عمل في صمت ورحل في صمت.. وداعا ياسر جراب

عمل في صمت ورحل في صمت.. وداعا ياسر جراب

العدد 670 صدر بتاريخ 29يونيو2020

رحل عن عالمنا مؤخرا الفنان التشكيلي والناشط الثقافي  ياسر جراب الذي يعد أحد أهم الكوادر المتميزة فى إدارة المؤسسات الثقافية،   والذي حمل على عاتقه تطوير المشروعات الثقافية التنموية .
كان جراب مهموما بالمسرح المستقل ومؤمنا بدوره الكبير  وكان من أهم وأكفأ من أداروا مؤسسات ثقافية، فقد كان مديرا لساحة روابط للفنون وشريكا مع وليم ويلز لجاليرى “التاون هاوس” واستطاع تدريب وإعداد العديد من الأجيال الشابة التي أدارت فيما بعد مؤسسات ثقافية.
تعاون مع العديد من الفرق المستقلة فقد كانت ساحة روابط مساحة تزخر بالفنون المستقلة، وكان يعمل بصمت وبدأب شديد،  وعلى الرغم من المعوقات والصعوبات المالية التي واجهته إلا أنه كان يحاول جاهدا تحقيق هدفه الأكبر وهو تطوير المسرح المستقل وتدريب ورفع كفاءة شباب المسرح المستقل وإيجاد مساحات بديلة لهم، تخرج من المعهد العالي للسينما شعبة سيناريو، وانضم إلى نقابة المهن السينمائية وأصبح نائبا لرئيس اللجنة الثقافية بالنقابة حتى عام 2001، وقام بالعديد من الدراسات الحرة في العلوم الاجتماعية، وانضم إلى مجموعات عمل معنية بالتنمية الثقافية. ومنذ التسعينيات، وحتى الآن أقام عدة معارض فردية وجماعية في مصر وخارجها.
شارك جراب في تأسيس تاون هاوس للفنون المعاصرة عام 1998، وتولى مسؤولية برنامج المشروعات التنموية الثقافية. وعمل على تأكيد أهمية مساندة وتمكين الأفراد والمجموعات لتجهيز أعمالهم وعرضها على الجمهور، وتخصص في تخطيط ومتابعة تنفيذ مشروعات تنموية ثقافية تستهدف تحسين وتطوير فئات من المجتمع عبر ممارسة الفنون، كما عمل مدرباً لورش فنية متنوعة، وشارك في تأسيس مساحة “روابط” للفنون الأدائية. شارك بصفته عضو لجنة تحكيم في عدد من المسابقات الفنية، كما حمل عضويات  مجلس إدارة مشروع دعم فرق المسرح المستقل، و المجموعة الوطنية للسياسيات الثقافية في مصر،  وتكريما لدور هذا الفنان والناشط الثقافي التقينا بمجموعة من زملائه ورفقاء دربه لنتعرف أكثر على هذا المبدع الراحل .
قال الفنان محمد عبد الخالق : نظرا لخلفيتي كفنان تشكيلي قبل احترافي للمسرح كان التاون هاوس جاليري “ذائع الصيت” ولكني لم انسجم في علاقتي بالشريك الظاهر ومدير التاون هاوس وقتها وليم، ولكن من أول لقاء بياسر كمال جراب وجدتني أمام شخص يتمتع بقدرات تنظيمية وإدارية دائما ما كنت أتمني امتلاكها. كان قادرا علي احتواء أي فكرة ولو بسيطة ورعايتها حتي تنمو وتصبح مشروعا ثم الوقوف عليه ليصبح كيانا مؤثرا، الأمر الذي جعلني اتعاون معه في عدد من الفعاليات، حيث كنت مديرا فنيا لمهرجان المسرح المستقل منذ 2001 وكنت أتواصل للتعاون في إنجاح لقاءات المسرح المستقل وكان ياسر جراب في هذا السياق شخص ايجابي قادر علي المشاركة بجهد وأفكار وروح مميزة جعلتني اطمح دائما للمشاركة معه في كيان يمثل مبادرة كبرى.
وتابع قائلا “ وكان إيمانه مرتبط أكثر بالمسرح المستقل الذي يمتلك لغة جديدة قادرة على تجاوز المألوف، فلم يكن “روابط “ مسرح تقليدي يمثل خيال المسرحيين التقليديين، ولهذا كان ياسر يحمل هما كبيرا في التعامل مع قطاع من المستقلين الموهوبين أو مدعى الفن أو مدعو الاستقلال، وبذكائه استطاع إقامة فرز عادل في إتاحة الفرص، مع ثبات الأسلوب و مرونة التطبيق، وجميعها سمات تمثل المدير الثقافي المميز في أنشطة المجتمع المدني والفنون الجديدة، ثم تحولت تجربة ياسر الممتدة من نهاية التسعينيات وحثي قيام ثورة 25 يناير لتجربة قابلة للنسخ والتكرار، ولعل شبابا كثيرين ممن تدربوا علي يد ياسر جراب مثلوا الجيل الأول في المديرين الثقافيين المنتظمين داخل مجالات الفن في مصر، حتي قبل تحول المجال إلي اهتمام مؤسسات وجهات كبري محلية ودولية، اى أن التدريب الذي منحه ياسر للبعض كان أول منهج عملي لتدريب المديرين الثقافيين في مصر
واستطرد قائلا :” تحدثنا مؤخرا بعد إغلاق تاون هاوس، كان يستشيرني في أفكاره وقد تعجبت بشده علي إصراره وتمسكه وبحثه عن ضرورة تأسيس شركة لتدريب المديرين الثقافيين للقطاع الخاص. سألته كيف تتصور أن القطاع الخاص يهتم بالثقافة وإدارتها؟ فقال لي قبل وفاته بشهر تقريبا وهو ما لن أنساه: هل تذكر حينما بدأنا في مطلع الألفية الجديدة نفكر في نشر الفنون المستقلة، وكانت اغلب جهات المؤسسة الثقافية الرسمية تتعامل بتجاهل وحساسية، ثم تحول الحلم لحقيقة وتعاونت معنا كل جهات الدولة. الآن يجب ان نوجه التنمية الثقافية للقطاع الخاص.
ناشط ثقافي قوى
الكاتبة رشا عبد المنعم أشادت بدور الفنان ياسر جراب وقالت “ كان هناك تعاون كبير من الفنان ياسر جراب، فقد كنا نقيم اجتماعات وفعاليات فى جاليرى “التاون هاوس “ والمكتبة الخاصة به وقد كان جراب يؤمن بدور الفن المستقل وتمكين الفنانين المستقلين وكان يطوع كل إمكانياته كمدير ثقافي، فكان نشطا قويا فى مجال الثقافة والفنون.
وتابعت: “تشكلت قبل ثورة يناير المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية التى شكلتها مؤسسة المورد الثقافي وكنت أحد أعضائها وكان قد تجمع عدد كبير من المسئولين الحكوميين والفنانين المستقلين وقد انضم لها ياسر جراب بعد الثورة وكانت أول مجموعة يشارك بها المجتمع المدني الثقافي وقد أنجزنا مسودة للسياسة الثقافية عام 2013 و كان أحد مؤسسي ائتلاف الثقافة المستقلة الذي تكون عقب ثورة يناير وجمع كل الكيانات المستقلة التي تعمل فى الفنون والثقافة والتي نتج عنها فعالية “الفن ميدان “ التي مازالت أفتخر بأنى أحد مؤسسيها وكان ياسر جراب لا يدخر وقتا أو جهدا إلا وقدمه فى هذا الإتجاة.
وأضافت: “ كانت ساحة روابط تجلى مهم للغاية لتصوره وكانت الاجتماعات الأولى الخاصة بالمسرح المستقل تقام فى التاون هاوس وساحة روابط، كنا نسعى لتكوين رابطة لفرق المسرح المستقل حتى نحصل على الدعم الذي وعد به وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، فكانت هناك 10 فرق ستحصل على الدعم التأسيسي ولكن كان العائق أنها لم يكن لها كيان قانوني، فبدأنا فى دراسة الشكل القانوني وقمنا بتجميع فرق من جميع المحافظات، كما شهد التاون هاوس اجتماعات كيان ماريونت حيث أقيمت اجتماعات تعريفية لفن العرائس للفنان محمد فوزي.
صاحب تأثير كبير
الفنان والمخرج محمد طلعت أشار إلى أن علاقته بالفنان الراحل ياسر جراب تمتد لسنوات طويلة وقال “ بدأت علاقتى به منذ 20 عاما، اختلفنا واتفقنا كثيرا لكن فى النهاية كان يبقى ياسر الإنسان الحقيقي الذى يحب أصدقائه وزملائه وشركائه وكان جهده دائما ينصب في خدمة الفن التشكيلي، فقد بنى نفسه بنفسه فيه وكان سببا فى تحول فارق فى مشهد الفن التشكيلي فى القاهرة ومصر بشكل عام، وذلك فى بداية شراكته مع وليم ويلز بالتاون هاوس،وكانت المرحلة الثانية هي تأثيره في الفن المستقل بالعروض المرئية والمسرح، وقد شاركته مع الفنان محمد عبد الفتاح والفنان محمد عبد الخالق في تأسيس وبناء مسرح روابط، و كان الداعم الرئيسي للفكرة، لأنه شريك فى التاون هاوس، ولم يدخر اى جهود في أن يشارك بكل ما لديه من وقت وجهود لمساعدة المسرح المستقل.
اهتم بالشباب
ورأى الفنان والمخرج محمد عبد الفتاح أحد مؤسسي ساحة روابط أن لياسر جراب تأثير كبير فى الفن المستقل بمصر، قال : هو شريك بالتاون هاوس ومدير قسم العلاقات الخارجية وكان يهتم كثيرا بالشباب واللاجئين، وأشار إلى أنه تخرج في المعهد العالي للسينما قسم السيناريو، و من أصل سوري ولكنه حصل على الجنسية المصرية،وإنه فنان تشكيلي متميز يهتم طوال الوقت بشكل كبير بالعمل مع الشباب على إدارة المؤسسات الثقافية وتطوير مشاريعهم و يتمتع بنشاط كبير وجهد عظيم.
وتابع قائلا “ كان شديد الحماس، وعندما فكرنا فى إقامة مشروع ساحة روابط عام 2006 بعد حريق بنى سويف، كان سعيدا ومتحمسا بشراكة التاون هاوس وروابط وكان ما يميزه هو العمل مع الشباب على تطوير مشاريعهم، فكان يهتم بشكل كبير بفكرة التجربة وتطويرها وهو أهم ما يميزه.
من الرموز الهامة
فيما أوضح الفنان عمرو قابيل أن الفنان ياسر جراب يعد من أهم رموز المسرح المستقل، موضحا أنه تعاون معه في العديد من الفعاليات والمبادرات، وأنه كان لجراب دورا بارزا ومؤثرا في حركة المسرح المستقل و يعد نموذجا لن يتكرر مرة أخرى. وأشار قابيل إلى تجاهل الآلة الإعلامية للفنون المستقلة وعدم تسليط الضوء الاعلامى على هذه الكيانات التى لها دور بارز وفعال.
كيان ماريونت
شهد التاون هاوس أولى اجتماعات كيان ماريونت للفنان محمد فوزي وأولى الاجتماعات التعريفية بفن العرائس، وفى هذا الصدد قال الفنان محمد فوزى “ كان للفنان ياسر جراب أفكار جيدة ومشاريع ثقافية هامة وكان أول لقاء جمعني به عندما بدأنا أولى اجتماعاتنا لكيان ماريونت للعرائس وكان ذلك ب”التاون هاوس” وجلست مع الفنان ياسر جراب وتناقشت معه فى أفكاري ومشاريعي وما أود تقديمه، فكان متعاونا معي بشكل كبير، ليس فقط بتوفير المكان لإقامة اجتماعات ولكنه وضع لى بعض الخطوات التنفيذية والمحاور التي أعمل من خلالها، بالإضافة إلى طرحه بعض الأفكار التي يجب أن أناقشها قبل البدء في العمل خاصة بالبرنامج الخاص بتجمع فنانى العرائس بمصر، وقد نالت الفكرة إعجابه وأقمنا أكثر من 4 اجتماعات بالتاون هاوس، وكان هذا المكان أول تجمع لفناني العرائس.
وبحزن شديد أوضحت نهلة عصمت إحدى مسئولي ساحة روابط للفنون أن رحيل الفنان ياسر جراب يعد صدمة كبيرة لكل من تعامل معه وقالت “ بدأت العمل مع الفنان ياسر جراب منذ عام 2008 كمساعد له في إدارة قسم المشروعات التنموية بالتاون هاوس، وبحلول عام 2008 نقلت إدارة ساحة روابط مع التاون هاوس، و نشأت ساحة روابط على يد مجموعة من الفنانين المستقلين وهم الفنان محمد عبد الخالق والفنان محمد عبد الفتاح والفنان محمد طلعت والفنان ياسر جراب
وفى عام 2010 بدأت الإدارة المباشرة من الفنان ياسر جراب، وهو شخص عظيم ومتعاون وكان يساعد الجميع ولم يبخل فى يوم من الأيام بنصيحة أو مساعدة، وكان مكتبة مفتوحا للجميع، وكان يساند الشباب ويدعمهم وكانت ساحة روابط ملتقى الفنون المستقلة، كما كان يعد الكوادر لإدارة المؤسسات الثقافية وهى واحدة من الأمور التي تميز بها وكانت له رؤية وإستراتجية فى هذا الشأن  


رنا رأفت