقدرة يستطيع الكاتب أن يرسم بها ملامح شخصياته حتى يقنع الطفل المتلقى بها ويجذبه إليها ويسهل على المخرج مهمته.
ومسرحية «سر مدينة السعادة» للكاتبة المبدعة نجلاء علام، الصادرة مؤخرا عن هيئة الكتاب، برسوم الفنانة رحاب جمال الدين،  يدلنا عنوان المسرحية على أن أحداثها تدور داخل مدينة وهى مدينة السعادة، والمدنية عبارة عن أرض يسكنها شعب ويحكم الشعب أمير أو ملك، وهذا ما عبرت عنه المسرحية بشخوصها البشرية المتمثلة فى: «رحال»: وهو أمير مدينة السعادة، شاب فى مقتبل العمر؛ شجاع، مغامر، محب للترحال، متعاون.
وهذا يتفق تماما مع طبيعة الشخصية من خلال ما لمسناه من العمل الدرامى، إذن فالاسم دال على جوهر الشخصية.
حكيم الزمان: حاكم بلاد السعادة، ووالد الأمير رحال، والاسم هنا دال أيضا على حكمة هذا الرجل فى إدارة البلاد، ودفع ولده رحال للبحث عن سر السعادة.
سمعان: سلطان بلاد الأحلام التى انتقل إليها رحال للبحث عن سر السعادة.. وهو اسم دال على مضمون الشخصية، فقد استمع إلى وجة نظر رحال فى كشف الحقيقة وتبرأة وزيره إمام، وإدانة «ندمان القهرمان» الذى خطط للايقاع بالوزير إمام كى يتولى الوزارة بدلا منه.
إمام: وزير السلطان سمعان، وهو وزير مخلص وظهرت براءته على يد رحال.
ووحيد: شاب من بلاد الغرباء، (دوره ثانوى) وهو اسم دال على الوحدة والاغتراب.
والعجوز: إمرأة من بلاد الغرباء.. (دورها أيضا ثانوى) ورغم أن العجوز عرفت فى الحكايات الشعبية بالشر، إلا إن الكاتبة هنا لم تستفد من دلالة اسم العجوز.
الغريب: رجل شرير.. أتى من بلاد الكراهية.. والاسم دال على الفعل الدرامى.
«بندق»: صديق رحال وهو عروسة على هيئة أرنب صغير، رفيق رحال فى رحلة البحث عن الكنز، وهو شخصية مساعدة للبطل، وهو مرح خفيف الظل.
الشجرة: وهى تدل على النماء والخير والعطاء، وهى من دلت رحال على اللغز المحير، من أن أفراد مدينة الغرباء لا يستمعون لأحد ولا يتحدثون مع غريب.. ودلالتها تتفق وفعلها الدرامى.
عندليب: وهو طائر صوته عذب صمم بحيث يمر فى سماء العرض.
(2)
تقول بأن ملك مدينة السعادة أحب أن يعلم ولده «رحال» بعدما كبر وأصبح أميرا أصول الحكم التى تتمثل فى الحكمة، والصبر، والعدل، وكيفية معاملة الناس، فطلب منه الخروج كى يتعامل بنفسه مع الناس، ويبحث عن الكنز، وحينما يعثر عليه سوف يتولى الحكم بدلا من أبيه، والكنز كما جاء على لسان الملك: «الكنز ممكن أن يكون قريبا جدا.. أو.. بعيدا جدا.. يمكن أن يكون ذهبا.. ويمكن أن يكون كلمة» فخرج الأمير رحال ومعه صديقة الأرنب للبحث عن الكنز، وبعد سفر طويل واكتساب خبرة فى التعامل مع الناس يعثر فى النهاية على الكنز.
(3)
تقسم الكاتبة المسرحية إلى ثلاثة مشاهد، المشهدان الأول والثانى يعتمدان على تقنية «الفلاش باك» أو الاسترجاع، ثم المشهد الثالث وهو مشهد تكميلى للمشهد الثانى.
ففى المشهد الأول تبدأ المسرحية وكأن «رحال» قادم من سفر طويل، وقد بدأ سفره وترحاله فيما قبل الكتابة، وهذا يدل على استمرارية الرحلة ومشقتها فى البحث عن الكنز، تقول المسرحية:
رحال: آااااه.. كل هذه الرحلة الطويلة، لابد وأن أريح قدمى قليلا.. آاااه
(ينزل البقجة القماش عن كتفه، ويضعها على الأرض)
(ينظر إلى البقجة القماش الموجودة على الأرض)
رحال: هذه البقجة ثقيلة جدا، وتؤلم كتفى، لكن لا يمكننى الاستغناء عنها، فيها أدواتى وحاجاتى وطعامى وشرابى.
ولأن رحال أمير وإبن ملك عظيم فقد تربى تربية الأمراء على العادات الطيبة، وتتبدى ملامح شخصيته النبيلة فى مساعدة الآخرين، رد المظالم وانصاف المظلوم، وهذا ما حدث فى مغامرته الأولى فى مدينة الأحلام.
فعبر تقنية «الفلاش باك» يدور هذا الحوار بين السلطان سمعان ورحال..
السلطان سمعان: أشكرك يا رحال لأنك كشفت الحقيقة أمامى، لولاك.. لسجنت وزيرى إمام وهو مظلوم.
رحال: العفو يا ملك الزمان.. فالحق لابد أن يظهر.
السلطان سمعان: ولكن كيف عرفت أن ندمان القهرمان هو السارق، وليس وزيرنا إمام؟
رحال: أبدا.. لقد شككت فى ندمان فتعقبته، وتعقبت أيضا الوزير إمام، وفى ذات ليلة مقمرة، رأيت ندمان القهرمان يخرج متلصصا.. وأمام دار الوزير توقف، ثم استدار، ولف حول البيت، وخلف الدار حفر، ووضع المسروقات فى الحفرة.. وردم عليها بالتراب، وهو يبتسم ابتسامة الانتصار، ثم جاء الغدار إلى مجلسكم الكريم متهما الوزير إمام بالسرقة؛ كى يحتل مكانه فى الديوان.
الوزير إمام: شكرا لك يا أمير رحال.. جميلك هذا.. سيظل دينا فى عنقى.
رحال: لا شكر على واجب.. الحق دائما ينتصر.
فى المشهد الثانى، ومن خلال تقنية «الفلاش باك» يتذكر أيضا الحوار الذى دار بينه وبين والده الملك..
رحال: نعم يا والدى الملك.
الملك: دعوتك يا ولدى اليوم، لأنك كبرت، وأصبحت شابا وأميرا، وغدا ستكون الملك من بعدى.
رحال: أطال الله عمرك يا أبى.
الملك: هذا أمر الله ولابد أن ينفذ، أما سر دعوتى لك، هو أن أعطيك خلاصة علمى وتجربتى فى فنون الحكم.
رحال: وهل للحكم فنون يا أبى؟!
الملك: نعم يا بنى.. يجب أن تتعلم الحكمة، والصبر، والعدل، وكيفية معاملة الناس، وغيرها من الصفات التى ستجعل منك ملكا محبوبا من رعيتك.
رحال: وكيف أتعلم تلك الأمور؟
الملك: بالتجربة يا ولدى، يجب أن تخرج للناس، وتتعلم منهم وتعلمهم، ربما تجد الكنز.
رحال: الكنز؟
الملك: نعم.. الكنز الكبير.. ابحث عنه يا ولدى وحينما تجده ستكون الملك من بعدى.
رحال: وأين.. أين الكنز يا أبى؟
الملك: ابحث عنه يا رحال.
(4)
حينما يصل «رحال» وصديقه الأرنب بندق إلى إحدى القرى وهما فى طريقهما للبحث عن الكنز، ويكتشفا أن أهل هذه القرية لا ينظرون إلى أحد، ولا يستمعون إلى حديث أحد، وهنا تلعب الشجرة العجوز دورا محوريا فى كشف اللغز الذى حير رحال وبندق، تقول:
الشجرة: لا تخافا.. أنا.. أنا هنا، أنظرا.. أنا الشجرة العجوز الموجودة على حافة الجدول من زماااان...
رحال (بشجاعة): أيتها الشجرة الشجرة الكبيرة الطيبة.. مرحبا بك، إنك أول كائن يتحدث معنا فى هذه البلاد.
الشجرة: أهلا بك يا أمير رحال فى بلاد الغرباء.
رحال وبندق معا: بلاد الغرباء.
الشجرة: نعم.. لقد سميت هكذا؛ لأن كل من بها غريب عن أخيه.. كل شخص منهم يختبئ داخل بيته.. ويخاف الآخر.. كل واحد منهم يفضل أن يكون وحيدا.. من كثرة ما اعتادوا عليه من الوحدة.. صاروا لا يرون الآخرين ولا يسمعونهم.
رحال: يااااه.. وهل كانوا هكذا طيلة تلك السنين؟
الشجرة: لا.. عندما كنت شجرة صغيرة على هذا الجدول، كانوا متحابين.. متعاونين حتى جاء ذلك الغريب.
(5)
فى المشهد الأخير.. ترسم لنا الكاتبة ملامح هذا الغريب من خلال الحوار وليس الفعل الدرامى، هذا الغريب الذى استطاع بمكره وخبثه أن يبث الكراهية والشقاق بين أهل القرية، لدرجة أنهم أصبحوا جميعا فى خصومة دائمة، بسبب بحثهم الدائم عن الكنز الوهمى الذى ليس له وجود إلا فى أذهانهم فقط.. فقد أوهمهم الغريب أن الكنز الذهبى مدفون فى مكان ما فى القرية.. ومن خلال حديث الشجرة تتكشف الحقيقة أمام عين ووجدان رحال، وهنا يستدعى صوت أبيه مرة أخرى، وهو يقول له «يا بنى.. الكنز.. ممكن أن يكون قريب جدا.. وممكن أن يكون بعيد جدا.. وممكن أن يكون ذهبا.. وممكن أن يكون كلمة»
يقول رحال: الكنز كنت أعتقد أنه ذهب، وأنه فى بلاد بعيدة، لقد سرت، وسافرت، أما الآن فقد عرفت أنه قريب، قريب جدا، ربما داخل كل منا، وأن الكنز الحقيقى يمكن أن يكون كلمة توحد بين الناس بدلا من أن تفرقهم.
وهنا يتجلى دوره الاصلاحى مرة أخرى ومساعدة الآخرين، حينما يسأله بندق: وأنت الآن تريد أن تعيد إليهم الكنز الحقيقى..
رحال: طبعا يا بندق.. أليس هذا واجبى؟
بندق: ولكن كيف؟
رحال: سترى.
وبالفعل يستطيع رحال بحيلة ذكية أن يكشف لأهل القرية حقيقة الكنز الذى عاشوا يبحثون عنه سنوات دونما طائل، وأن الكنز الحقيقى يتمثل فى كلمة والكلمة هى (الحب)..
تختتم الكاتبة مسرحيتها بهذا الحوار..
رحال: والآن.. يابندق، هل عرفت الكنز؟
بندق: الكنز هو الحب، الحب بين الناس ينشر الأمان.
رحال: هيا يا بندق.. لنذهب إلى مدينتنا الحبيبة.. مدينة السعادة.. فإننى قد عرفت السر!.
(6)
ولأن هذه هى التجربة الأولى للكاتبة فى عالم المسرح، وهى قاصة وروائية بالأساس، فقد سرقتها غواية الحكى، ولكنه حكى قطع على شكل مشاهد وحوار، والحوار أداة أساسية فى تكنيك الكتابة المسرحية، ولكنه ليس كل المسرحية.. يوجد أحداث ولكن غاب عنها الفعل الدرامى، الذى يقود الشخصيات إلى تفجير الصراع، الذى غاب أيضا عن المسرحية، وكما تعلمنا «أنه لا صراع إذن لا دراما» لأنه هو جوهر العملية المسرحية، لم أجد فعلا دراميا سوى فى آخر مشهد من المسرحية حينما أتى رحال بالزلعة الفخارية ودفنها فى الأرض، وأوهم أهل القرية أنه وجد الكنز الذين يبحوث عنه، فإندفعت الأهالى على الزلعة حتى هشمت ولم يجدوا بها شيئا سوى ورقى مكتوب فيها كلمة (الحب) هذه الكلمة السحرية التى جمعت الناس مرة أخرى بعدما فرقتهم الكراهية.
المسرحية كلها عبارة عن استرجاع عن طريق الحكى، وكان المفترض أن يشتعل الصراع منذ بداية العمل المسرحى ثم يتصاعد تدريجيا عن طريق الفعل الدرامى للشخصيات حتى نصل للذروة، ثم لحظة التنوير فى النهاية.
لا بأس.. هذه الأدوات الدرامية يكتسبها الكاتب مع الأيام، ومع كثرة الكتابة والاحتكاك بالمسرحية ومشاهدة عروض كثيرة.
(7)
جاء الحوار المسرحى قصير ومكثف عبر لغة فصيحة بسيطة ودالة، وقد وفقت الكاتبة فى هذا الحوار المتميز.
كما نجحت الكاتبة فى التعبير عن بعض المشاهد الاسترجاعية عن طريق استخدام شاشة العرض التى تنقلنا من خلالها لزمن آخر غير الزمن الحاضر.. علاوة على أنها أيضا نجحت فى بث روح المرح والدعابة عن طريق «بندق» خفيف الظل الذى يتنطط كثيرا على خشبة المسرح ويشتبك فى حوارات ثرية مع الأطفال جمهور العرض، وهذه عوامل تؤدى إلى جذب الأطفال إلى العرض المسرحى..
ورغم تراثية الحكاية، أو كما يبدو لى وأنها مأخوذة عن حكاية تراثية، وهذا واضح من خلال أسماء الشخوص، وعالم القصور والملوك والأمراء، إلا أن الكاتبة أضفت عليها روح العصر الحاضر.
فى النهاية لا يسعنى إلا أن أهنئ نجلاء علام على هذه المسرحية المتميزة، رغم الملاحظات القليلة التى لا تقلل من قيمة العمل.

 


عبده الزراع