بشار عليوي: أيها المسرحيون عليكم بمسرح الشارع والفضاءات المفتوحة

بشار عليوي: أيها المسرحيون عليكم بمسرح الشارع والفضاءات المفتوحة

العدد 676 صدر بتاريخ 10أغسطس2020

منذ بداية العام الحالي جرت تحضيرات ملتقى بابل لمسرح الشارع الأول الذي أقامته جامعة بابل بهدف مناقشة واقع مسرح الشارع على المستويين المفاهيمي والتطبيقي، ورغم ظروف جائحة كورونا فإن إدارة الملتقى برئاسة د. عامر صباح المرزوك أصرت على إقامته بشكل وسائطي “أون لاين” حتى لا تضيع فرصة تدشين الدورة الأولى له وهي التي تمثل ولادة الملتقى، وقد حقق الملتقى صدى كبيرا وإقبال مجموعة كبيرة من المسرحيين العرب المتخصصين في مسرح الشارع، وشملت فعاليات الملتقى مجموعة من المحاور الفكرية بالإضافة إلى إصدارات عن مسرح الشارع.. حول هذه الفعالية حاورنا منسق المهرجان د. بشار عليوي، وهو ناقد ومخرج مسرحي عراقي تخرج من مسرح كلية الفنون الجميلة جامعة بابل عام 2001 وخبير دولي في مسرح الشارع، أخرج للمسرح أكثر من أثني عشر عملا مسرحيا كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية  ناقدا وممثلا ومخرجا وباحثا وعضوا في لجان التحكيم والمشاهدة والنقد. وحصل على العديد من الجوائز في المهرجانات المسرحية وهو مؤسس ورئيس نادي المسرح في بابل، وصدر له عدة كتب منها “قراءة استدلالية في المسرح الكردي”، “أنطولوجيا المسرح الكردي”، “مسرح الشارع حفريات المفهوم والوظيفة والنتاج”، “المسرح العراقي بعد التغيير مسرح ما بعد 4/9/2003”، “المسرح والإرهاب”.   
- كيف بدأت فكرة إقامة ملتقى بابل الأول لمسرح الشارع؟
بداية لقد جاءت فكرة تأسيس ملتقى لمسرح الشارع لمناقشة واقعه على المستوى المفاهيمي والتطبيقي، لذا فإن اللجنة التحضيرية للملتقى في دورته الأولى قد شرعت بأعمالها منذ بداية العام الحالي عبر مخاطبة عدد كبير من الباحثين والدارسين وفناني مسرح الشارع من عموم العالم حيث كان من المؤمل أن تقام فعالياته التي تتضمن عروضا وندوات وورشا تدريبية وتوقيع كتب عن مسرح الشارع وندوة فكرية رئيسية بعنوان مسرح شارع أم المسرح في الشارع بمشاركة عدد من المتخصصين من داخل وخارج العراق في شهر أبريل الماضي في ربوع جامعة بابل العراقية، لكن بسبب ظروف جائحة كورونا التي تسببت بالإغلاق العام وتعطيل حركة السفر فضلا عن منع التجمعات بكافة أشكالها قمنا بإلغاء فكرة إقامته حينها ولكن ومن أجل عدم وأد التجربة قبل ولادتها قررنا تنظيمه تحت يافطة “وسائطيا” وليس “أون لاين” وبدون عروض للتفريق بين كلا التوصيفين لأننا بطبيعة الحال جميعا نستثمر الوسائط بمختلف أنواعها للتواصل فيما بيننا.
- ما هي أهداف إقامة هذا الملتقى في هذا التوقيت؟
 مع وجود جائحة كورونا بشكل واقع مُعاش حاليا ومع جُملة التساؤلات التي شهدناها من قبل عموم المسرحيين حولَ غياب المسرح والمُمارسة المسرحية وتعطيلها بسبب ظروف الجائحة, جاءَ المُلتقى لتتضح أهمية الالتفات لوجود مسرح الشارع في الحياة المسرحية العربية, من خلال قيام جميع فعاليات المُلتقى بمُناقشة السؤال الجَدلي (مسرح الشارع أم المسرح في الشارع) الهدف منه الوصول بمُخرجات ترشح عن ندوات الملتقى يُمكن الإفادة منها مُستقبلا في رسم معالم مسرح الشارع مفاهيميا, ولعل من أهم أهداف المُلتقى التأكيد على وجودنا كمسرحيين نتحاور بشتى الوسائط المُتاحة, رغم تقطع السُبل للتلاقي فيما بيننا, فاخترنا الحوار والجدل المعرفي حولَ مسرح الشارع للتخفيف من ظروف الجائحة وقسوتها.
- نود أن نتعرف على أهم المحاور الفكرية في الملتقى؟
المُلتقى لم يضم عروضا مسرحية, ويشتمل على محور فكري رئيسي بعنوان (مسرح الشارع أم المسرح في الشارع؟) تقدم عبرَ ثلاث ندوات فكرية من خلال وسيط زووم، انطلقت جميعها في تمام الساعة 10 مساء بتوقيت مكة وبغداد خلال أيام المُلتقى وكان مُتاحا لمن يرغب بالمُشاركة، وقد شارك في الندوة الأولى التي حملت عنوان (مسرح الشارع _ أنساق مفاهيمية) وتولى إدارتها كُل من الباحث المسرحي د.عامر صباح المرزوك من العراق, والناقد المسرحي د. أحمد بلخيري من المغرب والباحث د. إياد السلامي، والفنان والكاتب المسرحي سعد هدابي من العراق، والفنان والباحث حسام مسعد من مصر، والناقد حمه سوار عزيز والباحثة د. فاتن حسين ناجي من العراق، أما في ثاني أيام المُلتقى الأربعاء 22/7 فكانت الندوة الثانية (مسرح الشارع _ اتجاهات وأشكال) وقد أدارها  الفنان المسرحي عبد الجبار خمران عضو الهيئة المديرة لمهرجان أوال ناغ لفنون ومسرح الشارع من المغرب, وُشارك فيها كُل من الباحث والفنان والمُترجم المسرحي المعروف د. محمد سيف العراق فرنسا, والفنان والباحث المسرحي د. نايف خلف الثقيل مدير عام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون من السعودية والمخرج المسرحي عمرو قابيل مؤسس ورئيس ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي من مصر, والباحث والفنان المسرحي د. أحمد محمد عبد الأمير من العراق, والناقد والكاتب المسرحي إبراهيم الحسيني مدير تحرير جريدة “مسرحنا” من مصر, والباحث د. حسن عبود النحيلة والباحث المسرحي د. غنام محمد خضر رئيس اتحاد أدباء محافظة صلاح الدين من العراق والناقدة عزة القصابي من سلطنة عُمان والباحث د. دلشاد مصطفى من العراق والباحثة والمخرجة المسرحية د. سناء فرح من الجزائر. وفي اليوم الثالث من المُلتقى أقيمت الندوة الثالثة (تجارب من مسرح الشارع) بإدارة الفنان المسرحي سامي الزهراني رئيس فرقة الطائف المسرحية من السعودية, وشارك فيها المخرج المسرحي مازن الغرباوي مؤسس ورئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي من مصر, والفنان المسرحي محمد النبهاني رئيس فرقة مسرح الدن للثقافة والفنون ورئيس مهرجان الدن الدولي لمسرح الكبار والطفل والشارع من سلطنة عُمان, والفنان المسرحي طلال أيوب رئيس ملتقى حضبة لفنون ومسرح الشارع من تونس والناقدة د. منتهى المهناوي من العراق, والفنان أيوب مطية مدير مهرجان مراكش الدولي لمسرح الشارع من المغرب, والباحثة داليا همام من مصر, ود. كريم خنجر مؤسس ورئيس مهرجان بغداد الدولي لمسرح الشارع من العراق, والباحثة بدور الموسى من سوريا, والفنان نزار الكشو من تونس والباحثة والفنانة بكره تونسي مديرة ملتقى تبسة لمسرح الشارع من الجزائر, ود. إيمان الكبيسي من العراق.
واستهدفت هذهِ الندوات الوصول بمُخرجات يُمكن الإفادة منها مُستقبلا في رسم معالم مسرح الشارع مفاهيميا.

- ما مدى أهمية إقامة ملتقيات خاصة لهذا النوع من المسرح “مسرح الشارع” وماهى أهم مشكلاته؟
-  إن العروض المسرحية التى تقدم في الشوارع والساحات والأماكن العامة تهدف إلى إيصال خطاب معرفي بالاعتماد على تفاعل الجمهور معها خلال إشراكه فى اللعبة المسرحية لأن هذه العروض تقدم في مكان التواجد العشوائي لهذا الجمهور، وبالتالى تحظى بوجود جمهور متفاعل معها، حيث إن مسرح الشارع وجد بحيث يلتقي بالناس حيثما كانوا، فمسرح الشارع هو “كل عرض مسرحي يقدم في الساحات والأماكن العامة، متخذا من الناس المتواجدين عشوائيا جمهورا له، ومستلهما موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المشاركة التفاعلية مع العرض، وهذا يعني أن نذهب بالمسرح إلى الناس حيثما تواجدوا لذا فهو ينطوي على أهمية على كافة الأصعدة، يقف في المقدمة منها أنه يحقق هدف الممارسة المسرحية النبيل منذ نشأتها والمتمحور حول الإنسان وهو ما تحققه عروض هذا المسرح الذي يكون قريب مكانيا ووجدانيا من الناس في حين أن العرف السائد المتجسد هو أن الجمهور هو من يأتي إلى العروض المسرحية في أبنية وأوقات معلومة مسبقا، لقد أربكت عروض مسرح الشارع بما تحدثه من تأثير مباشر لدى الناس في الشوراع والساحات والحدائق العامة والمقاهي مجمل الكتابات والتنظيرات النقدية حول مساراته، فبرغم صدور عدد من الدراسات والكتب والأبحاث العلمية التي تنظر لمسرح الشارع ثمة عدد آخر من الأطروحات النظرية البحتة حوله لم تستطع أن تخرج بنتائج علمية ذات منحى عملي تعكس ماهية مسرح الشارع.
- هل وجود مسرح الشارع في ظل ما نواجهه من جائحة فيروس كورونا بات أمرا ضروريا؟
لقد سبق لي أن أطلقت بيانا في صيغة مقالة نقدية حملت عنوان “أيها المسرحيون عليكم بمسرح الشارع والفضاءات المفتوحة” إذ قمت بإعادة ذات الأسئلة التي طرحها ويطرحها جميع المسرحيين، كيف سيكون شكل المسرح في زمن الكورونا، ذلك التساؤل الذي ما انفك كل مسرحي يوجهه لنفسه لا بل انصب الاهتمام والتفكير حاليا حول إعادة الحياة إلى الممارسات المسرحية بمختلف أشكالها، على مجمل النقاشات وحوارات المسرحيين في ظل الظروف الحالية المتمثلة بجائحة كورونا، وتعطل الحياة بشكل شبه كامل وفرض الإغلاق على كافة مرافق النشاطات الحياتية، وتجسدت تلك النقاشات والحوارات في محاولة إيجاد مخرج ملائم لتقديم العروض المسرحية وإقامة المهرجانات المسرحية فهل سيكون بذات الآليات والصيغ المعروفة التي دأبنا على ممارستها أم سيكون لتداعيات هذه الجائحة أثر بالغ في تغيير بوصلة المسرحيين لناحية تقديم عروضهم في أماكن مغلقة، وهل سيشعر المؤدي والمتلقي على حد سواء بذات لذة الفرجة المسرحية في ظل مجموعة من الإجراءات الصحية التي تم فرضها ومن الواجب اتباعها.
- وماذا عن أهم إصدارات الملتقى؟
حرصنا كإدارة ملتقى على أن تكون فعالياته مختلفة جملة وتفصيلا عن مثيلاتها من الفعاليات والمهرجانات المسرحية التي شهدناها خلال هذه الفترة فمع الزخم الإعلامي والتغطية والمتابعة الواسعة من قبل جميع المسرحيين في العالم العربي والاهتمام من قبلهم بفعاليات الملتقى عبر التغطية الإعلامية المتميزة التي حظي بها ملتقى بابل لمسرح الشارع حرصنا مع الحوارات والنقاشات حول مسرح الشارع على أن يكون هناك إصدارات عن الملتقى، كتابان الأول هو “مسرح الشارع أم المسرح في الشارع” تحرير ومشاركة د. عامر المرزوك وضم هذا الكتاب جملة الأبحاث والدراسات التي تمت بطريقة الاستكتاب من قبل عدد من الباحثين والباحثات عراقيا ودوليا، والكتاب الثاني “مسرح الشارع _ دراسة ونصوص” للدكتور بشار عليوي وضم عددا من نصوص مسرح الشارع التي كتبت خصيصا له.                      
- ماذا عن المكرمين في الدورة الأولى من ملتقى بابل الأول؟
لا يوجد مكرمون في هذه الدورة، لكننا قررنا أن نحتفي ونكرم “مسرح الشارع” كفعالية إنسانية ومعرفية مؤثرة في حياة الناس من خلال تسليط الضوء على أهميته عبر وجود ملتقى باسمه.
- ما أبرز الصعوبات التي واجهتها إدارة الملتقى عند إقامته؟
الحمد لله وبفضل جهود ومشاركة جميع المشاركين معنا، استطعنا التغلب على الصعوبات التي واجهتنا وحتى إصدارات الملتقى ورغم أن المتلقى يقام باسم جامعة بابل ولكنه أقيم بتكاليف شخصية وجهود ذاتية.
- في رأيك هل سيتغير شكل المسرح بعد جائحة كورونا؟
لأننا نعيش عصر الوسائطية التي تعد جزءا مهما في عصرنا الحالي حينما غدت ثقافة قائمة بحد ذاتها انطلاقا من ثقافة العصر الحالية التي أصبحت بصرية عامة لا غنى عنها بوصفها “أي الوسائطية” من أبرز تبديات العصر ولأن المسرح هو انعكاس طبيعي لظروف عصره الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقد لجأ جميع المسرحيين في عموم العالم ومنهم المسرحيون في بلدان العالم العربي إلى توظيف الوسائطية في “زمن الكورونا” بغية تقديم نشاطاتهم المسرحية المتعددة وبغية تجاوز هذه المحنة عبر استثمار وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات البث المباشر المتعددة لتقديم العديد من المهرجانات المسرحية التي أخدت صفة “أون لاين” والورش المسرحية والندوات المسرحية الوسائطية وخصوصا في الأسابيع الأولى التي شهدت تفشي الجائحة بشكل واسع تطلب فيها البقاء في المنازل وتوقفت جميع أنواع الحركة والسفر برا وبحرا وجوا.
- المسرح في الشارع ومسرح الشارع.. نود أن نتعرف على الفارق بين المصطلحين؟
هناك فرق واضح وجذري يكمن في أن مسرح الشارع هو كل عرض مسرحي يتم تجهيزه وتقديمه في الفضاءات المفتوحة عوضا عن المسارح والصالات المغلقة ودون وجود سمة “التفاعلية” التي تمتاز بها عروض مسرح الشارع، وهذا ما تحدده جملة من التعاريف لمفهوم مسرح الشارع، إذ إن كاتب السطور يعرف مسرح الشارع بوصفه كل عرض مسرحي يقدم في الشارع والساحات والأماكن العامة متخذا من الناس المتواجدين عشوائيا جمهورا له، ومستلهما موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المشاركة التفاعلية مع العرض، لذا فإن مفهوم مسرح الشارع خاضع للعلاقة الثنائية التي تربط مكان تقديم عروضه بتفاعل الجمهور المجتمع عشوائيا معها.
- ما رأيك في الاتجاه إلى إقامة المهرجانات “اون لاين”؟
إن تنفيذ فكرة مهرجانات المسرح “أون لاين” جاء مشوها فليس كل المسرحيين لديهم ذات البرنامج، كبرنامج “زووم” وبرنامح “جو تو ميتنيج” وغيرهما من التي يحتاجها بث العروض في آنٍ واحد لأن فكرة “أون لاين” تتطلب تواجد الجميع في وقت واحد وضمن برنامج بث واحد بما يضمن عنصر التفاعل بين الجميع وسائطيا، فيما تجاهلت هذه المهرجانات أهمية البث المباشر للعرض المسرحي وليس كما حصل فيها من إعادة لبث عروض سابقة عبر وسيط “اليوتيوب”، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ممارسة المسرح تحتاج إلى الحضور المادي والتواصل الكيميائي بين المتلقي والمؤدي أن يحقق فعلا التأثير والتأثر الذي عرفت به تلك الممارسة، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى تجربة ناجحة تجسدت بمباردة “شارع الحجر” وسائطيا لفناني الشارع في المملكة المغربية التي دعت إليها وأشرفت على تقديمها فيدرالية المغرب لفنون الشارع.

 


رنا رأفت