بالإجماع: الموهبة وحدها لا تكفي والحل:استعينوا على صقل مواهبكم بالدراسة

بالإجماع: الموهبة وحدها لا تكفي والحل:استعينوا على صقل مواهبكم بالدراسة

العدد 648 صدر بتاريخ 27يناير2020

الفن موهبة لابد من أن تصقلها الصنعة، حتى تؤتي ثمارها، فالدراسة تمنح  الدارس خلفية ثقافية واجتماعية وسياسية وغيرها، تجعله يطور من مهاراته وتصقل موهبته. هذا ما اجتمع عليه الفنانون والدارسون، وما سوف نتعرف عليه من خلال آراء عدد منهم في هذا الاستطلاع حول الموضوع،  كما نحاول التعرف منهم على الفرق بين الأكاديمي والموهوب فقط دون دراسة.
في البداية يرى حازم شبل مهندس الديكور ان الفن موهبة وصنعة، و أن الموهبة بمفردها لا تستطيع ان تسند الفنان الذي يحتاج دائما إلي التجدد والتطور. كما انه لا يوجد أكاديمية في العالم تعطي للفنان كل المعارف والخبرات التي يحتاجها، ولكن أهمية الدراسة إنها تعطي المفاتيح وعلي الدارس ان يكمل ويطور. أضاف شبل: كما تكمن أهمية الدراسة أيضا في الاستفادة من الأساتذة الذين يمتلكون الخبرات المختلفة، فلسفية وفنية وأدبية ودينية وتاريخية، وهذا يعطى ثراء يستفيد منه الدارس.. ويقارن  شبل بين الدراسة هنا والدراسة في الخارج قائلا: ان أكاديمية الفنون في كل عصورها لديها أساتذة علي قدر كبير من الثقافة والريادة في معظم أقسامها ولكن ينقص المساحات العملية التي تعطيها للطلاب. فهي مساحات ضيقة جدا وبالتالي يلجأ الشباب إلي الورش أو المعامل الفنية التي تعطى لهم فرص اكبر للعمل ، وهذا ما تتيحه الأكاديميات بالخارج : توفير فرص العمل للخريجين في مختلف الفروع ، كما أن الأكاديمية هنا تتبع المنهج الروسي في تقييم الطلاب وهو منهج قاسي جدا تطور كثيرا في الأكاديميات في الخارج . وبالسؤال عن أسباب اختفاء نجوم الصف الأول  من الأكاديميين رد قائلا: موضوع نجوم الصف الأول خاضع لآليات السوق وليس الدراسة، بالإضافة إلي معايير أخري مثل القبول أو الكاريزما.. الدراسة الأكاديمية تستطيع ان تجعل من الفنان متذوقا يمتلك الخبرات المكثفة التي تشكل مداركه ووعيه ، والناقد الجيد هو من يستطيع ان يفرق بين الجيد والضعيف، و الفنان الموهوب ذو الخبرة والدراسة من غيره .. وضرب  شبل مثلا بمسرحية “المتفائل” التي قام بعمل الديكور لها ، مشيرا إلى أنه لولا لدراسة لما استطاع ان يقوم بدراسة المساحات الفارغة لخشبة المسرح واستغلالها كما فعل، وختم بقوله:  من الممكن ان يخلق الفنان الموهوب ديكورا رائعا ولكن الدراسة تجعل منه مبتكرا متجددا وبالتالي متفردا .
بينما تحدث الكاتب والناقد المسرحي الشاب إبراهيم محسن قائلا: الدراسة تعلم الفنان الذى يمتلك الموهبة كيفية تعليم و تطوير نفسه و كيفية البحث، بمعني إنني لم اعرف معني البحث العلمي إلا من خلال الدراسة الأكاديمية  وتعلمت كيفية الحصول علي المعلومة والبحث عنها وتحليلها ، وهذه هي أهم النقاط . من خلال الأكاديمية  أيضا نقوم بدراسة تاريخ الفن ..وهو ما لا يمكننا  الحصول عليه بهذا الترتيب وهذا العمق إلا من خلال الدراسة الأكاديمية.
و عن الفروق بين الفنان الذي يمتلك الموهبة و يحاول تثقيف نفسه وبين الفنان الأكاديمي من حيث المعرفة رد قائلا :غالبا الهواة يعملون بشكل ذاتي وفردي من خلال منظورهم وإحساسهم ورؤيتهم  بشكل مستقل،  اما الدراسة الأكاديمية فتعلم كيفية التعلم بشكل جماعي وممارسة العملية المسرحية أو الدرامية بشكل يغلب عليه التعاون، و العملية المسرحية تحتاج إلي العمل الجماعي،  ومثلما تكون هناك بصمة ذاتية للفنان أيضا هناك التعاون وتأثير الفنان في الفنان ، تلك النقطة لا يستطيع الفنان الهاوي الوصول إليها.
وقال الكاتب والناقد محمد القوشتي: الموهبة هي الشرط الأول لتميز اي فنان في كافة المجالات الفنية .ولكن يبقى السؤال..هل الموهبة وحدها تكفي أم ان الفنان أيا كان مجاله يحتاج للدراسة الأكاديمية لصقل موهبته؟ أجاب: ولعل نظرة سريعة عل تاريخ الفن المصري ..فنون الفرجة خاصة من مسرح وسينما ودراما تليفزيونية تساعدنا علي إيجاد إجابة شافية لهذا السؤال . فمع بداية القرن العشرين ومع ولادة جيل من المبدعين المصريين ..كتاب ومخرجين وممثلين ، نجد ان كل هؤلاء المبدعين تميزوا بمواهب فارقة ، إلا ان هذه المواهب لم تنضج وتصل الي مرحلة التوهج وتساعد علي حركة فنية هادرة إلا مع لجوء هؤلاء المبدعين إلي الدراسة الأكاديمية المتخصصة لصقل مواهبهم، جيل الرواد الأوائل من مخرجي السينما مثلا لم يكتفوا بما لديهم من مواهب وميول فنية .. استيفان روستى مثلا كان يتصعلك في أوروبا ويعمل راقصا محترفا و يقرر انه لن يستطيع بلوغ ما يرجوه من تميز ونضج فني إلا من خلال الدراسة، لذا يسرع بالالتحاق بنفس المعهد الذي يدرس به اثنان من زملائه المصريين وهما سراج منير ومحمد كريم ..وسرعان ما يعود هذا الثلاثي لمصر ليضعوا اللبنة الأولى للسينما المصرية. اما في المسرح فقد ظلت الفرق المسرحية طوال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تعتمد على النصوص المترجمة والمقتبسة من تراجيديات وفودفيل وفارص معتمدة على طرق تقليدية في التمثيل والإخراج وفنون العرض، ولكن مع ظهور جيل جديد من المبدعين الدارسين أمثال ذكر طليمات وفتوح نشاطي ثم سعد أردش تبلورت ملامح المسرح المصري الحديث .
إذن فالدراسة الأكاديمية تعد شرطا أساسيا ليس لتطور الموهبة الفردية فحسب ولكنها شرطا لتطور الحركة الفنية بصفة عامة .وربما تظهر مواهب فارقة تصل لحد العبقرية لم تنل حظها من التعليم والدراسة الأكاديمية مثل سيد درويش وعزيز عيد ونجيب الريحاني ..ولكن مع ذلك لا يمكن ان نغفل مقدار الخبرات الرهيبة التي اكتسبتها هذه المواهب خلال عقود طويلة من العمل في المسارح والصالات والفرق المسرحية المختلفة .وهي خبرات لا تقل أهمية بل وتوازي الدراسة الأكاديمية ..حيث ان الدراسة والخبرة العملية قد ساعدتهم علي اكتشاف نقاط القوة والضعف في شخصياتهم ووضعت أقدامهم علي الطريق الصحيح ..بينما نجد في نفس الوقت مواهب وعبقريات أهدرت وغابت في غياهب النسيان لان أصحابها لم يهتموا بالدراسة التي تصقل مواهبهم.
ويتفق مع هذا الطرح الدكتور الشريف منجود أخصائي البحوث بأكاديمية الفنون ورئيس مؤسسة الخان الثقافية الذي تساءل أولا :هل يمكن تعلم الفنون والآداب..هل تكفي الموهبة للإنجاز الإبداعي؟ وأجاب : هناك وجهتي نظر للإجابة علي هذا السؤال، احداهما يرفض وبشدة تعلم الفنون والدراسة الأكاديمية معللا ذلك بأن الموهبة كافية .وكم من المبدعين الناجحين اللذين لم يتعلموا في الأكاديميات المتخصصة ونبغوا. وعل الجانب الآخر نجد من يؤمن ان الموهبة ليست كافية وحدها وان الدراسة مهمة لصقل الخبرة والمعرفة وهما عنصران لا يستغني عنهما الفن والأدب.أضاف: وأنا أرى ان الدراسة الأكاديمية مهمة  لعدة أسباب، أولا :الموهبة هي نقطة البداية التي يعرف بها أي مبدع ان لديه ملكات وقدرات ليست لغيره، ولعل هذا هو دور الموهبة الأساسي في العملية الإبداعية :التنبيه، ان جاز لنا القول . ولولا الخبرة لما تقدم الفنان. نرى بدايات كل فنان في مجاله سنجده بعد سنوات من العمل والكد على موهبته شخصا آخر، بقدر ما درس وتعمق في مجاله. ثانيا: الدراسة الأكاديمية تخلق لدى الفنان رؤية و تأتي هذه الرؤية من خلال دراسته لتاريخ الفنون وتدقيق مسارها ليعرف كيف كانت تبني الرؤي وكيف يستطيع مبدعها غرسها في أعماله . ثالثا: الفنان بلا دراسة فنان بلا عمق، لا يستطيع الابتكار والتجديد والتطور .كما لا تحمل أعماله ما يشبع الجمهور الذي يسعى لتلقى ما هو جديد وما هو متفرد. تابع : ومع كل تلك الأهمية فإن المنظومة التعليمية الخاصة بالفنون والآداب أصابها خلل ، الرتابة و النمطية .. .فليس هناك مساحة كافية للإبداع، هناك آفة أخري لا  يمكن إنكارها وهي الوساطة أو المحسوبية في الالتحاق بالدراسة، لذلك نجد كثير من غير الموهوبين يلتحقون بها ويستمرون.
فيما يرى الناقد والمخرج الشاب عصام سعد ان أكاديمية الفنون لها الدور الأكبر في دعم واحتضان المواهب من خلال الدراسة المتخصصة في كافة المجالات الفنية ، و أنه منوط بها إعداد وتأهيل الفنانين الذين يلعبون دورا هاما في تنمية المجتمع ثقافيا وفنيا . أضاف: انا خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد وهو الذي اصقلني بالدراسة المتخصصة وشكل وجداني كناقد وأفادني كثيرا في عملي الاحترافي سواء علي مستوي الصحافة كوني نائب رئيس قسم السينما في مؤسسة الأهرام او كمخرج مسرحي له العديد من التجارب الهامة بمسرح الدولة . وايضا على مستوي فرقة الأهرام المسرحية التي قمت بتكوينها 2014 .
بينما يرى الفنان مناضل عنتر المخرج ومصمم الاستعراضات ان الفنان الدارس هو الأكثر استفادة بسبب الخبرات التي يتلقاها والتي  تساعد في صقل الموهبة وذلك بدراسته للأجزاء النظرية والتقنيات وتجارب من سبقوه ، ويستطيع بها  ان يكون لدية تحليل ورؤية أوضح قائمة علي نظريات ومدارس مختلفة، كما يتشكل لديه منهجا للبحث العلمي بشكل علمي ودقيق. أضاف:   و في الحياة العملية نحتاج أيضا  إلي الخيال والموهبة في الأساس، فكم من أناس درسوا الفنون ولكنهم لم يمارسوها إطلاقا، بينما هناك موهوبين تعلموا من التجربة العملية،تابع عنتر:  والاحتكاك الاحترافي يصقل الفنان  أيضا ويساعد علي التعلم ،وليس شرطا ان يكون الفنان الأكاديمي  فقط هو من يمتلك الحلول، المهني أيضا  يستطيع ان يتعلم بنفسه ولكن بشرط ان يكون مطلعا ، و يستطيع تثقيف  نفسه مع الممارسة ،  والأكاديمي أيضا إذا كان غير مطلع أو مواكب للثقافات المختلفة فسيفقد كثيرا ..لان الفن يتطور دائما أسرع من أي وقت مضى .ويرى أخيرا ان الدراسة الأكاديمية هامة جدا بالإضافة إلي الممارسة والفرجة الدائمة والاطلاع علي الثقافات الأخرى،  لان الخيال يحتاج إلى وعي وثقافة واذا افتقد الفنان هذا الخيال لن يستطيع ان يقوم بإنتاج منتج ثقافي أو أدبي.
يتفق مع هذا الممثل والمخرج خالد العيسوي الذي يرى أن دراسة الفنون تمهد الطريق إلي معرفة الأساسيات والقواعد التي ينتهجها الفنان في تقديم منتجه الفني، .و أنه بدون الأساس يكون منتجه مشوهها .لأن الفنان الدارس يطبق القاعدة التي تستند عليها المدرسة الفنية في العمل ويبدع من خلالها في تقديم الشكل الفني، سواء كان في مجال التمثيل أو الإخراج أو الديكور أو الموسيقى أو الإضاءة ...الخ، كما  يستطيع الجمع بين أكثر من مدرسة فنية في عمل واحد يشكل واعي غير مخل بالقواعد الفنية المعترف بها. أضاف:  الفنان غير الدارس يقدم عمله الفني بشكل غير واعي بالقواعد والأسس الفنية وبالتالي يخرج المنتج الفني مهلهلا .. تابع:   الدارس للفنون يحتك بمدارس فنية مختلفة من خلال أساتذة درسوا في دول مختلفة ، فيكتسب خبرات وثقافات متعددة ومتنوعة . أما الدارس دون موهبة فيقدم منتجه الفني بشكل آلي يفتقد للحس والإبداع .عكس الدارس الموهوب الذي يقدم منتجه الفني بحس وذوق وإبداع.في حين  يقدم الموهوب غير الدارس منتجه فيه الإبداع والحس ولكن يقدم جماليات قد لا تتفق مع الأسس والمعايير الصحيحة . و عن أسباب اختفاء نجوم الصف الأول من الأكاديميين قال : ان ذلك  يعود إلى أسباب عديدة منها ان الاكاديمي قد لا تتاح له الفرص المناسبة للتألق ولفت نظر المنتجين  الفنيين . وايضا لاتجاه الفنان الي التدريس داخل الاكاديمية او السفر للخارج . أو  لامتهانه  مهنة اخرى بسبب عدم توفير الفن للمال الذى يحتاجه ، كما ان السوق الفني من وقت لآخر يحتاج لنوعية معينة من الفنانين تستطيع مواكبة متطلبات السوق.
فيما يقول الفنان والمخرج احمد السيد: في البدء كانت الموهبة، هي التي تقوم بخلق التواصل بين البشر.. بين الفنانين والجمهور ومن ثم قام الانسان بدراسة هذه الموهبة لكي يستطيع التواصل مع المجتمع الي ان اصبحت الدراسة هي الهدف الاساسي للفنون لكي نصل للجمهور،  فانفصلت الدراسة عن الموهبة ، واصبح تدريس الفنون اهم من التواصل مع المجتمع او مع الناس . أضاف: دراسة الفنون مهمة جدا لصقل موهبة ما ،لأنها تجعله قادرا علي  ان يدير هذه الموهبة ويوجهها لكي يتواصل مع الجمهور ، وبالتالي تجعله قدرا علي التواصل مع شعوب اخرى و اظهار المعاني من وراء ما يقدمه، كما تعمل الدراسة علي تطوير الفن نفسه ،فالأكاديمية تساعد على تطور الفنون وتستطيع تخريج موهوبين قادرين علي ادارة موهبتهم يستطيعون التأثير في الجمهور او المتلقي ، لأن الفنان يكون واعي بالرسالة التي يقدمها للناس ، اما الموهوب بدون دراسة فتكون الموهبة هي المتحكمة فيه ، فيصبح من الممكن ان يقدم شيئا رائعا ومفيدا للمتلقي ويمكن ايضا ان يقدم لهم ما يضرهم. ، كذلك فالموهوب بدون دراسة لا يستطيع التواصل مع الثقافات الاخرى ، اما عن اسباب اختفاء نجوم الصف الاول من الاكاديميين فقال: ان دراسة الفنون هنا لا تواكب دراسة الفنون في العالم ولا تتطور بتطور الفنون في العالم وبالتالي اصبح هناك فجوة بين الكيان او مبني الاكاديمية علي سبيل المثال وبين الدراسة الاكاديمية. صحيح ان مبني الاكاديمية متطور وعلي احدث الطرز ولكن لا يوجد مادة علمية متطورة مع التطور الذى يحدث في العالم ..كما ان الدراسة الاكاديمية لدينا ينقصها الكفاءات والخبرات الاجنبية التي تستطيع ان تجعلنا مواكبين للفنون في العالم والتطور التقني الموجود ، و محليا هناك نماذج ناجحة من الكوادر ولكن  لماذا لا تقوم بالتدريس في الاكاديمية؟  مثلا الاستاذ خالد جلال .. للا يقوم بتطبيق ما يفعله من خلال الاكاديمية حتي يستطيع تخريج دفعات اكثر واعطاء فرص اكثر لأكبر عدد من الموهوبين؟ وكذلك الدكتور اشرف ذكي؟ ويكون هناك تخريج  لدفعات لأحمد السيد وتامر كرم ومازن الغرباوي ..الخ ..لابد من استغلال النماذج الناجحة للتدريس داخل الاكاديمية، وهناك نقاد على قدر كبير من التطور والثقافة ولكن لا يقومون بالتدريس داخل الاكاديمية، وكذلك ممثلين عظام وهكذا . لماذا لايكون هناك كورسات داخل الاكاديمية ليحي الفخراني او ماجد الكدواني او خالد النبوي ,لكي استفيد من خبراتهم وهم جميعا اكاديميين وناجحين عمليا..لماذا لم يتم استعادتهم للتدريس داخل الاكاديمية ونقل خبراتهم هذه الي الطلاب . وختم السيد بالقول :اتمني ان يكون هناك تغيير في المستقبل ومواكبة للتطور على مستوي العالم ،لأنه بدون هذا التطور يمكن ان تندثر وتختفي بعض الفنون ..


منار سعد