جولة فى شارع المسرح اليابانى

جولة فى شارع المسرح اليابانى

العدد 693 صدر بتاريخ 7ديسمبر2020

لانكاد نعرف شيئا عن المسرح اليابانى  اكثر من فن الكابوكى الذى يتعامل معه  البعض خارج  اليابان بالسخرية. واليوم ستكون لدينا الفرصة لتعريف قارئنا العزيز بالمزيد عن المسرح اليابانى.  
والبداية مع دعوة طريفة تتردد فى اليابان حاليا وهى الدعوة الى “برودواى يابانية “   على غرار “برودواى” حى المسرح فى نيويورك او “وست اند” حى المسارح فى لندن.  وستكون برودواى هذه المرة فى العاصمة طوكيو.
 يقول اصحاب   الدعوة ان طوكيو تضم 149 مسرحا  وهو  اكبر خامس عدد للمسارح بين مدن العالم الرئيسية . وفى الوقت نفسه لا يعرف على وجه الدقة عدد المسارح الموجودة فى   برودواى نيويورك.  ذلك  ان المسرح لا يصنف على انه من مسارح برودواى الا اذا كان عدد مقاعده لا يقل عن 500 مقعد. وفيما عدا ذلك  لا يدخل فى التصنيف حتى لو كان فى قلب برودواى. وبناء على هذا المعيار تضم برودواى 40 مسرحا فقط. ولا ندرى كم سيكون عدد مسارح   طوكيو لو طبقنا عليها.
 لاحظ اصحاب الدعوة  ان مسارح طوكيو تجذب فقط من الجماهير ثلث ما تجذبه مسارح برودواى الاربعين.  كما أن  برودواى ووست اند على حد سواء   من الوجهات السياحية التى تدر المليارات على الاقتصادين الامريكى والبريطانى.   فمسارح برودواى الاربعون تبيع تذاكر فقط باكثر من مليار ونصف مليار دولار سنويا،  عدا ما ينفقه الجمهور فى المطاعم والفنادق وغيرها.
غير واقعية!!!
على الجانب الاخر يرى البعض انها دعوة غير واقعية لاسباب عديدة اهمها طبيعة بعض اشكال المسرح اليابانى مثل الكابوكى  الذى لا يقبل عليه الا فئات محددة. وعلى هذه النقطة بالذات يرد انصار برودواى اليابانية بأن عروضا مسرحية يابانية طافت العالم وحققت نجاحا طيبا مما يعنى ان الحلم واقعى وان اللغة لا تشكل عائقا امام انتشار المسرح اليابانى. ويعيد هؤلاء الى الاذهان المسرحية الاسطورية  اليابانية “حارسة القمر  الجميلة” التى عرضت العام الماضى فى برودواى الامريكية نفسها مع ترجمة فورية انجليزية عبر السماعات وكانت كل بطلاتها من الجنس اللطيف وعرضت لثلاث ليال فقط وبيعت تذاكرها بالكامل.
ويعود  رافضو الفكرة فيطالبون بان يرضى انصار المسرح اليابانى  بالامر الواقع...فليس فى الامكان افضل مما كان. ويتحدثون عن مشاكل اخرى مثل العوائق بسبب   تناثر المسارح عبر مساحة واسعة من طوكيو وليس فى حى واحد. كما ان معظم العروض فى المسارح اليابانية تبدا فى وقت مبكر بينما يفضل جمهور المسرح الاوروبى مثلا ان يتجه لمشاهدة مسرحيته المفضلة بعد تناول طعام العشاء.  ووتقدم  بعض العروض نهارا. وهذا الموعد المبكر يناسب الجمهور اليابانى  خاصة كبار السن الذين ترتفع نسبتهم  بين افراد الشعب اليابانى لكنه لايناسب السائح الاجنبى.
 وكانت الغلبة  لدعاة “برودواى اليابانية”. فقد بدات وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية مع الفرق المسرحية والشركات المالكة للمسارح لبحث تقديم الدعم للفرق لانتاج عروض ضخمة تجذب الجماهير من داخل اليابان وخارجها. كما تبحث الوزارة تقديم الدعم للمسارح لتطوير مرافقها وزيادة سعتها لتكون قادرة على استضافة عروض ضخمة. وسوف تتكفل الوزارة  بتزويد المسارح – عن طريق مجلس الفنون الاستعراضية اليابانية – بتقنية العروض المجسمة.  والمتوقع ان تشترط الوزارة ان تكون الاعمال يابانية تعبر عن المجتمع اليابانى.
ويتوقع البعض ان يتم اجراء بعض التجارب فى اولمبياد طوكيو القادمة.
ماتسوبارا ...نجم مهرجان المسرح التجريبى
من اداة للتسلية الى علاج للسلبيات
وكانت اليابان أيضا على  موعد  مع  مهرجان المسرح التجريبى اليابانى الذى تشارك فيه العروض اليابانية فقط. وكان  فرصة طيبة لالقاء الضوء على النشاط المسرحى فى اليابان وعلى بعض الشخصيات المسرحية الشهيرة هناك.
كانت اهم  ملامح المهرجان  عرض اكثر من مسرحية للكاتب المسرحى – والسنيمائى  والقصاص ايضا- اليابانى الشاب “ شنتارو ماتسوبارا” (34 سنة فقط). وهو يكون ثنائيا مسرحيا مع المخرج المسرحى موتوى مويورا ويقدمان اعمالهما معا من خلال فرقة مسرحية تعرف باسم شيتان.
ويقول ماتسوبارا انه كان قانعا بممارسة موهبته ككاتب قصة حتى   2014 حعندما التقى ين قابل صديقا له ودعاه لمشاهدة مسرحية “فاتزر” او “سقوط الانانى يوهان فاتزر” للاديب الالمانى  برتولد بريخت (1898 – 1956). وبهرته المسرحية ونالت اعجابه فقرر اقتحام مجال الكتابة للمسرح. وفوجئ بالقلم طوع بنانه وبانه صاحب موهبة فى الكتابة للمسرح لم يكن يشعر بها. وهذه الموهبة امتدت الى السنيما فيما بعد. وبعد ان تحقق من موهبته  كون الفرقة المسرحية مع مويورا وكانت تجربة خلاقة  .
وكانت اولى ثمار هذا التعاون  فى العام التالى مباشرة مسرحية “مشهد سفر” التى تناولت الماساة التى تعرضت لها المحطة النووية فى فوكوشيما شمال شرقى اليابان عام 2011 بسبب الاحوال الجوية وادت الى اضرار جسيمة. ونال عنها جائزة مؤسسة ايشى للفنون وهى ارفع الجوائز المسرحية فى اليابان.
نقد اجتماعى
وبعدها خرج على عشاق المسرح اليابانى بمسرحيته  الثانية وهى “ اليابانيون الذين ينسون”التى تدور حول ابناء الشعب اليابانى الذين يلغون عقولهم ويتصرفون كما يريد اصحاب السلطة دون تفكير او تمحيص.   
وعلى نفس المسرح عرضت مسرحية “ياما ياما” او الجبال باللغة اليابانية. وفازت المسرحية بجائزة كيشيدا للدراما.
والغريب  ان مسرحيات ماتسوبارا كانت تلقى اقبالا كبيرا من جمهور المسرح،لكن بعض النقاد لم يكونوا يرحبون بها ووجهوا انتقادات عديدة اليها.
ومن هذه الانتقادات   انه  قلل من الاعتماد على عنصر السرد او الراوية وهو من الامور الشائعة فى المسرح اليابانى. كما راى البعض انه يضمن مسرحياته شخصيات غير ضرورية لا تقوم بدور مهم فى دفع الاحداث. ويشار الى  هذا الامر عادة فى النقد الادبى والفنى بمصطلح “سقوط  الشخصيات” اى ظهور الشخصيات واختفاؤها بدون مبرر مقنع. وكان يؤخذ عليه ايضا انه يضمن الحوار بعض العبارات التى تنتقد المجتمع اليابانى بقسوة تصل الى درجة الاستفزاز.
ويرد ماتسوبارا على هذه الانتقادات فى البداية بوعد ان يراجعها ويأخذ بما ما يراه يستحق  منها. وبعد ذلك عاد يدافع عن وجهة نظره قائلا  انه كاتب مسرحى تجريبى يسعى الى التجديد غير مقيد بالاساليب التقليدية .  كما انه يسعى الى علاج بعض سلبيات  المجتمع اليابانى وعالم السياسة اليابانية  وهو يعتبر نفسه صاحب رؤية غير تقليدية استهوت عشاق المسرح فى اليابان واقتنعوا بها. ويعترف بأنه فى حاجة الى رسم الشخصيات بشكل افضل لانها العنصر الرئيسى فى نقل فكرة الكاتب قبل الموسيقى او الديكور او المؤثرات البصرية والصوتية. وسوف يراعى ذلك فى اعماله المستقبلية وفى عروضه القادمة لاعماله التى سبق عرضها بالفعل.
ثنائى ناجح
ويرى النقاد ان ماتسوبارا يشكل ثنائيا ناجحا مع ميورا لانه افضل من يعبر عن افكاره ويحول كلماته الى حركة نابضة على المسرح. ويتميز بقدرته على استبعاد عناصر البطء والترهل التى يمكن ان تكون فى كتابات ماتسوبارا الاصلية. وقد يبالغ ميورا احيانا ويقدم المسرحية بشكل يختلف كثيرا عن الاصل المكتوب. لكن ذلك لم يلق اى اعتراض من ماتسوبارا.
من هنا يترقب النقاد وجماهير المسرح العرض القادم لماتسوبارا لانه سوف يكون اول عرض له يخرجه مخرج اخر هو “توموهيكو اوماى “(52 سنة) وهو ايضا ممثل مسرحى وتليفزيونى معروف فى اليابان. وقد شارك اوماى فى اكثر من 100 عرض مسرحى ممثلا وسيكون “التذكارى” ثامن عرض من اخراجه. ويزيد من الاهتمام انه سوف يقدم بواسطة فرقة اخرى فى العاصمة طوكيو على مسرح بانجو كوزا التاريخى بالمدينة. كما انه سبق ان قدمته فرقة شيتين قبل عامين باخراج ميورا.
وتدور احداث المسرحية حول مجموعة من الناس يتقابلون مصادفة ويبدأون فى الحديث بأسلوب ساخر عن المشاكل التى تواجههم فى حياتهم بأسلوب ساخر. ويجسد كل ممثل مشارك عدة شخصيات من خلفيات ثقافية مختلفة. وهذا ما حدث فى المعالجة الاولى لميورا وسوف يحدث فى معالجة أوماى الذى سيركز على بعث الامل فى نفوس المشاهدين بعد عرض المشاكل العديدة التى تواجه المجتمع اليابانى.
ويقول انه معجب بماتسوبارا لانه جعل جمهور المسرح يقبل على مسرحيات تعالج مشاكل المجتمع بعد ان مرت عدة عقود كان اليابانيون يعتبرون المسرح وسيلة ترفيه  بحتة لا اكثر.  والمهم ان يحقق الاخراج المعادلة.


ترجمة هشام عبد الرءوف