إرهاصات المسرح في الإسكندرية في القرن التاسع عشر(2) أولا: المسرح الأوربي وأعمال الجاليات الأجنبية

إرهاصات المسرح في الإسكندرية  في القرن التاسع عشر(2) أولا: المسرح الأوربي وأعمال الجاليات الأجنبية

العدد 657 صدر بتاريخ 30مارس2020

حول بدايات المسرح الأوروبي بالإسكندرية في القرن التاسع تحدثنا في الجزء السابق من هذا المقال فاستعرضنا أولا العروض المسرحية للفرق الأوروبية المحترفة الزائرة للمدينة في القرن التاسع عشر والتي كانت تقدم عروضها للأجانب المقيمين بالثغر. وفي هذا الجزء الثاني نقدم عرضا لفرق الهواة والجمعيات التي أنشأها الأجانب سواء الفرنسيين أو الإيطاليين. ثم نتوقف عند المسرح المدرسي في ذلك الوقت, ثم نختمها بالتعرف على دور العرض (المسارح) الموجودة في الإسكندرية في القرن التاسع عشر نظرا لأهميتها بعد ذلك في استضافة الفرق الشامية والمصرية على خشباتها والتي مثلت جزءا من بدايات فن المسرح في مصر والتي سوف نعرض لها فيما يلي من مقالات بإذن الله.

مسرح الهواة الأوروبيين
 إضافة إلى المسرح الاحترافي كان هناك بالإسكندرية أنشطة درامية متعددة للهواة من الجالية الأجنبية, منها:
في إبريل عام 1873 كان هناك مشروع لتأسيس جمعية درامية بالإسكندرية لتقديم أربعة وعشرين عرضا سنويا في مسرح جديد في قاعة ميدان البورصة وكان هذا المسرح مستخدما في عام 1872.
تكونت جمعية من الهواة باسم (جمعية باولو فيراري لهواة الدراما) نسبة إلى الرائد المسرحي  المعاصر باولو فيراري, وقدمت أول عروضها في مسرح قاعة ميدان البورصة في إبريل 1873 في اليوم التالي لعرض الجمعية السابقة. وقد عملت جمعية فيراري عدة سنوات وقدمت في فصل الشتاء عدة حفلات شهرية باللغة الإيطالية.
تشكلت جمعية (الشباب محبي الدراما) من الإيطاليين في أغسطس 1874 وخططت لتقديم مسرحيتين بالبورصة.
في يناير عام 1876 كان هناك مشروع لتشكيل رابطة مسرحية جديدة بالإسكندرية هي (جمعية محبي الدراما المصرية) لتقديم عروض بالإيطالية والفرنسية. وقد بدأت  أول عروضها في سبتمبر 1877.
قدمت جمعيتان جديدتان كانتا نشيطتين في عام 1876 عدة مسرحيات إيطالية وهما  (اتحاد جماعة محبي الدراما), (جمعية محبي الدراما المتحدة).
كما قدمت في منتصف هذا العقد عروض مسرحية للهواة في المناسبات في ملتقى جديد وهو (نادي انترناشيونال) بالرملة بالإسكندرية.
تشكلت في فبراير 1877 جمعية (محبي الدراما) تحت الرئاسة الشرفية للقنصل الإيطالي وكان لها صالونها الخاص الذي تتم فيه عروضها وعملت بانتظام حتى عام 1879.
أما أول جمعية مسرحية إنجليزية في الإسكندرية فهي (نادي الإسكندرية للهواة المسرحيين) والذي بدأ عروضه بمسرحيات مؤداه بالإنجليزية في مايو 1879.

المسرح المدرسي
كانت المسرحيات التي تعرض في وقت الامتحانات جزءا أساسيا من احتفالات توزيع الجوائز في المدارس بين الجاليات الأجنبية والمحلية ومنها على سبيل المثال في أغسطس 1846 عرض تلاميذ مدرسة (أخوات سان فينسان دي بول) مسرحيتين قصيرتين بالفرنسية تحت رئاسة أسقف الكاثوليك والقنصل الفرنسي.
وفي صيف عام 1871 قدمت مسرحيات بمدرسة (دير الإخوة الفرنسية) حيث عرضت كوميديات وتراجيديات في المناسبات.
في أغسطس 1872 عرضت تلميذات مدرسة (أخوات الرحمة الداخلية) بالإسكندرية مسرحية (أثالي) لراسين.
قام تلاميذ معهد (كيريوني) بالإسكندرية في أغسطس عام 1878 بتمثيل مسرحيات بالفرنسية والإنجليزية.
قدمت المؤسسة الفرنسية للبنات الخاصة بمدام (شوفي) في أغسطس عام 1878 مسرحية كوميدية في حفل تسليم الجوائز . كما قدمت نفس المدرسة بعد عامين في أغسطس عام 1880 مسرحية كوميدية أيضا في حفل تسليم الجوائز.
أما طلاب (كلية القديسة كاترين) فقد بدأت في عقد جلسات أدبية منتظمة  في عام 1879 حيث عرضت مسرحيات بالإيطالية والفرنسية وفي حفل تسليم الجوائز في أغسطس 1880 قدمت مسرحية غنائية قصيرة. وفي فبراير 1881 قدم التلاميذ أمسية مسلية تكريما لراعي الأرض المقدسة وكانت من مواد البرنامج مسرحيات هزليتان, إحداهما بالإيطالية والأخرى بالعربية بعنوان (أبو نواس) عن الشاعر العباسي المشهور.
عرضت (المدرسة المسيحية الداخلية) بالرملة بالإسكندرية مسرحية في حفل توزيع الجوائز في أغسطس عام 1879 أمام أثرياء المدينة وفي يوليو من العام  التالي قدم عرض آخر , وفي أغسطس من عام 1881 قدمت هذه المدرسة والتي عرفت بمدرسة (الفرير) مسرحية فرنسية في حفل توزيع الجوائز.
قدمت بنات مدرسة « المدارس الحرة المجانية» (إيكول ليبر جراتوت)  مسرحية كوميدية في عيدهن في ديسمبر 1879.
كما قدم تلاميذ مدرسة «لازاريست كوليدج» (كلية أتباع أليعازر) بالإسكندرية عرضا دراميا في حفل توزيع الجوائز في يوليو 1880. ثم قدموا عرضا كوميديا  وأوبراكوميك في مايو 1881. ثم قدموا في يوليو من نفس العام مسرحية غنائية قصيرة.
عرضت مدرسة البنات ألعازرية بالإسكندرية مسرحيات في حفل توزيع الجوائز بمدرسة دار الأيتام في  أغسطس 1881.
في المدرسة (التوينية) في المنشية بالإسكندرية مثلت مسرحيات ومحاورات في سبتمبر 1881 في احتفال نهاية العام الدراسي.
في 1/8/1890 مثلت مدرسة الأمريكان للبنات بالإسكندرية رواية (المريض الوهمي).
هذا فقط ما تم رصده من أنشطة مسرحية بالمدارس من خلال الوثائق والمصادر والمراجع المتاحة, لكن من المؤكد أنه يضاف إليه الكثير من الأعمال والأنشطة المسرحية التي لم ينشر لها أخبار أو إعلانات في أي وثيقة أو جريدة أو مجلة.  

المسارح (دور العرض) بالإسكندرية
- المسرح الأوروبي: كان مقابلا لقصر (كونت زيزينيا). أعلن عن إعادة افتتاحه ( ولا يعرف تاريخ تأسيسه) في 25 يونيو 1859, كان قد أعيد بناءه كليته وطلاءه وإنارته بالغاز. وأول عرض قدم فيه كان من الرقصات القومية الإسبانية وقدمه الراقصتان الأوليان بالمسرح الملكي بمدريد.  وقد دمرته النيران بعد ذلك, وظل الممثلون حتى عام 1862 يقدمون أعمالهم في حجرات جمعية أدبية قرب سوق الأوراق المالية.
- مسرح زيزينيا (دار الأوبرا): بنى في شارع (لابورت دي روسيتي) عام 1862, وتم افتتاحه في ديسمبر 1864, وكان مسرحا فخما , وقد شيد على (أفوسكاني ) لأجل القنصل البلجيكي (كونت ميناندر زيزينيا), وكانت خشبة المسرح واسعة جيدة التنسيق وتسمح بعروض الأوبرا الكبير وكان المسرح يتسع لألفي متفرج. وسرعان ما أصبح مسرح زيزينيا أهم مسرح في المدينة يعرض فيه معظم الفرق المتنقلة. وقد ظل مسرح زيزينيا نشيطا في تقديم عروض المسرحيات الفرنسية والأوبرا الإيطالية في فصلي الشتاء والربيع خلال العقد الثامن من القرن التاسع عشر, وفي الشتاء عندما لم تكن هناك فرقة منتظمة تظهر على المسرح, عرضت مجموعة من الهواة فيه. وبحلول عام 1877 كان يغلق أوقاتا متتابعة, وفي العقدين الثامن والتاسع لم  تكن هناك فرق مسرحية تستمر أوقاتا طويلة وكانت العروض المسرحية دون المستوى. وكان آخر عرض فيه قدمه الشقيقان أمين وسليم عطا الله من خلال جوق التمثيل العصري الجديد  مسرحية (ضحايا باريز) أو (الرجل الجهنمي) في عام 1909, ثم توقف نشاطه واشتراه الأمير يوسف كما في عام 1912, وظل مغلقا حتى تم هدمه في عام 1918.  وقد بني بعد ذلك مكانه تياترو (كلوب محمد علي) لصاحبه اللبناني بدر الدين قرداحي بك بعد أن اشترى الأرض الخاصة به, وتغير اسمه إلى مسرح سيد درويش منذ عام 1962 وحتى الآن, وهو تابع  حاليا لدار الأوبرا المصرية.
- مسرح (فيتوريو ألفييري): كان مسرحا صغيرا يقع في الطابق الأول من منزل بشارع (أناستاسي), استغلته مجموعات مسرحية إيطالية وقدمت عليه عروضا كوميدية وموسيقية. وفي شهر نوفمبر 1877 أصبح معروفا باسم (تياترو جولدوني).
- بحلول عام 1865 كان هناك ثلاث مسارح على الأقل بالإسكندرية بخلاف مسرحي (زيزينيا) و(فيتوريو ألفييري) بالشارع الجديد, منهم مسرح (روسيني) بطريق النزهة وافتتح في ديسمبر 1864, وكان يطلق عليه من قبل (مسرح المنوعات) وكان يتميز بالبناء الخشبي المزين بشكل رشيق. وكان متخصصا في عرض الأوبرا لإيطالية وقد ظل لبعض الوقت أنشط مسرح بالإسكندرية. وهو ملك (كونت ديباني) وكان أحيانا يستقبل فرقا للهواة في فترات الركود. وكذلك مسرح (فيتوريو إيمانويلي) بشارع المسلة, وكان على الأقل مسرحان من هذه المسارح يغلقان أبوابها في وجه الجمهور ستة أشهر في السنة.
- كان بالإسكندرية حينها مسارح أخرى أصغر مثل (جراند كازينو) بميدان محمد علي, حيث يمكن للمرء أن يرى كل مساء فنانين فرنسيين وإيطاليين يعرضون الرقصات والأوبرات والأوبريتات والقصائد والأغاني الكوميدية. وحتى عام 1875 كان لا يزال يقدم مسرحيات من نوع الأوبرا كوميك ومسرحيات غنائية قصيرة مضحكة وفودفيل. وبحلول عام 1877 أصبح جراند كازينو مجرد مقهى غناء  ومقهى وضيعة للرجال فقط.
- وبمقهى باريس الكبير بشارع (أناستاسي) كان الفنانون الفرنسيون  والإيطاليون يقدمون حفلات موسيقية كل مساء. وبمسرح آخر مسرح (لوكسمبورج) للحفلات الموسيقية الذي كان يعرف سابقا باسم مسرح المنوعات. وفي نفس الشارع كان مغنون من فرنسا وإيطاليا يعرضون كل مساء.
وهناك مقهى آخر لتقديم الحفلات الموسيقية هو (البوفيهات الفرنسية).
كان مقهى (السازار الغنائي) يقدم كل مساء مسرحيات هزلية وكوميدية  وعروضا صامتة وأغاني
- في العقد السابع كان عدد كبير من هذه المقاهي التي تقدم الأغاني قد خرج إلى الوجود في كل ركن وكل زاوية بالإسكندرية إلى أن أبطل القمار فيها, وكانت تلك المقاهي تجتذب السيدات سيئات السمعة.
- في عام 1872 افتتحت منشأة مسرحية أخرى بالإسكندرية أطلق عليها اسم (الكازينو), وهي التي كانت من قبل مقهى للغناء, واصبحت تعرض حينئذ مسرحيات هزلية وأعمالا أوبرالية وأوبرا كوميك.
- وفي مايو عام 1877 افتتح (تياترو لابوللو) بمقهى باراديزو وفيه كانت تعرض دراما وأوبرا إيطالية خلال فصل الصيف.
- كما أنشئ مسرحا جديدا في الهواء الطلق وهو مسرح (ألدورادو) الذي أسسه نانو في شارع ألدورادو وقد افتتح في الميناء في أكتوبر عام 1878, وكان المقهى القديم الحامل لهذا الاسم قد دمرته النيران.
- وقد ظهرت من عام 1879 قاعة جديدة منتظمة للعروض المسرحية والرقص ..إلخ, وهي صالة (ستوراري) بشارع (كولم) بالإسكندرية وكانت قد عرفت من قبل باسم (فيلو دراماتيكا).
- مسرح (بوليتياما): آخر مسرح بني في هذه  الفترة كان مسرح (بوليتياما) وذلك في إبريل 1881  بشارع العطارين  خلف مكتب البريد  النمساوي وكان هذا المسرح قد بني على طراز مسارح (بوليتياما) بباريس وفلورانسا ومدريد, وكان يستوعب ألفي متفرج وكان  من الممكن استخدامه كسيرك تعرض فيه ألعاب الفروسية  أو كمسرح للأوبرا والكوميديا.
تلك كانت إرهاصات لبدايات تعرف مدينة الإسكندرية على فن المسرح ورغم أنها كلها كانت مرتبطة بالأجانب وليس للمصريين علاقة بها لكننا لا ننكر أهميتها لكونها أول تأسيس لهذا الفن على أرض المدينة والتي يمكن أن يكون قد تعرف بعض المصريين على هذا الفن من خلالها, وكان ذلك قبل وصول فرق الشوام لوضع حجر الأساس لفن المسرح في مصر كما سيأتي ذكره في الجزء القادم.
المصادر:
- فيليب سادجروف, المسرح المصري في القرن التاسع عشر, ترجمة د. أمين العيوطي, سلسلة دراسات في المسرح المصري, المركز القومي للمسرح والموسيقى, 2007.
- إيطاليا والمسرح في مصر في القرن التاسع عشر, أ.د. سيد علي إسماعيل, جريدة مسرحنا, العدد 623 صدر بتاريخ 5أغسطس2019.
- تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر, أ. د. سيد علي إسماعيل, مكتبة الأسرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1998.
- تاريخ مسرح زيزينيا بالإسكندرية, أ. د. سيد علي إسماعيل, جريدة (مسرحنا) - عدد 469 - 8 أغسطس 2016.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏