في وداع «المسرحجي» محمود الطوخي

في وداع «المسرحجي»  محمود الطوخي

العدد 665 صدر بتاريخ 25مايو2020

رحل عنا الكاتب المسرحي الكبير محمود الطوخي، الثلاثاء الثاني عشر من مايو الجاري، وهو من أبرز كُتّاب المسرح والدراما التلفزيونية، تميز بحرفيته الشديدة في معالجة الكثير من قضايا المجتمع، وقدم أول عروض الكباريه السياسي في مصر، من تأليفه وإخراجه «سبرتو على جروح بلدنا».
ولد «الطوخي» في 13 مارس 1945، وحصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة عين شمس عام 1965، وشارك في تأسيس فرقة أسوان المسرحية، وانضم إلى ورشة مسرح الشوك السورية وشارك بالكتابة في أول عروضها، والتحق بالمسرح القومي، وبدأ يمارس الكتابة بالمسرح والسينما والتلفزيون كمحترف ومن أعماله مسرحيات: «غيبوبة» و«دستور يا سيادنا» و«أنا والبنت حبيبتي» و«حظ نواعم» و«بكرة».
لم ينل الكاتب المسرحي محمود الطوخي حقه من التكريمات، ورحل عن عالمنا تاركا بصمه في حياة كل من عرفوه وعملوا معه، الذين التقت «مسرحنا» ببعضهم ليحدثونا عنه وعن ذكرياتهم معه.
قال الفنان أحمد بدير: دعواتكم بالرحمة للكاتب الكبير محمود الطوخي، الذي قدم أهم مسرحيتين في تاريخ المسرح المصري، وهما «دستور يا سيادنا» لأنها كانت تتكلم عن الانتخابات، وتخيل أن تلك الانتخابات تكون بالرئاسة وليست بالاستفتاء، من خلال شخصية «محمود عتريس المصري» الذي رشح نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية في المسرحية، فكانت مسرحية جريئة جدا، تستشرف المستقبل، وأن تكون الانتخابات الرئاسية حرة، وبعد عرض المسرحية بعدة سنوات أقر نظام الانتخاب، وبعد أحداث 25 يناير وثورة 30 يونيو قدم مسرحية «غيبوبة»، وتدور أحداثها حول ما حدث خلال هذه الفترة، من خلال شخصية المواطن الذي يُصاب بطلقة وهو يستخرج جواز سفره من المُجمّع، ومحاولة كل القوى استغلاله، حتى يُقال إن أول دماء سالت كانت تابعة لهم.
وأضاف «بدير»: هذان العملان فقط في تاريخ محمود الطوخي، كافيان أن يخلداه ككاتب مسرحي من الطراز الأول. وتابع بدير: محمود لم يكن شقيق زوجتي فقط أو جمعتني به المسرحيتان اللتان ذكرتهما، وإنما هو صديق عمري، وبحكم كونه مؤلفا قدمت له أيضا مسرحية سافرت بها إلى أكثر من دولة عربية، وهي مسرحية «الطلاينا وصلوا»، وعندما جمعتنا «دستور يا سيادنا» و«غيبوبة» كان بجواري دائما، كنت أتناقش معه في أي مشهد يحتاج إلى توضيح، وكان رحمة الله عليه مثقفا جدا وسريع جدا في الاستجابة، وفي ترجمة الأفكار التي أقولها إلى مشاهد جيدة ومحبوكة وتؤدي الغرض بسلاسة، وكان لديه جملة حوارية جميلة:
وعن سيرته الذاتية حدثنا الفنان أحمد بدير قائلا: عاش «الطوخي» ما يقرب من 18 عاما في لندن، كان يكتب في الجرائد الإنجليزية، وعاش ما يقرب من 5 سنوات في سوريا، قدم خلالها الكثير من الأعمال المسرحية، وقدم أيضا مسلسلات كوميدية والكثير من الأفلام السينمائية، لم يكن يكتفي بأنه كتب المسرحية فقط، وإنما كان يحضر العرض يوميّا، كأنه عنصر تمثيلي.
وتابع «بدير»: الفنانة الكبيرة سميحة أيوب كانت قريبة منه جدا في الفترة الأخيرة، وكان يُعد لها مسرحية «كان في واحدة ست»، لتقدم على المسرح القومي، كل الزملاء الذين عملوا معه كانوا يحبونه وكانت تربطهم به حالة حب، حتى إن الأستاذ جلال الشرقاوي بكى وهو يُعزيني.
فيما قالت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب: كانت تجمعني بالراحل محمود الطوخي صداقة عميقة جدا ما يقرب من 30 عاما، وكنت متتبعة لخطواته وجمعتنا مسرحية كانت على وشك العرض، وهي «كان فيه واحدة ست»، لكن قامت الثورة، وبعدها ما كان بداخل المسرحية كان يُقال في الشارع، كانت عن الفساد ومواضيع أخرى، ففكرتها جريئة جدا، وكل ما بداخل المسرحية طُرح بالفعل، فلم يعد هناك شيء مستغلق للأسف الشديد.
وأضافت «أيوب»: كان صديقا حميدا ويقدس ويعرف معنى الصداقة جدا، وهو مفكر جيد وموهوب، وكان له خط خاص به، فأنا أُحب جميع أعماله.
كذلك قال المخرج الكبير جلال الشرقاوي: الأستاذ محمود الطوخي رحمة الله عليه، كان كاتبا مبدعا ومجتهدا، تعاونت معه في مسرحيتين هما «دستور يا سيادنا» و«دنيا أراجوزات»، وواجهتنا مشكلات كثيرة في المسرحية الأولى، لأن السُلطة لم تكن موافقة عليها، ولكنها دفعت الرئيس السابق محمد حسني مبارك بعد عشر سنوات من عرضها لأن يطلب من البرلمان إصدار تشريعات بتغيير القانون الموجود، بحيث يحدث التداول للسلطة، وفعلا في أول انتخابات رئاسية ترشح أكثر من شخصية لرئاسة الجمهورية.
أما المسرحية الثانية فكانت تنتمي لمسرح الكباريه السياسي، وكلمة كبارية ليست كما هو متعارف عليها بمعنى ملهى ليلي، ولكنها كلمة ألمانية معناها المنتدى الثقافي الذي تُناقش فيه أمور السياسة والاقتصاد والاجتماع، تلك المسرحية عبارة عن اسكتشات تُعالج وتلقي الضوء وتجد الحلول في بعض الأحيان لكثير من السلبيات الموجودة في النظام في ذلك الوقت، وللأسف الشديد لم يجمعنا الحظ مرة ثالثة، لأنه ترك القاهرة وعاش في الإسكندرية وركز كل جهوده في عمله هُناك، فحرمني من إبداعاته، التي أضافت إلى أعمالي الكثير من النجاحات.
الفنانة حنان شوقي قالت: محمود الطوخي إنسان قبل أن يكون كاتبا، للأسف لم يأخذ حظه ككاتب له فكر وكلمة ذات جرس ومعنى وحب، فكان يبني لشخصياته كيانا على الورق، والعمل معه ممتع بدون تعب، لأنه يرسم الشخصية جيدا، فكل دور الممثل أن يخرجها من على الورق إلى الواقع، وكان طاقة حب، يحب كُل الناس، لم أره يوما يغتاب أحدا.
وأضافت «حنان»: للأسف هُناك كثير من الكُتّاب المبدعين كالراحل محمود الطوخي جالسون في منازلهم لا نتذكرهم إلا عند انتقالهم إلى رحمة الله، ومنهم الكاتبان محمد جلال عبد القوي ومصطفى إبراهيم، للأسف ما نراه الآن «مسلسلات مونودراما» البطل فقط هو من يتحدث في المشهد، والحياة حوار، ولكن ما نراه الآن أن الممثل يحتكر المشهد لصالحه دون أن يعطي الآخر فرصته، حتى لا يأخذ منه الأضواء، كما في اعتقاده، مقياس النجاح في الدراما يُبنى على الأخذ والعطاء كلعبة «البينج بونج» والشاطر هو من يستطيع إحراز الأهداف، والحمد الله أنني تعلمت على يد الكُتّاب الحقيقيين.
وتابعت «شوقي»: لن أنسى ما قاله لي عندما عملت في «دستور يا سيادنا» فقد قال إنني قدمت شخصيتي أكثر مما كانت مكتوبة على الورق، وقال لي هو والمخرج جلال الشرقاوي جملة لن أنساها: «أنتِ سهير البابلي المسرح»، كان يقول لي إنك تكبرين فجأة على المسرح، وأجدك شخصا آخر، العمل معه كان ممتعا يجعل الممثل يتأكد أنه يقدم عملا محترما.
فيما قال الفنان فتوح أحمد: علاقتي بالكاتب الكبير محمود الطوخي رحمة الله عليه، جاءت من خلال الفنان أحمد بدير وعلاقة النسب التي تجمع بينهما، وعندما كنت رئيسا للهيئة، قدم هو والفنان أحمد بدير مسرحية «غيبوبة»، والحقيقة إنه كان إنسانا مرحا ونشيطا جدا، عاش حياته في ضجيج ورحل في صمت.
وأضاف «فتوح»: آخر لقاء جمعني به، كان عند زيارتي له في المستشفى منذ ما يقرب من عام، وعندما عملت معه في «دستور يا سيادنا» كان العمل معه ممتعا، فهو إنسان طيب جدا لا يحمل لأي إنسان أي شر، سافر كثيرا جدا ومثقف جدا، كان ثورجيا دون أن يحمل أي غل أو حقد لأي شخص، وكان يتميز بخفة دمه وآرائه الصريحة الواضحة.
فيما قال المخرج شاذلي فرح: رحيل الكاتب الكبير محمود الطوخي خسارة كبيرة للمسرح المصري والعربي، كان في جميع نصوصه يعتمد على المسرح الكوميدي، الذي ندر وجوده الآن، كانت معرفتي به في بداية التسعينات، لقد تربينا على فنه عندما كان يعيش في أسوان في الستينات، وهو مؤسس فرقة أسوان المسرحية، عمله في ذلك الوقت في السد العالي في أسوان جعله يوجد مع كوكبة من العظماء منهم الكاتب الصحفي والمؤلف المسرحي على سالم.
وتابع «شاذلي»: جميع أعماله متميزة، ولكن أقربهم إلى قلبي عرض «بكرة» أو «بكرة» يصح الاسمان، ولقد قُدم هذا العمل كثيرا في الثقافة الجماهيرية، وأحب له أيضا مسرحية «غيبوبة».
الناقد المسرحي أحمد خميس قال: بداية معرفتي بالراحل محمود الطوخي كان من خلال نص «كان فيه واحدة ست»، بحكم عملي كمسئول عن لجنة النصوص بالبيت الفني للمسرح، وذلك بعد ثورة يناير مباشرة، كان من المفترض أن يُنتج له العمل، وكنت قد طلبت منه بعض التعديلات، وبالفعل اتصل بي وسألني عن رأيي في النص ولم هذا التعديل؟ فحدثته عن شخصيات العمل وكيف تُكافأ ما بعد ثورة 25 يناير، واقتنع بأن المناقشة تفتح الأبواب لكيفية تأسيس نص مهم من إنتاج البيت الفني للمسرح، وكان ذلك مصدر سعادة له، وبالفعل قام ببعض التعديلات وعرضه على مرة أخرى، وتناقشنا فيه وفي عروضه السابقة.
وتابع «خميس»: الطوخي لديه نص شهير جدا يُقدم كثيرا في الثقافة الجماهيرية اسمه «بكرة»، ولديه عرض مهم جدا وهو «دستور يا سيادنا»، وقد تشرفت منذ عامين بمناقشة مجموعة نصوص له تم نشرها من خلال هيئة الكتاب وأخذ عنها في ذلك العام جائزة أفضل مؤلف من معرض الكتاب، كما ناقشت هذه المجموعة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكان معي في تلك المناقشة المخرج شاذلي فرح، وكان حضورنا للمناقشة بناء على طلب الراحل محمود الطوخي، وفي تلك المناقشة تحدثنا عن العوامل التي يعتمد عليها «الطوخي» ومنها الكوميديا، وكيف كان يقوم بتطوير السمات الرئيسية التي يعمل عليها ومنهجه ووعيه في الكتابة وعلاقته بالعمل في البروفات ومنطق المخرج في تناول العمل نفسه وأشياء أخرى كثيرة.
وأضاف «خميس»: هُناك موقفا شهيرا جمعني بالراحل محمود الطوخي لن أنساه، فيما يقرب من أربع سنوات، شارك «الطوخي» بعرض مسرحي في المهرجان القومي للمسرح المصري، ومنعت لجنة تحكيم المهرجان جائزة التأليف، لأن النصوص المُشاركة لا ترتقي للفوز بالجائزة، وكان ذلك مسار جدل كبير جدا، وثورة كبيرة من محمود الطوخي ومؤلفين كثيرين، كيف يتم منع جائزة التأليف؟! وهذا المنع أعلنته الأستاذة سهير المرشدي بشكل مُهين، معناه أن المؤلفين يحتاجون أن يتعلموا كيفية كتابة الدراما، وكان كثيرا منهم يتقن الدراما وكتابة النص المسرحي، ودار نقاش طويل بيني والراحل محمود الطوخي حول هذا الحدث، بجانب أنه كان متأثر جدا من ذلك القول.
أضاف «خميس»: يمتاز «الطوخي» بالاستجابة الكبيرة لما يحدث في الشارع من قضايا، ومن تلك النصوص «كان فيه واحدة ست» و«دستور يا سيادنا» و«بكره»، ومن خلال هذا التجاوب يُقدم لنا منتجا مسرحيا له علاقة بالراهن الاجتماعي المصري، وهو أيضا يمتاز بروح تهكمية شديدة، لذلك يُخرج منه المنتج الكوميدي الخاص به من خلال هذه المراقبة والتفاعل، ويُعد ذلك السمة الأساسية في أعماله.
وتابع أحمد خميس: محمود الطوخي طوال عمره كان يعيش بروح الشباب وينتمي لأفكارهم ويدافع عن قضاياهم، وعندما كان يرى أن أحدا لديه حق، فمن الممكن أن يُراجع نفسه حتى لو كان من يحدثه أصغر سنا، فلا مانع عنده من مراجعة أفكاره، ويكتب بناء على التجاوب بينه والمُخرج، وأغلب العروض التي قدمها المخرج محمد مرسي من تأليف محمود الطوخي، كانت قائمة على فكرة تجاوب المؤلف مع أفكار المُخرج.
إضافة للإسكندرية
قال الفنان والمُخرج إيمان الصيرفي: تعرفت على محمود الطوخي في بداية السبعينات، وكان مثله مثل الكثيرين مجروح بآثار نكسة 67، كنت أُشاهد له عرضا جامعيا في مسرح سيد درويش في الإسكندرية، وكان يُقدم مسرحية من تأليفه وإخراجه اسمها «سبرتو على جروح بلدنا»، هذه الرواية كان لها شكل مختلف وجديد على مسرح الجامعة، لفت نظري أربعة مشاهد مكتوبين بحنكة شديدة جدا وأسلوب تقديمهم إخراجيا كان لافتا جدا للنظر، في هذا الوقت كنت ما زلت أتخبط في أروقة الفنون في قصر ثقافة الحرية وقصر ثقافة الأنفوشي وبعض الفرق المسرحية في الإسكندرية.
وتابع «الصيرفي»: في هذا الوقت كان متخلفا في دراسته في المعهد وكان يفكر أن يتخرج وينهي هذه المرحلة وبعدها سافر، سنة 75 التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكنت تحديدا في الفرقة الثانية في المعهد وفُوجئت بمحمود الطوخي يحمل كاميرا ويرحب بي جدا وكأننا لم نرَ بعضنا البعض كل هذه الفترة من الزمن، وكان يسافر ويرجع، كان يعمل في مجلة السياسة الكويتية وكانت هذه الجريدة تصدر من لندن، فكان معظم وقته في لندن وأحيانا في الكويت. إلى أن استقر في مصر مع بداية تكوين نقابة المهن التمثيلية، كان له حضور قوي في هذه المساحة، وفي هذا التوقيت كنت على شفا التخرج، ولقد ربطت بيننا صداقة قوية جدا، لدرجة أننا كُنا نعيش سويا في مسكن واحد في العجوزة، كان بيننا ارتباط شديد في الحياة اليومية ونحلم معا ونرى أعمال بعضنا البعض رحمة الله عليه.
وأضاف المخرج إيمان الصيرفي: للأسف لم يجمعني به غير عمل وحيد من إخراجي وهو «بكرة»، وعندما كنت مديرا عاما لفرقة الإسكندرية في أول تكليف لي بتشكيل الفرقة وإعلانها في مسرح بيرم التونسي كان أول أعمال هذه الفرقة عمل «بيرم بيرم» من تأليف الطوخي وإخراج محمد مرسي، فقد كان لدينا إيمان شديد بموهبة بعضنا البعض، وكان تفكيرنا أن يجمعنا عمل آخر ولكن للأسف لم يحدث ذلك حتى وافته المنية.
وأضاف أيضا «الصيرفي»: كان متعاونا ومرنا جدا، لم يكن يحمل فكر بعض المؤلفين بأن نصوصهم كأنها «قرآن»، بل بالعكس كان يعرف جيدا أن المسرح كائن حي ولا يبقى على نفس الحال، وأن لكل وقت متطلبات وأشكالا، ولذلك كان قريبا جدا من المسرح الحديث في معظم الوقت، وينتمي للتجريبيين أكثر من المؤلفين التقليديين، وكان يُحب التصوير جدا، وصور لي الكثير من عروضي أذكر منها عرض «النجدة».
وتابع «الصيرفي»: كان قريبا جدا من القيادات والريادات الفنية العظيمة ومنهم الفنان الكبير حمدي غيث والفنان الكبير عبد الغفار عودة، فقد كانا أقرب الأشخاص إلى قلبه وكان هو أقرب الناس لقلبيهما، بالإضافة إلى الفنان أحمد بدير، ولقد أنشأ الطوخي مجلة خاصة بالنقابة، فكانت المجلة الفنية المعبرة عن حال النقابة، وامتازت بتنوعها، وكونها الصوت الحقيقي لمجلس إدارة النقابة في ذلك الوقت.
فيما قال المخرج والمؤلف أحمد جابر: تعرفت على محمود الطوخي عام 2006 في مركز الإبداع في الإسكندرية، كُنت أُمثل في مسرحية «بكرة» من تأليفه وإخراج محمد مرسي، ومن تلك اللحظه أصبحنا أصدقاء، فهو شعلة نشاط وشباب دائما، لا ينتمي للروتين، وقد عرضنا هذه المسرحية على هامش المهرجان القومي ثلاث مرات، وتم عرضها في مركز الإبداع في الإسكندرية كثيرا جدا، وبعدها أخرجت له مسرحية «حكاية شعب كويس».. «الشعب لما يفلسع»، لكلية الحقوق وشاركت بها في مسابقة الجامعة، وحصلنا من خلالها على المركز الأول، ومن الطريف دون ترتيب أنها عُرضت يوم عيد ميلادهن رحمة الله عليه 13 مارس، وحصلنا من خلالها على جوائز كثيرة.
وأضاف «جابر»: أسست أنا والطوخي وأبو درة وأسامة عبد الوهاب رحمة الله عليهم، فرقة نادي سموحة، استأجرنا قاعة تصلح لأن تكون مسرحا، وقدمنا عليها مسرحية “الطلاينا وصلوا” و”منشتّات” وعرض “ولد وشايب وثلاث بنات”، جميعها من تأليفه، وكانت من بطولتي.
وتابع «جابر»: سنة 2014 قدمنا على مسرح الإبداع مسرحية «بكرة» ولكن كان اسمها «بعد بكرة»، وفي عام 2017 كان بداية مرضه الشديد، وفي كل رحلتي معه كان يتميز بالنشاط الشديد جدا، كان مسرحجي بمعنى الكلمة، ماهر جدا يقدم أي حلول بديلة في المسرح بأقل الإمكانيات.
وأضاف «جابر»: من أطرف المواقف التي جمعتني بالراحل محمود الطوخي عندما كان يُمثل دور المؤلف في مسرحية «بكرة»، وكنت أقوم بدور المخرج المنفذ داخل العرض، وكان دائما يمزح معي ويقول إنه كان يقلق مني على المسرح من أي خروج عن النص كمزاح معه في المسرحية، وكنت أستمتع جدا بالعمل معه في هذه المسرحية.
تابع: كان «إدارجي» هائلا، لا يجعلك تتحمل أي عبء خاص بإداريات العرض، وكان يُحب الإسكندرية جدا، وعلى دراية بتفاصيلها أكثر من السكندريين أنفسهم، ومن المفترض إعادة عرض مسرحية «شقاوة» في نادي سموحة، وسيتم تكريمه، برعاية المهندس فرج عامر ودكتورة نهلة توفيق المسئولة عن لجنة المسرح في النادي.
كذلك قال مهندس الديكور وليد السباعي: أول تعارف بيني والكاتب المسرحي الكبير محمود الطوخي كان من خلال المخرج أحمد جابر، وكان في ذلك الوقت يخرج عرضا لكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وقدمنا معا مسرحية «حكاية شعب كويس» وحصلت من خلالها على الجائزة الأولى في السينوغرافيا، وكانت مسرحية سياسية، فهو من رواد الكباريه السياسي، وأُعجب بالديكور جدا، ومع اختلاف السن بيننا، إلا أننا أصبحنا أصدقاء مقربين.
وتابع «السباعي»: أبريل عام 2012 كان افتتاح مسرح بيرم التونسي بالإسكندرية، وقدمنا في هذا الافتتاح عرضا غنائيا استعراضيا وهو «بيرم بيرم» من تأليفه، ويحكي عن حياة بيرم التونسي بشكل بسيط وممتع، والراحل محمود الطوخي هو من رشحني بقوة لتصميم ديكور هذا العرض، وقد حقق هذا العرض نجاحا كبيرا، لدرجة أن وزير الثقافة طلب أن نعرض أكثر من ليلة، وتم ذلك بالفعل لمدة شهر، وقدم هذا العرض خلال شهر رمضان.
وأضاف «السباعي»: كان يحدثني كثيرا عن حياته، عمل في إنجلترا صحفيا، وفي الوقت ذاته يعمل في المطبخ، وكان لا يخجل من العمل، وكان يفتخر جدا بمصريته، وهو أيضا أحد مؤسسي نادي سموحة، ومن كواليسه الشخصية، أنه من صنع هذا المسرح تقريبا بيده، فكان يشتري الخشب بنفسه، ويقوم بأعمال النجارة، لدرجة أننا فكرنا أن نُسمي هذا المسرح باسمه تخليدا لذكراه، وكان الأب الروحي لمركز الإبداع الفني لنادي سموحة.
وأضاف «السباعي» أيضا: كان يقول لي أشعر أنني مريض بالقلب عند خروجي من المسرح، أما داخل المسرح فأنا أتنفس الحياة بحب. وكان يُسمي نفسه «مسرحنجي» أو «مسرحجي»، ويرى أنه على استعداد وكفاءة لأن يٌقدم مسرحية كاملة بكل عناصرها بمفرده، فكان يفهم في كل شيء متعلق بالمسرح، لكن كان يحب التخصص جدا، كان محبوبا جدا من الجميع، وفي أيامه الأخيرة قبل مرضه الشديد، تم تكريمه من المهندس محمد فرج عامر وأخذ درع النادي تكريما لجهوده في إنشاء مركز الإبداع الفني وإنشاء مسرح نادي سموحة، وعند تكريمه كنت أنا أيضا أكرم، وقال لي: تكريم اليوم جعلني أشعر أنني طفل وكأنني أصغركم عمرا.
فيما قال المخرج المسرحي هاني مهران: كان متعاونا جدا، فأغلب عروضه تتفاعل مع الأحداث الحالية، وخاصة نص «بكرة» وهو ما جمعني به عند إخراجى له، اخترته لأنه كان يواكب الفترة الحالية.
وتابع «مهران»: محمود الطوخي كان طموحا جدا، وكان دائما يتحدث عن المستقبل، وكان من المفترض أن أخرج له تجربة أخرى، وكان على عكس مؤلفين كثيرين كبارا، متعاونا جدا ويتقبل المناقشة، وكان يُتابع دائما أخبار العرض، وكان يتقبل الرؤية المختلفة للنص، لأنه أخرج من قبل ويرى أن المخرج من حقه أن يضيف رؤية للنص المكتوب.


إيناس العيسوي