حول بدايات الأدب المسرحي في العالم العربي

حول بدايات الأدب المسرحي في العالم العربي

العدد 694 صدر بتاريخ 14ديسمبر2020

ألقى الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ الأدب المسرحي بجامعة حلوان وأمين اللجنة العلمية لترقيات الأساتذة في الجامعات المصرية محاضرة بعنوان (بدايات الأدب المسرحي في العالم العربي) على طلاب جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية بأوزبكستان السبت 5 ديسمبر 2020 عن طريق تطبيق زوم ZOOM.
 استهل د. سيد علي محاضرته  بقوله إن العالم كله يجمع على أن المسرح العربي بدأ بريادة مارون النقاش؛ ولكن هذه الريادة بدأت من خلال الفعل المسرحي والكتابة المسرحية ولكنها لم تنشر، وهذا معناه أن العالم العربي سمع وشاهد مارون النقاش في مسرحياته ولكنه لم يقرأ النصوص المسرحية حتى نعدها أدباً مسرحياً، ولكن هل المسرح في الأدب العربي والكتابات العربية وصل إلينا بأي صورة؟ وكانت المفاجأة  في بعثة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي عندما سافر إلى فرنسا مع أولاد الأسر الحاكمة وهناك طرفة معروفة بأن الطهطاوي لم يرسل للبعثة بوصفه طالبا بل بوصفه واعظا ومرشدا وإماما لإقامة الصلاة لهذه المجموعة البعثية ولكنه شاهد وجلس معهم وقرأ فأضيف اسمه ضمن البعثة .
وأثناء البعثة ترجم رفاعة الطهطاوي مجموعة من الكتب ومنها كتاب لجورج برنارد ديبنج ونشر الطهطاوي ترجمته في المطبعة الأميرية بالقاهرة عام 1833 وفي الكتاب تحدث ديبنج عن (المسرح الروماني) وفيه بدايات المسرح العالمي المعروفة، وهذا الفصل يعد أول فصل مكتوب باللغة العربية عن المسرح عموما في العالم العربي ولم يسبق الطهطاوي أحد في هذا الأمر.
وفي العام التالي 1834 قام الطهطاوي بنشر كتابه (تخليص الإبريز في وصف باريس) وفيه كتب فصلاً تحت عنوان (متنزهات باريس) ذكر فيه كافة تفاصيل العروض المسرحية التي شاهدها في باريس. وهذا الفصل كان فتحاً كبيراً في مجال الكتابات المسرحية، لأننا من خلاله تعرفنا ولأول مرة على المسرح الفرنسي باللغة العربية، لأن الطهطاوي تحدث عن خشبة المسرح، والممثل، والستارة، والديكور، والتذاكر، والإعلان، والبرنامج، وعن فكرة المسرحية، فاستطاع بذلك أن ينقل لنا وصفا دقيقا لما يحدث في المسارح الفرنسية التي رآها.
وأشار الدكتور سيد علي إسماعيل في محاضرته إلى آخر جهود الطهطاوي في مجال الأدب المسرحي، عندما ترجم مسرحية (هيلانة الجميلة) ونشرها في مطبعة بولاق بالقاهرة عام 1868، لتكون أول مسرحية مترجمة إلى العربية ومنشورة في كتاب في عالمنا العربي كله. وأشار الدكتور إلى أنه مهتم بالأدب المسرحي المنشور وليس الفعل المسرحي على خشبة المسرح، وفي ذلك كان الطهطاوي أسبق من مارون النقاش في النشر المسرحي وليس في الفعل المسرحي، حيث كان أول عربي ينشر مسرحية باللغة العربية  1868، لأن مسرحيات مارون النقاش نُشرت عام 1869، على الرغم من تمثيلها كفعل مسرحي منذ عام 1847.
هذا التوضيح اعتبره الدكتور  مقدمة  للحديث عن جهود مارون النقاش ومسرحياته الثلاث: البخيل، وأبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد، والسليط الحسود، التي جمعها نقولا النقاش – شقيق مارون – ونشرها في كتاب (أرزة لبنان)، الذي يُعد البداية الحقيقية لظهور الأدب المسرحي باللغة العربية في عالمنا العربي.
وتحدث د.  سيد اسماعيل عن افتتاح الأوبرا الخديوية في مصر عام 1869، وأثر افتتاحها على البيئة المسرحية في مصر، حيث قام الجمهور بمشاهدة بعض العروض، واهتمت الصحافة بعروض الأوبرا وبدأت الكتابة عنها باللغة العربية وبالأخص مجلة (وادي النيل) ومحررها محمد أنسي ووالده عبد الله أبو السعود. كذلك قام المترجمون وعلى رأسهم محمد عثمان جلال بترجمة المسرحيات المعروضة في الأوبرا وتوفيرها باللغة العربية للجمهور المصري. وأشار الدكتور إلى تجربة مجلة (روضة المدارس المصرية) التي نشرت مسرحية مترجمة على حلقات، وهي إحدى مسرحيات كتاب (النكات وباب التياترات) لمحمد عثمان جلال.
ومن المعلومات المهمة التي جاءت في المحاضرة قيام محمد عبد الفتاح أحد تلامذة الأزهر الشريف بتأليف ونشر مسرحية عام 1872 عنوانها (نزهة الأدب في شجاعة العرب). وتوالت المعلومات بعد ذلك لنعرف أن الأوبرا لم تُفتتح بأوبرا عايدة كما كنا نسمع، بل تم افتتاحها بأوبرا (ريجيلتو) أو (الملك المتلاهي) لفيكتور هوجو.
وكشف الدكتور سيد علي في محاضرته عن أول مشروع للحكومة المصرية لإنشاء المسرح العربي، مشيرا إلى أن أنظار الحكومة اتجهت إلى بيروت وإلى مسرحيات مارون النقاش بوصفها الأسبق في الخبرة المسرحية العربية، وتعاقدت رسمياً مع (سليم خليل النقاش) من أجل تنفيذ مشروع إنشاء المسرح العربي في مصر. وجاء سليم بفرقة مسرحية وبنصوص مسرحية أيضا ومن هنا ظهر النص المسرحي المتكامل أو شبه المتكامل. مثل مسرحيات: عايدة والظلوم وميّ، بالإضافة إلى مسرحيات نارون الثلاث.
وانتقل حديث د. سيد علي  إلى جهود الشيخ القباني رائد المسرح السوري، عندما جاء إلى مصر عام 1884 ، فقال إنه كتب مجموعة مسرحيات مستوحاة من التراث العربي والتاريخ الإسلامي وألف ليلة وليلة، ومن هذه المسرحيات: الأمير محمود نجل شاه العجم، وهارون الرشيد مع أنيس الجليس، وعنتر بن شداد، وهي أول مسرحيات مؤلفة عربياً اعتمادا على التراث العربي والإسلامي، ولم تكن مترجمة أو معربة أو مقتبسة كما هو شائع في هذه الفترة.
وأكد أن المصري الوحيد الذي تشابه مع ما فعله القباني، هو إسماعيل بك عاصم المحامي، وهو أول محامي في التاريخ المصري يخلع روب المحاماة ويرتدي ملابس التمثيل، عندما مثل في فرقة الشيخ سلامة حجازي نصوصه المسرحية المؤلفة ومنها (حسن العواقب) عام 1894 و(صدق الإخاء) عام 1905.
وعن (نجيب الحداد) قال د. سيد علي: ولأننا نتحدث عن أبرز النصوص فيجب ألا نغفل الكاتب المرموق بل والكاتب الأول في الترجمة وتعريب المسرحيات الأجنبية وهو نجيب الحداد الذي ترجم عشرات المسرحيات، وأغلب مسرحياته مثلتها كل الفرق المسرحية في القرن التاسع عشر وفي الربع الأول من القرن العشرين.. وقد استطاع ترجمة أهم المسرحيات التي عرضت على أغلب المسارح، ومنها: صلاح الدين الأيوبي، وغرام وانتقام، وشهداء الغرام، وحلم الملوك.
وتناول الدكتور سيد علي اسماعيل  أهم التجارب الكتابية في مجال الأدب المسرحي، مثل تجربة (تادرس وهبي) عندما كتب أول نص مسرحي مدرسي استخدم فيه أسلوب (مسرحة المناهج) عام 1884، وذلك من خلال مسرحية (عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق)، تلك القصة التي كانت مقررة دراسياً في مدرسة حارة السقايين، وقد ألف تادرس نصاً مسرحياً حول هذا المقرر ومثّل المسرحية بنفسه مع طلابه في مسرح حديقة الأزبكية، وحصر تمثيلها ولي العهد الأمير محمد توفيق.
والتجربة الأخرى التي تحدث عنها الدكتور سيد علي في خاتمة المحاضرة، دارت حول مسرحية (الملكة بلقيس) التي ألفتها أول امرأة عربية عام 1893، وهي الممثلة (لطيفة عبد الله) وقد تناولها المحاضر بوصفها أول مؤلفة مسرحية في تاريخ المسرح العربي.
 تلقى د. سيد علي مجموعة من أسئلة طلاب وأساتذة جامعة طشقند، ومنها: كيف يكون الطهطاوي أقدم من مارون النقاش رغم أن الطهطاوي ترجم ولم يؤلف بينما النقاش ألف وترجم؟ وأجاب الدكتور بأنه حدد الأدب المسرحي بالمنشور فقط!!  لذلك كان الطهطاوي الأسبق في النشر من خلال مسرحيته (هيلانة الجميلة) عام 1868، أما مسرحيات مارون فنشرت عام 1869.
سؤال آخر: سمعنا في هذه المحاضرة عن بداية المسرحية في مصر فهل كانت مثل هذه البداية في الأقطار العربية الأخرى؟ أجاب الدكتور قائلاً: حديثي في هذه المحاضرة عن بدايات الأدب المسرحي، وهذه البدايات كانت في القرن التاسع عشر، ولم تظهر هذه البدايات إلا في مصر والشام فقط! وهناك نص مسرحي مخطوط – وليس منشورا – منسوب للجزائر عام 1848 لم نتحقق من مؤلفه حتى الآن، ولا يدخل ضمن نطاق المحاضرة لأنه مخطوط.
وتوالت الأسئلة، ومنها: ماذا عن خيال الظل في المسرحية المصرية؟ وهل هناك مسرحيات مصرية مترجمة إلى اللغات الآسيوية؟ وكيف نستخدم المسرحية في تعليم اللغة العربية؟ وما هو سبب إغلاق مدرسة الألسن ونفي رفاعة الطهطاوي إلى السودان؟ وكيف قبل الشعب المصري الفكر التنويري الذي كان رائده الطهطاوي في مصر؟ وقد أجاب الدكتور على الأسئلة كافة بإسهاب وشرح دقيق.
وكانت هناك مداخلة مهمة من المغرب الشقيق، تحدث فيها (المختار العسري) قائلاً: تجارب العالم العربي ضاربة في أعماق العالم ولكن عندما نتحدث عن المسرح فهو فن مستورد وبالتالي المغرب كتجربة ونحن نعرف قربها من أوربا وبالنظر إلى  بعض الدراسات سنجد دراسة في المغرب تتحدث عن أن مدينة تطوان شمال المغرب  بُني فيها مسرح عام 1860 عندما احتلت اسبانيا هذه المدينة، وقد أنشأت المسرح للترويح على نفوس الجنود الأسبانيين، أضاف:  ويذكر هذا المصدر أن بعض المغاربة كانوا يذهبون إلى هذا المسرح أشار إلى أن هذا الكلام ورد في كتاب مصطفى عبد السلام (تاريخ مسرح الطفل في المغرب) وقد  نشر هذا الكتاب على نفقته الخاصة. وتحدث عن هذه المسرحية قائلا إنها الأولى التي تحدثت باللسان المغربي وكانت بعنوان الطفل المغربي. تابع :  كذلك تحدث بعض النقاد عن عام 1912 بوصفها  بداية المسرح في المغرب.
وفي نهاية المحاضرة شكر مسئولو  جامعة طشقند الدكتور سيد علي أسماعيل ووجهوا إليه الدعوه للحضور إلى أوزبكستان لإلقاء مجموعة محاضرات أخرى في جامعة طشقند بصورة مباشرة وليس عن بعد.
 


مريم شعبان