إشكالية الكتابة النصية لمسرح الشارع.. في الاحتفاء باليوم العالمي للمسرح

إشكالية الكتابة النصية لمسرح الشارع.. في الاحتفاء باليوم العالمي للمسرح

العدد 658 صدر بتاريخ 6أبريل2020

مرّ الاحتفاء باليوم العالمي للمسرح ولأول مرة وسط الأحزان والقلق والخوف من المجهول الذي ستأتي به الأيام القادمة، فجاءت معظم رسائل المسرح حزينة ، وقابضة، في ظل الظروف الراهنة التي يواجهها العالم، في مواجهة فيروس كرونا، ولهذا دشن نخبة من المسرحيين المصرين والعرب أعضاء ملتقى مسرح الشارع، بإقامة ندوة  بعنوان “ إشكالية الكتابة النصيّة لمسرح الشارع” عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك في يوم المسرح العالمي، واستمرت النقاشات حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني، تتضمن مداخلات لعدد كبير من المسرحيين من النقاد، والمخرجين والباحثين ومديري بعض المهرجانات ومختلف العاملين  في الحقل المسرحي، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين، من مختلف البلدان.
أدار النقاش الدكتور بشار عليوه ، والذي أكد على أن الهدف الأساسي من الندوة الفكرية الافتراضية بطابعها الاحتفائي , هوَ تبيان ما تُعانيه المُمارسة المسرحية في مسرح الشارع خصوصاً في المشهد المسرحي العربي عموماً , من نقص واضح في عديد النصوص المسرحية المُخصصة لعروض هذا المسرح رُغمَ أهميتهِ وتأثيرهِ المُباشر مع ما يُمكن أن يُحققهُ من أهداف معرفية لانهُ الوحيد الذي يعني أن تذهبَ بالمسرحِ الى الناس حيثما يتواجدوا .
مشيرًا إلى أن محاور الندوة ستطرق إلى عدة بنود وهي نُدرة النصوص المكتوبة خصيصاً لمسرح الشارع ؟ ، ولماذا يعزف الكُتاب المسرحيين في العالم العربي عن تأليف النصوص لمسرح الشارع ؟
إبراهيم الحسيني: الكتابة لمسرح الشارع يجب أن تحوى على قضية اجتماعية
وبدأت الندوة بمداخلة للكاتب والناقد المسرحي المصري إبراهيم الحسيني والذي أكد على  أن كتابة نص مسرحي لفضاء الشارع يتطلب بالضرورة في معظم الأحوال احتواء النص على قضية اجتماعية، تهم فئات الناس المختلفة، سواء كانت مثارة في وقت تقديم العرض إعلامياً ، أو غير مثارة ولكنها حـيـوية لـدرجـة تجـعـلها جذابة ومحط لأنظار الجميع .
وتابع “الحسيني” قائلاً:”إلى أن مثل هذه القضية هو ما سيجعل المتفرج يقف تاركاً ما هو ذاهب إليه ليُـعطي لك بعضاً من وقته ، وربما يتتبعك إلى كل الأماكن التي يذهب إليها العرض داخل فضاء الشارع وبالطبع مثل هذا النص لا يشغل نفسه بوجود إرشادات للإضاءة ولا لدخول وخروج الممثلين كما هو في المسرح الأرسطي ؛ فأدوات العرض هنا تختصر نفسها في الممثل بأدواته المختلفة الداخلية والخارجية ونص يتميز بشكل مفتوح / غير مغلق في بنيته ، نص يسمح بوجود مساحات منقوطة داخله مما يتيح للممثل ممارسة الارتجال والاحتكاك مع جمهور الشارع بإيقافه، والتحدث إليه، وإشراكه في المشكلة أو القضية التي يطرحها العرض، فمحاولة التمرد والخروج بالمسرح للشارع لابد وأن تستلزم تمردا موازيا في كتابة النص المسرحي الملائم لذلك عليه، إذاً هناك خطة أو مشروع لنص مسرحي غير مكتمل يحتوي على قضية هامة أو مُـثارة إعلامياً لها جاذبية عند مناقشتها أمام الجميع، ويمكن من خلال إثارتها توريط متفرج الشارع بالمشاركة داخل العرض.
مضيفًا :”أن كتابة نص مسرحي يقدم في فضاء مفتوح لمكان أثري يختلف قليلا عن نص مسرحية الشارع من حيث وجود جغرافيا لها ملامح محـددة داخل المكان الأثري يمكن توظيفها عند كتابة النص المسرحي، وانتفاء وجود مثل هذه الجغرافيا في مسرحية الشارع ؛ فجغرافيا الشارع أجساد المتفرجين ، الرصيف ، أعمدة الإنارة ، البيوت ، … وهذا كله متحرك بالنسبة لتحرك الممثل في حين أن جـغـرافـيا المكان الأثري سواء كان ذلك المكان معبداً قديماً ــ كمعابد الأقصر وأسوان ــ أو بيتاً أثرياً كبيوت زينب خاتون ، الهراوي ، السحيمي بالقاهرة”.
• عامر المرزوق : لابد من الاهتمام بالتنظير لنصوص مسرح الشارع
ومن جانبه أكد الدكتور عامر صباح المرزوق من العراق على أننا في البداية يجب علينا الاعتراف أن الكثير من المسرحيين العرب لا يزالون لا يعترفون بأهمية مسرح الشارع ودوره وتداوله وانتشاره في أنحاء العالم كافة، وهذا بدوره قد أنعكس على ظاهرة التأليف المسرحي لمسرح الشارع وكتابة نصوص له، وفن الارتجال كان هو المساعد والساند الأكبر لمسرح الشارع في بداياته العربية على الأقل، ومن ثم بدأوا الكتاب يكتبون النصوص التي أيضًا يكون الارتجال جزء كبيراً منها، وعليه لابد من الاهتمام بالتنظر للنص المسرحي والحاجة الملحة له اليوم على وفق انتشار نشاطات مسرح الشارع كعروض ومهرجانات وورش وندوات . مضيفًا:” تكمن اشكالية الكتابة لمسرح الشارع لكونه يقدم في مكان عام ولذلك يكون عرضه لتدخل الجمهور والتفاعل معه دون قيود رسمية وهذا يدفع المشاركين في احيان كثيرة الي الارتجال .
عزة القصابي: لابد من وضع أطر عامة للكتابة لمسرح الشارع
وفي سياق متصل أكدت الناقدة والباحثة المسرحية العمانية الدكتورة عزة القصابي على أهمية التنظر لمسرح الشارع مثلة مثل أنواع المسرح، مشيرًا إلى أنه لابد من وضع أطر عامة للكتابة وتحديد محاور معينة وهذا التاطير سيحدد الملاح العامة لهذا المسرح كما  سيساعد الجمهور على فهم رسالة العرض .
 فيما قال الفنان التونسي نزار الكشو :”أظن أن كاتب النص المسرحي يكون مواكبًا للفريق أو حتى عنصرًا من المجموعة حتى يكتبه حسب خصوصية المكان والزمان والحدث, وأعتقد أننا في أمس الحاجة الآن لتعديل بوصلتنا لأركان العرض المسرحي، والبحث عن مفردات وتيمات تساهم في بناء المعمار المفهومي لعناصر عرض مسرح الشارع بما فيه الكتابة النصية اللفظية وغير اللفظية وحتى الإيمائية”.
•    الدكتور أحمد عبد الأمير: مسرح الشارع يعاني في كل مكان والبعض يرونه من أرخص الفنون
فيما أكد الفنان المسرحي العراقي الدكتور أحمد محمد عبد الأمير على أن مسرح الشارع يُعاني في كل مكان غربية وعربية فهو واحد نسبيًا مع الفرق البسط ، اَي فقر التقييم والاهتمام كونه من أرخص الفنون تقنيًا ولا يحتاج الى كلفة ادائية وإنتاجية وتقانية ولا يوجد نصوص حسب علمي مكتوبة أو مترجمة مخصصة لفن الشارع،  فالإشكالية واحدة وسبب ذلك يعود لتغير الحياة وتعقدها ونظرة الفنان والشارع لقيمته الفنية .
 مضيفًا:” أن القضية الأخرى المهمة أن الكتابة لمسرح الشارع لها خصوصيه أدائية، باعتبارها عمل جماعي، والكتابة تشمل شرح الحركة والفعل وهذا ينفي أعراف الكتابة التقليدية وخصوصية التأليف الفردي لهذا أرى أن النص المكتوب لمسرح الشارع يجمع ما بين وصف الحركة والفعل وهو أقرب إلى وصف “السيناريو” يضاف لها الحوار الجماعي ، يصبح هذا النص يشتمل على السيناريو والحوار أي من الممكن اعتباره نصًا دراميًّا مكتوبًا  للشارع وممكن اقترح أيضا عنوانًا له “دراما الشارع”.
فيما قال الفنان حسام مسعد :” أرى أنى الإشكالية التي هي موضوع حديثنا تكمن في إيجاد آلية تسويقيه لنشر هذا المنتج الثقافي التوعوي الذي اقتحم المتلقي المهمش الفقير وناقش قضاياه اليومية، لذا إن وجدنا الآلية التسويقيه للنص وعلي غرار ما قام به صناع مسرح الشارع من تسويق لمنتجهم المسرحي بذهابهم للعميل المستهدف “المتلقي” بقصد اشراكه في عرضهم المسرحي حتي يصل هذا المتلقي لغايات دلاليه ذات قيم إنسانية , إنني أرى أن هذه الآليه التسويقيه التي نريدها هي إجراء مسابقات للكتابه النصيه لمسرح الشارع في المهرجانات المختلفه لعروض مسرح الشارع وتشجيع الكتاب الشباب حتي نستطع خلق جيل جديد للكتابة النصيه في مسرح الشارع وإن كنت اميل لفكرة الإرتجال الذي يتم تدوينه كنص أولي.
وأشار المخرج المسرحي المصري عمرو قابيل إلى ضرورة طرح التساؤل عن مواصفات الكتابة لمسرح الشارع كما يجب التفريق بين الكتابة “كعمل أدبي بالأساس” والعرض المسرحي “كعمل فني” سواء كان مسرح شارع أو مسرح حجرة أو مسرح علبة فهل الكاتب المسرحي بالأساس عند كتابته لأي نص يختار نوع المسرح الذي سوف يقدم فيه؟؟
متسائلاً :”هل كان شكسبير مثلا يتصور أن نصوصه من الممكن أن تقدم داخل قاعات لمسرح الحجرة ؟؟ ، لذلك فإن رأيي أن الأساس هو الرؤية الفنية لمسرح الشارع وإدراك أهميته وقيمته النوعية والمهارات التي يتطلبها خاصة مهارات التواصل والارتجال وأي نص من الممكن وفقا للرؤية الإخراجية أن يتحول لمسرح شارع , لكن أعتقد أن تراجع الاهتمام بهذا المسرح النوعي الهام، والذي من - وجهة نظري - يقدم حالة غنية جدا ترتبط ارتباط وثيق بفلسفة المسرح من حيث التحامه الحقيقي والفاعل مع الجمهور يرجع لعدة أسباب منها لها علاقة بالأنظمة الحاكمة في بعض الدول التي تدرك خطورة تأثير هذا المسرح على الجماهير وأيضاً هناك أسباب تتعلق بثقافة المهرجانات العربية الجديدة التي بدأت تتغير، وأصبحت تعتني بالشكل عن المضمون لدرجة أن صارت 90 ? من المهرجانات المسرحية نسخة واحده بلا أي تنوع أو خصوصية أو طرح لأفكار واتجاهات ورؤى جديدة ومغايرة فالجرأة ورفع سقف الحريات واقتحام بعض المهرجانات لعوالم أخرى أكثر رحابه وعدم التقليد الأعمى، أظنه سيفتح الباب أمام ارهاصات كثيرة من ضمنها كتابات وتجارب لمسرح الشارع.
ومن جانبة أشار الدكتور طارق عمار , على أن أزمة ندرة النص المكتوب خصيصًا لمسرح الشارع أنها تنبع فى الأساس من اعتبار الشارع فضاء مسرحى بديل عن العلبة الايطالية، وليس فضاءًا أصيلا لاحتضان عرض مسرحى، وتعتمد عروض الشارع على الآنية والتفاعلية إلى جانب خصوصية الشارع نفسه فشارع ببغداد لن يكون كشارع فى امستردام مثلا هنا يحجم المؤلف عن الكتابة نظرًا لاحتياج العرض إلى وضع إطار عام للقضية المطروحة وإطار خاص يراعى خصوصية الشارع نفسه مما يحرمه فرصة بناء شخصياته وأحداثه .
متابعًا :” أرى أن الخطوة الأولى هى التأصيل لدراماتورجيا الشارع كمدخل يصل بنا فى النهاية إلى نص يتسم بالمرونة والتفاعلية اللازمين لتقديمه داخل فضاء الشارع كفضاء مسرحى أصيل وليس بديلا عن العلبة.
وأكدت الناقدة المسرحية المصرية شيماء توفيق على ضرورة تخصيص مساحة لكل ما يخص مسرح الشارع في إطار الفعاليات الخاصة بالمهرجانات والملتقيات التي تقام في وطننا العربي مستندين على أرضية ثابتة كون مسرح الشارع هو نواة المسرح عمومًا، وكونه يلقى ترحيب من رجل الشارع العادي.
 فيما أشار الفنان الموريتاني محمد صلاح شامخ إلى أن اشكالية كتابة مسرح الشارع وندرتها تفتقر أولاً لاهتمام العامية ولربما يعود ذلك إلى عدم معرفة هذا النوع من الفن بشكل واضح وأوسع لدى الجمهور المتلقي وهو ما أتفق فيه مع أحد المتدخلين في أنها بحاجة أولا لترويج هذا الفن الراقي لدى الساحة الثقافية بشكل أكبر.
متابعًا :” كما أن الكتاب المسرحيين في الآونة الأخيرة قد تعودوا على مسرح العلبة أو الفضاء المغلق مما شكل لديهم حد من العزوف الفكري أوما نسميه لدينا في موريتانيا ب “أغداج” على غرار المخرجين ذروة العرض وهو ما ولد لدى المتلقي هذه العدوى .وشهدتْ الندوة مُداخلات لعدد آخر من الفنانين والباحثين العرب منهم الدكتور حسين علي هارف من العراق والدكتور سناء فرح من الجزائر… وآخرين .
وأشار المخرج والناقد المسرحي العراقي الدكتور ياسر البراك , إلى أن عزوف الكاتب المسرحي العربي عن الكتابة لمسرح الشارع – مع استثناءات نادرة – يرتبط بمفهوم الحرية في عالمنا العربي لأن المسرح في بلادنا “مؤسسة رسمية” بما فيها الفرق الأهلية المستقلة التي تحصل على إعانات إنتاجية من بعض الحكومات العربية، ولأن مسرح الشارع نشاط غير رسمي بمعنى انه نشاط متمرد على الفرجة المسرحية المحصورة في القاعات المغلقة “العلبة” .
فيما حدد الفنان المسرحي العُماني إدريس النبهاني رؤيتهِ حول إشكالية الكتابة لمسرح الشارع حيث قال:” ربما يرى البعض أن وجود النص المكتوب على مستوى الاشتغال المسرحي لمسرح الشارع يعد حاجز فاصل بينه وبين التفاعل مع المتلقي، ومنها فإن الارتجال في صنع المشهدية المسرحية يكون هو الحل بالنسبة للممثل وهذا لربما يولد اشكالية لدى الكتاب بحيث ان الممثل للنص لربما يغيب روح الفكرة المكتوبة بغية خلق تفاعل مع المتلقين، وبالتالي يمكن أن يكون هو سبب من الأسباب التي تضاف إلى عزوف العديد من بناة الأفكار الكتابية للمسرح من التوجه لكتابة نصوص لمسرح الشارع،  وهنا لابد وأن أشير إلى تجربتنا في السلطنة حول حضور نص مسرح الشارع من خلال المسابقة التي ننظمها ضمن مهرجان الدن الدولي فمن خلال ثلاث دورات سابقة تبين جليا أن هناك شبه أشكالية لدى الكاتب في في طرحه لأي نص خاص بهذا النوع من المسرح حيث نلاحظ التقاطع الواضح في فن الكتابة لمسرح الشارع وباقي النواع من الكتابة الدبية للمسرح”.

 


سمية أحمد