جولة فى شارع المسرح الأمريكى

جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 680 صدر بتاريخ 7سبتمبر2020

 تعد مسرحية “جلوريا – حياة “ التى بدا عرضها فى بوسطن فى مسرح كوبلى المغطى وسط اجراءات وقائية  من المسرحيات المميزة فى تاريخ المسرح الامريكى. ولا يرجع ذلك فقط الى كونها أول مسرحية تحصل على الترخيص ويتم عرضها فى بوسطن فى مسرح مغطى منذ بدء ازمة كورونا . 
والسبب  الاكثر اهمية انها مسرحية تؤرخ لشخصية لاتزال على قيد الحياة وهى الناشطة النسائية “جلوريا شتاينيم “ الامريكية ذات الاصول الألمانية والروسية والبولندية  البالغة من العمر 86 عاما ولاتزال تتمتع بصحة جيدة وحيوية ونضارة تجعلها تبدو اقل من سنها الحقيقية.

 وتجسد شخصيتها ممثلة مقاربة لها فى السن هى “كريستين لاسى” ذات السبعين عاما. وقد اشاد ناقد البوسطن جلوب باداء لاسى الذى ارجعه الى خبرتها وكفائتها كممثلة مسرحية والى اقتناعها بالشخصية التى تجسدها على المسرح.   وبدورها اكدت لاسى على ذلك فقالت انها مدينة لجلوريا شتاين التى وجهت نظرها الى امور كثيرة عندما كانت تتابع  نشاطها منذ نعومة اظفارها. وهى ترتبط معها بعلاقة صداقة حتى قبل تجسيد شخصيتها. وقد عانت هى نفسها من التفرقة ضد المراة منذ مطلع شبابها عندما كانت طالبة فى جامعة ديترويت. 
مراحل
وكان الماكياج موفقا فى عرض تطور شكل جلوريا عبر مرور الزمن حيث ظهرت لاسى فى شبابها بشكل مقنع حتى وصلت الى مرحلة الشيخوخة. ويتوقع البعض ترشيح الماكياج لنسخة جائزة تونى القادمة لافضل ماكياج. 
ولم يقتصر العرض على عرض افكار جلوريا ومبادئها، بل استعرضت المسرحية حياة جلوريا شتاين منذ مطلع شبابها  والعوامل التى يمكن ان تكون وراء  اهتمامها بقضايا المرأة الامريكية وربما فى العالم اجمع. وكان من الملفت للنظر أن كل الشخصيات التى شاركت فى المسرحية قامت بها سيدات حتى الشخصيات الذكورية . وقد اهتمت المسرحية بابراز بعض الجوانب من حياة جلوريا مثل طفولتها الصعبة   عندما كانت امها مختلة عقليا وابوها لا يهتم باسرته. ووجدت نفسها مسئولة عن اعالة نفسها لست سنوات بين عمر 11 الى 17 سنة. وقد بالغت فى الاهتمام بوضع المرأة حتى انها رفضت الزواج حتى بلغت عامها السادس والستين.
 وتزوجت عام 2000 من رجل الاعمال البريطانى ديفيد تشارلز الذى يصغرها بسبع سنوات. وكان زواجا قصيرا لم يدم لاكثر من ثلاث سنوات حيث توفى الزوج متاثرا بورم فى المخ. وللتعبير عن وفائها لذكراه سجلت ابناءه الاربعة كابناء قانونيين لها رغم انهم كانوا بالغين وكانت امهاتهم المطلقات  على قيد الحياة فى بريطانيا  حيث انهم نتاج اكثر من زيجة للاب الراحل.
ليست شخصية خارقة
وتقول لاسى ان اهم ما يعجبها فى النص انه يؤكد على حقيقة مهمة وهى ان جلوريا شتاين ليست بالشخصية الخارقة ،وان كل ما قامت به من اجل المرأة يمكن ان تقوم به اى امراة فى العالم بشرط ان تكون لديها الرغبة الصادقة فى خدمة قضايا بنات جنسها .  كما انها تؤكد فى المسرحية على ان هناك مشكلة او مشاكل حقيقية تعانى منها المراة فى الولايات المتحدة سواء كانت من البيض او السود او اى جماعة عرقية وان الامر ليس نوعا من الأوهام والمبالغات  كما يقول بعض خصوم الحركة النسائية فى الولايات المتحدة ...وبعضهم من النساء للاسف. وتشير الى ان 90 % من اصحاب العمل فى الولايات المتحدة لايزالون يدفعون اجورا اقل للنساء مما يدفعونه للرجال عن نفس العمل.
وتسعى المسرحية الى تبديد مفهوم خاطئ ينتشر بقوة فى الولايات المتحدة وهو ان الحركات النسائية تعادى الرجال. وهى فى الحقيقة تطالب فقط بحقوق المرأة الامريكية وبالمساواة مع الرجل  ...لا اكثر.
وتنتهز كريستين الفرصة لتدعو حكومة الولاية لتخفيف القيود على استئناف النشاط المسرحى بسبب فيروس كورونا. فقد انفقت معظم الفرق المسرحية مبالغ طائلة لتعديل مسارحها لتتفق مع الاجراءات الوقائية وحصلت على موافقة نقابة الممثلين لاستئناف عروضها لكن حكومة الولاية ترفض.
تجربة طريفة للمصور الشهير
انقذ اطفاله من الاكتئاب ...بالمسرح
وسط ازمة كورونا وتداعياتها يشعر المصور الامريكى المحترف “ بريان شيفلد” بانه مدين بالكثير الى المسرح الذى ساعده على تجاوز هذه الفترة الحرجة. واذا عرف السبب بطل العجب حتى نعرف لماذا هو مدين للمسرح.
 بفضل المسرح تمكن من من  القضاء على حالة الملل الرهيب الذى اصاب طفلته الصغيرة “جونى”(8سنوات) وشقيقها الاصغر “الدى” (6سنوات )بعد ان توقفا مؤقتا عن الدراسة بسبب الاجراءات الوقائية التى تم تطبيقها فى ولاية فيرمونت الشمالية حيث يقيم.
 وهو لم يقض فقط على الملل الذى اصاب طفليه بل حولهما الى عناصر نشطة بحيث يمكنهما العودة الى الدراسة بنشاط بمجرد استئنافها فى اى وقت.وقبل هذا وذاك غرس فيهما حب المسرح دون ان يحاول فرضه عليهم.
بلاجدوى
ولنترك شيفلد يروى تجربته مع طفليه (8و6 سنوات). يقول ان الملل اصابهما فى الايام الاولى لفرض العزل وإغلاق مدرستهما . وحاول بدوره ازالة هذا الملل الذى كان يترجم نفسه احيانا الى حالات اكتئاب واحيانا الى حالات ثورة تنهى باتلاف بعض  محتويات البيت.
افلح التليفزيون فى البداية بالتنقل بين قنواته المتنوعة. لكن الملل عاد الى الطفلين بعد ايام قليلة. ولان الطفلين يعشقان الرسوم المتحركة قام الاب بتحميل العديد منها عبر الشبكة العنكبوتية  خاصة الحلقات الشهيرة مثل توم وجيرى ونقار الخشب والفهد الوردى. وزال الملل لعدة ايام ثم عاد من جديد. ونفس الامر بالنسبة لعدد من الافلام الشهيرة والناجحة مثل “صوت” الموسيقى.  وتكر ايضا مع لعبة الشطرنج التى  بلا جدوى.
وحار الاب ماذا يفعل حتى ارشده احد اصدقائه الى حل سحرى ثبت نجاحه وهو المسرح. ولم يكن الحل هنا مجرد مشاهدة المسرحيات بل تبنى نظرة اعمق وهى ان يكون الطفلان جزءا من الحل. 
جزء من الحل
وهذا بالفعل ماحدث. كانت الفكرة تعتمد على تقديم مسرحيات شهيرة للاطفال يشارك فيها الاب مع الطفلين. وشارك الطفلان فى اختيار النص المسرحى وفى اختصاره  ليقدم فى غرفة مغلقة بديكورات بسيطة ثم فى اختيار الملابس التى يرتديانها ويتم تصوير المسرحية وبثها على الانترنت على الهواء  ليشاهدها من يريد ويسجلها اذا اراد. وكان يختار أحيانا بعض الاعمال القصصية للاطفال او حتى الاعمال العادية ويحولها الى عمل مسرحى بسيط لايزيد زمنه عن نصف ساعة بالتعاون بينه وبين الطفلين ومع زوجته هاوية المسرح. ولاضفاء مزيد من الحيوية على العرض الواحد كان  يقدم عدة مرات  مع اجراء بعض التعديلات فى كل مرة سواء فى الموضوع او الحوار او حتى الملابس. وكان احيانا يقدم العمل المسرحى على الهواء من شرفة منزله ويدعو بعض الجيران لمشاهدته وكى يشاهده المارة.  واختار اعمالا لعدد  من كتاب الاطفال مثل «مدام كالمازو» ومسرحية «انانسى العنكبوت» الماخوذة عن الادب الافريقى للاديب الهولندى « ليون ليونى» ووبعض مشاهد من قصة «اليس فى بلاد العجائب» للويس كارول و»صاحب الكوخ المجنون» و»أرنب مارس» وغيرها من مسرحيات الاطفال.  وتم ذلك فى عروض بسيطة لم تهتم باستخدام اى تقنيات حديثة باستثناء التصوير والبث عبر الانترنت. وكان احيانا يقدم مسرحيات مبسطة لشرح بعض القضايا المعاصرة مثل مشكلة الكورونا او الفيضانات التى تضرب الولايات الامريكية .
ويقول ان اهم نجاح حققته التجربة هو ان ابنه وابنته صارا مثله ومثل زوجته من عشاق المسرح. فهو وزوجته من عشاق المسرح   وكان سببا فى تعارفهما بسبب كثرة التردد على المسارح حيث تعارفا عن طريق الصدفة وتحابا وتزوجا. ولم يحاول ان يفرض حب المسرح على الابن والابنة. وجاءت فكرة المسرح المنزلى ليحب الاثنان المسرح بشكل طبيعى.


ترجمة هشام عبد الرءوف